جزء كبير من رواتب شهر كانون الأول لم تُدفع.. هل فعلاً يعاني العراق من مشكلة في السيولة؟
انفوبلس/ تقرير
تأكيدات برلمانية واقتصادية عن وجود نقص في السيولة النقدية لدى الحكومة العراقية، تقابلها نفي من وزارة المالية مؤكدة التزامها بتمويل الرواتب، ليبقى الموظف العراقي ينتظر الحصول على راتبه الشهري لشهر كانون الأول رغم قرب انتهاء الشهر وكذلك العام 2024، فأين الحقيقة من ذلك ومن يصدق في القول؟
وشهد العراق أزمة سيولة نقدية كبيرة عقب تراجع أسعار النفط العالمية إثر جائحة فيروس كورونا، مما أدى إلى صعوبات واجهتها الحكومة العراقية في توفير النقد العراقي لسد الاحتياجات المترتبة عليها كرواتب الموظفين العموميين والنفقات التشغيلية.
*مصادر حكومية تؤكد!
تفيد مصادر حكومية رفيعة المستوى، بأن قلة السيولة المالية تسببت بتأخير صرف رواتب الموظفين لشهر كانون الأول، وذلك بعد تأكيد أن الموظفين في أغلب الوزارات لم يستلموا حتى اليوم، من بينهم وزارة التربية.
وتقول المصادر، إن الموظفين في أغلب الوزارات لم يستلموا حتى اليوم رواتب شهر كانون الأول الحالي على الرغم من قرب انتهاء الشهر، مشيرة الى أن قلة السيولة المالية وراء هذا التأخير، مبينة أن الموظفين كانوا سابقا يتسلمون رواتبهم في مواعيدها المحددة، غير أن الشهر الحالي شهد تأخيراً لأكثر من عشرة أيام.
يذكر أن وزارة المالية تدفع أجور شركات التمويل الذاتي ابتداءً من يوم 15 وكذلك لمنتسبي الوزارة والمصارف، فيما تطلق رواتب الوزارات الأخرى ابتداءً من يوم 23 من كل شهر.
وزارة المالية تنفي
نفت وزارة المالية، أمس الأحد، وجود نقص في السيولة لتمويل رواتب الموظفين للشهر الحالي، مؤكدة التزامها بتمويل الرواتب. وقالت الوزارة في بيان إن "المعلومات المتداولة عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتي تزعم الاعتذار عن صرف رواتب موظفي الدولة لهذا الشهر بسبب نقص في السيولة غير صحيحة تمامًا ولا تمت للواقع بصلة".
وشددت الوزارة – حسب البيان – على أنها "ملتزمة تمامًا بعملية تمويل رواتب الموظفين، حيث قامت دائرة المحاسبة بتمويل مستحقات الرواتب للوزارات والمحافظات والجهات غير المرتبطة لشهر كانون الأول الحالي وفق الجداول المحددة لكل منها، وهي تواصل جهودها لضمان استمرارية صرف المستحقات المالية دون أي تأخير أو انقطاع".
ودعت الوزارة وسائل الإعلام ومستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي إلى توخي الدقة والحذر في نقل المعلومات، والتأكد من مصادر الأخبار قبل تداولها، مشيرة إلى أن "أبوابها مفتوحة للرد على أي استفسار عبر القنوات الرسمية".
وبالحديث عن هذا الملف، ينفي عضو اللجنة المالية النيابية مصطفى الكرعاوي، تطمينات وزارة المالية بخصوص رواتب الموظفين، فيما يكشف عن وجود نقص في السيولة النقدية بشكل كبير جدا.
ويقول الكرعاوي، إن "العراق يمر بتحدٍّ كبير وخطير يتعلق بالسيولة المالية ورواتب الموظفين" مفنّداً بشكل جازم "تصريحات المالية التي تحدثت عن الترف المالي وتوفرِ السيولة النقدية، لافتا الى أن "الموظفين باتوا يتسلمون رواتبهم بفارق عشرة أيام عن الموعد المحدد في كل شهر مما يعني عدم وجود النقد الكافي لدى وزارة المالية لتمويل وزارات ومؤسسات الدولة".
ويحذر من أن "انخفاض سعر النفط بمعدل أربعة إلى خمسة دولارات سيزيد من نسبة العجزِ المسجل في موازنة العام الحالي". مشددا بالقول، إن "الدولة غير قادرة على توفير السيولة المالية اللازمة مستقبلا خاصة وأن أعداد الموظفين ترتفع سنويا".
ويعلق الخبير في الشأن المالي والاقتصادي نبيل جبار التميمي، على آلية معالجة الحكومة لأزمة نقص السيولة المالية والتي تسببت بتأخير صرف رواتب الموظفين.
ويقول التميمي، إن "وجود أزمة في السيولة بالعادة يكون نتيجة لواحد من سببين، أما لخلل في إعداد الموازنة التي عادة ما تكون تقديرية (واقعية) للإيرادات وتصميم النفقات استنادا للإيرادات"، موضحا "أو لسبب آخر وهو حدوث أمر ما عطّل تدفق النقود الى خزينة الدولة وتسبب في تغيير حجم الإيراد للدولة".
ويضيف التميمي، إنه "لا يمكن القول بوجود السبب الثاني، فالخلل الأساس هو بتصميم الموازنة وإدارتها خلال السنة، فموازنة الحكومة وضعت تقديرات إنفاق كبيرة تتجاوز حجم إيراداتها بكثير"، مستدركا بالقول، إن "هذا هو السبب المباشر الذي أحرجت به الحكومة نفسها من خلال هذا الحجم من الإنفاق في ظل ضعف تدوير الأموال داخليا ومنها الأموال النفطية والتي يتطلب تدويرها وتحويلها من دولار الى دينار الى وجود حوالات أكبر صادرة من البنك المركزي وتدوير ديناميكي للإيراد غير النفطي وتفعيل حساب الخزينة الموحد".
ويتابع الخبير في الشأن المالي والاقتصادي، إن "الكثير من الخطوات التي تستطيع من خلالها الحكومة توفير السيولة"، مشددا على أنها "لم تصل الى حد الأزمة الكبيرة بل أصبح تحديا مستمرا لها".
في حزيران 2023، أقرّ مجلس النواب العراقي الموازنة المالية العامة للبلاد لسنوات 2023 و2024 و2025، عقب سلسلة جلسات عقدها البرلمان. وتعتبر الموازنة المعتمدة، الأضخم في تاريخ البلاد، حيث تبلغ قيمتها نحو 153 مليار دولار لكل عام، مع تسجيل عجز مالي كبير يقدر بنحو 48 ملياراً سنوياً، وهو الأعلى حتى الآن ويزيد على أكثر من ضعفي العجز المسجل بآخر موازنة لعام 2021.
وفي حزيران 2024، أقر مجلس النواب الموازنة العامة الاتحادية للعام الحالي، وتضمّنت 156 تريليون دينار موازنة جارية، و55 تريليوناً للجانب الاستثماري موزعة بين الوزارات والمحافظات.
وكان أستاذ الاقتصاد الدولي، نوار السعدي، قد كشف مؤخراً، أسباب فشل السياسة النقدية في العراق، فيما بين الجهة التي تتحمل مسؤولية هذا الفشل. ويقول السعدي، إن "هناك عدة أسباب لفشل السياسة النقدية، منها التضخم الكبير في الإنفاق الحكومي، حيث يتجاوز الإنفاق الحكومي الإيرادات المتاحة، لذا تأثرت السياسة النقدية بزيادة الإنفاق على البنية التحتية والخدمات العامة دون توافر مصادر تمويل كافية".
ويبين، إن "السبب الثاني هو الاعتماد الكبير على الإيرادات النفطية حيث يجعل الاقتصاد العراقي عرضة لتقلبات أسعار النفط، مما يؤثر سلبًا على قدرة الحكومة على تنفيذ سياسات نقدية فعالة. بالإضافة إلى ضعف البنية التحتية المالية حيث يعاني النظام المصرفي والمالي في العراق من نظام تقليدي يفتقر إلى الحداثة في تقديم الخدمات المالية المتطورة، مما يجعل من الصعب على البنك المركزي تنفيذ سياسات نقدية فعالة بما يضمن الاستقرار الاقتصادي".
ويكشف، إنه "في حالة العراق، البنك المركزي في البلد هو الجهة المسؤولة عن وضع وتنفيذ السياسة النقدية، بما في ذلك تحديد سعر الفائدة وإدارة العرض النقدي، ومع ذلك، أيضا لدى الحكومة لها دور في تحديد السياسات الاقتصادية العامة التي قد تؤثر على السياسة النقدية، مثل الإنفاق الحكومي وسياسات التجارة الخارجية وغيرها".
ويكمل، إن "أبرز سلبيات وأخطاء ومشاكل السياسة النقدية في العراق، هو ان العراق يعاني الان من التضخم المفرط فهناك زيادة كبيرة في العرض النقدي والطلب في التضخم المفرط، مما يؤثر سلبًا على القدرة الشرائية للمواطنين ويضعف الاستقرار الاقتصادي، ناهيك عن العجز الحاصل في الميزانية كنتيجة لتفاوت الإنفاق والإيرادات، يواجه العراق عجزًا في الميزانية يتطلب تمويلًا إضافيًا من البنك المركزي أو الاقتراض الخارجي كما حصل في السنوات السابقة وخاصه فترات انخفاض النفط والحروب مع داعش، وبالطبع أيضا تقلبات سعر الصرف في السنتين الأخيرة لعبت دور كبير في عدم الاستقرار في الأسواق المالية وتأثير سلبي على الاستثمار والتجارة الخارجية".
وختم أستاذ الاقتصاد الدولي قوله: "أعتقد من الصعب تحديد الخسائر بدقة بسبب تعدد العوامل والتفاوت في التقديرات وايضا تضارب الأرقام من الجهات المعنية، ولكن يمكن أن تتضمن الخسائر فقدان الثقة في العملة، وتداول غير مستقر، وتباطؤ النمو الاقتصادي، وزيادة الدين العام نتيجة لعجز الميزانية وزيادة التضخم، كما يمكن أن تصل هذه الخسائر إلى مليارات الدولارات سنويًا، مما يجعل الحاجة إلى إصلاحات جدية في السياسة النقدية أمرًا ملحًا في العراق".
وفي تقرير نشرته مؤسسة "عراق المستقبل" المستقلة المعنية بالشؤون الاقتصادية مؤخرا، كشف عن أن العراق يُعد الدولة الأكبر بعدد الموظفين الحكوميين نسبة إلى مجمل القوى العاملة، بالاعتماد على دراسة أعدّتها منظمة العمل الدولية وبيانات المؤسسة.