سندات الخزانة الأمريكية.. كيف ازدادت خلال السنوات؟ هل يتم حسابها ضمن الاحتياطي أم خارجه؟
انفوبلس/بغداد
يستمر العراق، بتحويل احتياطيات من العملة الصعبة، إلى سندات أميركية، حيث تقترب السندات الأميركية، من تشكيل قُرابة نصف احتياطي العملة الصعبة للعراق، ويبدو أن حرص العراق على شراء سندات أميركية شهريًا وتحويل جزء كبير من احتياطياته إلى سندات، جاء مدفوعًا بمغريات الفائدة التي رفعها البنك الفيدرالي الأميركي، حيث ستكون أرباح العراق من السندات الأميركية التي اشتراها حتى الآن، أكثر من مليار دولار.
وأعلنت وزارة الخزانة الأمريكية، أن "العراق زاد من حيازته للسندات الأمريكية لأكثر من مليار دولار خلال شهر آب 2022، وذلك بعد علمية مماثلة في تموز", مؤكدة "حيازة العراق من سندات الخزانة الأمريكية لشهر آب من عام 2022 ارتفعت بمقدار 1.043 مليار دولار وبنسبة 3.02% لتصل إلى 35.630 مليار دولار بعد أن كانت 34.587 مليار دولار في شهر تموز الماضي”، مبينة أن ”هذه السندات ارتفعت عن نفس الشهر من العام ما قبل الماضي 2021 عندما كانت حيازة العراق من السندات تبلغ 18.9 مليار دولار".
وحقق العراق، أكبر شراء لسندات وزارة الخزانة الأمريكية، خلال شهر تشرين الأول 2022، منذ أكثر من 10 سنوات، ليكون بذلك أحد كبار الحائزين الأجانب، حيث ذكرت الخزانة في أحدث جدول لها، أن "العراق حقّق خلال شهر تشرين الأول من عام 2022، أكبر شراء لسندات الخزانة الأمريكية، بواقع 38 مليار دولار"، مبينة أن "قيمة هذه السندات ارتفعت بنسبة 86% عن قيمة السندات لعام 2021 وارتفعت بنسبة 76% عن عام 2020، كما ارتفعت بنسبة 16% عن عام 2019".
وتقدّم العراق مرتبة واحدة في كانون الأول 2022، من بين أكبر الحائزين الأجانب لسندات الخزانة الأمريكية، حيث جاء في جدول للخزانة، أن العراق صعد مرتبة واحدة ليصل إلى المرتبة 31 من بين الدول الأكبر حيازة لسندات الخزانة الأمريكية البالغ عددها 38 دولة مُدرجة بالجدول ضمن الدول التي تبلغ حيازتها لأكثر من 30 مليار دولار، وبلغت حيازة العراق من هذه السندات 37.968 مليار دولار لشهر تشرين الأول/2022، مرتفعة بنسبة 2.71 بالمائة عن شهر أيلول من عام 2022، ومرتفعة بنسبة 85.78 بالمئة عن نفس الشهر من العام الماضي 2021".
وحلّ العراق رابع أكبر دولة عربية بعد السعودية والإمارات والكويت، فيما جاءت اليابان على رأس الدول الأكبر حيازة لهذه السندات.
يُذكر أن أعلى حيازة للعراق لسندات الخزانة الأمريكية كانت في عام 2012، عندما وصلت قيمة السندات في ذلك العام إلى 48.3 مليار دولار، لتنخفض بعدها بنسبة 29% في عام 2011".
وُيصنّف العراق، بالمرتبة الرابعة ضمن أكبر الدول العربية من حيث قيمة السندات بعد السعودية والكويت والإمارات، فيما جاءت اليابان على رأس الدول بأكبر قيمة لهذه السندات، تليها الصين ثانيا والمملكة المتحدة ثالثا.
أهداف استثمار سندات الخزانة الأمريكية
علّق المستشار الاقتصادي مظهر محمد صالح، حول البيانات التي كشفت عن ارتفاع حيازة العراق من السندات الأمريكية، حيث ذكر في تصريح صفحي أن "هناك خلطا خطيرا في فهم العلاقات المالية الدولية للعراق، فضلاً عن الخلط بين السياسة النقدية والاحتياطيات المالية العامة وموازناتها".
وأضاف، أنّ "احتياطيات البنك المركزي هي موجودات نقدية أو مالية أجنبية توظَّف لاستقرار قيمة الدينار العراقي أو ما يسمى بغطاء العُملة الوطنية، لضمان استقرار القوة الشرائية للدينار العراقي، فهي ليست موارد للموازنة العامة في النهاية، بل هي موارد السياسة النقدية لحماية القيمة الخارجية للدينار العراقي، وتمثّل تلك الاحتياطيات الجانب المهم من المحفظة الاستثمارية للبنك المركزي العراقي".
وأوضح، أنّ تلك "الاحتياطيات من العملة الأجنبية تستثمر ضمن الميزانية العمومية للبنك المركزي العراقي، وفق أدلة الاستثمار القياسية الصادرة عن المؤسسات المالية الدولية متعددة الأطراف، ومنها فرص الاستثمار بالأدوات المالية القصيرة الأجل أو أشباه النقود كسندات الخزينة الأمريكية بسبب سيولتها العالية، والتي تُعد بالوقت نفسه ذات تصنيف ائتماني عال من الصنف (AAA)، ما يعني أن درجة الثقة والأمان فيها مرتفعة".
وتابع، أنّ "الأهمية في تطبيق أدلة الاستثمار على الاحتياطيات الأجنبية للبلاد تأتي لتمثّل الإدارة الصحيحة لاحتياطيات البلاد، والحفاظ على قوتها الشرائية الثابتة مع الحفاظ على سيولتها في آن واحد، من خلال تحقيق فائدة عليها كعائد جيد، علماً أن الفائدة الأمريكية آخذة في الارتفاع حاليا، وهي سياسة يمارسها البنك المركزي العراقي ضمن استراتيجياته القوية والناجحة، وتعد جزءا مهما من إدارة احتياطيات البلاد بالعملة الأجنبية التي تجاوزت اليوم 70 مليار دولار".
الفوائد متدنّية وتدعم الاقتصاد الأمريكي
أبدى خبير عراقي استغرابه، من قيام العراق بشراء سندات أمريكية بمليارات الدولارات، رغم الفوائد المتدنية لهذه السندات التي تبلغ 5 بالـ ألف، وفي الوقت نفسه يلجأ إلى الاقتراض الخارجي بفوائد تصل إلى 12 بالمئة، مشيرا إلى أن تسلسل العراق بشراء سندات أمريكية 31 عالميا ورابع عربيا.
وتساءل في تعليق، "هل يصدِّق أحد أن العراق يشتري سندات للمساهمة في سد العجز المالي الأمريكي!؟ وهذا الأمر من عجائب السياسة الاقتصادية، فهل يعقل أحد أن نشتري بالنقد للاستثمار في إنقاذ الاقتصاد الأمريكي، وفي الوقت نفسه نقترض منهم للإنفاق الاستهلاكي".
وأكد، أن "هذا مشابه بالضبط لما يحدث عندما يودِع الشحّاذ ماله عند الثري، على أساس أن لديه فائض مالي، وفي الوقت نفسه يقترض الشحّاذ من الثري وبشروط قاسية ومذلّة".
وتابع، "إليكم هذه الحقائق الصادمة.. اشترى العراق سندات أمريكية بقيمة إجمالية مقدارها 34.7 مليار دولار، وأن ما اشتراه العراق في العام 2019 فقط بلغ 10.2 مليار دولار، وهو بأشد ضائقة مالية و يستدين لتسديد رواتب موظفيه، ويقترض للإنفاق الحكومي المُنفلت".
وأوضح الخبير، أنه "بعد كورونا وانهيار الاقتصاد عالميا، فإن هذه السندات فقدت قيمتها بشكل كبير جدا، ولا يوجد مَن يشتريها حتى بخسارة كما حدث مع سعر النفط في العقود المؤجّلة"، لافتا إلى أن "مجموع قيمة السندات المُشتراة عالميا هو 6600 مليار دولار ويمثل أكبر كارثة للاقتصاد الأمريكي، لأنها تمثل ثلث اقتصاد الولايات المتحدة البالغ 20 ترليون دولار". وتساءل "هل توجد إجابة من الحكومة العراقية ومن البرلمان العراقي عن هذا السؤال المحيّر؟ ولماذا يشتري العراق سندات الخزينة الأمريكية بمليارات الدولارات بفوائد لا تُذكر وبنفس الوقت يقترض مليارات الدولارات بفوائد عالية؟ وهل نحن مُجبَرون على ذلك أم هذه السياسة مفروضة علينا؟".
سندات الخزانة الأمريكية جزء من الاحتياطي
نائب محافظ البنك المركزي، عمار حمد، قال إن "ارتفاع حيازة السندات، يعود إلى جملة من الأسباب وفي مقدمتها، الزيادة الكبيرة في احتياطيات البنك المركزي، وكذلك اتساع إيرادات تصدير النفط الخام، إلى جانب عدم وجـود قانون للموازنة لعام 2022، وبالتالي عـزّزت هذه الأمور من الاحتياطيات الأجنبية لدى البنك"، مضيفاً أن "آلية تراكم العوائد الـدولاريـة تُحتّم أن يتم إيداع جميع إيرادات النفط إلى حساب البنك المركزي لدى البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، بهدف ضمان استمرار استثمار هذه العوائد".
أما المستشار الاقتصادي والمـالـي لرئيس الـــوزراء مظهر محمد صالح، فقد أشار إلى أن "المحفظة الاستثمارية الأجنبية تتشكل من احتياطيات العراق الرسمية ومعظمها احتياطيات البنك المركزي وجزء منها احتياطيات الحكومة، وهذه المحفظة تشبه إلى حد كبير صناديق الثروة السيادية، لاسيما احتياطيات البنك المركزي، ويظهر هذا التقدم بفضل الاسـتـقـرار للقوة الشرائية للدينار، حيث تُستثمر هذه الاحتياطيات عادة بأدوات دين من ضمنها أدوات الدين لحكومة الولايات المتحدة وهي (سندات الخزانة الأميركية) التي تحمل فائدة مرتفعة تقارب 4% وتُعد عالية ومضمونة ومصنّفة تصنيفاً ائتمانياً عالياً وهي جزء من سياسة قديمة لتعظيم العوائد عن طريق الإدارة المُثلى للاستثمارات الأجنبية".