شركة أمريكية فاسدة تتولى تطوير حقلي نفط في العراق.. ماذا تعرف عن "هاليبرتون" وعلاقتها بديك تشيني؟

انفوبلس/ تقرير
أبرم العراق اتفاقيتين جديدتين مع شركة أميركية لتطوير اثنين من الحقول النفطية "المهمة"، وهما حقل نهر بن عمر وحقل السندباد، في خطوة تهدف إلى زيادة الإنتاج وتعزيز استثمار الغاز المصاحب، لكن ماذا تعرف عن شركة هاليبرتون الأميركية الفاسدة؟ وما علاقتها برجل الأعمال الأمريكي ريتشارد بروس "ديك" تشيني؟
لا يزال العراق بعد مرور 22 عاماً على الاحتلال الأمريكي، يعاني من تداعيات تأثير الولايات المتحدة على سياسته النفطية التي كانت متّبعة منذ تأميم النفط في الأول من يونيو/حزيران 1972، من الاعتماد بشكل كامل على الشركات الوطنية، ليُجبَر على نفوذ شركات النفط الأجنبية في العراق التي لم يستطع التخلص منها حتى الآن.
*توقيع الاتفاقية
ووفقًا لبيان طالعته شبكة "انفوبلس"، فقد أعلنت شركة نفط البصرة، يوم السبت 1 فبراير/شباط 2025، توقيع اتفاقيتي المبادئ وسرية المعلومات مع شركة هاليبرتون الأميركية، لتطوير حقلَي نهر بن عمر والسندباد.
وزعم مدير عام شركة نفط البصرة باسم عبد الكريم، أن هذه الاتفاقيات تمثل مرحلة جوهرية في عمليات التطوير؛ إذ ستُسلّم البيانات والمعلومات الخاصة بالحقلين جميعها إلى الشركة الأميركية لمناقشتها، ووضع النموذج الفني والاقتصادي الملائم لتطوير الإنتاج واستثمار الغاز المصاحب.
وأشار عبد الكريم إلى، أن خطط التطوير ستشمل دراسات معمّقة حول حقل نهر بن عمر والسندباد، إذ يُنتج الأول حاليًا 45 ألف برميل يوميًا، ويُتوقع أن يرتفع الإنتاج بعد التطوير إلى 300 ألف برميل يوميًا؛ ما سيسهم في زيادة إنتاج البلاد من النفط الخام.
حقول النفط في العراق
تُعَد حقول النفط في العراق ركيزة أساسية للاقتصاد الوطني، وتؤدي دورًا حيويًا في تأمين موارد البلاد المالية. وفي هذا الإطار، يأتي توقيع الاتفاقيتين لتطوير حقل نهر بن عمر وحقل السندباد ضمن مساعي الحكومة لتعزيز الإنتاج ورفع كفاءة استغلال الموارد النفطية والغازية.
وادّعى مدير تطوير الأعمال في "هاليبرتون" عمر الكاشف، أن هذا التعاون يمثّل خطوة مهمة نحو تحقيق إنتاج مستدام من خلال أحدث التقنيات الرقمية والتكنولوجية، بحسب ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.
ولفت إلى أن الشركة نفّذت زيارة ميدانية لحقل نهر بن عمر، كما تخطط لزيارة حقل السندباد خلال الأيام المقبلة؛ لوضع آليات التنفيذ وفق مراحل مدروسة تهدف إلى تحسين كفاءة الإنتاج وتحقيق الاستفادة القصوى من الموارد المتاحة
التطوير وفق نموذج "آي إف إم إس"
في سياق متصل، أوضح مدير هيئة الحقول ورئيس لجنة التفاوض كاظم عبد الحسن كريم، أن الاتفاقية تمهّد الطريق لتوقيع عقد تطوير الحقلين وفق نموذج "آي إف إم إس " (IFMS)، الذي يضمن بقاء شركة نفط البصرة المشغّل الرئيسي، في حين ستتولى هاليبرتون دور الاستشاري في إدارة المشروعات السطحية وتحت السطحية.
وأضاف كريم، أن حقل نهر بن عمر يتميز بخصائص جيولوجية معقدة، لكنه يحتوي على كميات كبيرة من الغاز الطبيعي عالي الجودة، فضلًا عن النفط الخفيف جدًا الذي تصل كثافته إلى 50 API؛ ما يجعله من الحقول الاستراتيجية التي يمكن أن تُسهِم في تحسين صادرات العراق النفطية وتعزيز مكانته في الأسواق العالمية.
والعراق، ثاني أكبر منتج للنفط الخام في منظمة أوبك بمتوسط إنتاج يومي، يبلغ 4.6 ملايين برميل يوميا في الظروف الطبيعية، بعيدا عن اتفاقيات خفض الإنتاج. كما يحاول العراق، تعظيم إيراداته المالية من خلال زيادة كميات إنتاج النفط والغاز الطبيعي المصاحب، في وقت بلغ مجمل دخل النفط في 2023 نحو 97.6 مليار دولار، بحسب بيانات وزارة النفط.
*شركة فاسدة
وبحسب خبراء في الشأن الاقتصادي تحدثوا لشبكة "انفوبلس"، فإن الاتفاقيات الجديدة تُعَد خطوة مهمة في مسيرة تطوير حقول النفط في العراق وتكمن ضمن استراتيجية العراق لدعم قطاع الطاقة وتحقيق أقصى استفادة من الموارد الطبيعية، ولا سيما في ظل تزايد الطلب على الطاقة محليًا ودوليًا، كما أن العراق يسعى إلى تحقيق التوازن بين زيادة الإنتاج والاستثمار الأمثل للموارد، لكن ذلك لن يتحقق بتوقيع اتفاقيات مع شركات فاسدة، في إشارة الى شركة هاليبرتون الأميركية.
والفساد متأصّل في العراق منذ زمن طويل، إلّا أن الخراب الكبير لم يحلّ إلّا بعد مجيء الاحتلال الامريكي وعلى رغم أن فساد الطاغية والعشيرة أيّام المقبور صدام حسين، هو الذي فتح الباب للاحتلال، إلّا أن تلك الآفة تعمّمت حتى صارت متغلغلة في كلّ مفاصل الدولة، بحسب الخبراء الذين أكدوا أن الباب الأوسع للفساد، فهو قطاع النفط الذي سيطرت عليه الشركات الأميركية والغربية إثر الغزو، وشرّعته للنهب المنظَّم للعائدات.
ومنذ عام 2003، يَبرز دورياً الحديث عن تورُّط شركات غربية نفطية أو أمنية أو غيرها في فضائح، لعلّ أكبرها ما كشفته بوناتين غرينهاوس، التي كانت أرفع ضابط مدني أميركي في العراق، أمام الكونغرس، من محاولة لمنْح شركة "كيلوغ بروان آند روت" التابعة لشركة "هاليبرتون" النفطية التي كان يترأّسها ديك تشيني، عقْد تموين للجيش الأميركي بقيمة 7 مليارات دولار، من دون مناقصة، وفي النتيجة أدّت الفضيحة إلى تقسيم العقد بين شركات عدّة من بينها الشركة المذكورة.
وفي عام 2005، اتهم الديمقراطيون في الكونغرس الأميركي شركة هاليبرتون للخدمات النفطية في العراق بسلسلة من التجاوزات والمخالفات، من بينها إساءة استغلال التعاقد ومنح عقود في ظروف مشبوهة والمبالغة في تضخيم فواتير وتقديم نوعية سيئة من الخدمات.
وقال الديمقراطيون في تقرير، إن هاليبرتون التي كان يديرها نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني، قدمت فواتير بأكثر من مليار دولار لتكاليف "اعتُبرت غير مقبولة" إما لأنها "غير منطقية" أو لأنها غير مبررة بموجب أحكام العقد.
وتحدث التقرير عن نفقات تبلغ 422 مليون دولار لم تبررها الشركة وعن ظروف مشبوهة حصلت فيها الشركة "سرّاً" على عقد لإصلاح قطاع إنتاج النفط في العراق بقيمة سبعة مليارات دولار. وأوضحوا، أن تضخيم فواتير هاليبرتون كلّف دافعي الضرائب الأميركيين مليار دولار على الأقل إن لم يكن أكثر من 1.4 مليار دولار.
وترتبط ذاكرة العراقيين مع الشركات الأمنية الخاصة بذكريات سيئة تعود للسنوات التي أعقبت الغزو الأميركي عام 2003، حينما كانت مشاهد انتشار الشركات الأمنية وعجلاتها المسلحة تجوب شوارع المدن العراقية، حيث تعاظم دور هذه الشركات مع الاضطرابات الأمنية التي ضربت البلاد.
واكتسبت معظم الشركات الأمنية سمعة سيئة بين العراقيين بسبب تورط الكثير منها بحوادث دموية ذهب ضحيتها عشرات المدنيين، مثل شركتي "بلاك ووتر" و"هاليبرتون" الأميركيتين، فضلا عن تورط شركات أخرى بقضايا فساد ونهب للمال العام، ما دفع البرلمان العراقي لاقتراح تعديل قانون تنظيم عمل هذه الشركات وتعزيز الرقابة عليها.
وشركة "هاليبرتون" التي كان يرأسها ديك تشيني، نائب الرئيس بوش الابن، لها تاريخ حافل بالفضائح والاتهامات المستمرة، ويتهمها الكثيرون بالاستفادة من معاملة تفضيلية في تلقي عقود في العراق من قبل وزارة الدفاع الامريكية البنتاجون، ومبالغة الشركة في قيمة ما تُقدمه من خدمات هناك في فواتيرها للحكومة الأمريكية.
أثار وجود هاليبرتون في العرق سابقا جدلاً كبيراً، لأنها الشركة الأمريكية الوحيدة التي ذُكرت صراحةً في شريط فيديو لأسامة بن لادن في أبريل عام 2004، الذي أكد فيه أن الحرب على العراق أدت إلى حصول الشركات الأمريكية الكبيرة مثل هاليبرتون على مكاسب وأرباح تُقدر بملايين الدولارات.