عكاز يتحرر من الشركة الأوكرانية.. جردة بعام الشركة الجدلي وتوريطها العراق بالمحاكم الدولية

انفوبلس/ تقارير
بعد عام جدلي، طردت بغداد الشركة الأوكرانية الخاصة بتطوير حقل عكاز الغازي في الانبار، لكن الصدمة ليست هنا، بل بالمعلومات التي تحدثت عن أن الشركة مملوكة لامرأة "تدير صالوناً نسائياً في أوكرانيا" وأنها مسجلة في العراق منذ 2021 فقط! وهذا ما جعل عقدها في عكاز 3 أضعاف إنتاجها في بلدها الأم، فكيف كانت تجربة الشركة؟ وهل ورطت نفط الوسط العراق بـ"تحكيم دولي"؟
توقيع العقد
في الـ24 من نيسان من العام الماضي، قالت وزارة النفط، في بيان، إنها وقعت عقدا مع شركة يوكرزم ريسورس الأوكرانية لتطوير حقل غاز عكاز في محافظة الأنبار بغرب البلاد.
ويهدف الاتفاق إلى إنتاج 100 مليون قدم مكعب قياسي يوميا في أول عامين على أن يترفع الانتاج إلى 400 مليون قدم مكعب قياسي في غضون أربع سنوات.
وبحسب ما ذكره البيان، فإن شركة كوكاز الكورية وقعت عقد التنازل عن المشروع لصالح الشركة الأوكرانية، بما يعطي دفعة للمشروع الذي تأخر عدة سنوات بسبب الاضطرابات الأمنية في البلاد.
شكوك حول كفاءة الشركة
بعد توقيع العقد، قال عضو مجلس محافظة الأنبار، عدنان الكبيسي، إن "الحكومة العراقية تعاقدت مع شركة أوكرانية لاستثمار حقل عكاز، إلا أن هناك شكوكاً حول كفاءة الشركة ومصداقيتها"، مبيناً أن "رئيس غرفة التجارة الأوكرانية أبدى تحفظات حول قدرة الشركة على تنفيذ المشروع، رغم تقديمها ضمانات مالية بقيمة 50 مليون دولار".
وأضاف أن "الشركة لم تحقق أي تقدم ملموس منذ توقيع العقد قبل عام، باستثناء نصب عدد من الكرفانات في مواقع الحفر، ما يثير القلق بشأن قدرة الشركة على تنفيذ المشروع وفق المعايير المطلوبة".
ويعد حقل عكاز ثاني أكبر حقل غازي في الشرق الأوسط، واستثماره بشكل صحيح يمكن أن يوفر أكثر من 10,000 فرصة عمل في مرحلته الأولى، بالإضافة إلى تحقيق إيرادات مالية لمحافظة الأنبار.
وأشار الكبيسي، إلى أن "عائدات الحقل تحتسب وفق معادلة 150 مترا مكعبا من الغاز مقابل دولارين، ما يعكس أهمية المشروع اقتصادياً"، كاشفاً عن "مشروع إنشاء محطة الدورة المركبة قرب الحدود السورية، والتي ستعمل على الغاز المستخرج من حقل عكاز، بطاقة إنتاجية تصل إلى 1,642 ميغاواط من الكهرباء، ما سيسهم في تحسين إمدادات الطاقة لمحافظة الأنبار ودعم شبكة الكهرباء الوطنية".
ولفت الكبيسي، إلى "أهمية تعزيز الرقابة الحكومية على الشركات المنفذة"، مضيفاً أن "العراق بحاجة إلى شركات عالمية ذات خبرة لاستثمار هذا المورد الحيوي".
وختم حديثه قائلاً إن "هناك دعماً حكومياً للمشروع، لكن التنفيذ يتطلب إشرافاً مباشراً لضمان تحقيق الفوائد المرجوة للمحافظة والعراق بشكل عام".
شركة مملوكة لامرأة "تدير صالوناً نسائياً في أوكرانيا"
عام كامل، تخللته الكثير من التصريحات المثيرة للجدل والشبهات بخصوص الشركة، فتتنوع التصريحات الصادرة من شخصيات سياسية ووسائل إعلام بوصفها "شركة وهمية" أو شركة مملوكة لامرأة "تدير صالوناً نسائياً في أوكرانيا"، كما يقول النائب علي المشكور في تصريح متلفز.
وبدأت قصة الحقل عام 1981، حيث تم اكتشافه في ذلك الحين، لكن بعد حوالي 10 أعوام حُفر أول بئر استكشافي في الحقل وتم العثور على تجمعات للغاز، ثم حفر 5 آبار اضافية، ليكون المجموع 6 آبار، لكن لم يتم إنتاج شيء من الحقل، ليتم توقيع عقد مع شركة كوكاز الكورية عام 2011، لاستثمار الغاز الحر لأول مرة بعد اعتماد العراق طوال السنوات الماضية على الغاز المصاحب لانتاج النفط.
لكن مع تعطل الأعمال بسبب احتلال تنظيم "داعش" للمحافظات الغربية والشمالية ومن بينها الأنبار، وعقب تحريرها، انسحبت شركة كوكاز الكورية، بعد عام 2018، لأنها اشترطت شروطاً جديدة وبكلف مختلفة، حيث أن الشروط السابقة أصبحت "غير مجدية" بالنسبة للشركة، لكن العراق تمسك بشروط العقد القديمة.
وفي آذار 2023، قامت ملاكات وزارة النفط بإنتاج الغاز بجهود وطنية من الحقل، لكن بكميات قليلة تبلغ حتى الآن 80 مقمق يومياً فقط، وهي كميات لا تفي بالحاجة الكبيرة للغاز، حيث ينتج العراق حوالي الفي مقمق يومياً الآن، ويحرق ألف مقمق يومياً، ويستورد قرابة 1500 مقمق يومياً.
وبعد عام من بدء الإنتاج المتواضع، أعلنت وزارة النفط والحكومة العراقية وتحديداً في نيسان 2024، التعاقد مع شركة "يوركزم ريسوس" الأوكرانية، لتطوير حقل عكاز الغازي، ورفع الإنتاج في بادئ الأمر إلى 100 مقمق يومياً، ثم رفعه إلى 400 مقمق يومياً خلال 4 سنوات، ومنذ ذلك الحين والتصريحات تصنف الشركة على أنها "شركة وهمية" وصغيرة ولا تستطيع التعامل مع حقل بهذا الحجم.
وبعد أيام من توقيع العقد، أثار رئيس غرفة التجارة الدولية الأوكرانية في العراق، ضجة كبيرة في تصريحات صحفية، حيث وصف الشركة الأوكرانية التي مُنحت حقل عكاز، بأنها "شركة صغيرة وغير معروفة، ولا تستطيع التعامل مع حقل ضخم بهذا الحجم".
لكن وزارة النفط ردت على هذه التصريحات والتشكيكات المستمرة بالشركة، مؤكدة أنها "اتخذت كافة الضمانات من الشركة، كما أنها الشركة الوحيدة التي وافقت على تطوير حقل عكاز بنفس الشروط التعاقدية "عقد الخدمة" لحقل عكاز بعد أن قامت الوزارة بفتح باب المفاوضات مع العديد من الشركات العالمية التي أبدت رغبتها لتطوير الحقل شريطة تغيير الشروط التعاقدية.
وبينما يشرف العام الأول لعقد الشركة على الانتهاء، لا تزال الأعمال غائبة تماماً عن حقل عكاز، ولا يزال الحقل عند إنتاجه المتواضع بجهود وطنية، ليظهر اسم الشركة في اجتماعات صريحة مع وزير النفط مؤخراً، حيث اجتمع الوزير مع مدير الشركة لمرتين خلال أسبوعين فقط، لبحث تسريع أعمال الشركة وإزالة المعوقات، التي لم يُكشف عنها بعد.
وفي 30 كانون الثاني/ يناير، عقد وزير النفط حيان عبد الغني اجتماعاً مع مدير الشركة الأوكرانية العام، لبحث تسريع الاعمال وإزالة المعوقات، وبعدها بأسبوعين وتحديداً في منتصف شباط/فبراير، عقد وزير النفط اجتماعاً آخر مع مدير الشركة وعدد من المسؤولين، ولكن هذه المرة كان الاجتماع بحضور مدير الشركة فرع العراق أيضاً.
مسجلة في العراق منذ 2021!
تتبعت شبكة انفوبلس، البيانات المتوفرة عن الشركة، واتضح أنها شركة إنتاج غاز ومكثفات نفطية مسجلة في أوكرانيا، واسم رئيسها ماكسيم موستافين، وتعمل في 5 حقول للغاز في منطقتي بولتافا وخاركوف في أوكرانيا، كما أن اللافت، أن الشركة ثبتت في موقعها الرسمي اسم فرعها في العراق، لكونها لا تعمل في أية رقعة في العالم غير أوكرانيا، لكونه البلد الأول في تاريخها الذي تعمل فيه خارج حدود دولتها، حيث تظهر وثيقة أن الشركة مسجلة في العراق عام 2021.
بحثت انفوبلس أكثر، للتحقق من حقيقة الوثيقة التي تنشرها الشركة الأوكرانية على موقعها الرسمي، وبحثت في قاعدة بيانات وزارة التجارة لعام 2021، ووجدت بالفعل أن كتاب تسجيل فرع الشركة في العراق موجود بذات العدد والتاريخ عام 2021.
عقد عكاز أكبر بـ3 إضعاف من إنتاجها في أوكرانيا
وتوصلت شبكة انفوبلس كذلك، إلى أن الشركة تبلغ قدرتها الانتاجية في أوكرانيا اكثر من 60 الف برميل مكافئ يومي من الغاز، لكن الإنتاج المشغل فعليًا، يبلغ أكثر من 25 الف برميل مكافئ يومياً.
ولمعرفة هذه الكمية ومقارنتها مع حقل عكاز، فإن كل برميل مكافئ يوميًا يعادل 5800 قدم مكعب من الغاز، ما يعني أن إنتاج 25 الف برميل مكافئ يومياً، يعني انتاج 145 مليون قدم مكعب قياسي (145 مقمق).
بالمقابل، من المفترض أن تنتج الشركة في حقل عكاز 100 مقمق، ثم يرفع الإنتاج إلى الهدف البالغ 400 مقمق يومياً، هذا يعني أن القدرة الانتاجية المطلوبة من الشركة في حقل عكاز غرب الانبار، يعادل حوالي 3 اضعاف انتاج الشركة في بلدها الام اوكرانيا.
في الخلاصة، يتضح أن الشركة ليست وهمية، وموجودة في أوكرانيا كشركة غاز منتجة بالفعل، كما أنها مسجلة في العراق منذ 2021، لكن عدم مباشرتها بالانتاج في حقل عكاز واستمرار الاجتماعات مع وزير النفط بعد مرور عام على توقيع العقد، بالإضافة الى ما يظهره موقعها بأنها لا تعمل في أي مكان خارج أوكرانيا وأن العراق هو وجهتها الخارجية الوحيدة، جميع هذه العوامل "تثبت ضعف الشركة نسبياً وحقيقة كونها شركة متواضعة نوعاً ما"، فما ستنتجه في حقل عكاز لوحده، أكبر بأضعاف ما تنتجه بالفعل في أوكرانيا من 5 حقول.
العراق يطرد الشركة
في أحدث التطورات، قالت منصة "نفط العراق" المقربة والمطلعة على القطاع النفطي العراقي، إن العراق أنهى عقد الشركة الأوكرانية يوكرزم ريسورس في نهاية آذار الماضي، فيما يهدد هذا الأمر بتوجه الشركة الأوكرانية الى التحكيم الدولي لأنها وصفت عملية إنهاء العقد معها بأنه غير قانوني.
وسبق أن أعلنت لجنة النفط النيابية أن شركة نفط الوسط وجهت إنذارا نهائيا الى الشركة الأوكرانية، لكن مراقبين يحملون شركة نفط الوسط المسؤولية فهي من تعاقدت معها، ما يعني أن سوء الاختيار من شركة نفط الوسط "ورط" العراق مع شركة غير مؤهلة، ثم تسببت بإنهاء العقد مع الشركة التي على ما يبدو ستتجه للتحكيم الدولي وتحميل العراق ربما دفع مبالغ مالية طائلة كشرط جزائي.
ويقول التقرير، إن واحدة من أسباب تأخر الشركة الأوكرانية عن البدء بالأعمال في حقل عكاز، هو أنها ادّعت أنها مُنعت من الدخول لحقل عكاز من قبل مجاميع شبه عسكرية، وبعد أن تم حل المسألة، طرحت الشركة الأوكرانية عطاءً لحفر 6 آبار، لكن شركة نفط الوسط كانت تريد توجيه دعوة مباشرة الى شركة شلمبرجر الامريكية بشكل مباشر للحفر، بدون طرح فرصة عطاءات ومنافسة الشركات كما تريد الشركة الأوكرانية، وهو أحد أسباب الخلافات وتأخر عملية الإنتاج وأعمال الشركة الأوكرانية في حقل عكاز.
كما أن السبب الآخر هو مسألة تثبيت خطاب ضمان بـ50 مليون دولار يجب أن تدفعه الشركة الأوكرانية وهو ما اعتبرته الشركة شرطا غير قانوني من قبل شركة نفط الوسط.
واعتبرت الشركة الأوكرانية أن إصرار شركة نفط الوسط على تمرير عقد شركة شلمبرجر للحفر وعدم طرح العطاءات، يطرح تساؤلات خطيرة حول الشفافية والنزاهة في ممارسة الأعمال التجارية، متهمةً شركة نفط الوسط بإهمال إجراءات التنافس والشفافية.