ما وظيفة الاحتياطات الأجنبية في العراق؟ ليست مجرد أرقام وتمثل شبه صندوق للثروة السيادية

انفوبلس/ تقارير
بعد أن بلغت نحو 113 مليار دولار، سلّطت شبكة انفوبلس الضوء على الاحتياطات الأجنبية في العراق، ووسط التأكيدات بأنها ليست مجرد أرقام بل تمثل شبه صندوق للثروة السيادية، شرحت الشبكة ماذا تعني هذه الاحتياطات وما هي وظيفتها وعلاقتها بأسعار صرف الدولار وذلك في سياق التقرير الآتي.
ارتفاع من 106.7 إلى 112.8 مليار دولار
في الثامن والعشرين من شباط من العام 2024، أعلن البنك المركزي العراقي، ارتفاع حجم الاحتياطات الأجنبية في عام 2023 من 106.7 إلى 112.8 مليار دولار، وزيادة حجم الودائع في القطاع المصرفي إلى 99.8 مليار دولار، مع مواصلته سياسة التشديد النقدي.
وقال نائب محافظ البنك المركزي عمار خلف، في كلمته خلال المؤتمر السنوي الثامن للمالية والخدمات المصرفية في العراق، إن معدلات التضخم انخفضت من 7.5 في المائة بداية العام الماضي إلى 4 في المائة بحلول نهاية عام 2023.
وأشار بحسب وكالة الأنباء الرسمية، إلى تفعيل أدوات السياسة النقدية ورفع أسعار الفائدة من 4 إلى 7.5 في المائة، بالإضافة إلى إصدار أدوات مالية مختلفة منها حوالات البنك وصكوك شهادات الإيداع الإسلامية والتي اعتبرت فرصة استثمارية للمصارف الإسلامية والتجارية العاملة في العراق، فضلاً عن استخدام أدوات سياسة نقدية مختلفة منها رفع نسبة احتياطي الإلزامي من 15 إلى 18 في المائة.
ولفت إلى أن العام الماضي شهد نمواً واضحاً بمعظم التغييرات النقدية منها ارتفاع حجم الودائع في القطاع المصرفي من 129 تريليون دينار في 2022 إلى 131 تريليوناً في 2023، وكذلك ارتفاع ودائع القطاع الخاص في الجهاز المصرفي من 54 تريليون دينار إلى 55.5 تريليون، فضلاً عن ارتفاع حجم الائتمان في القطاع المصرفي من 60 تريليوناً إلى 69 تريليوناً، بالإضافة إلى ارتفاع حجم الاحتياطات الأجنبية من 140 إلى 148 تريليون دينار.
العراق في المرتبة الثالثة بالاحتياطات.. فماذا تعني وما هي وظيفتها؟
بعد الارتفاع أعلاه، رأى خبراء في الشأن الاقتصادي العراقي، أن احتياطيات بلاد الرافدين ومحفظته الاستثمارية تمثل حُصن العراق وحاضنته في توفير الاستقرار الكلي وحماية الاقتصاد الوطني من الصدمات الخارجية التي تنعكس على ميزان المدفوعات العراقي، فضلاً عن دورها في استقرار المستوى العام للأسعار داخلياً عبر سياسات التدخل في سوق النقد المنظمة.
وجاء العراق في المرتبة الثالثة عربياً من حيث احتياطيات النقد الأجنبي لعام 2024 حيث يعتبر هذا الاحتياطي "كبير جداً" و "مطمئن" لأنه يمثل 20 - 40% من حجم العملة المصدرة، كما تساهم الاحتياطات الأجنبية لأي بلد في الحفاظ على قيمة العملة المحلية والسيولة للوفاء بالالتزامات المالية الدولية فضلاً عن تمويل المشاريع الداخلية وطمأنة المستثمرين إضافة إلى تنويع المحافظ الاستثمارية.
ويُعرف الاحتياطي النقدي بأنه إجمالي الودائع والسندات من العملات الأجنبية التي تحتفظ بها البنوك المركزية والسلطات النقدية في الدولة بهدف دعم العملة المحلية ودفع الديون المستحقة على الدولة، ويتكون عادة من عناصر عدة، هي العملات الأجنبية، مثل الدولار واليورو والين الياباني وغيرها من العملات، فضلاً عن الذهب.
شبه صندوق للثروة السيادية
وفي هذا السياق، يؤكد المستشار المالي لرئيس الوزراء، مظهر محمد صالح: "تعد الاحتياطيات الأجنبية للعراق وتكوينها وإدارتها بمثابة شبه صندوق للثروة السيادية (الذي يدار حالياً بمحفظة استثمارية محكمة متنوعة بالعملات المختلفة وأدوات استثمارية مشتقة منها قصيرة الأجل)، وتؤدي المحفظة المذكورة من الاحتياطيات وظيفتان أساسيتان في آن واحد.
واستعرض صالح تلك الوظيفتين بالقول: "الأولى هي حماية الاستقرار الاقتصادي الكلي، أي استقرار المستوى العام للأسعار داخلياً عن طريق ضبط مناسيب السيولة المحلية بما يتفق والتدفقات الحقيقية من السلع والخدمات والمنافع التي تموّل بجانب من تلك الاحتياطيات وما يترتب عليها وتسمى هنا بالاحتياطيات الدولية، ذلك بالتأثير على ضبط النمو في عرض النقد من خلال التدخل في سوق النقد بسحب السيولة الفائضة عن طريق مبادلتها بالعملة الأجنبية، بغية تمويل التجارة الخارجية للقطاع الخاص تحديداً".
وأضاف، أن "هذه النشاطات تسمّى في السياسة النقدية (بالتعقيم النقدي) باستخدام آلية يطلق عليها عمليات السوق المفتوحة، وهي الجانب العملياتي (الكمي) من أهداف السياسة النقدية المسماة بالأهداف التشغيلية لمكافحة نمو معدلات التضخم النقدي واستقرار التدفقات النقدية".
وتابع صالح، "أما الثانية، استخدام تلك الاحتياطيات الأجنبية في جانب منها بالتدخل في السوق النقدية لتوفير الاستقرار (السعري) في سوق الصرف من خلال التمسك (بإشارات) سعر الصرف الثابتة والمستقرة التي تعد سوق الصرف النظامية بالعملة الاجنبية أساس تلك السوق والقائدة لثبات سعر الصرف نفسه، بحسب صالح".
كيف تدار الاحتياطات الأجنبية؟
أما عن طريقة إدارة تلك الاحتياطات، فقال المستشار، إن "هناك إدارة مركزية متخصصة لها، إذ تخضع المحفظة الأجنبية لمعايير الاستثمار العالية الدقّة في تبني أدوات مالية دولية قصيرة الأجل تدر عوائد فائدة ومنها الاستثمار في سندات الخزينة للدول المركزية في العالم المضمونة العائد العالية التصنيف، لكنها شبه السائلة، وهذا ما يميز صندوق الثروة السيادية عن صناديق الاستقرار. وأقصد هنا محفظة الاحتياطيات الأجنبية والتي تتطلب أن تكون بسيولة شبه عالية لمواجهة تقلبات ميزان المدفوعات الوطني عند الحاجة".
وتابع، "كما يعد الذهب النقدي الذي يشكل نسبة قد تزيد على 10٪ من تلك الاحتياطيات الملاذ الآمن ضمن المحفظة الاستثمارية المذكورة آنفاً للاحتياطيات موضوع البحث ضد مخاطر تقلب قيمة العملات والفائدة المكونة للمحفظة نفسها، لكون دورة أصول الذهب من الدورات الطويلة الأجل والمستقرة نسبياً، إذ يُمكن للسلطات النقدية إصدار السندات الذهبية المضمونة بالذهب الاحتياطي نفسه و بفائدة عند الحاجة، وهي سندات مرغوبة عالمياً، بحسب مستشار الحكومة العراقية".
وأكمل المستشار صالح أن "العراق يتمتع حالياً باحتياطيات أجنبية تعد عالية في مقياس الكفاءة، ولا سيما في مسألة تغطيتها لعرض النقد بمفهومه الواسع والتي تغطي 75٪ أو أكثر، وهو المقياس العالمي المطلوب لقياس كفاءة الاحتياطي من النقد الأجنبي في حفظ الاستقرار للاقتصاد الوطني، فضلاً عن كون الاحتياطي الأجنبي المذكور يغطي قرابة 15 شهراً تجارياً استيرادياً وهو مقياس متفوق على المقياس العالمي الذي يؤشر 3 أشهر من الكفاية التجارية".
وزاد، وبهذا "تعد احتياطيات العراق ومحفظته الاستثمارية حصن العراق وحاضنته في توفير الاستقرار الكلي وحماية الاقتصاد الوطني من الصدمات الخارجية التي تنعكس على ميزان المدفوعات العراقي فضلاً عن دورها في استقرار المستوى العام للاسعار داخلياً عبر سياسات التدخل في سوق النقد المنظمة".
ليست مجرد أرقام.. ما علاقة الاحتياطات بالدولار؟
في المقابل، أقر استاذ الاقتصاد الدولي، نوار السعدي، أن "هذه الاحتياطيات تتجاوز مجرد كونها أرقاماً مسجلة لدى البنك المركزي، فهي تمثل الأساس الذي تعتمد عليه الدولة في مواجهة الأزمات الاقتصادية، سواء كانت ناتجة عن انخفاض أسعار النفط، وهو المصدر الرئيس للإيرادات، أو بسبب اضطرابات الأسواق المالية العالمية التي قد تؤثر على التدفقات النقدية والاستثمارات".
وقال السعدي، إن "امتلاك احتياطيات أجنبية قوية يمنح العراق قدرة على التحكم بسعر صرف الدينار، مما يقلل من تقلباته العنيفة التي قد تؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم وزيادة تكلفة المعيشة للمواطنين، كما أن هذه الاحتياطيات تستخدم لتمويل عمليات الاستيراد الحيوية، خاصة للسلع الأساسية مثل الغذاء والدواء، مما يضمن استمرار تدفق هذه المواد إلى الأسواق العراقية دون تأثر كبير بالظروف الخارجية".
وأكمل، أن "مستوى الاحتياطيات الأجنبية يؤثر بشكل مباشر على تصنيف العراق الائتماني وثقة المؤسسات المالية الدولية بالاقتصاد المحلي، فكلما ارتفعت هذه الاحتياطيات زادت ثقة المستثمرين، مما يعزز فرص جذب رؤوس الأموال الأجنبية ويدعم الاستثمارات في القطاعات غير النفطية، وهو ما يحتاجه العراق لتقليل اعتماده على النفط كمصدر وحيد للإيرادات".
ورأى أن "وجود احتياطيات كبيرة ليس كافياً وحده لضمان الاستقرار الاقتصادي، إذ يجب أن ترافقه سياسات مالية واقتصادية رشيدة. لا يمكن اعتبار هذه الاحتياطيات مورد يستهلك لمجرد تغطية العجز المالي، داعياً إلى "استثمارها بحكمة لتعزيز التنمية الاقتصادية ودعم القطاعات الإنتاجية، لأن استخدام الاحتياطي بشكل غير مدروس قد يؤدي إلى استنزافه بمرور الوقت، ما يعرض البلاد لمخاطر كبيرة عند حدوث صدمات اقتصادية غير متوقعة".
وأضاف، إن "العراق بحاجة إلى استراتيجية واضحة في إدارة احتياطياته الأجنبية، بحيث يتم توظيفها بشكل يحقق التوازن بين الاستقرار النقدي والمالي من جهة، ودعم المشاريع التنموية والاستثمارية من جهة أخرى. فالحفاظ على هذه الاحتياطيات عند مستويات آمنة يعزز قدرة الاقتصاد العراقي على الصمود في وجه الأزمات، ويمنح صانعي القرار مساحة أكبر للمناورة في مواجهة التحديات الاقتصادية المستقبلية".