مخاوف بعد تقرير صندوق النقد الدولي.. اقتصاد العراق بخطر وانكماش "صعب" ينتظره

انفوبلس/ تقارير
جدل ورفض تسبقهما مخاوف حقيقية بعد تقرير صندوق النقد الدولي عن العراق وتوقعه بانكماش اقتصاده خلال العام الحالي، مظهر محمد صالح وصف التقرير بأنه عكس الحقيقة، فيما اتفق آخرون مع ما جاء به وحذروا من سنة مالية هي "الأصعب" على العراق منذ سنوات، فماذا جاء في تقرير الصندوق بالضبط؟ وما خطورة التحذيرات التي أطلقها الخبراء بعد تلك التوقعات؟
توقعات صندوق النقد
الثلاثاء الماضي، توقع صندوق النقد الدولي، في تقرير له، انكماش الاقتصاد العراقي بواقع 1.5 بالمئة هذا العام، على أن يعود للنمو في 2026 بمعدل 1.4 بالمئة، على خلفية تراجع أسعار النفط.
كما توقع الصندوق تباطؤ الطلب بسبب ركود الاقتصاد العالمي المحتمل الناتج عن الحرب التجارية.
وأثار هذا التقرير مخاوف أوساط اقتصادية، خصوصا مع تقلب أسعار النفط، وفيما وجد خبراء أن التقرير “واقعي”، رد مستشار حكومي بأن هذه التقارير “توقعات قصيرة الأجل”، لافتا إلى أن العراق متحصّن بالعملة الأجنبية بما يتعدى التوقعات الانكماشية.
عكس الحقيقة
وفي ظل التوقعات "المتشائمة" لصندوق النقد الدولي بأن العراق سيكون أكثر بلدان الشرق الأوسط وآسيا الوسطى انكماشاً في الاقتصاد خلال العام الحالي، أبدى المستشار المالي لرئيس الوزراء، مظهر محمد صالح، استغرابه من هذا المؤشر، معتبراً أنه "عكس الحقيقة".
وعلل صالح خلال حديث له تابعته شبكة انفوبلس، ذلك إلى أن "العراق يعتبر ثالث اقتصاد عربي من حيث قوة الناتج المحلي الإجمالي بعد السعودية والإمارات، وبلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي في العام 2024 نسبة 4 بالمئة، وهذا يعود لوجود نهضة في التنمية ونشاط وتنوع في الاقتصاد واستقرار سياسي للمرة الأولى منذ عشرين سنة".
لذلك اعتبر صالح، أن "هذا المؤشر السالب بالنمو، جاء غريباً وليس هناك ما يبرره، فهو متشائم أكثر من اللزوم ومبالغ به، وربما جاء هذا الانطباع استناداً إلى بيانات قديمة أو فكرة غير صحيحة عن ما يجري في العراق من تقدم وإصلاح اقتصادي وتعاون إقليمي ودولي بهذا المجال".
ورجح أن "حرب التعريفات الكمركية التجارية التي يعيشها العالم حالياً بين الصين وأمريكا هي قصيرة الأجل وفي طريق التسوية، وكذلك الحرب الروسية الأوكرانية، وجميع العالم في طريقه إلى التسويات للبدء بعصر جديد للتنمية والإنماء وبالتالي زيادة الطلب على النفط".
التحصن بالدولار
وتعقيبا على هذا التقرير، واصل صالح حديثه بالقول: إن “توقعات صندوق النقد الدولي بشأن العراق مبالغ بها، حيث تتحدث عنه بشكل منفرد دون غيره على الرغم من كونه ثالث اقتصاد في تقدم مركبات الناتج المحلي الإجمالي للبلاد العربية في منطقة غرب آسيا مقارنة بغيره من البلدان العربية”.
ويضيف صالح، أن “العراق يمتلك احتياطيات أجنبية عالية التحصين حتى الوقت الحاضر، ما يعني أن ثمة حاجة إلى أن نتبين كيف بنى صندوق النقد الدولي توقعاته بالانكماش المفرط على اقتصاد بلادنا من دون غيره، والعراق مازال يتحصن باحتياطات من العملة الأجنبية تتعدى التوقعات الانكماشية في الاقتصاد العالمي، بسبب حرب الرسوم أو التعريفات التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين”.
ويتابع أن “البيت الأبيض في إعلان لصحيفة وول ستريت جورنال قد سرب اليوم إمكانية إعادة النظر السريع بموضوع التعريفات الكمركية ومخاوف الولايات المتحدة نفسها من مجريات انكماش الاقتصادي العالمي على الصين وغيرها الذي لا يصب في مصلحة أحد من اقتصادات العالم بما فيها الولايات المتحدة، متلمسا ما ستحدثه من ارتباك في الاقتصاد العالمي”.
وبناء على ما تقدم، يؤكد صالح، أن “ما قدمه صندوق النقد الدولي هي مجرد توقعات مبكرة قصيرة الأجل خاضعة للتغيير والتعديل، وبالرغم من ذلك، فإن على العراق التحوط الدقيق لكل صغيرة وكبيرة بما يخدم مصلحة حصانة الإنفاق العام في برنامج التنمية المستدامة المتعلقة بمشاريع الخدمات العامة وكذلك أولويات الإنفاق العام المتعلقة باستمرار دعم المزارعين وتأمين الرواتب والأجور والمعاشات التقاعدية والرعاية الاجتماعية كأولوية أولى”.
"غير مفاجئ"
لكن، وعلى عكس المستشار الحكومي الذي استغرب "الانكماش"، رأى أستاذ الاقتصاد الدولي، نوار السعدي، أن تقرير صندوق النقد الدولي الأخير "غير مفاجئ، بل يعكس واقعاً اقتصادياً معقداً يمر به العراق في هذه المرحلة".
وبين السعدي، خلال حديث له تابعته شبكة انفوبلس، أن "هذا الانكماش مرتبط بعوامل متداخلة عديدة، في مقدمتها تذبذب أسعار النفط وانخفاضها إلى مستويات لا تكفي لتحقيق التوازن المالي المطلوب، خاصة وأن العراق لا يزال يعتمد بشكل شبه كامل على عائدات النفط لتمويل نفقاته العامة".
"وعندما تنخفض هذه الأسعار إلى ما دون 70 دولاراً للبرميل، كما يحدث حالياً، فإن الدولة تجد نفسها أمام تحديات مالية حقيقية، من أبرزها اتساع العجز المالي وتراجع القدرة على تمويل المشاريع الاستثمارية والخدمية"، بحسب السعدي.
وعزا السعدي، سبب ذلك إلى أن "العراق لم ينجح بعد في بناء اقتصاد متنوع قادر على امتصاص الصدمات النفطية، مما يبقي العراق في دائرة التبعية للأسواق الخارجية والدعم الحكومي، ولذلك، فإن أي تغير في الإيرادات النفطية أو تقلب في أسعار الصرف يُترجم فوراً إلى تباطؤ اقتصادي قد يتطور إلى انكماش".
ورأى أن "ما يجعل هذا العام من الناحية الاقتصادية أكثر صعوبة من سابقه هو تراكم الأزمات، فإلى جانب أزمة أسعار النفط، هناك اضطرابات في سوق صرف الدولار داخل العراق، حيث بدأت الأسعار تنخفض ولكن بطريقة لا تعكس بالضرورة استقراراً نقدياً حقيقياً، بل نتيجة تدخلات إدارية أكثر منها ناتجة عن قوة في العرض النقدي أو استقرار تجاري".
الأصعب منذ سنوات
وتتطابق مخاوف نوار السعدي مع تحذيرات الباحث الاقتصادي، أحمد عيد، بأن "العام الجاري 2025 يعد من أصعب السنوات الاقتصادية للعراق مقارنة بالسنوات التي أعقبت انتهاء جائحة كورونا نتيجة عوامل عديدة، في مقدمتها تذبذب أسعار النفط عالمياً وانخفاضه إلى مستويات غير كافية لتغطية نفقات الدولة العراقية".
وأوضح عيد في تصريح صحفي تابعته شبكة انفوبلس، أن "التقديرات الأخيرة لصندوق النقد الدولي أظهرت حاجة العراق إلى أن يكون سعر برميل النفط من 90 إلى 92 دولاراً لتحقيق التوازن المالي، في حين أن الأسعار الحالية مازالت تتراوح ما بين 65 إلى 72 دولاراً، ما يضع العراق في ضائقة مالية وتوسع في فجوة العجز".
وفي ظل هذه التحديات، شدد على ضرورة "إجراء إصلاحات اقتصادية جذرية واستراتيجية واضحة لتنويع مصادر الدخل الوطني، وتمكين القطاع الخاص لقيادة جزء كبير من النشاط الاقتصادي بعيداً عن النمط الريعي الذي يعيشه العراق حالياً واثبت هشاشته الاقتصادية".
ولفت عيد، إلى أن "انخفاض قيمة الدولار أمام الدينار العراقي في الأسواق لا يعد مستداماً، فهو وقتي ونسبي، لأنه لا ينبع من قوة فعلية للسياسات المالية والنقدية للدولة، وإنما يتأثر بعوامل خارجية وظروف استثنائية بعضها سياسي والآخر يتعلق بإجراءات فنية مؤقتة".
وهو ما يتطلب، وفق عيد، بناء منظومة اقتصادية قوية تعتمد على الإنتاج المحلي وتنويع مصادر الدخل وهذا هو الأساس لدى الاقتصاد العراقي لتحقيق استقلال نسبي بالقرار النقدي بعيداً عن الضغوطات السياسية والإقليمية والدولية التي تحيط بالعراق".
خطورة الاعتماد على النفط فقط
من جانبه، أكد عضو لجنة النفط النيابية، كاظم الطوكي، أن "العراق يعتمد على النفط في ميزانيته وأي انخفاض في الأسعار لها تأثير على الوضع الاقتصادي العراقي، لكن هذا في حال استمرار الانخفاض، أما إذا كان الانخفاض مؤقتاً فيمكن للعراق اتخاذ إجراءات بما يتماشى مع الوضع الاقتصادي لتجاوز الفارق من خلال اللجوء إلى الاحتياطي من الذهب والأموال لسد العجز".
وأشار الطوكي، إلى أن "أسعار النفط مرتبطة بالحرب الروسية الأوكرانية، وسياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العكسية باتجاه الدفع بالاحتياطي للأسواق وخفض الإنتاج، وكذلك بالعلاقة بين أمريكا وروسيا باعتبار أن الأخيرة منتج رئيسي للنفط، وفي حال تطورت العلاقة بين الدولتين قد تدفع روسيا كميات أكبر للأسواق النفطية".
بدوره، يعتقد خبير النفط والطاقة كوفند شيرواني، أن “انخفاض أسعار النفط في الشهرين الماضيين سيكون له أثر واضح على الاقتصاد العراقي الذي يعتمد بشكل كبير على النفط، وربما يكون العراق البلد الأكثر تأثرا بانخفاض الأسعار النفط لسببين”.
ويضيف شيرواني، أن “السبب الأول يكمن في أن العراق ينتج ويصدر كميات كبيرة من النفط بمعدل 3.3 ملايين برميل يوميا، والسبب الثاني أن نسبة اعتماد اقتصاده على هذا الإنتاج هي 90 بالمئة، فلو كانت هذه الاعتمادية أقل سيكون الخطر في الظروف نفسها أقل وطأة على الاقتصاد العراقي”.
تداعيات انخفاض أسعار النفط
وعن أسعار النفط، يتوقع أن “تبقى متدنية مقارنة بعام 2024 حيث كانت تتجاوز 70 دولارا للبرميل، وستبقى دون هذا السعر، وبالنسبة للعراق فإن أي انخفاض عن السعر المثبت في الموازنة وهو 70 دولارا للبرميل يعني تراجع الإيرادات وارتفاع العجز المخطط له في الموازنة، بينما يكون أي صعود إيجابيا للعراق”.
وبالرغم من هذا الانخفاض، فإن شيرواني، يجد أنه “لن يؤثر في تغطية رواتب الموظفين والمتقاعدين والمستحقات الأخرى، لأنها تستحوذ على 70 تريليون دينار من موازنة قيمتها 200 تريليونا، فأي تراجع في الإيرادات سيؤثر على الموازنة الاستثمارية ولا يمس الرواتب”.
لكن وفقا للخبير، فإن “هذه السنة سيكون الوضع أصعب اقتصاديا بالنسبة للعام الماضي، والسنة الحالية ستكون حاسمة وحرجة من حيث تقلبات أسعار النفط في ظل التحديات الدولية والإقليمية لذا على الحكومة العراقية أن تضع خططها لمعالجة الاقتصاد المعتمد على النفط عن طريق تقليل هذه الاعتمادية على النفط وتنشيط القطاعات الأخرى كالزراعة والصناعة والسياحة وتنظيم الضرائب والكمارك، وكثير من دول الخليج بدأت تقلل الاعتماد على النفط”.