مقارنة الإنتاج الفعلي للطاقة الكهربائية بين العراق والدول المجاورة.. تعرف على المشاكل والحلول المقترحة وتكاليف إنتاج الطاقة
فجوة كبيرة بين العرض والطلب
في الوقت الذي يعاني فيه العراق من نقص مزمن في إمدادات الطاقة الكهربائية، مما يؤثر سلباً على حياة المواطنين ونشاطاتهم الاقتصادية، إلا أنه يأتي في مرتبة متقدمة جداً بقدرته التوليدية للكهرباء عالمياً، حيث يأتي في المرتبة 37 من أصل 213 دولة حول العالم، والمرتبة الرابعة عربيًا بعد السعودية ومصر والإمارات، وبتوليد أكثر من 28.3 مليون كيلو واط بالساعة.
وبمقارنة وضع العراق في مجال تجهيز الطاقة الكهربائية مع الدول المجاورة، من خلال تحليل بعض المؤشرات الرئيسية، فإن إجمالي الطاقة الكهربائية المُنتَجة في العراق حوالي 28,000 ميغاواط، يصل منها حوالي 21,000 ميغاواط، وتُغطّي هذه الكمية حوالي 60% من احتياجات البلاد، في الوقت الذي تكون الحاجة الفعلية هي 40,000 ميغاواط.
مراقبون للشأن الاقتصادي، أكدوا أن "تشغيل كل ١٠٠٠ ميغاواط من الكهرباء، يكلف الدولة حوالي ٧٠ مليون دولار شهريا، أو ٨٤٠ مليون دولار سنويا، أي إن تشغيل 28 ألف ميغاواط تكلف الدولة سنويا أكثر من 23 مليار دولار، وإذا ما أضفنا رواتب الموظفين والعقود والإنفاق الاستثماري للوزارة فإن الكلفة تتجاوز 25 مليار دولار سنويا".
يأتي ذلك في الوقت الذي بلغت فيه الجباية التي تحققها وزارة الكهرباء، مليار دولار سنويا، وهذا الإيراد لا يحقق سوى نسبة ضئيلة جدا من إجمالي تكلفة الإنتاج.
وطبقا لمعدل الأسعار العالمية فإن بناء محطة كهرباء حرارية بسعة ١٠٠٠ ميغاواط تكلف مليار دولار والمحطة الغازية ٧٠٠ مليون دولار وحسب بيانات ديوان الرقابة المالية فإن المحطات التي بُنيت بعد ٢٠٠٣ كانت ضمن هذا المعدل السعري وأغلب هذه المحطات تم بناؤها بواسطة شركة جنرال إلكتريك الأمريكية وسيمينز الألمانية.
وتجاوز مبلغ ما تم صرفه على بناء محطات كهرباء جديدة مع توسعة خطوط النقل والشبكات، حوالي ٣٠ مليار دولار، أما باقي التكاليف فذهبت الى تشغيل هذه المحطات، علما أن سعة الإنتاج الكهربائي في عام ٢٠٠٣ كان أقل من ٣ آلاف ميغاواط.
دول المنطقة
وتشهد الدول المجاورة للعراق، مستويات متفاوتة في تجهيز الكهرباء الفعلي، ومصادر الطاقة الكهربائية، وبشكل عام فإن أغلب الدول تتجه لتوسيع مصادر توليد الطاقة بالإضافة الى رفع مقدار الإنتاج الفعلي لتلك الدول.
إيران
بلغت القدرة الاسمية لمحطات توليد الكهرباء في إيران، 91 ألف ميغاواط في عام 2023، يأتي ذلك بعد زيادة قدرة توليد التيار الكهربائي بمقدار 7 آلاف و757 ميغاواط خلال العامين الماضيين.
وبعد عدة إجراءات، وصلت القدرة الاسمية لمحطات توليد الكهرباء في إيران بحلول عام 2023 إلى 91 ألف ميغاواط، وهو ما يشير إلى زيادة بنحو 7% مقارنة مع الأيام الأولى لبداية حكومة رئيسي.
ويأتي ذلك بعد زيادة قدرة توليد التيار الكهربائي بمقدار 7 آلاف ميغاواط خلال العامين الماضيين، وساهم إنشاء محطات الطاقة المتجددة في إيران إلى إضافة قرابة 225 ميغاواط إلى سعة توليد الكهرباء في البلاد، وتمكنت وزارة الطاقة من إضافة 334 ميغاواط أخرى من خلال محطات توليد الطاقة الموزعة والمولدات الصغيرة، علما أن عجز الكهرباء في إيران لا يقل عن 10 آلاف ميغاواط.
تركيا
وفقاً لبيانات تركية رسمية، فإن إنتاج تركيا للطاقة الكهربائية المركبة بلغ نحو 291 ملياراً و552 مليون كيلوواط/ساعة خلال عام 2020، أي ما يقارب 95 ألفاً و890 ميغاوات، فيما بلغ استهلاكها قرابة 290 ملياراً و856 مليون كيلوواط/ساعة خلال نفس العام.
وبينما شهد شهر تموز 2020 استهلاك أكبر قدر من الكهرباء بواقع 27 ملياراً و352 مليوناً و424 ألف كيلوواط/ساعة، شهد نيسان 2020 أقل استهلاكا بواقع 19 ملياراً و130 مليوناً و574 ألف كيلوواط/ساعة.
وحسب بيانات عرضتها وسائل الإعلام، نقلاً عن شركة نقل الكهرباء التركية، فقد زاد مجموع ما أنتجته تركيا من الطاقة الكهربائية المركبة ليصل إلى نحو 98 ألف ميغاواط حتى نهاية شهر تموز 2021، كما أشارت البيانات إلى أن مصادر الطاقة المتجددة ساهمت بما يقارب 52 ألف ميغاواط من كمية الإنتاج الكلي.
وتمتلك تركيا ما إجماله 735 محطة كهرومائية في معظم الولايات التركية تقريباً، نجحت من خلالها بتوليد ما مقداره 31 ألفاً و436 ميغاواط من الطاقة الكهربائية المركبة خلال العام المنصرم. وبذلك تكون تركيا قد حافظت على مركزها الأول ضمن البلدان الأوروبية الأكثر إنتاجاً للطاقة الكهرومائية، فيما حلّت في المرتبة الثانية عالمياً بعدها الصين.
ويذكر أن أكبر 3 سدود ومحطات كهرومائية في تركيا هي أتاتورك وكاراكايا وكيبان المبنية على نهر الفرات في ولايات شانلي أورفا ودياربكر وإليزا جنوب شرقي تركيا التي أنتجت مجتمعةً خلال عام 2019 ما مجموعه 22 ملياراً و790 مليون كيلوواط/ساعة. ألف و405 ميغاواط كانت مساهمة محطة أتاتورك، بينما وصلت مساهمة محطتي كاراكيا وكيبان إلى نحو ألف و880 ميغاواط وألف و330 ميغاواط على التوالي.
الأردن
بلغت الطاقة الكهربائية المولدة في الأردن خلال العام 2022، حوالي 22,000 غيغاواط الساعة، وبلغت ذروة الحمل الأقصى 4010 ميغاواط لذات العام.
ويشتمل النظـام الكهربائي في الأردن على محطات التوليد الرئيسية وشبكات النقل ذات الفولطية 132 و400 كيلو فولط، التي تربط المحطات مع مراكز الأحمال في مختلف مناطق المملكة، وخط الربط 400 ك.ف مع سوريا والكيبل البحري 400 ك.ف الذي يربط الشبكة الأردنية مع الشبكة المصرية، إضـافة إلـى مـركـز التحكـم الوطني وكـذلك شــبكات التوزيع التي تـغـذي السكان بالكهرباء، وشركات توزيع الكهرباء التي تغذي الأقاليم المختلفة بالمملكة بالطاقة الكهربائية.
وتتنوع المصادر المحلية الاردنية لتوليد الطاقة الكهربائية، ويتمثل أول مصدر في استخدام الغاز الطبيعي بنسبة 72 بالمئة والطاقة المتجددة بنسبة 27 بالمئة ومن مصادر أخرى 1 بالمئة.
الكويت
سجّل الطلب على الكهرباء في الكويت مستويات قياسية في العام الماضي، بسبب الموجة الحارة التي تتعرض لها البلاد، إذ تجاوزت درجات الحرارة في بعض المناطق حاجز الـ50 درجة.
وسجّل مؤشر الأحمال الكهربائية في الكويت في آب 2023، رقمًا قياسيًا جديدًا يُعدّ الأعلى في تاريخ في البلاد، إذ بلغت الأحمال 16.5 ألف ميغاواط، وفق البيانات التي اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.
وكان مؤشر الأحمال الكهربائية قد سجّل رقمًا قياسيًا يُعدّ الأعلى في تاريخ البلاد بمعدل استهلاك التيار الكهربائي، بلغ 16370 ميغاواط، مع ارتفاع درجة حرارة الطقس التي قاربت 49 درجة مئوية.
ودخلت وزارة الكهرباء في الكويت، الصيف بقدرات إنتاجية إجمالية تبلغ 17 ألفًا و90 ميغاواط، في ظل غياب إنتاج وحدات الزور الجنوبية.
السعودية
يبلغ الإنتاج الفعلي للطاقة الكهربائية في السعودية حوالي 80,000 ميغاواط، حيث تُغطّي هذه الكمية حوالي 85% من احتياجات البلاد من الكهرباء.
وتعتمد المملكة العربية السعودية بشكلٍ رئيسيّ على مصادر الطاقة الأحفورية لتوليد الكهرباء، ويعتبر النفط المصدر الرئيسيّ لتوليد الكهرباء، حيث يُستخدم لتشغيل محطات الطاقة الحرارية، ويليه الغاز الطبيعي الذي يُستخدم أيضًا لتشغيل محطات الطاقة الحرارية، بالإضافة الى الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، بنسبة ضئيلة نسبيًا في الإنتاج الحالي.
وتشهد سعة توليد الكهرباء من الطاقة المتجددة في السعودية ارتفاعًا خلال السنوات الأخيرة، وتخطط المملكة للتخلص من استعمال الوقود السائل في مزيج توليد الكهرباء بنهاية عام 2030، لينقسم ما بين 50% للغاز و50% للطاقة المتجددة.
وتتمتع المملكة بأحد أعلى مستويات الإشعاع الشمسي عالميًا لتصل إلى 3.24 ألف ساعة سنويًا، وكذلك إمكانات كبيرة لسرعة الرياح الساحلية تصل ما بين 6 و8 أمتار في الثانية، وفقًا لما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
مشاكل الشبكة والحلول المقترحة
يبلغ معدل نمو الطلب السنوي على الكهرباء في العراق ١٠٪ وهو أعلى معدل نمو في العالم، في الوقت الذي تتمحور المشكلة الجوهرية في قطاع الكهرباء بعدم تمكن الحكومات المتعاقبة من سد الفجوة الكبيرة والمستمرة في التوسع بين العرض والطلب، حيث ركزت الحكومات جهودها على جانب الانتاج وأهملت إدارة الطلب من المستهلكين.
وفي جانب الانتاج والنقل والتوزيع فإن هنالك أنواعا متعددة من الخسائر والضياع تتشابك مع بعضها البعض تؤدي الى خسارة أكبر من نصف من الكهرباء المنتجة، وأهم وأكبر كمية من الضياع تحدث في شبكات النقل حيث بلغت الخسائر الفنية والسرقات المباشرة من الشبكات ما بين ٤٠٪ الى ٥٠٪ من الانتاج الكلي.
بالإضافة الى الضياع الحاصل في سعة الانتاج الكلية بسبب نقص الوقود واستخدام الوقود الخاطئ والمكلف مثل استخدام النفط الاسود بدل الغاز في المحطات الغازية وكذلك تناقص كفاءة التوربينات عند ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف منخفضة بذلك الانتاج.
وتصل كفاءة عمل محطات انتاج القطاع الخاص الى ٨٥٪ من السعة المنصوبة في حين أن كفاءة انتاج المحطات الحكومية وفي أفضل الظروف لا تتجاوز الـ٥٥٪، بالوقت الذي توظف محطات انتاج القطاع الخاص ١٠٠ عامل لإنتاج كل ١٠٠٠ ميغاواط بينما تستخدم المحطات الحكومية أكثر من ١٠٠٠ عامل ومع ذلك الكفاءة أقل بكثير.
ويرى مراقبون، أن الحل الحقيقي والمستدام لأزمة الكهرباء في العراق، يكمن في إعادة هيكلة شركات وزارة الكهرباء وبيعها على شكل أسهم على أن تبقى الحكومة مالكة لـ٥١٪ من الأسهم و٤٩٪ للمساهمين من القطاع الخاص، وعلى أن تكون إدارة الانتاج والتوزيع حصرا بيد القطاع الخاص وبدون أي تدخل حكومي في عملية الادارة.
وأضاف المراقبون، أن "بقاء قطاع النقل والشبكات بيد الحكومة لضمان عدم الاحتكار وحماية المستهلك، وبعد تحويل ٩٥٪ من ممتلكات وزارة الكهرباء يتم تحويل الوزارة الى جسم تنظيمي رقابي، وإعادة هيكلة أسعار الجباية بحيث تصبح تكاليف الانتاج قريبة من الجباية وهو ما يجبر المستهلك من ترشيد الاستهلاك وكذلك يحفز القطاع الخاص على الاستثمار في الكهرباء.
كما يؤكد المراقبون، على أهمية الذهاب بجدية نحو الطاقة الشمسية، ودفع جباية الكهرباء، وتوفير الأموال الكافية لاستدامة القطاع الكهربائي والشبكة الوطنية.