ميسان بين رائحة النفط ومعاناة الفقر.. أين تذهب موارد المحافظة وخيراتها؟
انفوبلس/..
أصبحت نسبة الفقر في ميسان ملفّاً حكومياً شائكاً يحتاج إلى حل جذري بعد اقترابها من حاجز الـ 50%، ورغم أن المحافظة تُصدّر أكثر من 700 ألف برميل نفط يومياً، إلا إنها تتصدر المحافظات العراقية بنسبة الفقر، بل إنها تضم أحياءً هي الأفقر على الإطلاق في العراق.
تُعد ميسان واحدة من أهم المحافظات العراقية من حيث موقعها الاستراتيجي والاقتصادي، حيث تضم حقل الحلفاية الذي يُعد من الحقول الكبيرة على مستوى العراق والعالم، وينتج حالياً أكثر من ٥٠٠ ألف برميل من النفط الخام يوميا، والمخطط زيادة الإنتاج إلى مليون برميل لعام ٢٠٢٥.
أخذت ميسان نصيبا كبيرا من الإقصاء والتهميش بزمن النظام البعثي، وتعرّض أهلها للتنكيل وتجفيف أهوارها وإعدام الآلاف من شبابها وزجّ آلاف آخرين في السجون. وكذلك تعتبر من المحافظات الأولى التي استجابت لفتوى المرجعية وساهمت مساهمة كبيرة في المعارك لطرد داعش الإرهابي من العراق، وأعطت ٧٠٠ شهيد وآلاف الجرحى في هذه المواجهة، ورغم ذلك لم تحظَ هذه المحافظة بالدعم الحكومي رغم الصيت الذي يتمتع بها محافظها علي دواي.
*نفط ميسان
تُعد محافظة ميسان ثاني أكبر المناطق النفطية في العراق بعد البصرة احتياطا وتصديرا، وهنا لابد من إيراد الأرقام الدّالة على أن هذه المحافظة ثريّة جدا ولا يستحق أهلها كل هذا العَناء والفقر، فتحت تلك الأقدام الحافية يرقد 30 مليار برميل نفط كاحتياطي مؤكد لمحافظة ميسان من الذهب الأسود، وفي وقت سابق أعلنت شركة نفط ميسان أنها قادرة على استخراج 10 مليارات منها بإمكاناتها الحالية، هذه هي حصة محافظة ميسان من احتياطي العراق النفطي.
لكن ثروة محافظة ميسان النفطية لم تنعكس على المستوى المعيشي والتنموي والحضري لأهلها، وهناك مَن يربط بين مشكلات الحكومة ومعاناة هذه المحافظة، حيث إن هناك عددا من القوانين والتشريعات لو أُقِرّت لكان ممكنا لأي محافظة في العراق أن تستفيد من ميزاتها النسبية الاقتصادية، ويظهر ذلك بشكل رفاه وتطور في حياة الأهالي. وأهم تلك القوانين المعطّلة أو المتعسرة الولادة:
- قانون النفط والغاز الذي مازال يواجه عوائق هائلة وخلافات تحول دون تشريعه.
- قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم وقضية اللامركزية الإدارية.
- قانون البترودولار وما يتيحه من نسبة مالية للمحافظات النفطية.
*قضاء الكحلاء.. الأشدُّ فقراً
رغم أنه يضم أكبر الحقول النفطية إنتاجاً، إلا إن ذلك لم يمنع تصدّر قضاء الكحلاء للأقضية الأكثر فقراً في العراق وبنسبة 79% وفق وزارة العمل، ويعود ذلك وفق مسؤولين محليين إلى عدم استفادة القضاء من موارد المشاريع التي يحتضنها.
يعتمد قضاء الكحلاء على الزراعة بالدرجة الأساس، لكن موجات الجفاف التي عصفت به خلال الأعوام السابقة شلّت هذا القطاع ولجأ أصحابه إلى المهن اليدوية، لاسيما وأن الحكومة المحلية عجزت عن الاستفادة من مياه الأمطار بسبب عدم الاهتمام بالسدود.
*الفقر رغم النفط.. أبرز الأسباب
لا يغفل الميسانيون عن حقيقة كون محافظتهم تطفو على بحر من النفط، ولم يغفلوا عن الموارد الطبيعية والبشرية التي يمتلكونها، حيث إنهم يعترفون بذلك لكنهم يعلِّلون الفقر إلى الهرم في محافظتهم وهو علي دواي.. محافظ ميسان منذ أكثر من 10 سنوات، حيث يؤكدون أن المحافظ ومنذ تسنّمه المنصب منذ عام 2010 إلا إنه لم يستطع السيطرة على المنافذ الحدودية ولم يجعل لميسان دوراً في الوردات والصادرات، فضلا عن الفساد الإداري الذي أوجزوه كما يأتي:
ـ ما يقارب الـ 150 مشروعاً متوقفاً في محافظة ميسان.
ـ100 مشروع متوقف نهائياً عن العمل، من أهمها مشروع مجسَّر الكرامة وطريق البتيرة و 6 مجمعات سكنية والمستشفى التركي ومحطات الطاقة الكهربائية وشبكة ماء العمارة وتأهيل شبكة الصرف الصحي وتأهيل شبكة الكهرباء ومسبح ميسان الدولي.. والقائمة تطول.
- ما يقارب الـ 50 مشروعاً تم فتحه جزئياً، مثل مجسّر السراي أو معمل السُّكر وملعب ميسان الدولي وطريق الحولي ومجمعات سكنية ومناطق تفقد للخدمات.. والقائمة تطول.
ـ أهم إنجازات "محبوب التيار" كما يصفونه الميسانيون هي وجود العديد من قضايا الفساد، منها سوء إدارة الدوائر المليئة بالفساد والرشوة والعصابات الذي لم يتمكن من السيطرة عليها رغم أنه صاحب السلطة الأكبر بالمحافظة ورئيس اللجنة الأمنية وخلية الأزمة.
يُرجع الميسانيون أسباب عدم الإفادة من ثروات المحافظة للنقاط أعلاه، فضلا عن غياب الدعم الحكومي للمحافظة وجعل ثرواتها رهينة محافظات أخرى أبرزها المحافظات الشمالية، لاسيما بعد المخالفات الأخيرة للإقليم ببيع النفط إلى تركيا دون الرجوع للحكومة المركزية.
*الفساد يبتلع الثروات
يؤكد مختصون، أن الفساد والسرقة والنهب للمال العام، استشرى في جميع المفاصل الإدارية، لاسيما منها المرتبط بالخدمات المباشرة ذات الصلة بالحياة اليومية للميسانيين، وطال أيضا البنية والقاعدة الصناعية والاقتصادية للمدينة التي كانت بنيتها التحتية موجوة أصلا، وكان يعوّل عليها في مشاريع مطوّرة لاحقة للنهوض بواقعها التنموي .
*مصانع معطلة
لا يمكن الاعتماد على مورد واحد للارتقاء بواقع الشعوب، ولطالما كانت ميسان تتمتع بخيرات وموارد كثيرة ومتعددة، فمصنع الورق ومصنع البلاستيك ومصنع قصب السكر، ومعامل الحجر والمرمر والطابوق والمشروبات الغازية، معامل ومصانع شبه معطّلة بسبب عمليات الاختلاس والسرقة والنهب وانعدام الإدامة والصيانة والتجهيزات الحديثة.
ويؤكد مختصون، أن هنالك كوارث أخرى في المحافظة، تتمثل بسرقة النفطين الخام ومشتقاته وبيعه بالأسواق السوداء، في وضح النهار وعلى مرآى من أبناء المدينة، وفوق هذا وذاك من الكوارث المحدقة بالمدينة تأتي الطامة الكبرى في استباحة المواقع الآثرية لمملكة ميسان، تلك المُكتَشفة والمعلمة والمسيّجة قبل الاحتلال والتي تنتظر دورها في استخراج كنوزها الآثرية التاريخية التي تحكي تاريخ حضارة لمدينة عريقة وشعب أعرق.
*تحذيرات من تفاقم الفقر
خبراء ومختصون بالشأن الاجتماعي، حذروا من استمرار ارتفاع نسب الفقر بمحافظة ميسان، في ظل السياسات الفوضوية لحكومة بغداد، والتي باتت تشكل تهديدًا خطيرًا للمجتمع المحلي.
يؤكد الخبراء، أنّ ارتفاع نسبة الفقر في المحافظة بوتيرة متسارعة، وإهمال السلطات الحكومية توفير المعالجات الضرورية وتحسين الواقع الاقتصادي فيها ساهم في رفع نسب الفقر والبطالة، مشيرين إلى أنّ آلاف المزارعين وذوي المهن البسيطة فقدوا مصادرهم الاقتصادية، في حين لم تقدِّم لهم الجهات الحكومية الدعم اللازم للتغلب على الأزمة.
ووفق المختصين، فإنّ السياسات الحكومية جعلت المحافظة تشكو من الإهمال الزراعي والصناعي، بالإضافة إلى التراجع العام في التنمية الاقتصادية، مضيفين أنّ استمرار ارتفاع أسعار المواد الغذائية المرتبط بخفض قيمة الدينار العراقي، تسبب بارتفاع إجمالي أعداد الفقراء.
ناشطون اتهموا أيضا حكومة مصطفى الكاظمي، بالتسبب في ارتفاع نسبة الفقر والبطالة في العراق إلى مستويات غير مسبوقة، جرّاء فشلها في معالجة الأزمات والمشاكل الاقتصادية التي تعصف بالبلاد.
بدوره، حذّر النائب عن محافظة ميسان أسامة البدري، من تزايد خطير بنسب الفقر في المحافظة والتي باتت تشكل تهديدا خطيرا بين الكثير من العوائل، مشيرا إلى أن المحافظة تحتل موقع الصدارة بين المحافظات الأكثر فقرا وهذا ينذر بخطر كبير في المستقبل القريب كون الجانب الاقتصادي معدوم داخل المحافظة.
ويؤكد البدري أن المحافظة لم تُنصف من قبل الحكومات المتعاقبة حيث تشكو الإهمال الزراعي والصناعي والاقتصادي بسبب السياسات الحكومية المتبعة.
*هجرة وعمل
بدوره شكا المواطن سلام الربيعي، أحد أبناء مدينة العمارة مركز محافظة ميسان، الحال لشبكة انفوبلس، بالقول إن "عدم توفير فرص عمل في محافظتي، أجبرني على المجيء لأعمل بائعا متجولا في كربلاء".
ويوضّح الربيعي، أن "فقر الحال، أجبره على هجرة أهله، كي يعيلهم ويوفر لهم لقمة العيش من بعيد، لكون فرص العمل في ميسان تكاد لا تُرى أصلا"، مردفاً بالقول "حتى (العمّالة) أصبحت شحيحة".
مشكلة محافظة ميسان ليست حصرية، ومشروع التأهيل وإن اتخذ من ميسان عنوانا إلا إنه مشروع يخص جميع محافظات العراق، ففي كل محافظة ميزة نسبية لم تُستثمر بعد، فهناك محافظات النفط، ومحافظات الزيارة والسياحة، فميسان تعني البصرة وكركوك والناصرية والكوت نفطياً، وتعني النجف وكربلاء وبغداد وصلاح الدين سياحة وزيارة، مع أن جميع هذه الأسماء والأماكن والمدن تذكّر الإنسان ببؤر الفقر والحرمان المتوارث، ميسان عنوان لبلد يعاني معضلات هائلة يجب أن يلتفت إليها ساسته بدل انشغالهم بمشاكلهم الشخصية والحزبية.