أول مسلم يترشح لمنصب عمدة نيويورك.. زهران ممداني يثير رعب الجماعات المؤيدة لـ"إسرائيل"

انفوبلس/ تقرير
في سابقة تاريخية، فاز عضو الجمعية التشريعية في ولاية نيويورك زهران ممداني، بالانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي لمنصب عمدة مدينة نيويورك، ليصبح رسميا أول مسلم يُرشح عن أحد الحزبين الكبيرين لهذا المنصب في الانتخابات العامة المرتقبة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، فمن هو؟ ولماذا أثار رعب الجماعات المؤيدة لـ"إسرائيل"؟
زهران ممداني، سياسي أميركي من أصول هندية، اشتهر بمواقفه التقدمية ودعمه للتيار الاشتراكي الديمقراطي داخل الحزب الديمقراطي، إضافة إلى تأييده القضية الفلسطينية. وُلد في العاصمة الأوغندية كمبالا عام 1991، ونشأ بين مدينتي كيب تاون ونيويورك، ونال الجنسية الأميركية عام 2018. في عام 2021، انتُخب عضوا في الجمعية التشريعية لولاية نيويورك، ثم خاض عام 2024 سباق الترشح لمنصب عمدة المدينة، فأصبح أول مسلم يترشح لهذا المنصب في تاريخها.
تفاصيل الانتخابات التمهيدية
توافد مئات الآلاف من الناخبين الديمقراطيين، الثلاثاء، إلى مراكز الاقتراع، رغم التحذيرات الرسمية من الارتفاع الشديد في درجات الحرارة، في واحدة من أكثر الجولات التمهيدية تنافسًا في تاريخ المدينة، التي احتدمت فيها المنافسة بين التقدمي زهران ممداني، وأندرو كومو، حاكم نيويورك السابق الذي اضطر إلى الاستقالة عام 2021 بعد اتهامات بالتحرش الجنسي بـ11 امرأة، والذي كان حتى أيام قليلة من نهاية السباق، صاحب الحظ الأوفر في الفوز، بسبب الدعم الكبير الذي تلقاه من اللوبي الإسرائيلي وكبار رجال الأعمال وشخصيات سياسية بارزة بينها الرئيس السابق بيل كلينتون.
فوز ممداني بفارق كبير يمهد له الطريق لتولي منصب العمدة، في الولاية التي يفوق فيها عدد الديمقراطيين عدد الجمهوريين بثلاثة أضعاف، ويقلب المعادلة في المدينة التي تضم أكبر عدد من اليهود في العالم خارج إسرائيل.
مَن هو؟
المولد والنشأة
وُلد زهران كوامي ممداني يوم 18 أكتوبر/تشرين الأول 1991 في العاصمة الأوغندية كمبالا، وانتقل مع عائلته وهو في سن الخامسة إلى مدينة كيب تاون في جنوب أفريقيا، ثم إلى مدينة نيويورك الأميركية بعد عامين.
هو نجل الأكاديمي الهندي محمود ممداني، أستاذ العلوم السياسية في جامعة كولومبيا، والمخرجة الشهيرة ميرا ناير، صاحبة أفلام "ميسيسيبي ماسالا" و" زفاف في موسم الأمطار". وتأثر ممداني بتجربة والده الفكرية وأعمال والدته الفنية، ليوجّه لاحقا بوصلته نحو القضايا الاجتماعية والاقتصادية التي تمس الفئات المهمشة.
نال ممداني الجنسية الأميركية عام 2018، وتزوج في عام 2025 من الفنانة التشكيلية السورية راما دواجي.
الدراسة والتكوين العلمي
تلقى ممداني تعليمه الأولي في المدارس العامة بمدينة نيويورك، وتخرج في مدرسة برونكس الثانوية للعلوم، ثم حصل عام 2014 على البكالوريوس في الدراسات الأفريقية من كلية بودوين.
يُتقن ممداني لغات عدة، منها الإنجليزية والسواحيلية والهندية، مما ساعده في التواصل مع شريحة واسعة ومتنوعة من سكان منطقته. شارك أثناء دراسته الثانوية في تأسيس أول فريق كريكيت في مدرسته، وكانت ممارسته السياسية آنذاك تقتصر على منشورات مطولة على فيسبوك.
وفي المرحلة الجامعية، شارك في تأسيس أول فرع لحركة "طلاب من أجل العدالة في فلسطين"، وأسهم في تنظيم حملات وطنية بالتعاون مع منظمات تقدمية، هدفت إلى دعم مرشحين يساريين وتوسيع نطاق التأمين الصحي في الولايات المتحدة.
التجربة العملية والسياسية
قبل دخوله عالم السياسة، نال ممداني شهرة واسعة في مجال موسيقى الراب واشتهر باسمه المستعار "السيد هيل". ثم انخرط مبكرا في العمل الميداني ونشط في الحملات التي تطالب بإصلاح قوانين السكن وإلغاء ديون الطلاب.
وعمل ممداني مستشارا في مجال منع حجز المساكن، وهي الوظيفة التي دفعته للترشح لمنصب عام، إذ أدرك أن أزمة السكن لم تكن حالة طبيعية بل نتيجة سياسات متعمدة اتُخذت على مرّ الزمن.
انضم عام 2017 إلى حركة "الاشتراكيون الديمقراطيون في أميركا"، وهي أكبر منظمة اشتراكية في البلاد، تسعى لترسيخ الحضور العلني للاشتراكية الديمقراطية في المجتمعات والسياسة الأميركية. وفي عام 2020، فاز في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، وأصبح عضوا في الجمعية التشريعية لولاية نيويورك عن الدائرة 36 في منطقة أستوريا، ليكون ثالث مسلم يتولى هذا المنصب.
عُرف ممداني بانتقاده الشديد لسياسات إسرائيل، إذ وصف حربها على قطاع غزة بـ"الإبادة الجماعية". وفي عام 2021، كان أحد الأصوات القليلة في الجمعية التشريعية التي طالبت بوقف تمويل الشرطة التي تتعاون مع جيش الاحتلال الإسرائيلي.
كما شارك في فعاليات مناصرة لفلسطين في نيويورك، وصوّت لاحقا ضد تشريعات يرى أنها تقيّد حرية التعبير الداعمة لحركة المقاطعة "بي دي إس". ودعا ممداني في أعقاب الحرب على قطاع غزة عام 2021 إلى "وقف غير مشروط للعنف الإسرائيلي ضد المدنيين". وقال إن "العدالة لا يمكن أن تتحقق في نيويورك في وقت نغض فيه الطرف عن الظلم في فلسطين".
وأكسبته هذه المواقف شعبية واسعة بين الناخبين المسلمين في نيويورك، لكنها في المقابل أثارت انتقادات شديدة من جماعات ضغط مؤيدة لإسرائيل.
مرشح منصب العمدة
في أكتوبر/تشرين الأول 2024، أعلن زهران ممداني ترشحه لمنصب عمدة مدينة نيويورك، ورفعت حملته الانتخابية شعار "نيويورك التي يمكن تحملها". وركزت الحملة على 3 أولويات رئيسية، هي وقف ارتفاع الإيجارات وتوفير وسائل نقل عام مجانية وفرض ضرائب على الشركات الكبرى لتمويل الخدمات الأساسية.
ويرى ممداني أن أزمة السكن في المدينة لم تعد مسألة ظرفية، إذ تجاوز متوسط إيجار شقة من غرفة واحدة عتبة 3500 دولار شهريا، مما يجعل مئات الآلاف من السكان مهددين بفقدان مساكنهم.
وحذر ممداني في تصريحاته من أن "نيويورك أصبحت مدينة تعمل لخدمة الأغنياء، في وقت يُطلب فيه من بقية السكان أن يكافحوا من أجل البقاء".
وحظيت حملة ممداني الانتخابية بتأييد واسع من التيار الديمقراطي الاشتراكي داخل الحزب الديمقراطي، وخاصة من السيناتور بيرني ساندرز والنائبة ألكساندريا أوكاسيو كورتيز.
في المقابل، أثار ترشح أول مسلم لمنصب عمدة نيويورك رعب الجماعات المؤيدة لإسرائيل بحسب صحيفة هآرتس الإسرائيلية، وأخضع ممداني لتمحيص مكثف على خلفية مزاعم "معاداته للسامية"، في ظل وجود ما يقارب مليون يهودي في المدينة.
وفي 25 يونيو/حزيران 2025، فاز ممداني في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي لرئاسة بلدية نيويورك، بعد إقرار منافسه الرئيسي، حاكم الولاية السابق أندرو كومو بالهزيمة. وبعد فرز أكثر من 95% من الأصوات، تصدر ممداني السباق بنسبة تفوق 43% مقابل %36 لكومو.
ترشح زهران ممداني لا يحمل فقط بُعداً انتخابيا، بل يمثل رمزية كبيرة في المشهد الأمريكي؛ فهو أول مسلم وأول أمريكي من أصل آسيوي يترشح عن حزب كبير لمنصب عمدة مدينة نيويورك، التي تضم أكبر تجمع لليهود خارج "إسرائيل"، والتي طالما كانت مسرحا لتوازنات دقيقة بين المال والنفوذ والسياسة.
وبفوزه في الانتخابات التمهيدية، سيواجه ممداني مرشح الحزب الجمهوري الناشط اليميني كورتس سليوا، في الانتخابات العامة يوم 4 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وفي حال فوزه في الانتخابات العامة، لن يمثل هذا مجرد انتصار سياسي، بل إعلانا بأن الأصوات القادمة من الهامش قادرة على اقتحام مركز السلطة، وأن الدفاع عن القضية الفلسطينية لن يوقف الفوز في أكثر المدن الأمريكية حساسية اتجاه هذه القضية.
وينبئ الفوز المحتمل لممداني في مدينة كبرى مثل نيويورك بتحول في المشاعر العامة على نطاق واسع، حيث تشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أن التعاطف مع الإسرائيليين بلغ أدنى مستوى له على الإطلاق، في حين وصل التأييد للفلسطينيين إلى مستوى لا مثيل له في الارتفاع منذ عام 2001، طبقا لمقال الرأي في صحيفة هآرتس.