الإمام الخميني مفجر الثورة الإسلامية في إيران أوصى أهل بيته بعدم تسلم أي منصب وهذا ما عملوا عليه
قصة زهد وإيثار
الإمام الخميني مفجر الثورة الإسلامية في إيران أوصى أهل بيته بعدم تسلم أي منصب وهذا ما عملوا عليه
انفوبلس/..
لقد كان تواضع وزهد وإيثار مؤسس إيران الإسلامية الحديثة الإمام الراحل السيد روح الله الخميني وأهله وأعوانه وبساطة عيشهم، من أهم العوامل التي أدت الى نجاح ثورة الشعب الايراني على الشاه الطاووس المتعجرف، وساهم ذلك في كاريزما وصدقية مفجر الثورة التي ساعدت في صبر الشعب على التحديات والحروب المفروضة والحصار.
*زهد الإمام الخميني
لقد ملك الإمام قلوب محبيه بزهده وبساطة عيشه؛ فمنذ أيام النجف وكان الإمام حينها مرجعا دينيا جيء له بمكيف صحراوي كبير يقيه حر أيام الصيف النجفية، فسأل رجاله، هل يوجد مكيف في كل البيوت النجفية؟ وبالطبع كانت الإجابة بالنفي، فقال لهم بحزم: "ردوه، وعودوا به عندما تُجهز كل بيوت النجف بالمكيفات".
وعندما غادر النجف متوجهاً الى الكويت نادى سماحته نجله أحمد قائلا: "أحمد… أعطني ملابسي.."، وعندما فتح السيد احمد حقيبة الامام لم يرَ فيها غير عباءة وجبّة، وثوب وسروال ومنشفة. تصوروا أن هذا المرجع الديني الكبير والزعيم السياسي الفذ، ورغم المبالغ الضخمة التي كانت تصله ويوزعها على طلبة العلوم الدينية في إيران والعراق لا يمتلك في حقيبته من متاع الدنيا سوى هذه الأشياء البسيطة.
بعد انتصار الثورة الإسلامية تعب الجهاز الأمني الخاص بالإمام حتى وجد أخيراً منزلا تتوافر فيه الشروط الأمنية، وعندما جاء الإمام لرؤية المنزل الجديد رفض الدخول إليه، وعاد من حيث جاء لأن جدران المنزل كانت من الحجر، وفخامة الدار تتنافى مع نزعة الإمام التقشفية، وهو الذي وصف ثورته منذ البداية وسماها "ثورة الحفاة وساكني الأكواخ" ولم يُرد أن يتميز عنهم بشيء.
وأخيراً استقر الإمام في ذلك البيت المتواضع في جماران خلف تلك الحسينية المباركة والصغيرة المبنية من الطوب مانعاً تزيينها واستكمال أعمال البناء وتلبيس الجدران بمواد البناء الاخرى.
في ذلك البيت استقبل زعماء العالم ووزراء خارجية الدول العظمى وهو يفترش الأرض ولا يبالي بكل المظاهر المادية التي كانت سائدة في قصور الشاه الهارب وما احتوته من خدم وحشم وترف باذخ.
لم تهز شعارات الفداء بالأرواح والدماء شعرةً في جسم الامام، ولم تحرك له جفنا، وكانت هذه الشعارات المؤيدة له والمديح الكبير لا قيمة لها عنده إزاء نيله مرضاة الله تبارك الله وتعالى.
*الممتلكات الشخصية للإمام
لم يكن الإمام الخميني كما عُرف لدى الجميع فقيراً ومعدماً إلى حد أنه لم يرث شيئاً عن والده، وكذلك بالنسبة لقدرته في توفير وتأمين الامكانيات التي تتيح له حياة كريمة ومرفهة، والحقيقة أن الإمام كان قد وزع الأرض التي ورثها عن والده إلى الفقراء والمساكين، كما أنه أهدى جميع الأملاك والبيوت المتعددة التي قُدمت له هدايا من المؤمنين والمحبين سواء قبل انتصار الثورة أو بعدها والتي لم تكن حقوقاً شرعية أو نذورات إلى المستحقين من الفقراء والمؤسسات الخيرية بعد قبوله لها وتملكها.
ومنها المساحات الواسعة التي تعد بالهكتارات من البساتين التي كانت قد قُدمت إلى الإمام بعنوان هدايا، حيث أمر سماحته بعد قبولها بتوزيعها على المزارعين الذين يعملون فيها وتمليكهم إياها، وأخيراً لم يبقَ للإمام شيء يملكه سوى ذاك البيت الصغير المتواضع الذي كان يسكن فيه أيام الدراسة في قم، والواقع في محلة "يخچال قاضي" تلك المحلة التي تعتبر في ذلك الزمان آخر نقطة سكنية في قم، وهذا المنزل أيضاً، أصبح مركزاً لمراجعة الناس والطلاب فيما يتعلق بالمسائل الشرعية والمصالح العامة، سواء في الفترة التي كان مُبعداً فيها إلى النجف الأشرف، أو فترة ما بعد انتصار الثورة وإلى يومنا هذا.
إن حبَّ الأمة للإمام وتعلقهم به ناتج عن عظمة شخصيته، وتُرجم هذا الحب، عبر تقديم المخلصين له الكثير من الهدايا الشخصية، بالإضافة إلى الأرض والبيوت، والأموال الطائلة والذهب والأشياء النفيسة، والكتب وأنواع مختلفة من المصاحف القرآنية المخطوطة واللوحات الفنية العظيمة، والأقمشة الغالية وغيرها من الأشياء التي كانت تقدم من طرف المشتاقين والمؤمنين بسمو وعظمة مقامه الشريف.
لقد بلغت قناعة الإمام أقصى درجاتها من الاقتصار على الضروري في المصاريف الحياتية والشخصية والعائلية اليومية، بشكل بلغ الحد الأدنى لحياة عامة الناس، ومع أن هذه الأموال وتلك الهدايا كانت تقدم له بعنوان شخصي محض فإنه لم يُبقِ أو يدخر منها شيئاً لنفسه إلى حد أن ما تركه الإمام بعد رحيله، لم يكف لتغطية نفقات يومين أو ثلاثة أيام لاستضافة بعض الضيوف على المستوى العادي سواء في المكتب أو البيت.
*التحصن بالقلاع المنيعة
أما القصة التي لا ينبغي نسيانها فهي - بحسب آية الله توسلي مدير مكتب الإمام الراحل - "عندما اشتدت الضغوط والمؤامرات الأمريكية على الثورة بهدف إخمادها في مهدها، وانتشرت التفجيرات وطالت سلسلة الاغتيالات كبار قادة الثورة، من تفجير مقر الحزب الجمهوري الاسلامي، واستُشهد اثنان وسبعون من خيرة القادة والوزراء والنواب، وصولا إلى استشهاد الرئيس محمد علي رجائي الوجه الثوري المحبوب. كنا نقدم الصحف للامام في الساعة الثامنة صباحاً من كل يوم، لكن الإمام وعلى غير عادته في ذلك اليوم طلب تقديم وقتها من تلك اللحظة وصاعدا إلى الساعة العاشرة من كل يوم، وعندما تحرينا السبب وجدنا أن الإمام راح يواظب في هذا الوقت على قراءة الزيارة الجامعة الكبيرة، لماذا يسأل آية الله توسلي، ويجيب عن سؤاله: "ليعلمنا أنه كلما اشتدت الضغوط الخارجية علينا التوجه أكثر إلى الداخل، والتحصن بقلاعنا المنيعة".
*الوصية
الإمام الخميني أوصى أهل بيته بعدم تسلم أي منصب حكومي أو سياسي. وظهرت هذه الوصية في خطاب ألقاه الإمام الخميني في عام 1980، حيث قال: "أوصي عائلتي وأبنائي بعدم تولي أي منصب حكومي أو سياسي. أريد منهم أن يظلوا مع الشعب وأن يخدموا الإسلام".
وقد أكد الإمام الخميني على هذه الوصية في مناسبات أخرى، مشدداً على أهمية بقاء عائلته بعيدين عن السلطة ومصالحها.
وتعود هذه الوصية إلى إيمان الإمام الخميني بأن المناصب الحكومية والسياسية قد تكون مصدر فساد وإغراء، وأن بقاء عائلته بعيداً عن هذه المناصب سيحافظ على نزاهتهم ومصداقيتهم.
كما اعتقد الإمام الخميني أن عائلته يجب أن تكون قدوة للشعب، وأن توليهم المناصب قد يُفسر على أنه استغلال للسلطة أو محاولة للحفاظ على السيطرة على البلاد.
وبالفعل، التزم أهل بيت الإمام الخميني بهذه الوصية، ولم يتولَّ أي منهم أي منصب حكومي أو سياسي منذ وفاته عام 1989.
وقد نالت هذه الوصية احترام وتقدير الكثيرين، الذين رأوا فيها دليلاً على نزاهة الإمام الخميني وتواضعه، وحرصه على مصلحة الإسلام والشعب.