شركات الاحتلال تتغلغل في السعودية بدعم رسمي وتحت غطاء استثماري تقني

شراكات رقمية مع الاحتلال
انفوبلس/..
رغم غياب أي إعلان رسمي للتطبيع، تواصل السعودية تعزيز علاقاتها السرية مع شركات إسرائيلية، وفق ما كشفته صحيفة "غلوبس" الإسرائيلية. التقرير أشار إلى أن شركات سيبرانية إسرائيلية تنشط بشكل متزايد في المملكة، تحت غطاء شركات وسيطة أو فروع أجنبية، في مشهد يعكس تناقضاً صارخاً بين الخطاب العلني والسياسات الفعلية.
ورغم فتور العلاقات بعد 7 أكتوبر 2023، لم تتوقف هذه الأنشطة، بل توسعت، خاصة في مجالات الأمن السيبراني. هذا التعاون الخفي، الذي يتم من تل أبيب إلى الرياض، يثير تساؤلات حول الأولويات السعودية وموقفها من القضية الفلسطينية، في ظل غياب أي شفافية أو مساءلة شعبية.
ونشرت صحيفة "غلوبس" الإسرائيلية تقريراً اليوم الثلاثاء، زعمت فيه ممارسة مجموعة من الشركات السيبرانية الإسرائيلية نشاطها في السعودية. ولفتت إلى أنه توجد علاقات تجارية بين شركات إسرائيلية وسعودية رغم عدم وجود تطبيع، إلا أنها شهدت فتورا منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ولفتت الصحيفة إلى أنه لسنوات، بُنيت العلاقات بين السعودية وإسرائيل دون اتفاقية سلام. وحتى اليوم، وبعد عام ونصف من 7 أكتوبر، لا تزال العلاقات التجارية قائمة، وإن كانت على نار هادئة كما قالت.
وبحسب تحقيق أجرته صحيفة "غلوبس"، فإن معظم الشركات الإسرائيلية العاملة في السعودية تعمل في مجال الأمن السيبراني، وبعضها الآخر يعمل أيضًا في مجال الأمن القومي وحماية المنشآت، بعضها أسسه إسرائيليون في الخارج بعد أن افتتحوا فروعًا سعودية عبر شركة أجنبية. يعمل معظمها مع شركات مثل "سباير" و"بولوارك"، المتخصصة في توزيع المنتجات وتركيب الأنظمة التكنولوجية لعملاء في دول الخليج ومصر والأردن.
"سايبر آرك" ودورها في المملكة
ومن بين الشركات التي لها وجود عام في السعودية وفق مزاعم الصحيفة، شركة CyberArk، وهي شركة إسرائيلية تعمل في مجال الإنترنت، وتدار من إسرائيل ويعمل بها 4000 موظف، منهم حوالي 1200 في بتاح تكفا وبئر السبع.
وأعلن توم لوندز، رئيس المبيعات السابق لشركة سايبر آرك في الشرق الأوسط، بعد أشهر قليلة من 7 أكتوبر/تشرين الأول، عن خطط الشركة للتوسع في السعودية. وأفادت الشركة، التي تؤمن هويات المستخدمين، بتحقيق "نمو مطرد بنسبة تقارب 25% سنويًا منذ دخولها المنطقة.
وبحسب توم لوندز، فأن السعودية ستصبح عام 2024 محركًا رئيسيًا لهذا النمو، حيث تستحوذ الآن على ما يقرب من 40% من أعمال سايبر آرك في الشرق الأوسط" بحسب قوله.
وادعى كذلك أن شركة سايبر آرك تخدم أكثر من 50 عميلاً في المملكة، وتخطط لمضاعفة عملياتها هناك خلال العامين المقبلين، مع ذلك، ترك لوندز منصبه في فبراير/شباط الماضي، ولم تُقدّم الشركة أي تحديثات حول عملياتها في السعودية.
شركات أخرى لها انشطة
ليست شركة CyberArk وحدها في هذا المجال: فشركة Check Point وفق صحيفة "غلوبس" نشطة في المملكة السعودية، ضمن أنشطتها في شبه الجزيرة العربية، لكن مبيعاتها في السعودية لا تُمثل سوى جزء ضئيل من إيراداتها.
أما شركة Cybereason، وهي شركة سيبرانية تأسست في تل أبيب وتُعنى بحماية أجهزة نقاط النهاية، فقد نقلت مقرها الرئيسي إلى سان دييغو، وتعمل في السعودية منذ عدة سنوات، ويعود الفضل في ذلك جزئيًا إلى مساهمها الرئيسي SoftBank.
شركة سيبرانية أخرى، مقرها نيوجيرسي، لكن معظم موظفيها إسرائيليون، ولم يُكشف عن هويتهم، تعمل في المملكة. توظف الشركة مديرين في المملكة، بمن فيهم مدير التوزيع السابق الذي عمل سابقًا في سباير، والذي يدير الآن، وفقًا لملفه الشخصي على لينكدإن، جميع أنشطة المبيعات في دول الخليج ومصر وتركيا من الرياض.
شركة أخرى، لم يُكشف عن اسمها في تقرير "غلوبس"، تأسست في إسرائيل ونقلت مقرها الرئيسي إلى الولايات المتحدة قبل نحو عام، أعلنت مؤخرًا عن وظيفة مدير مبيعات في الرياض، وشغلت المنصب قبل بضعة أشهر. تُدرّب الشركة الكوادر السيبرانية، وهو مجال يحظى باهتمام كبير من المملكة، التي تستثمر حاليًا مليارات الدولارات في تدريب العاملين في قطاع التكنولوجيا المتقدمة، بهدف الاستغناء عن الاستثمار في النفط مع انخفاض إنتاجه.
وهناك شركة إسرائيلية أخرى تعمل في السعودية هي شركة كونتينيويتي، وهي شركة برمجيات تأسست قبل عقدين من الزمن في الولايات المتحدة ونقلت مركز عملياتها إلى إسرائيل "لأسباب تتعلق بالصهيونية والمزايا الضريبية"، بحسب ما قاله الرئيس التنفيذي لشركة كونتينيويتي جيل هيشت لصحيفة "غلوبس" الاقتصادية الإسرائيلية.
تُقدّم الشركة أنظمة تُمكّن المؤسسات من التعافي من الأعطال الفنية والحوادث السيبرانية، وتُوفّر أنظمة تخزين ونسخ احتياطي آمنة للبنوك والمؤسسات الكبيرة. في المملكة العربية السعودية تحديدًا، وفي العالم العربي عمومًا، تعمل الشركة بشكل رئيسي من خلال موزعين ومُصنّعين للأنظمة الكبيرة المُثبّتة فيها، مثل شركة ديل.
مركز اعتدال والحرب السيبرانية
ضمن هذا السياق، يبرز دور "مركز اعتدال" الذي أنشأته السعودية عام 2017 خلال زيارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، والذي رُوّج له حينها كمنصة لنشر التسامح ومكافحة التطرف.
غير أن واقع أداء المركز، وفق مراقبين، يشير إلى توظيفه كأداة في الحرب السيبرانية، حيث استُخدم خلال عامه الأول في شن حملات إلكترونية وهجمات إعلامية ضد دول وقوى إقليمية معارضة للسياسات السعودية.
وهذا الدور يتقاطع بوضوح مع التعاون الخفي بين الرياض وشركات إسرائيلية متخصصة بالأمن السيبراني، ما يعزز فرضية أن السعودية لا تستخدم هذه الشراكات لأغراض دفاعية فحسب، بل أيضاً لتكريس نفوذها السياسي والإعلامي عبر الفضاء الرقمي.
تغلغل إسرائيلي خلف الكواليس
وفي خطوة تكرّس هذا المسار من التعاون غير المعلن، وقّع الاتحاد السعودي للأمن السيبراني في عام 2022 مذكرة تفاهم مع شركة Spire Solutions، التي ترتبط مباشرة أو عبر مكوناتها بعدد من الشركات الإسرائيلية.
تتكوّن Spire من سبع شركات، بعضها أُسس داخل إسرائيل أو له جذور عميقة في مؤسساتها العسكرية والأمنية، مثل شركة Mitiga التي أسسها ضابط سابق في وحدة 8200 التابعة لجيش الاحتلال، وشركة Cyberbit التي انبثقت عن Elbit Systems المتخصصة في الصناعات العسكرية.
كما تضم شركات تعمل في الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني مثل Robust Intelligence وAlgoSec وSnowflake، جميعها ذات ارتباطات مباشرة بإسرائيل. هذا الاتفاق، الذي جرى دون شفافية أو نقاش علني، يكشف مدى التغلغل الإسرائيلي في البنية الرقمية السعودية، ويطرح تساؤلات جوهرية حول طبيعة هذه الشراكات ومآلاتها السياسية والأمنية، لا سيما في ظل استمرار الاحتلال وغياب أي موقف علني سعودي حازم تجاهه.