33 عاما على اغتيال صلاح خلف وهايل عبد الحميد وفخري العمري.. هل كان لصدام حسين والقذافي يد فيها؟
كيف تضررت فتح بهذه التصفية الكبرى؟
33 عاما على اغتيال صلاح خلف وهايل عبد الحميد وفخري العمري.. هل كان لصدام حسين والقذافي يد فيها؟
انفوبلس/..
في الساعات الأولى من مساء 14 كانون الثاني 1991، غيّبت رصاصات الغدر أحد أهم مؤسسي حركة فتح الفلسطينية وعضو لجنتها المركزية، الشهيد القائد صلاح خلف، ورفيقَيه، عضو اللجنة المركزية، الشهيد القائد هايل عبد الحميد "أبو الهول"، والشهيد القائد فخري العمري "أبو محمد" أحد المساعدين المقرّبين لأبو إياد في جهاز الأمن الموحد آنذاك، وذلك في تونس العاصمة، أثناء اجتماع كان يعقده الثلاثة في منزل هايل عبد الحميد في قرطاج.
وقبل اغتيال القادة الثلاثة بأسبوعين، توجه الشهد صلاح خلف إلى العاصمة الأردنية عمان لأول مرة بعد جفاء سنوات، وألقى كلمة في النادي الملكي في احتفالية لحركة فتح في مهرجان شعبي بحضور جميع اللاجئين، وفي هذا اليوم بالذات ولأول مرة، طلب أبو إياد من مرافقيه الانتباه جيداً، وكانت تلك المرة الأولى التي يطلب منهم الانتباه جيداً، وغادر بعدها إلى بغداد ثم عاد إلى تونس.
*ليلة الاغتيال
قبل ساعات من اغتياله، جلس الشهيد أبو إياد في بيت فخري العمري، وكان من المفترض أن يلتحق بهم أبو مازن للسهر معهم، ولكن بعدما تأخر عن الجلسة، طلب أبو إياد من العمري التوجه لمنزل هايل عبد الحميد القريب من القصر الرئاسي التونسي، نتيجة وضعه الصحي غير المستقر.
في هذه الفترة، تصادف دوام الحارس حمزة أبو زيد، وهو من حراس منزل الشهيد أبو الهول، ودارَ حوار بينه وبين حارس آخر بوجود ضيوف لدى أبو الهول، وعندما عرف حمزة بأن أبو إياد يتواجد في منزل أبو الهول، وقف عند سيارته خارج المنزل، ودخل في حوار مع صديقه المسؤول عن حراسة المنزل، حول ما إذا كانت سيارة أبو إياد مصفحة أم لا، وقام حمزة حينها بسحب أجزاء سلاحه الكلاشينكوف على سبيل المزاح تجهيزاً لجريمته.
*خدعة حمزة
بدأ حمزة البحث عن مبرر لدخول المنزل، خاصة أنه من المكلفين بحراسة البيت من الخارج، وغير مخوَّل له دخول المنزل، فبدأ بالتذرع للحارس الخارجي أن هناك تماسا كهربائيا في الطابق العلوي لأن الإضاءة تعمل ثم تختفي، وطلب من الحارس إبلاغهم، فقال له لا يوجد شيء، الأمور طبيعية ولم ألحَظ أي تماس أو انطفاء في الأنوار، وهنا حاول إقناعه بضرورة إبلاغهم.
بعد إصرار حمزة، وقع هنا الخطأ من الحارس الخارجي، بعدما قال له ادخل إلى البيت وأبلغهم بهذا التماس، مع العلم أنه يُمنع دخول أي شخص من الحراسات الخارجية داخل المنزل.
بدأ حمزة بالطرق على باب البيت، وكان سلاحه جاهزاً لإطلاق النار، وعندما فتحت له "الخادمة" الباب، أبلغها أن هناك تماسا كهربائيا في الطابق العلوي، وبمجرد دخول حمزة المنزل، أطلق النار مباشرة على صلاح خلف المتواجد في صالة الضيافة على يمين بوابة الدخول مباشرة.
بمجرد دخول حمزة للبيت، رفض الدخول في حوار مع أبو إياد، وأطلق صوبه رصاصتين، الأولى أصابته تحت العين والثانية في القلب، وهنا حماه الشهيد العمري ووضع صدره بصدر أبو إياد، فأُصيب بـ20 رصاصة وقُتل على الفور، وهنا قام أبو الهول بالهجوم على حارسه حمزة، فخرجت آخر رشقة من الرصاصات أصابت الجزء السفلي لأبو الهول.
*فشل الخطة
ساد التوتر في المكان، خاصة أن صوت إطلاق النار جاء من داخل المنزل، وبدأ الحراس بالتحرك، وفشلت خطة حمزة التي رسمها بأن يتم إطفاء الأنوار بعد الاغتيال والهروب من المنزل بسيارته إلى أقرب نقطة للجزائر على الحدود مع تونس.
وبعد فشل خطته، اضطر حمزة أبو زيد لاحتجاز زوجة الشهيد أبو الهول وخادمتها كرهائن، ودخل في جدال مع حارس البيت الذي سمح له بالدخول إلى المنزل، وقال له الحارس، "انت خربت بيت الشعب الفلسطيني"، ليدخل حمزة في حالة هستيريا.
حاصر الأمن التونسي المنزل بعدما احتجز حمزة الرهائن في الطابق العلوي من المنزل، ولفظ أبو الهول أنفاسه الأخيرة في السيارة قبل الوصول للمستشفى، وبدأت حالة الطوارئ في المنطقة، وهنا طلب حمزة إحضار وزير الأمن التونسي، فحضر أبو القاسم مسؤول الأمن في فرقة التدخل، فطرده حمزة وأطلق النار عليه وأصابه في إصبعه.
*اعتقال فإعدام
رضخ الأمن لطلب حمزة، وحضر الوزير التونسي، ليطلب حمزة منه إحضار طائرة لإخلائه من المكان، وبعد فترة من الحوار والنقاش والتفاوض، قرر تسليم نفسه ووضع سلاحه على الحائط وسلّم نفسه للأمن التونسي، وتم وضعه في الكرسى الخلفي في سيارة أمنية وتمت حمايته بأكثر من أربعة أشخاص خلال نقله.
خضع حمزة لتحقيق سرّي للغاية، وتم نقله بطائرة مقيداً بالسلاسل من تونس إلى الجزائر ثم اليمن، ورافقه في هذه الرحلة ضباط أمن فلسطينيون، هم، مجيد الأغا وعبد الله الحوراني وغازي الجبالي.
صدر بحق حمزة حكم بالإعدام، وتم تنفيذه على متن سفينة في اليمن، نتيجة ضغوطات مورست على منظمة التحرير، وتم إلقاء جثته في البحر، بحضور أبناء الشهيد أبو إياد.
وأُعلن بعدها أن المنشق عن حركة فتح صبري البنا "أبو نضال" هو من يقف وراء الاغتيال خدمةً للمصالح الإسرائيلية، وتم اعتقاله واستجوابه من قبل أجهزة الأمن التونسية.
*علاقة صدام والقذافي
كان إنذار الأمم المتحدة لصدّام حسين ينتهي في منتصف الليل يوم 15 كانون الثاني/ يناير 1991. وفي غضون ساعات من انتهائه كان من المخطّط لعاصفة الصحراء أن تدمّر العراق بعنفٍ وشراسةٍ. وفي الليلة التي سبقت الموعد النهائي، في السابعة مساء 14 كانون الثاني طلب أبو إياد صلاح خلف رئيس مخابرات منظمة التحرير الفلسطينية سيارته المرسيدس المصفحة ضد الرصاص ليذهب به سائقها من مكتبه وسط تونس الى منزل المسؤول عن أمن فتح هايل عبدالحميد أبو الهول الذي كان عائداً قبل ذلك بيوم من بغداد مع ياسر عرفات.
كانت منظمة التحرير الفلسطينية تحاول بشكل محموم أن تتجنب أو تستبق حرباً في الخليج، شعر أبو إياد أنها وشيكة الوقوع. وكان ياسر عرفات عقد طيلة ذلك اليوم مشاورات مليئة بالقلق في تونس مع مبعوثين فرنسيين، وإيطاليين وجزائريين. وكان عائداً لتوّه الى بغداد حيث توسّل الى صدّام حسين أن يعلن استعداده للانسحاب من الكويت. وما إن اجتمع هؤلاء القادة حتى وقعت الجريمة.
لقد كان لدى أبو نضال العديد من الأسباب كي يُقتل أبو إياد، غير أن ضباط المخابرات العربية والأجنبية الذين حاورتهم تكهنوا باحتمال وجود "يد خفية" وراء عملية الاغتيال، وأن الشك يحوم حول ليبيا والعراق وإسرائيل.
وتُسلِّمُ الأوساط الفلسطينية بأن العلاقات بين أبو إياد والعقيد معمر القذافي لم تكن ودّية طوال سنوات. وهي تعود جزئياً الى كراهية شخصية، كما يقولون، وتعود في جزء آخر الى ارتياب القذافي في كون أبو إياد يتآمر للإطاحة به بالتعاون مع ليبيي منفي مقره في القاهرة، وهو عبدالمنعم الهوني، الرئيس السابق للمخابرات الليبية. ولا بد أن يكون القذافي قد غضب أيضاً من جهود أبو إياد لزعزعة استقرار منظمة أبو نضال التي كانت تحت حمايته، والتي يعتبرها ذراعاً من أذرع المخابرات الليبية. لكن ليست هناك أدلة على أن القذافي طلب فعلاً من أبو نضال اغتيال أبو إياد.
وذكر البعض أن صدام حسين، وليس القذافي هو الذي يقف وراء الاغتيال بحجة أن أبو إياد، على عكس ياسر عرفات، لم يكن سعيداً بتحالف منظمة التحرير الفلسطينية مع بغداد، وأنه كانت هناك حاجة لإزالته كي يعيش ذلك التحالف. وبالإضافة الى ذلك كانت هناك في بعض الأحيان مزاعم بأن أبو نضال غادر ليبيا الى العراق قبيل اندلاع نزاع الخليج، فأعاد ولاءه إلى راعيه الأول.
صحيح أن عرفات كان أعلى صوتاً من أبو إياد في تأييد صدام خلال أزمة الخليج، على أنه لم يكن هناك اختلاف بينهما حول الموقف الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية ألا وهو: التمسك بمبدأ الانسحاب العراقي من الكويت ومحاولة تجنب الحرب في إطار حل عربي للأزمة.
وكان صدام حسين يطالب بالربط بين قضيتي فلسطين والكويت، وكان بحاجة الى دعم فلسطيني، بل وإلى أي دعم عربي يتمكن من حشده، ولكي ُيسبغ على نزاعه مع الكويت بُعداً عربياً فقد اصطنع موقف بطل الفلسطينيين من أول أيام الأزمة، ولهذا استبعد البعض تورط صدام في قتل أقرب المقرّبين لعرفات.