أول شخص أسود يتولى رئاسة الجامعة.. إقالة كلودين غاي من رئاسة هارفارد تؤجِّج غضب السود في أميركا وتزيد من دعم القضية الفلسطينية
انفوبلس/..
كلودين غاي باحثة سياسية أميركية ومديرة أكاديمية شغلت منصب عميدة الدراسات الاجتماعية وعميدة كلية الآداب والعلوم بجامعة هارفارد، ثم أصبحت بمنصب الرئيس الثلاثين لهذه الجامعة العريقة، وهي أول أميركية سوداء تتقلد هذا المنصب، قبل أن تقدم استقالتها بسبب اتهامات لها بـ"معاداة السامية".
عملت غاي أستاذة للدراسات الحكومية والأفريقية الأميركية في جامعة هارفارد، وتناولت أبحاثها السلوك السياسي الأميركي، بما في ذلك نسبة إقبال الناخبين وسياسات العِرق والهوية.
ولدت كلودين غاي عام 1970 في مدينة نيويورك بالولايات المتحدة لأبوين مهاجرين من هاييتي، حيث كانت والدتها ممرضة، فيما عمل والدها مهندسا.
عاشت كلودين معظم فترة طفولتها في مدينة نيويورك، ثم انتقلت مع والديها إلى حيث عمل والدها في فيلق المهندسين بالجيش الأميركي، ويشار إلى أنها ابنة عم الكاتبة الأميركية روكسان غاي.
تم تعيين كلودين غاي من قبل جامعة هارفارد لتكون أستاذة في الحكومة عام 2006، ثم عُيّنت أستاذة للدراسات الأميركية الأفريقية في عام 2007.
وفي عام 2015 تم تعيينها عميدة للدراسات الاجتماعية في كلية الآداب والعلوم بجامعة هارفارد، وفي عام 2018 تم تعيينها عميدة للكلية نفسها، فوجهت الجهود الرامية إلى توسيع نطاق وصول الطلاب وفرصهم، وتحفيز التميز والابتكار في التدريس والبحث، وتعزيز جوانب الثقافة الأكاديمية للكلية، وسعت لجذب الاهتمام إلى مجالات مثل تغير المناخ والعرق والأصل والهجرة.
وقد نجحت غاي في قيادة الكلية خلال جائحة فيروس كورونا، مع إعطاء الأولوية بشكل مستمر وفعال للأهداف المزدوجة المتمثلة في حماية صحة المجتمع والحفاظ على الاستمرارية والتقدم الأكاديمي.
ولم تطُل تجربة كلودين في رئاسة جامعة هارفارد، فبعد عملية طوفان الأقصى التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية على مستوطنات غلاف غزة يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 والعدوان الإسرائيلي الذي تلاها، تعرضت غاي للكثير من الانتقادات، لعدم إدانتها الهجمات "بشكل مناسب"، وكان من بين المنتقدين لها رئيس جامعة هارفارد السابق لورانس سامرز.
كذلك تعرضت لضغوط هائلة من قبل اللوبي الداعم لإسرائيل، وواجهت اتهامات بـ"معاداة السامية" على خلفية وصفها المظاهرات المناهضة لإسرائيل في حرم الجامعة بأنها تندرج في نطاق "حرية التعبير".
وفي 5 ديسمبر/ كانون الأول 2023 استدعت لجنة التعليم والقوى العاملة في الكونغرس كُلًا من كلودين وإليزابيث ماغيل رئيسة جامعة بنسلفانيا وسالي كورنبلوث رئيسة معهد ماساشوستس للتكنولوجيا (إم آي تي) إلى جلسة "محاسبة رؤساء الجامعات ومكافحة معاداة السامية"، حيث وجهت اتهامات لهن من قبل بعض أعضاء الكونغرس بأنهن لم يقمن بما يكفي لإدانة "معاداة السامية" ومكافحتها في حرم الجامعة.
وخلال الجلسة شبّهت النائبة الجمهورية إليز ستيفانيك دعوات بعض الطلاب إلى "الانتفاضة" بالحضّ على "إبادة جماعية ضد اليهود في إسرائيل والعالم"، وطالبت غاي بتوضيح ما إذا كان هذا النوع من الشعارات يتعارض مع قواعد السلوك في جامعة هارفارد.
وأجابت غاي "نحن نؤيد حرية التعبير حتى لو كان ذلك يتعلق بآراء مرفوضة ومهينة وبغيضة، عندما يتحول الخطاب إلى سلوك ينتهك سياساتنا -بما في ذلك السياسات المرتبطة بالتحرش أو التنمر- نتخذ تدابير".
وقد أثار هذا الرد موجة من الانتقادات ضد كلودين غاي، ودعت رسالة موقَّعة من 70 نائبا في الكونغرس إلى إقالتها من منصبها وإقالة كل من إليزابيث ماغيل وسالي كورنبلوث كذلك.
وكانت ليز ماغيل رئيسة جامعة بنسلفانيا قد تعرضت بالفعل لضغوط داخل جامعتها واستقالت في الأسبوع التالي للجلسة.
مؤسسة هارفارد تؤيد قيادة غاي
وفي 12 ديسمبر/ كانون الأول قال مجلس إدارة مؤسسة هارفارد، إنه "بالإجماع" يؤيد قيادة غاي. مضيفا، إن "الرئيسة غاي اعتذرت عن الطريقة التي تعاملت بها مع شهادتها أمام الكونغرس، والتزمت بمضاعفة حرب الجامعة ضد معاداة السامية".
ومع ذلك، فإن الضغوط المتواصلة على كلودين دفعتها إلى الاستقالة في نهاية المطاف بتاريخ الثاني من يناير/ كانون الثاني 2024، وقالت في بيان إنها قدمت استقالتها حتى لا يتسبب الجدل بشأن شخصها في "إلحاق ضرر بالجامعة".
وأشارت إلى أنها اتخذت قرارها كي تتمكن الجامعة من مواصلة أهدافها بعيدا عن السجالات. مضيفة، "أصبح من الواضح أنه من مصلحة جامعة هارفارد أن أستقيل، حتى تتمكن من تجاوز هذه المرحلة الصعبة للغاية عبر التركيز على المؤسسة بدلا من الفرد".
غاي تشن هجوما على "الغوغائيين والانتهازيين"
وشنّت رئيسة جامعة هارفارد الأميركية المستقيلة كلودين غاي هجوما لاذعا على من كانوا وراء إجبارها على التنحي من منصبها، ووصفتهم بالغوغائيين والانتهازيين.
وفي مقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز، قالت إنها اتخذت الثلاثاء الماضي القرار "المؤلم لكنه ضروري" بالاستقالة من منصبها رئيسة لجامعة هارفارد، بعدما تعرضت هي والمؤسسة للهجوم.
وتابعت: "لقد طُعنت في شخصيتي وذكائي، وحامت الشكوك حول التزامي بمحاربة العداء للسامية"، مشيرة إلى أن البريد الوارد الخاص بها طفح بالشتائم والقدح، وبتهديدها بالقتل.
وأقدمت غاي على التنحي عن منصبها عقب تعرضها لضغوط وانتقادات بسبب اعتبارها المظاهرات ضد إسرائيل داخل الحرم الجامعي ضمن نطاق "حرية التعبير".
وتناولت وسائل إعلام أميركية -الأسبوع الماضي- مزاعم حول "سرقتها بعض أعمالها الأكاديمية في السابق".
دعم فلسطين مستمر
ورغم ضغوط الجماعات المؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة على جامعة "هارفارد"، فإن عددا من طلاب هارفارد يقولون إنهم مستمرون في مظاهراتهم المؤيدة لفلسطين والمنتقدة للهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة.
ويعتقد الطلاب العائدون من العطلة الشتوية أن التوتر في الجامعة لم ينتهِ بعد، رغم استقالة رئيستها كلودين غاي بسبب الضغوط التي مورِست عليها بعد اعتبارها أن الاحتجاجات ضد إسرائيل تنضوي ضمن نطاق "حرية التعبير".
ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، يشن الجيش الإسرائيلي حربا مدمرة على غزة خلّفت حتى أمس الأربعاء 18/1/2024، 24 ألفا و448 قتيلا و61 ألفا و504 مصابين، وتسببت في نزوح نحو 1.9 مليون شخص، أي أكثر من 85 بالمئة من سكان القطاع، بحسب السلطات الفلسطينية والأمم المتحدة.
وخلال تلك الفترة عمّت مظاهرات في جميع أنحاء العالم مطالبة بوقف الحرب الإسرائيلية على غزة، والتي تدعمها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، إذ استخدمت حق النقض "الفيتو" مرتين في مجلس الأمن الدولي ضد مشروعي قرارين طالبا بوقفها.
وقال غييرمو سيلفا وهو طالب في قسم السياسة والفلسفة بجامعة "هارفارد"، "للأسف في هذه الأيام نتصدر عناوين الصحف والإعلام أكثر مما يحدث في قطاع غزة".
وأضاف سيلفا وهو عضو في رابطة طلاب لجنة التضامن مع فلسطين بالجامعة، إن الأخيرة "تعرضت لضغوط خارجية خاصة من العديد من المانحين والسياسيين في الولايات المتحدة، ترمي إلى قمع حرية التعبير المؤيدة للفلسطينيين".
ملاحقة من قبل ملياردير يهودي
وكان بيل أكمان، ملياردير صندوق التحوط اليهودي وخريج جامعة هارفارد، يلاحق غاي بلا هوادة منذ عملية 7 أكتوبر/ تشرين الأول الفلسطينية -كما تقول الكاتبة- وقد طالب منذ البداية بالإطاحة بها بسبب ردها الضعيف على هجوم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) الذي أسفر عن مقتل نحو 1200 إسرائيلي. وعندما لم ينجح ذلك، استخدم وسائل التواصل لتضخيم الادعاءات بأنها ما فَتِئَت تستخدم السرقة الأدبية في كتبها.
وفي مرحلة لاحقة، ادَّعى أكمان أن لديه معلومات داخلية تفيد بأنه تم تعيينها بسبب عِرقها لا مؤهلاتها المهنية، وقال "لقد علمت من شخص لديه معرفة بالموضوع، أن اللجنة لن تنظر في مرشح لا يستوفي معايير مكتب (التنوع والإنصاف والشمول)" في إشارة إلى المبادرة التي أثارت غضب العديد من المحافظين وتعرضت لانتقادات لاستبعادها اليهود.
ومع ذلك، لم يكن أكمان اليهودي الثري الوحيد الذي انقلب على أول رئيسة سوداء لجامعة هارفارد بسبب تعاملها مع أحداث 7 أكتوبر/ تشرين الأول، بل إن مجموعة كبيرة من الخريجين اليهود أعلنت وقف جميع التبرعات للجامعة، باستثناء مبلغ رمزي قدره دولار واحد سنويا.
وربما فضّلت غاي عدم اعتبار ما حدث لها مواجهة بين اليهود والسود، خاصة أن من بين المدافعين الرئيسيين عنها يهودا، ولكن كورنيل ويست الأستاذ اليساري السابق الجامعة -حسب تقرير هآرتس- ليست لديه مشكلة في ذلك، حيث كتب "كم هو محزن ومتوقع في نفس الوقت أن الشخصيات والقوى التي تدعم التطهير العرقي، وهجمات الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في غزة، طردوا أول امرأة سوداء رئيسة لجامعة هارفارد".