استراتيجية الأقليات.. الكيان الإسرائيلي يتجه لتفكيك سوريا وتحويل الدروز إلى حلفاء ميدانيين

الاحتلال يعمق التوترات الطائفية
انفوبلس/..
في تطور غير متوقع يزيد من تأزيم الوضع السوري، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، صباح السبت، عن بدء تحركات عسكرية شملت انتشاراً لقواته داخل مناطق في الجنوب السوري، إذ ذكر بيان مقتضب للجيش أن هذه الخطوة تأتي في إطار ما وصفه بـ"التحضيرات لمواجهة تسلل من عناصر معادية" إلى مناطق تسكنها الأقلية الدرزية.
البيان لم يفصح عن تفاصيل تتعلق بعدد القوات المشاركة أو المواقع المحددة التي تمركزت فيها، كما لم يوضح مدى اتساع نطاق العمليات، ما يفتح الباب أمام تساؤلات حول دوافع هذا التدخل وأهدافه الفعلية سواء على المستوى العسكري أو السياسي.
إجلاء دروز مصابين
وفي خطوة غير مألوفة تعكس طبيعة التوتر الطائفي القائم، أشار جيش الاحتلال في بيانه إلى أنه قام بإجلاء خمسة مواطنين سوريين من الطائفة الدرزية خلال الليل، بدعوى إصابتهم في الأراضي السورية.
وقد نُقل المصابون إلى "مركز زيف الطبي" في مدينة صفد داخل الأراضي المحتلة لتلقي العلاج، وهذه الخطوة، التي أُحيطت بتكتم رسمي، تؤشر إلى دور إسرائيلي متنامٍ في الملف الطائفي داخل سوريا، وسط تحذيرات صريحة من "تل أبيب" للنظام السوري بعدم الاقتراب من مناطق الدروز.
غارات قرب القصر الرئاسي
التدخل العسكري لم يقتصر على الانتشار البري، بل تزامن مع قصف جوي مكثف شنته الطائرات الحربية الإسرائيلية مساء الجمعة، واستهدفت الضربات الجوية، بحسب بيان جيش الاحتلال الإسرائيلي، مواقع عسكرية سورية شملت مرابض مدفعية مضادة للطائرات ومنشآت لإطلاق صواريخ أرض-جو، بالإضافة إلى موقع قريب من القصر الرئاسي في العاصمة دمشق.
وأكدت هيئة البث العامة الإسرائيلية "كان" أن تل أبيب تُعِد قائمة إضافية من الأهداف العسكرية والحكومية داخل سوريا، تحسبًا لأي تطورات ميدانية لاحقة.
بُعد طائفي في سياسة الاحتلال
تأتي هذه التحركات في وقت تتصاعد فيه حدة التوتر الطائفي في سوريا، لاسيما في المناطق التي تقطنها الأقلية الدرزية، بعد وقوع اشتباكات عنيفة خلال الأيام الماضية.
وقد وجّهت الحكومة الإسرائيلية رسائل مباشرة إلى الإدارة السورية الجديدة، محذرة من عواقب المساس بالدروز، في خطوة غير مسبوقة تكشف عن بُعد طائفي في سياسة إسرائيل تجاه النزاع السوري.
ويرى مراقبون أن هذا التوجه يحمل أبعادًا سياسية تهدف إلى كسب دعم فئة معينة داخل سوريا، مع توظيف الملف الدرزي كورقة ضغط على النظام السوري.
مرحلة تصعيد مفتوحة
وفقًا للتقارير الواردة من وسائل الإعلام الإسرائيلية، فإن جيش الاحتلال في حالة استنفار كامل، ويستعد لتنفيذ ضربات إضافية ضد أهداف استراتيجية داخل الأراضي السورية.
وقد ذكرت وسائل إعلام صهيونية، أن "قائمة الأهداف المحتملة تشمل منشآت عسكرية ومقارًا حكومية، ما يشير إلى أن مرحلة جديدة من التصعيد قد بدأت".
وفي ظل هذا التصعيد، تبقى الأسئلة مفتوحة حول موقف النظام السوري، وإمكانية الرد العسكري، ومدى قدرة الأطراف الدولية على احتواء الأزمة قبل أن تنفجر في منطقة تعاني أصلًا من هشاشة الاستقرار.
تحالف الأقليات ورقة إسرائيلية
وتُمثّل علاقة كيان الاحتلال الإسرائيلي بالأقليات في الشرق الأوسط جزءًا محوريًا من استراتيجيته الإقليمية، إذ لطالما استخدمها كأداة نفوذ واختراق في البيئات المحيطة. فمنذ نشأته، تبنّى الكيان مقاربة تقوم على توظيف هذه المكونات الهوياتية لتحقيق توازن استراتيجي مقابل ما يصفه بـ"التهديد العربي العام".
وقد تجسّد هذا التوجّه في عقيدة رئيس الحكومة الأول دافيد بن غوريون، الذي رأى في الأقليات مثل الدروز والأكراد والمسيحيين شركاء محتملين لمشروعه السياسي والأمني.
في خمسينيات القرن الماضي، دعا بن غوريون إلى إقامة ما أسماه بـ"عهد الأقليات"، وهي صيغة لتحالفات غير معلنة مع جماعات غير عربية أو غير مسلمة في المنطقة.
من خلال هذه الرؤية، بدأ الاحتلال بتعزيز علاقاته بالدروز داخل الأراضي المحتلة، ودعم الأكراد في العراق وسوريا سرًّا، في مسعى لصياغة خريطة جديدة من الولاءات الإقليمية.
الهدف لم يكن حماية الأقليات من منطلق إنساني، بل استخدامها كأدوات نفوذ لإضعاف الدول المحيطة وتفكيك تماسكها الداخلي، ووفقًا لما كشفته تقارير إسرائيلية، بينها ما نُشر في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، فقد لعب جهاز "الموساد" دورًا محوريًا في تدريب وتسليح مجموعات كردية، بما في ذلك قوات البيشمركة، في إطار سعيه لإقامة منطقة نفوذ موالية تشكّل حاجزًا أمام العمق العربي والإيراني.
استراتيجية الكيان الأمنية
ويسعى الكيان الإسرائيلي إلى تنفيذ استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى تفكيك سوريا إلى كيانات طائفية وإثنية منفصلة، مستغلةً هشاشة الدولة السورية والصراعات الداخلية.
بحسب خبراء عسكريين، فإن المخطط الإسرائيلي يقوم على تقسيم سوريا إلى أربع كانتونات، تشمل مناطق للدروز والأكراد والعلويين والسنة، وتُستخدم ورقة الأقليات كأداة رئيسية في هذه السياسة، حيث تسعى إسرائيل إلى بناء تحالفات مع جماعات مثل الدروز والأكراد، مستغلةً التوترات الطائفية لتحقيق مكاسب استراتيجية.
وقد كشفت تقارير عن دعم الموساد الإسرائيلي لقوات كردية، وتقديم مساعدات للمجتمعات الدرزية في جنوب سوريا، بهدف تعزيز النفوذ الإسرائيلي في هذه المناطق .
تأتي هذه التحركات في سياق أوسع من التدخلات الإسرائيلية في الشأن السوري، بما في ذلك الغارات الجوية المتكررة على مواقع عسكرية سورية، والضغط لإخلاء محافظات الجنوب السوري من أي تواجد سوري.