انفوبلس تستعرض قصة مقام الإمام العباس (ع) في ألبانيا.. يقع على قمة جبل ويزوره قرابة ربع مليون شخص سنوياً
انفوبلس/ تقرير
يوجد في دولة ألبانيا الواقعة في الجزء الجنوبي الشرقي من أوروبا، مقام لأبي الفضل العباس (ع)، مع تمثال للإمام وهو راكب جواده ويحمل اثنين من الأطفال العطاشى ليسقيهم الماء، يزوره آلاف المسلمين والمسيحيين سنوياً، فما قصة المقام؟ ولماذا تم وضعه في قمة جبل تيموري الذي يبعد 200 كم الى الجنوب الشرقي من العاصمة الألبانية "تيرانا"؟.
يسلط تقرير شبكة "انفوبلس"، الضوء على قصة هذه المقام وأبرز الطقوس التي تمارَس فيه
*بداية القصة
على قمة في جبل تيموري الذي يبعد 200 كم الى الجنوب الشرقي من العاصمة الألبانية تيرانا، أُقيم نصب لمقام أبي فضل العباس (عليه السلام)، بالإضافة الى تمثال وهو يحمل بين ذراعيه الأطفال العطاشى، حيث يعتقد الألبان أنّ الإمام العباس (ع) قد زار الجبل، ودليلهم عليه، أنّ هناك أثرا لحافر حصان وقدم فارس وأثرا لعمود الراية على حجر في الطريق إلى قمّة الجبل.
ولكن حقيقة الأمر كانت حينما أحضر بعض المؤمنين قبضة من تراب قبر أبي الفضل (ع) من مدينة كربلاء المقدسة الى دولة ألبانيا عام 1620م للتبرك وطلب الشفاء، وقد لاحظ الناس بركة هذا التراب، فقرروا دفن ما تبقى منه في قمة جبل تيموري من أجل أن تحلَّ البركة على الجبل كله، ومع الأيام تم بناء قبة مميزة على موضع دفن التراب وأصبح مزارا وتغير اسم الجبل إلى جبل (عباس علي ع).
ويحتفل الألبان على اختلاف دياناتهم واطيافهم، لمدّة خمسة أيام من 20-25 من شهر آب/ أغسطس من كل عام، ويصعدون الجبل الذي يبلغ ارتفاعه 2417متراً، ويقومون بذبح المواشي وطبخها وتوزيعها على الفقراء وإهداء ثوابها إلى الإمام العباس (عليه السلام).
بالإضافة الى ذلك فإن الألبان يقدسون المقام تقديساً عظيماً، حيث يقدمون من كل مناطق البلقان وبالذات المرضى منهم وذوي العاهات طلباً للشفاء وإجابة الدعاء، كما يشارك في زيارة المقام أغلب رجالات الدولة بما فيهم رئيس الجمهورية الألبانية، ويشهد الناس هناك بأن معجزات قد حصلت بفضل الإمام العباس (ع) تتمثل في الشفاء من الأمراض المستعصية وإجابة الدعاء.
كما يصل عدد الزوّار سنوياً إلى 250 ألف زائر، علماً بأنّ الزائرين ليسوا كلّهم من شيعة أهل البيت (صلوات الله عليهم)، بل فيهم من أهل السنّة والمسيح، ومن كل ألبانيا لما لمسوه من بركات العباس (سلام الله عليه).
في عام 2013 قام الفنان البلغاري (ستيفان بوب ديمتروف Stefan Popdimitrov) بتصميم تمثال لأبي الفضل العباس (سلام الله عليه) وهو راكب جواده ويحمل اثنين من الأطفال العطاشى ليسقيهم الماء، وتم نصب هذا التمثال على قمّة جبل العباس بن علي بن أبي طالب (ع)، عند صخرة شاخصة عند مدخل المزار.
وقد قامت حسينية الرسول الأعظم في لندن عام 2019، بنصب صورة احتوت الزيارة المباركة لصاحب المقام (ع)، كما توجد أيضاً صور لوجهاء وشخصيات ألبانية كان لها الدور في بناء وتأسيس المقام الشريف من بدايته ورعايته إلى يومنا الحاضر.
وحاول التكفيريون مؤخرأ بثَّ سمومهم بهذا البلد ورغم شراسة الحملة إلا أنهم لم يستطيعوا نزع حب أهل البيت (عليهم السلام) من قلوب الألبانيين بحيث لا يخلو بيت في ألبانيا من صورة لأحد أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ليس لأنهم شيعة ولكنهم يعتبرون أئمة أهل البيت مثالاً للقداسة والنبل والتضحية والمثل الأعلى.
وشكلت واقعة كربلاء وتجلياتها أثراً بارزاً وعلامة فارقة في الأدب الألباني والوجدان الشعبي فيها حتى أن الشعائر الحسينية في محرم وصفر تطغى على هذه الأرض وتقام مراسم الحداد ببكاء صامت تعبيراً عن متلازمة الحزن على الإمام الحسين (ع) بالامتناع عن الماء استذكاراً لشهداء كربلاء الذين استُشهدوا وهم عطاشى ويعتبر الألبانيون ذلك من أهم وسائل التعبير عن الحزن العميق.
فهذه الدولة البلقانية التي هي عبارة عن شريط جبلي ضيق يقع على ساحل البحر الأدرياتيكي حفل تاريخها القديم والحديث بالأحداث والصراعات والحروب وهي الدولة المسلمة الوحيدة في قارة أوروبا وتجاور كلاً من يوغسلافيا (سابقاً) واليونان.
ورغم أن ألبانيا دولة صغيرة إلا أن شعبها شعب باسل وشجاع ويمتلك إرادة وصلابة وقد سجل صفحات مشرقة في الكفاح والنضال ضد الاستعمار العثماني واليوناني حتى استعاد حريته ونال استقلاله، ويتكلم الشعب الألباني اللغة الآريّة التي تنقسم فيه إلى لهجتين الشمالية والجنوبية وتكثر في اللغة الألبانية المفردات التركية لا سيما في الشمال، أما سكانها فالعنصر الرئيسي في ألبانيا هو الأرنؤوطي إضافة إلى وجود الترك والأفلاق والبلغار واليونان والعرب.
ويعتقد الألبان بأن الإسلام دخل أرضهم قبل الأتراك بخمسة قرون ــ أي في القرن التاسع الميلادي ــ وهناك من يعتقد أنه دخلها في القرن الأول الهجري وكانوا قبله على دين النصارى الذي أدخله إليهم البيزنطينيون عام (197م) وأخرجوهم به من الوثنية.
وكان من أسباب انتشار وتأصيل الإسلام في ألبانيا أنه دخلها عن طريق الدعوة السلمية التي قام بها الدعاة الشيعة المهاجرون إليها هرباً من بطش السلطتين الأموية والعباسية وكذلك عن طريق التجار. وكان من ضمن هؤلاء الدعاة السادة الذين يرجع نسبهم إلى النبي (ص) وهو ما يؤكده الألبان أنفسهم من أن الإسلام والتشيع دخل إليهم معاً وأن كثيراً من السادة العلويين الذين يرجع نسبهم إلى الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع) قد استقروا في أرضهم ووُلد لهم أولاد وأحفاد واندمجوا مع الألبان وأصبحوا منهم عبر الأجيال. وكان لهؤلاء السادة العلويين أثر كبير في انتشار الإسلام في هذه الأرض لسيرتهم الكريمة وأخلاقهم الحميدة وكونهم من أبناء الرسول (ص) فوجدوا في السكان استجابة سريعة إلى اعتناق الإسلام.
كما كان من أسباب دخول الألبان إلى الإسلام التخلص من سلطة الحديد والنار التي مارسها البيزنطينيون عليهم حيث أثقلوا الألبان بالضرائب وانتهجوا ضدهم سياسة القهر والاضطهاد فمال الناس إلى سياسة العدل والمساواة التي وجدوها في أحكام الإسلام فانتشر بينهم سريعاً حتى أسلم أكثر السكان فيها. وتشكل نسبة المسلمين الآن (70%) من مجموع السكان أما المسلمون الشيعة فيشكلون نسبة 30% من مجموع المسلمين ويسكن أكثرهم جنوب البلاد.