تحذير من الانجرار خلف التضليل الإعلامي والتطبيل للعدو الصهيوني والأمريكي والسعودي

تجميل القبيح والتطبيل للشيطان
منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023، أثارت تغطية وسائل الإعلام الغربية جدلاً واسعًا بشأن المعايير المهنية والأخلاقية التي تحكم معالجة الأخبار والتقارير المرتبطة بالحرب، وبرزت نماذج متكررة من الانحياز الإعلامي الذي يعزز الرواية الصهيونية على حساب التوازن والموضوعية، مما أدى إلى تشويه الحقائق وتهميش معاناة الضحايا الفلسطينيين في السرد الإعلامي العالمي.
تحقيقات متعددة كشفت عن انحياز واضح في تغطية وسائل إعلامية غربية كبرى، مثل هيئة الإذاعة البريطانية BBC وشبكات أمريكية كـ"سي إن إن" و"إيه بي سي نيوز"، حيث تم تصوير إسرائيل كضحية "تدافع عن أمنها"، بينما صُوّر الفلسطينيون غالبًا كأرقام إحصائية فقط، مع تجاهل معاناتهم الإنسانية اليومية الناتجة عن القصف المكثف والحصار المستمر والانتهاكات الجسيمة التي أودت بحياة الآلاف من الفلسطينيين.
تعتمد بعض وسائل المحلية والعربية على استخدام مصطلحات وألفاظ قوية لتشكيل الرأي العام وتوجيهه في اتجاه معين، مثل "الإرهاب" و"التطرف" و"حق الدفاع"، بهدف تجريم المقاومة الفلسطينية وتبرير السياسات الداعمة للكيان الإسرائيلي، كما تم تجاهل السياق التاريخي والسياسي للاحتلال، مع تغييب متعمد لحقيقة المعاناة الفلسطينية.
ويرى مراقبون للشأن الدولي، أنه "على الجمهور أن يكون واعيًا للحرب الإعلامية وأن يعمل على تحليل الأخبار والمصادر الموثوقة المختلفة، وينبغي التركيز على فهم القضية الفلسطينية وحقوقها المشروعة، والتحَرّك نحو تعزيز العدالة للشعب الفلسطيني واستعادة الأراضي الفلسطينية، بعيدًا عن تأثيرات الحرب الإعلامية وتلاعب الأجندات السياسية والعسكرية".
تأثير الإعلام على تشكيل صورة النزاع
تلعب وسائل الإعلام الغربية دورًا محوريًا في تشكيل الرأي العام العالمي، حيث تُمثّل واحدة من أبرز أدوات التأثير في فهم الجماهير لطبيعة النزاعات الدولية، وعلى رأسها الحرب على غزة، وهذا الدور لم يكن دومًا محايدًا أو موضوعيًا؛ إذ وُجهت انتقادات متكررة للإعلام الغربي على خلفية انحرافه عن المهنية، وتغييبه المتعمد لسياق الأحداث أو تضخيمه لبعض الوقائع بصورة غير متناسبة.
وقد أسهم هذا النهج الإعلامي في خلق صورة مشوهة للصراع، تُظهر الفلسطينيين في كثير من الأحيان كطرف معتدٍ، بينما تُقدّم كيان إسرائيل بوصفه دولة "تدافع عن نفسها"، مع تقليل التركيز على جذور الصراع الأساسية المتمثلة في الاحتلال الإسرائيلي وسياساته القمعية المستمرة.
من منظور تحالف الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وبعض الأنظمة الداعمة له، تُعتبر المعركة الإعلامية جزءًا لا يتجزأ من الحرب الشاملة ضد المقاومة الفلسطينية ومحورها الإقليمي، إذ يُمارَس ضغط إعلامي ممنهج يصوّر فصائل المقاومة على أنها جماعات "إرهابية"، مما يضعف الدعم الشعبي الدولي لحقوق الشعب الفلسطيني ويغطي على جرائم الاحتلال المتواصلة.
وفي ظل هذا التعتيم والتضليل، تتراجع فرص نقل الحقيقة إلى الرأي العام العالمي، الأمر الذي يضع مسؤولية كبرى على عاتق الإعلام العربي والدولي الحر لكسر هذا الاحتكار السردي وفضح الانحياز الإعلامي الممنهج.
حرب الرواية: المعركة الخفية في صراع غزة
إلى جانب القصف والدمار في غزة، تدور حرب إعلامية لا تقل شراسة تُعرف بـ"حرب الرواية"، حيث يسعى الإعلام الغربي لفرض سردية تخدم الاحتلال، متخليًا عن أبسط قواعد الحياد والمهنية، فقد تم توظيف مصطلحات مضللة كـ"حرب إسرائيل وحماس" أو الترويج لمزاعم غير موثقة مثل "قطع رؤوس أطفال إسرائيليين"، بهدف توجيه إدراك المتلقي العالمي وتقييد تعاطفه مع القضية الفلسطينية.
بلال خليل، المدير التنفيذي لمنتدى فلسطين الدولي للإعلام، يؤكد أن حرب الرواية ضد الفلسطينيين تعود إلى أكثر من قرن، حين بدأت الحركة الصهيونية بإنكار وجود الشعب الفلسطيني. ولفت إلى أن هذه الحرب تطورت عبر الزمن، وشملت الترويج لإنكار المجازر والتعتيم على النكبة، وما تزال آثارها قائمة حتى اليوم.
وأشار خليل إلى أن هذه المعركة انتقلت اليوم إلى الفضاء الرقمي، حيث تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دورًا محوريًا في بناء الرواية، لكنّ العديد من المنصات الغربية، وعلى رأسها "ميتا"، مارست رقابة ممنهجة على المحتوى الداعم لفلسطين، من خلال تقليل الوصول أو حذف الحسابات بدعوى "مخالفة المعايير".
كما نوّه إلى أن التضييق طال أيضًا إعلاميين غربيين تجرأوا على دعم فلسطين، مثل فصل رسام الكاريكاتير ستيف بيل من صحيفة "الجارديان"، والتحقيق مع صحفيي "بي بي سي"، بل وحتى فصل صحفيين أمريكيين لمجرد تعبيرهم عن التضامن مع الشعب الفلسطيني.
ورغم ذلك، شهدنا في هذه الجولة من المعركة الرقمية تصاعدًا في الخطاب العالمي المؤيد لفلسطين، بفضل جهود مؤثرين وصحفيين مستقلين من مختلف الجنسيات الذين انضموا إلى جبهة مقاومة التضليل الإعلامي، وبدأوا في كشف زيف الرواية الغربية المنحازة.
انخراط في الخطاب المتصهين
وفي سياق الحرب الإعلامية الدائرة حول العدوان الإسرائيلي على غزة، لوحظ انخراط بعض المحللين والإعلاميين العراقيين في ترويج سرديات تتماهى مع الرواية الغربية والإسرائيلية، مما يثير تساؤلات حول دوافع هذا التوجه وتأثيره على الوعي العام.
تشير تقارير إلى أن بعض الشخصيات الإعلامية العربية، بما في ذلك من العراق، قد ساهمت في تبني خطاب متصهين، من خلال استخدام مصطلحات ومفاهيم تتناغم مع الرواية الإسرائيلية، مثل وصف المقاومة الفلسطينية بالإرهاب، أو التركيز على "حق إسرائيل في الدفاع عن النفس" دون الإشارة إلى سياق الاحتلال والعدوان المستمر على الشعب الفلسطيني .
هذا التوجه الإعلامي لا يقتصر على الأفراد فحسب، بل يمتد إلى بعض المؤسسات الإعلامية التي تتبنى خطًا تحريريًا يبرر السياسات الأمريكية والإسرائيلية، ويغفل الجرائم المرتكبة بحق المدنيين في غزة. وقد تم توثيق حالات لفصل صحفيين ومؤثرين عرب من مؤسسات إعلامية بسبب تعبيرهم عن دعمهم للقضية الفلسطينية، مما يعكس ضغوطًا تمارسها بعض الجهات لتوجيه الخطاب الإعلامي بما يتماشى مع مصالح معينة .
في المقابل، يعبر العديد من النشطاء والمثقفين العراقيين عن رفضهم لهذا التوجه، مؤكدين على أهمية الحفاظ على استقلالية الإعلام وضرورة تسليط الضوء على معاناة الشعب الفلسطيني وفضح جرائم الاحتلال، بعيدًا عن التحيز والانحياز للروايات المضللة.
هذه الظاهرة تسلط الضوء على التحديات التي تواجه الإعلام العربي في ظل الضغوط السياسية والاقتصادية، وتبرز الحاجة إلى تعزيز الخطاب الإعلامي المستقل والموضوعي الذي ينقل الحقيقة دون تزييف أو تحريف.
أصوات تسعى لتبييض وجه العدو
وفي هذا السياق، جاء بيان المسؤول الأمني لكتائب حزب الله في العراق، أبو علي العسكري، ليعزز الانتقادات الموجهة إلى بعض الشخصيات الإعلامية والمحللين العراقيين ممن انجرفوا، بحسب وصفه، خلف الأصوات المضللة التي تسعى لتبييض وجه "العدو الأزلي" وتجميل صورته أمام الرأي العام.
العسكري وجّه في بيانه تحذيرات صريحة وانتقادات لاذعة إلى عدد من المحللين والنشطاء الإعلاميين، محذراً إياهم من "الانجرار خلف الأصوات المضللة وتجميل القبيح والتطبيل للشيطان"، في إشارة إلى محاولات الترويج لصورة إيجابية عن دول وجهات معادية، وعلى رأسها أميركا والكيان الإسرائيلي والسعودية.
وأكد العسكري أن "إسرائيل عدو أزلي، والسعودية كيان مجرم سفاح، وأمريكا هي الشيطان الأكبر، وستبقى كذلك"، داعياً إلى تقوى الله و"قول الحق لا التزييف"، على حد تعبيره.
وفي البيان نفسه، تناول العسكري قضايا متعددة، منها التأكيد على أن "خور عبد الله هو جزء تاريخي من محافظة البصرة ولم يكن يوماً تابعاً للكويت"، كما شدد على "رفض استقبال رئيس النظام السوري المطلوب قضائياً أبو محمد الجولاني في بغداد"، معتبراً أن "وجود السفير السوري الرسمي كافٍ لتمثيل دمشق".
وانتقد العسكري، تسريبات صوتية منسوبة إلى السياسي خميس الخنجر، مشيراً إلى أن مضمون تلك التسجيلات لا يختلف كثيراً عن ما يُبث يومياً عبر قنوات إعلامية تابعة له، محذراً من خطر "قنوات الفتنة".
واختتم بيانه بالتنديد بالدعوات إلى نزع السلاح أو حصره، معتبراً أنها "تستهدف الشيعة بالدرجة الأولى"، واصفاً إياها بمحاولات لـ"نزع الأرواح أو إذلالهم"، داعياً إلى الاعتبار.