تعيين الرفاعي مفتياً لسوريا يثير أزمة داخل نظام "الشرع" وانقسامات بين السلفيين والأشاعرة

انفوبلس/..
في خطوة أثارت موجة من الجدل والانقسام في الأوساط الدينية والسياسية في سوريا، أعلن أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع)، الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، تعيين "الشيخ أسامة الرفاعي" مفتياً عاماً للجمهورية السورية.
جاء هذا القرار في ظل توترات داخلية بين التيارات الدينية، مما أثار انتقادات لاذعة من بعض جماعات السلفيين الذين اتهموه بالانتماء للفكر الأشعري، معتبرين ذلك تناقضاً مع أصولهم ومبادئهم، بل وصل الأمر إلى إعلان تكفيره.
وأعلن الجولاني تعيين الرفاعي في منصب المفتي العام، معتبراً أن "مجلس الإفتاء يسعى إلى ضبط الخطاب الديني، بحيث يجمع بين الأصالة والمعاصرة، مع المحافظة على الهوية، وحسم الخلافات المؤدية إلى الفرقة، وقطع باب الشر والاختلاف".
ويأتي هذا التعيين بعد سلسلة من الأحداث التي أعادت رسم ملامح المشهد الديني في سوريا.
جدل الانتماء الفكري
يُعرف الشيخ أسامة الرفاعي بانتمائه للفكر الأشعري، وهو الاتجاه الذي طالما واجه انتقادات من التيارات السلفية المتشددة. وقد اعتبر العديد من السلفيين أن "هذا التعيين خيانة للمبادئ التي يؤمنون بها"، مؤكدين أن "الفكر الأشعري لا يتماشى مع النهج السلفي الذي يقوم على التمسك الصارم بتفسير النصوص الشرعية".
لم يكن القرار ليخلو من ردود فعل متباينة داخل الأوساط الدينية؛ فبينما رحب بعض العلماء والمؤيدين للخطاب المعتدل بتعيين الرفاعي كخطوة نحو تقوية الوحدة الدينية، عبّر آخرون عن قلقهم من أن يؤدي ذلك إلى مزيد من الانقسامات في صفوف "نظام الشرع".
وفي تصريحات غير رسمية، أكد بعض أعضاء النظام أن القرار جاء دون مشاورة كافية مع كافة الفئات، مما أثار تساؤلات حول مدى توافقه مع رؤى المؤسسة الدينية.
وانتشر بين جماعات السلفيين في سوريا خطاب نقدي لاذع، اتهمت فيه بعض الشخصيات الدينية الرفاعي بأنه "متراجع عن المبادئ السلفية بسبب انتمائه للأشاعرة"، وهو ما دفع بعضهم إلى إعلان تكفيره.
تفاقم الانقسامات
واعتبر السلفيون، أن تعيين شخصية من التيار الأشعري في منصب المفتي العام يمثل تهديداً للموقف العقائدي السلفي، ويخلق حالة من الفوضى الفكرية التي قد تؤدي إلى انقسام أكبر في صفوف القوى الدينية.
وقد أدى هذا التكفير إلى تفاقم الانقسامات داخل المشهد الديني السوري، حيث تزايدت التوترات بين مؤيدي السلفيين ومن يدعمون رؤية أكثر اعتدالاً، كما أثار هذا الخلاف تساؤلات حول مستقبل "نظام الشرع" وإمكانية إعادة تشكيله بما يعكس تنوع الآراء والمذاهب دون اللجوء إلى التكفير والعزل العقائدي.
ويرى محللون أن هذه التطورات قد تؤثر سلباً على بنية النظام الجديد الذي يسعى الشرع إلى تأسيسه، إذ إن الانقسامات الناتجة عن مثل هذه القرارات قد تؤدي إلى نزاعات داخلية تزيد من تعقيد المشهد السياسي والديني في البلاد.
وفي ظل هذه المعطيات، يبقى مستقبل "نظام الشرع" غامضاً، مع ترقب كبير لمعرفة مدى قدرة القيادة الدينية على تجاوز الخلافات وإيجاد حلول وسطى تحافظ على وحدة الصف الديني وتعيد الثقة بين مختلف المكونات.
منصب المفتي العام في سوريا
يمتد تاريخ منصب المفتي العام في سوريا إلى أكثر من قرن، حيث شغله علماء بارزون، وتميز المنصب باستقلالية نسبية عن السلطة التنفيذية، إلى أن أصدر نظام الأسد المرسوم التشريعي رقم 13 لعام 2018 الذي نقل صلاحيات المفتي إلى "المجلس العلمي الفقهي" المعين من قبل النظام.
وفي نوفمبر 2021، انتُخب أسامة الرفاعي مفتياً عاماً للجمهورية السورية من قبل "المجلس الإسلامي السوري"، وهو مجلس تشكل عام 2014 في إسطنبول كتجمع للمعارضين، حيث ضم عند تأسيسه 40 رابطة وهيئة شرعية من الداخل السوري والخارج. ولقي هذا التعيين ترحيباً من جماعة الإخوان المسلمين، مما أثار تساؤلات حول طبيعة العلاقة بين المجلس والجماعة.
من هو أسامة الرفاعي؟
ولد أسامة الرفاعي في دمشق عام 1944، وتخرج في كلية الآداب بجامعة دمشق عام 1971. ارتبط اسمه بالمعارضة المبكرة منذ ثمانينيات القرن الماضي، حيث اضطر لمغادرة سوريا إلى السعودية عام 1981.
ومع اندلاع الأحداث في سوريا عام 2011، تحول مسجد عبد الكريم الرفاعي في منطقة كفرسوسة بدمشق إلى مركز للاحتجاجات السلمية.
وشهد المسجد في رمضان 2011 مواجهات دامية عندما اقتحمته قوات الأمن، مما أدى إلى إصابة الرفاعي بطعنات واعتداءات بالهراوات، ودفعه ذلك إلى الهجرة إلى تركيا، حيث انخرط في الدعم السياسي للمعارضة.
بين الترحيب والرفض
ولقيت خطوة التعيين ترحيباً من قطاعات واسعة في المعارضة، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين التي أشادت بالقرار. لكن هذا الدعم أثار تساؤلات حول طبيعة العلاقة بين المجلس الإسلامي السوري والجماعة، خاصة في ظل الانتماء الصوفي التقليدي للرفاعي، وهو ما يختلف عن التوجه الإخواني. والده، الشيخ عبد الكريم الرفاعي (1901-1973)، كان المؤسس التاريخي لـ"جماعة زيد" الصوفية، التي ارتبطت بجامع زيد بن ثابت الأنصاري في دمشق.
من جهة أخرى، واجه القرار انتقادات من بعض الأوساط العلمانية التي رأت فيه محاولة لإعادة إنتاج النسق الطائفي تحت غطاء ديني. كما عبر نشطاء من التيار السلفي عن تحفظهم تجاه الخلفية الصوفية للشيخ الرفاعي، رغم اعترافهم بدوره في المعارضة السورية ضد نظام بشار الأسد.
تصاعد النفوذ السلفي
تتزايد التوترات الدينية في سوريا مع تصاعد النفوذ السلفي، حيث تشير وقائع متعددة إلى تدخلات في الحياة الاجتماعية، والتبشير العلني في أحياء مختلطة مثل الدويلعة، وتنظيم مسابقات دينية في مناطق ذات تركيبة مذهبية حساسة. هذه الظواهر تُظهر نزعة متزايدة لفرض التوجه السلفي على المجتمع، مما يثير مخاوف من تهديد التنوع الديني في البلاد.
ويترافق الانتشار السلفي في سوريا مع نزعة تكفيرية استهدفت فئات دينية مختلفة، ولم تسلم منها حتى أطياف من المسلمين السنة غير السلفيين، مما يعمّق الانقسامات داخل المجتمع.
ويواجه السوريون اليوم تحديًا إضافيًا يتمثل في محاولات "تسليف" الإسلام السني. ورغم أن السلفية جزء من التوجه السني في سوريا، إلا أنها تيار وافد يرتبط بالتمويل الخارجي، ويشكل تهديدًا للسلم الأهلي، خاصة مع تورط بعض الجماعات السلفية في مذابح مذهبية كما حصل مؤخرًا في الساحل السوري.
في ظل الفقر المدقع وانهيار البنية الاجتماعية، فإن آخر ما تحتاجه سوريا هو معارك أيديولوجية ودينية تعمّق الاستقطاب، بدلاً من توجيه الطاقات نحو إعادة بناء البلاد وضمان حقوق جميع السوريين.