تكريم عملاء الموساد يفضح تحولات إعلامية خليجية تجاه الكيان الإسرائيلي

احتفاء خليجي وهتاف سعودي
انفوبلس/..
في خطوة لافتة تعكس تحولات جذرية في خطاب بعض وسائل الإعلام الخليجية تجاه الكيان الإسرائيلي، سلط تقرير لصحيفة "يو نت" العبرية الضوء على حجم التفاعل العربي، لا سيما السعودي والخليجي، مع ظهور علني نادر لثلاثة من عملاء الموساد التابع للكيان الإسرائيلي، الذين شاركوا في تنفيذ عملية تفجير أجهزة البيجر في لبنان.
الغريب في الأمر، بحسب التقرير، أن الترحاب الإعلامي العربي بهذا الظهور فاق ما عبّرت عنه الصحافة التابعة للكيان الإسرائيلي نفسه، في مشهد بدا أقرب إلى الاحتفاء منه إلى النقد أو حتى التغطية المحايدة.
وقد حظي العملاء الثلاثة بتكريم رسمي خلال احتفالات ما يُسمّى بيوم "استقلال الكيان الإسرائيلي"، وسط تغطية خليجية لُوحظ فيها تغييب لمفردات كانت يومًا معيارًا في توصيف الصراع، مثل "العدو" و"الاحتلال"، مقابل غياب تام لكلمة "المقاومة"، وهذا الانزياح في السردية يطرح تساؤلات جدّية حول تحوّلات الخطاب الإعلامي الخليجي وتداخله مع السياقات السياسية المتبدّلة في الإقليم.
هتاف السعوديين أكثر من الكيان
يو نت: صحيفة الشرق الأوسط السعودية قالت بأنه "تكريم علني نادر"، بينما وصفته صحيفة رأي اليوم الأردنية بأنه "لفتة إسرائيلية عامة نادرة"، وكان هتاف السعوديين أكثر من إسرائيل
تقرير صحيفة "يو نت" العبرية، كشف الاثنين، ان السعوديين والاعلام الخليجي كانوا اكثر سعادة بظهور ثلاثة من عملاء الموساد المسؤولين عن عملية تفجير أجهزة البيجر في لبنان من الإسرائيليين انفسهم"، مشيرا الى ان"عملاء الموساد حظوا بتغطية إعلامية عربية واسعة؛ ووصفتها معظم وسائل الإعلام الخليجية بأنها "ظهور علني نادر" حيث رحب السعوديون أكثر من إسرائيل بدور عملاء الموساد".
وأضاف ان "ثلاثة من عملاء الموساد ملثمين قد تم تكريمهم من قبل سلطات الاحتلال لدورهم في عملية سرية استهدفت عناصر من حزب الله في لبنان خلال حفل إيقاد شعلة ما يسمى بيوم الاستقلال الإسرائيلي الأسبوع الماضي، مسجلين بذلك أول ظهور علني لهم، وجذبوا اهتمامًا واسعًا من وسائل الإعلام العربية في جميع أنحاء المنطقة".
وتابع انه " وفي حين صُوّرت هذه اللحظة محليًا على أنها تحية نادرة لأجهزة الاستخبارات في البلاد، فقد صُوّرت في وسائل الإعلام العربية على أنها أول كشف علني عن عملاء الموساد الذين يقفون وراء هذه المهمة، مما أثار تغطية إعلامية واسعة النطاق في جميع أنحاء المنطقة".
وأشار التقرير الى ان " صحيفة الشرق الأوسط السعودية بأنه "تكريم علني نادر"، بينما وصفته صحيفة رأي اليوم الأردنية بأنه "لفتة إسرائيلية عامة نادرة"، وكان هتاف السعوديين أكثر من إسرائيل".
تتفادي الإدانة المباشرة للكيان
وخلال الأسبوع الماضي، خصّصت وسائل ومنصات إعلامية خليجية مساحةً من تغطياتها لخبر عن احتفال تكريمي لعناصر من جهاز الموساد الإسرائيلي، نُسبت إليهم تنفيذ عمليات استهدفت أجهزة البيجر الخاصة بالمقاومة.
جاءت التغطية على شكل مقاطع مصوّرة تُظهر ثلاثة من العملاء "ملثّمين" وهم يوقدون شعلة كأنهم فرسان الهيكل الموكلون بحماية المقدسات، وسط تصفيق جماهيري ورفع لعلم الكيان العبري، فيما كانت العبارات المرافقة مقتضبةً ومحايدة إلى حدّ لافت.
في مراجعة سريعة لعناوين وتقارير بعض الوسائل، يُلاحظ تغييب متعمّد لكلمة "عدو" في البداية واستخدام توصيفات لا تضمر أي عدائية.
في المقابل، غابت مفردة "المقاومة" عن وصف المستهدَفين في العملية، كما تمّ تجاهل الإشارة إلى أنّ الهجوم الإسرائيلي كان جزءاً من الرد على دعم "حزب الله" لقطاع غزة خلال الحرب الأخيرة التي صنّفتها جهات حقوقية بـ "إبادة جماعية".
وقد اتخذت بعض تلك الوسائل عبارات تمهيديةً من قبيل "الظهور العلني الأول لعملاء الموساد الإسرائيلي الذين نفّذوا عملية البيجر ضد عناصر حزب الله"، صيغة تُذكّر بإعلانات ترويجية أكثر منها تغطية صحافية، وتكاد تمنح المحتفى بهم صفةً بطولية.
هذه التغطية ليست معزولة عن سياق سياسي أوسع، إذ يعكس الخط التحريري الجديد تحوّلاً في سردية العدو والصديق داخل الخطاب الإعلامي الخليجي ليصبح أكثر تمويهاً، ويطرح تساؤلات حول حدود الحياد المهني حين يتعلق الأمر بإسرائيل من جهة، وحركات المقاومة من جهة ثانية.
في الآونة الأخيرة، بات الإعلام الخليجي يميل إلى توصيف الأحداث بلغة تتفادى الإدانة المباشرة للكيان الاسرائيلي، خصوصاً إذا كان الطرف الآخر خصماً سياسياً لدولة خليجية بعينها.
المعادلات القديمة بين الخير والشر والاحتلال والمقاومة والقاتل والضحية لم تعد صالحة للاستخدام كما يبدو، والعمل جار على تفكيكها وإعادة تركيبها ضمن منظومة جديدة، أكثر عملية وأقل وضوحاً لخداع جمهور يبدو أكثر صحوةً من أصحاب تلك القنوات.
عملية أجهزة البيجر
ونفذت الموساد عملية تفجير أجهزة "البيجر" بتاريخ 17 أيلول/ سبتمبر 2024، وتمثلت العملية بتوزيع أجهزة نداء (بيجرات) مزودة بمتفجرات مخفية داخل البطاريات، ثم تفجيرها عن بعد، وأعقبها في اليوم التالي تفجير أجهزة اتصال لاسلكية (ووكي توكي)، ما أسفر عن استشهاد حوالي 27 شخصا وإصابة الآلاف من اللبنانيين.
وظهر ثلاثة عناصر من الموساد، ملثمين، خلال مراسم في القدس المحتلة الأربعاء، وقد تم التعريف عنهم فقط بأحرف أسمائهم الأولية "ر"، "د" و"ن"، ليتبين أنهم قادوا العملية الغامضة لتفجير آلاف أجهزة النداء في لبنان.
وقالت وسائل الإعلام إنهم قادة العملية السرية التي نفذها الجهاز في لبنان وسوريا، في 17 أيلول 2024، تضمنت توزيع أجهزة نداء (بيجرات) وأجهزة اتصال لاسلكي (ووكي توكي) مزوّدة بمتفجرات مخفية داخل البطاريات، تم تفجيرها عن بُعد.
وأسفرت العملية، بحسب التقارير "الإسرائيلية"، عن استشهاد 27 شخصًا وإصابة الآلاف من عناصر الحزب.
ووفق ما كُشف، فإن التخطيط للعملية بدأ قبل عشر سنوات، حين أنشأ الموساد شركة وهمية باسم "BAC Consulting" في المجر، وحصلت على ترخيص من شركة تايوانية لصناعة أجهزة النداء.
وتم تعديل الأجهزة لاحقًا لتحتوي على متفجرات من نوع PETN، وهي مادة شديدة الانفجار، زُرعت داخل البطاريات دون إمكانية كشفها.
وقد تولت "ر"، وهي قائدة عمليات تبلغ من العمر 49 عامًا من وسط الأراضي المحتلة، قيادة العملية ضمن القسم العملياتي في الجهاز، حيث أشرفت على تشغيل العملاء وإنشاء شركات وهمية وتنسيق الأنشطة مع الأقسام التكنولوجية والاستخبارية.