لم يحقق غاياته المُعلنة و"الخبيثة".. واشنطن في مأزق بعد فشل رصيفها العائم قرب غزة
انفوبلس..
شاخصٌ جديد على الدور السلبي والفشل الأمريكي فيما يخص قطاع غزة والعدوان المستمر عليه منذ أكثر من 7 أشهر، فبعد بنائه بـ320 مليون دولار أخذتها واشنطن من الدول المانحة، توقف الرصيف الأمريكي العائم على شواطئ غزة عن العمل بعد انجراف أجزاء منه إلى الأراضي المحتلة ما أخرجه عن الخدمة بشكل شبه كامل، فما هو هذا الرصيف؟ وما دوافع بنائه؟ وما مصيره؟
فشل ذريع
منذ بداية العدوان على غزة، لم تفشل الإدارة الأمريكية فقط في وقف الحرب ولكنها كشفت عن ضعف وتخاذل غير مسبوقين في حماية المدنيين أو حتى توفير المساعدات الإنسانية. وجاء الرصيف البحري الأمريكي العائم، الذي كلف أكثر من 320 مليون دولار ونحو ألف جندي لإنشائه، ليقف رمزا لهذا الفشل الأمريكي متعدد الأصعدة. وهنا لابد من الإشارة إلى أن هذه الأموال تكفلت بها دول مانحة.
ففي الوقت الذي تمد فيه أمريكا الجانب الإسرائيلي بالسلاح لقتل المدنيين، قررت إدارة بايدن أن إنشاء رصيف بحري لاستقبال المساعدات الإنسانية على سواحل غزة هو الحل الأمثل في ظل إغلاق إسرائيل للمعابر البرية، وهو ما استقبلته إسرائيل بترحاب شديد، واستهجنته وكالات الإغاثة الإنسانية سواء التابعة للأمم المتحدة أو غيرها.
فالرصيف الذي استغرق بناؤه نحو شهرين يتكون من جزأين، الأول عبارة عن جسر مزدوج المسارات يقع على الشاطئ وتم تثبيته على رصيف ترابي من أنقاض المنازل التي دمرتها الحرب الإسرائيلية. أما الجزء الثاني، فعبارة عن منصة في عرض البحر، تبعد نحو 3 أميال من شاطئ غزة، يصل طولها إلى 270 قدما وعرضها 72 قدما، وهي مخصصة لاستقبال وتفريغ حمولة السفن الكبيرة التي لا يمكن أن تصل المياه الضحلة قرب الشاطئ.
ومن المنصة المتمركزة على المياه العميقة، يتم نقل حمولة السفن بواسطة عبارات نحو الجسر المثبت على الشاطئ، ومن ثم تنقل بواسطة الشاحنات إلى نقاط التوزيع داخل قطاع غزة. ووسط انتقادات متصاعدة لتكاليف نقل المساعدات من الميناء إلى المدنيين في ظل نقص الوقود والإمكانيات وعدم كفايتها لسد الاحتياجات الإنسانية للمحاصرين، وصل حوالي 600 طن فقط من المساعدات إلى الرصيف البحري على مدار الأسبوع الأول من افتتاحه. لم تكن الكمية محدودة فقط وغير كافية لسد ولو جزء محدود من احتياجات المدنيين. ولكنها تعرضت لعمليات نهب وسلب أيضا واعترض طريقها مستعمرون تردد أنهم مدفوعون من قبل الجيش والشرطة الإسرائيليين لمنع وصول المساعدات لمحتاجيها. لم تتمكن الولايات المتحدة، أكبر قوة في العالم، من حماية المساعدات التي وصلت عبر رصيفها البحري من بطش المستعمرين والمارقين. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد أثبت الرصيف العائم فشله السريع وضعفه وعدم قدرته على القيام بالمهمة في غضون 10 أيام فقط من بدء تشغيله. فقد أعلنت القيادة المركزية الأمريكية قبل أيام جنوح 4 سفن داعمة للرصيف العائم بسبب الأمواج العاتية، مشيرة إلى أن اثنتين من السفن المتضررة راسيتان الآن على الشاطئ بالقرب من عسقلان.
الجانب الأمريكي أكد وصول نحو 71 شاحنة مساعدات عبر الرصيف العائم، وهو ما يمثل أقل من 15% من احتياجات القطاع. ولكن حتى هذه المساعدات المحدودة للغاية لم تصل إلى محتاجيها. وهو ما يؤكد تحذيرات الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة أن هذا الرصيف، حتى لو تم تشغيله بكفاءة عالية لن يغني عن المساعدات التي تصل عبر الطرق البرية. كما أن التكلفة العالية لن تستطيع أي جهة سدادها والتكفل بها.
الرصيف وفق الإعلان الأمريكي
وأعلن الجيش الأميركي، السبت الماضي، أن مهمة المساعدات الإنسانية البحرية في غزة تأثرت بسبب أمواج البحر العاتية، التي أدت لانفصال أربع سفن عن مراسيها في الرصيف العائم المؤقت.
وقالت القيادة المركزية الأميركية في بيان أن سفينتين من السفن الأربعة راسيتان الآن على الشاطئ بالقرب من الرصيف، أما السفينتان الثالثة والرابعة فقد وصلتا إلى الشاطئ الإسرائيلي بالقرب من عسقلان.
وأنشأت الولايات المتحدة الميناء العائم المؤقت قبالة شواطئ قطاع غزة في وقت سابق من هذا الشهر، في خطوة ادعت إنها لزيادة إيصال المساعدات إلى القطاع المحاصر والمهدد بالمجاعة في ظل العدوان الإسرائيلي المتواصل.
ويتكون المشروع من ميناء بحري عائم مؤقت يسمح للسفن الضخمة، سواء أكانت عسكرية أو مدنية، بالرسو فيه لإفراغ حمولتها ونقلها إلى سفن أصغر حجما يمكنها إيصال هذه المساعدات إلى رصيف بحري متصل بالساحل.
ومن المفترض أن تكون غالبية هذه المساعدات عبارة عن أغذية تم جمعها من عدة دول ونقلها إلى ميناء لارنكا في قبرص.
ولا يوجد في غزة ميناء بحري دولي، ومنعت إسرائيل على مدى عقود بناء واحد منها.
ونظرا لأن المياه القريبة من الشاطئ ضحلة للغاية بحيث لا تتمكن السفن الكبيرة من الاقتراب من الرصيف الإنساني مباشرة، تبني الولايات المتحدة أيضا منصة عائمة على بعد ميلين من الساحل، حيث ستقوم السفن التي تحمل المساعدات بتفريغ حمولتها أولا.
توقعات بالفشل
إلى ذلك، أكد برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، في 22 من الشهر الجاري، أن مشروع الرصيف المؤقت لتوصيل المساعدات إلى غزة قد يفشل.
وقال برنامج الأغذية العالمي، إن "مشروع الرصيف الجديد الذي تبلغ تكلفته 320 مليون دولار أمريكي لتوصيل المساعدات إلى غزة قد يفشل ما لم تبدأ إسرائيل في توفير الظروف التي تحتاجها المنظمات الإنسانية للعمل بأمان، بعد تدشين فوضوي انتهى بنهب جزء كبير من المساعدات واستشهاد فلسطيني".
وأضاف أن "عمليات التسليم من الرصيف توقفت يوم الأحد قبل الماضي بعد أن عجزت قافلة المساعدات يوم السبت عن الوصول إلى المستودعات داخل غزة على النحو المنشود، ودخلت أول 10 شاحنات عبر الرصيف يوم الجمعة قبل الماضي".
وصرحت المتحدثة باسم الوكالة عبير عطيفة أن "الوكالة التابعة للأمم المتحدة تقوم الآن بإعادة تقييم الإجراءات اللوجستية والأمنية وتبحث عن طرق بديلة داخل غزة".
تشجيع الهجرة
ومع ادعاء الرئيس الأميركي إن الهدف من وراء ذلك المخطط هو إيصال المساعدات الإغاثية لقطاع غزة وإنشاء مستشفيات عائمة لعلاج جرحى الحرب، لكن مراقبين يرون أن هناك جانباً آخر للميناء العائم يرتبط بتشجيع هجرة الفلسطينيين طوعاً إلى أوروبا، وإلغاء أي دور لمعبر رفح البري على الحدود مع مصر، ما يعني تحكم إسرائيل بكل منافذ غزة وإنهاء أي سيادة للفلسطينيين على المعابر.
واعتبر خبير في مجال حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، أن الخطة الأمريكية لإنشاء ميناء مؤقت قبالة غزة لجلب المساعدات للقطاع، هي مسرحية ساخرة للجمهور الأمريكي، ولن تمنع حدوث مجاعة جماعية.
رفض أممي
ورفض مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالحق في الغذاء، مايكل فخري، إعلان بايدن، وقال: لم يطلب أحد رصيفا بحريا، لا الشعب الفلسطيني ولا مجتمع المساعدات الإنسانية.
وأردف: لا الرصيف ولا عمليات الإنزال الجوي فوق غزة ستمنع المجاعة بأي تعريف، مؤكدًا أن لجوء أمريكا الحليف الرئيسي لإسرائيل إلى مثل هذا الإجراء، هو أمر سخيف بطريقة مظلمة وساخرة، متهمًا إسرائيل بشنها حملة تجويع متعمدة في قطاع غزة، خاصة وأن الأمم المتحدة حذرت من أن المجاعة شبه حتمية.
مخاوف مصرية
وتعقيباً على قضية الميناء الموقت، زعمت قناة عبرية، أن هناك غضبا مصريا بسبب الرصيف العائم الذي أقامته الولايات المتحدة قبالة سواحل قطاع غزة، مشيرة إلى أن القاهرة غاضبة من واشنطن وتل أبيب.
وقالت هيئة البث الإسرائيلية إن "المصريين يرون أن الرصيف الأمريكي، يمثل تهديدا مباشرا لهم"، مضيفة أنهم "يخشون أن يصبح الرصيف البحري الجديد هو الممر التجاري الرئيسي لغزة، وهذا يقلقهم كثيرا، ويخشون أن يتم استخدام الرصيف في نهاية المطاف أيضا لعبور الأشخاص".
وتابعت: "مثل هذه الخطوة ستسبب أضرارا اقتصادية أكثر خطورة للقاهرة"، منوهة إلى أن "إسرائيل ومصر تحاولان ردم الفجوات بينهما من أجل التوصل إلى تفاهمات حول نشاط معبر رفح".
من جانبها، أشارت القناة العبرية الثانية إلى أنه "منذ بداية الحرب كانت مصر في عين العاصفة، فهي قريبة جغرافيا من غزة، ولها حدود مشتركة معها منذ فك الارتباط الإسرائيلي عام 2005، وتخشى من هجرة أو ترحيل الفلسطينيين من غزة إلى سيناء، ما يشكل تهديدا أمنيا وإنسانيا لها".
ونوهت إلى أن هناك مشاكل اقتصادية ناتجة عن الانخفاض الكبير في إيرادات الحركة البحرية في قناة السويس، وانخفاض السياحة، وانخفاض عائدات الغاز، واتساع دائرة الحرب، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار.
وأكدت القناة أن الإسرائيليين والمصريين نجحوا حتى اللحظة في تجاوز العقبات والمطبات، لكنهم أمام اختبار صعب، في ظل العملية العسكرية المستمرة في رفح، وما قد تلقي بظلالها على العلاقات بين الجانبين.