محمد جواد ظريف يستقيل مجددا ويفتح باب التساؤلات: ما الذي يريده الإصلاحيون في إيران؟

انفوبلس/ تقارير
جدل كبير بعد استقالة محمد جواد ظريف المعروف بكثرة انسحاباته، وتساؤلات عديدة عن نوايا الإصلاحيين وهدفهم القادم في إيران، لكن ثمة أنباء تشير إلى الإصلاحي ظريف ربما قد استقال بسبب رفض إيران المفاوضات مع أميركا وهنا يبرز التساؤل.. هل نجح التفاوض مع واشنطن مسبقاً كي يتكرر؟ إليك تفاصيل كاملة في سياق التقرير الآتي.
استقالة ظريف
أمس الأحد، قدّم محمد جواد ظريف نائب الرئيس الإيراني للشؤون الإستراتيجية استقالته، بعد 8 أشهر من توليه المنصب.
وذكرت وكالة إرنا الإيرانية الرسمية اليوم الاثنين، أن ظريف قدّم خطاب الاستقالة إلى الرئيس مسعود بزشكيان، موضحة أن الأخير لم يرد حتى الآن على طلب الاستقالة.
وتزامن ذلك مع إقالة البرلمان الإيراني وزير الاقتصاد عبد الناصر همتي، وذلك على خلفية أزمة التضخم الحاد والتراجع الكبير في قيمة الريال.
استقالة ظريف ليست الأولى، إذ سبق أن قرر مغادرة منصبه بعد 11 يوما فقط من تشكيل حكومة بزشكيان، مبررا ذلك بالإخفاق في تمثيل النساء والشباب والقوميات في التشكيلة الحكومية.
وكان ظريف -الذي شغل منصب وزير الخارجية بين عامي 2013 و2021 في عهد الرئيس السابق حسن روحاني- أحد مهندسي الاتفاق النووي الذي تم توقيعه عام 2015.
يشار إلى أن ظريف عُيّن في أغسطس/آب الماضي نائبا للرئيس للشؤون الإستراتيجية.
وتعرّض ظريف لانتقادات شديدة من قبل مجموعة من المشرّعين في البرلمان، الذين أشاروا إلى أنّ تعيينه في منصب حسّاس غير قانوني، لأنّ أحد أبنائه على الأقل يحمل الجنسية الأجنبية (الأميركية)، الأمر الذي يُخالف القانون الإيراني.
سبب الاستقالة
بعد يوم من تقديم استقالته، صرّح مساعد الرئيس الإيراني للشؤون الاستراتيجية، محمد جواد ظريف، اليوم الاثنين، بأنّه استقال بناءً على نصيحةٍ من رئيس السلطة القضائية، من أجل المساعدة في تخفيف الضغوط عن إدارة الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان.
وفي أوّل تعليق له بعد تقديم استقالته من منصبه قال ظريف في منشور له في "إكس" للتواصل الاجتماعي: "أشكر الله على منحي خلال الأشهر الـ9 الماضية فرصة لخدمة الشعب والسعي قدر المستطاع لتحقيق إرادة الشعب، على الرغم من أنّي تعرّضت لإهانات مذلّة وللافتراءات والتهديدات ضدّي وضدّ عائلتي".
وتابع ظريف: "لم أكن ممن يهربون من الصعاب والمحن طيلة أيام خدمتي لهذه البلاد في العقود الأربعة والنيف السابقة، ومع أنّي تحمّلت الكثير من الإهانات والاتهامات الزائفة وذلك بسبب دوري الصغير في تحقيق مصالح البلاد القومية منذ تحقيق الاتفاق النووي، وتجرّعت المرّ في وجه كلّ الأكاذيب والافتراءات لكي لا أضرّ بمصالح البلاد".
وأردف، قائلاً: "زرت رئيس السلطة القضائية، غلام حسين محسني إيجئي، يوم السبت الماضي، بدعوة منه، وخلال اجتماعي معه نصحني بأن أعود إلى التدريس في الجامعة لتجنّب المزيد من الضغوط على إدارة الرئيس"، مضيفاً أنّه استجاب للنصيحة على الفور، لأنّه كان يريد دائماً أن يكون "مساعداً وليس عبئاً على أحد"، راجياً أنّ تنهي استقالته حجج إعاقة العمل لتلبية مطالب الشعب ونجاح الحكومة.
كما أعرب وزير الخارجية الإيراني الأسبق في منشوره، عن أمله أنّه من خلال تركه لمنصبه أن يتمّ تجريد أولئك، الذين يعوّقون تحقيق "إرادة الشعب ونجاح الإدارة"، من أعذارهم.
ليست خسارة.. ما تداعيات الاستقالة؟
وعن تداعيات الاستقالة، تقول وسائل إعلام إيرانية، إن التغريدة التي كتبها محمد جواد ظريف على "إكس" غريبة مقارنة بتغريداته السابقة في الحالات المشابهة، كونه شخص معروف بكثرة انسحابه من منصبه خلال السنوات الماضية وعودته إليها.
وأضافت، أن هذه المرة يبدو أن قرار ظريف نهائي، وهو حاول عبر تغريدة توضيح العديد من المسائل والنقاط الحساسة، ويبدو أن الحكومة الإيرانية قد تذهب - من وجهة نظر بعض المراقبين للمشهد السياسي - إلى الموافقة هذه المرة على الاستقالة.
وترى تلك الوسائل، أن "ظريف وعدد من المتابعين والدبلوماسيين والضالعين في السياسة الداخلية الإيرانية يعتقدون أن هناك تيارًا نافذًا في الداخل لا يرغب كثيرًا بالذهاب نحو الغرب والتفاوض معه".
ولفتت إلى أن انسحاب محمد جواد ظريف يتزامن مع ضغوط على الحكومة الإيرانية، مع حملات وموجات من العقوبات الأميركية وضعت العراقيل أمام السياسة التي كان يتبعها مسعود بزشكيان، والتي حاولت تليين الموقف الإيراني خلال الأشهر التسعة الماضية، سواء مع الغرب أو حتى مع الولايات المتحدة الأميركية، عبر رسائل غير مباشرة.
لكن ورغم ذلك، قلّلت وسائل الإعلام الإيرانية وعدد من الخبراء، من أهمية استقالة ظريف بالقول، إن "استقالته لا تعتبر خسارة بالنسبة للدبلوماسية الإيرانية كون المفاوضات السابقة مع واشنطن لم تنجح حتى تتكرر الآن.
لا نجاح للتفاوضات.. ولا إمكانية
في فبراير الماضي، وفي ظل استمرار الضغوط الأميركية على طهران، أكد الإمام علي الخامنئي موقفه الرافض لأي مفاوضات مع الولايات المتحدة، معتبرًا أنها "ليست فكرة ذكية ولن تحل مشاكل إيران"، مشيرًا إلى أن التجارب السابقة أثبتت عدم التزام واشنطن بتعهداتها، حتى بعد تقديم طهران لتنازلات كبيرة.
وفي هذا السياق، أوضح رئيس تحرير صحيفة إيران ديبلوماتيك، عماد أبشناس، أن رفض طهران للتفاوض لا يعني إفلاسًا دبلوماسيًا، بل هو استراتيجية مدروسة تعتمد على امتلاك إيران أوراق قوة متعددة.
وقال أبشناس: "لو كانت الدبلوماسية الإيرانية مفلسة، لما كان خامنئي ليرفع السقف إلى هذا المستوى، فإيران لديها نفوذ، ولديها حلفاء أقوياء مثل روسيا والصين اللتين أعلنتا دعمهما الصريح لإيران".
وأضاف، إن طهران لا ترغب في الدخول في أي مفاوضات جديدة بدون ضمانات حقيقية، في إشارة إلى أن الولايات المتحدة تريد المفاوضات بشروط غير مضمونة، وهو ما ترفضه إيران بشدة.
وعن علاقة ظريف بذلك، يمكن التوضيح بأن استقالته جاءت بعد مدة قليلة من تصريح الإمام الخامنئي أعلاه وهو ما يتعارض مع نهج ظريف الذي كان أحد مهندسي الاتفاق النووي.
وبهذا الصدد، يؤكد خبراء إيرانيون بأن رحيل ظريف يؤكد أن القيادة الإيرانية لا تريد أي مرونة في التعامل مع الغرب.
يشار إلى أن ظريف، هو مهندس الاتفاق النووي الذي أبرمته إيران في 2015 مع المجتمع الدولي؛ بهدف تخفيف العقوبات المفروضة عليها مقابل فرض قيود على برنامجها النووي.
لكن الاتفاق بدأ بالانهيار في 2018 عندما انسحبت منه الولايات المتحدة في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي أعاد فرض عقوبات على طهران.
لا تفاوض تحت الضغط
قبل أيام، استبعد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، إمكانية الدخول إلى مفاوضات مباشرة، مع الولايات المتحدة، بينما تصرُّ إدارة دونالد ترمب على المضي قُدماً في تنفيذ استراتيجية الضغوط القصوى بهدف إجبار طهران على إبرام اتفاق نووي جديد.
وأجرى عراقجي، مباحثات مكثفة مع نظيره الروسي، سيرغي لافروف، الذي وصل إلى طهران في زيارة تستغرق يوماً واحداً.
وذكرت وسائل إعلام إيرانية، أن عراقجي استقبل لافروف في مراسيم رسمية، أعقبها لقاء ثنائي بين الوزيرين، قبل أن تتوسَّع المفاوضات لاحقاً بمشاركة وفدَي البلدين.
وأفاد عراقجي، خلال مؤتمر صحافي إلى جانب لافروف، بأنهما أجريا "محادثات مفصلة وجيدة وبنّاءة، واستعرضت موضوعات متنوعة"، مشدداً على استمرار المشاورات بين البلدين.
وتمحورت محادثات الوزيرين حول تطورات الملف النووي الإيراني، في وقت قرَّر فيه الرئيس الأميركي دونالد ترمب إعادة فرض استراتيجية الضغوط القصوى؛ لدفع طهران إلى مفاوضات تفضي إلى اتفاق جديد بشأن برنامجها النووي، كما يهدف إلى لجم أنشطتها الإقليمية وإنتاج الصواريخ الباليستية.
وقال عراقجي: "أجرينا مشاورات وثيقة. فرقنا على اتصال مستمر، وسنواصل هذه الاتصالات".
وتابع: "سنعمل بالتعاون مع أصدقائنا في روسيا والصين، وسننسق مواقفنا".
وأضاف: "موقف إيران في المفاوضات النووية واضح تماماً، لن نتفاوض تحت الضغط أو التهديد أو العقوبات، وبالتالي لن تكون هناك أي إمكانية لمفاوضات مباشرة بيننا وبين الولايات المتحدة ما دامت الضغوط القصوى مستمرة بهذه الطريقة".
"خراسان": الإصلاحيون يحاولون الضغط على بزشكيان لقبول المفاوضات دون شروط
بعد استقالة ظريف، برزت العديد من الاسئلة حول نوايا الإصلاحيين ومطالبهم وما الذي يسعون إليه، لتكشف ذلك صحيفة "خراسان" الإيرانية وتؤكد أن الإصلاحيين يحاولون الضغط على بزشكيان لقبول المفاوضات دون شروط.
وذكرت الصحيفة، إنه "وفي الوقت الذي تؤكد حكومة بزشكيان على سياسة الصمود مقابل الضغوط الخارجية الممارسة على إيران وهي سياسة ذكية وحكيمة، إلا أن التيار المتطرف داخل الإصلاحيين يحاول أن يفرض خيار المفاوضات دون شروط على الحكومة، معتقدة أن هذه الضغوط على بزشكيان وحكومته هي "فخ انفجاري" أمام عمل الحكومة ونهجها".
وأوضحت أن "التيار الإصلاحي يحاول في الفترة الأخيرة أن يشدد على قضية أنه "لا خيار أمام إيران سوى التفاهم والتراجع عن مواقفها حيال الولايات المتحدة الأميركية في موضوع المفاوضات"، مشيرة إلى ما كتبته صحيفة "هم ميهن" الإصلاحية قبل أيام بأن سياسات الرئيس مسعود بزشكيان وصلت إلى طريق مسدود، وأنه لا حل سوى بتغيير النهج العام في السياسات".