مشروع "طريق التنمية".. تحول اقتصادي جديد أم تهديد لقناة السويس؟

إنفوبلس/..
يحتدم الجدل حول مشروع "طريق التنمية" العراقي، الذي وصفته صحيفة "وول ستريت جورنال" بأنه المنافس الرئيسي لقناة السويس، مما يثير تساؤلات حول مدى تأثيره الحقيقي على أحد أهم الممرات البحرية العالمية.
ففي حين ترى الصحيفة أن المشروع سيحوّل العراق إلى مركز تجاري عالمي، مهددًا مكانة قناة السويس، يؤكد خبراء اقتصاديون أن الطريق الجديد ليس بديلاً للقناة، بل مكمّلاً لها، حيث يختص بنقل السلع التي تتطلب سرعة في التوصيل.
وبينما يتوقع البعض أن يُحدث المشروع تحوّلًا اقتصاديًا في المنطقة، تحذر أصوات أخرى من التحديات الأمنية والسياسية التي قد تعرقل تنفيذه. فهل سيكون "طريق التنمية" منافسًا حقيقيًا لقناة السويس، أم أنه إضافة جديدة تعزز حركة التجارة الدولية دون أن تؤثر على الدور المحوري للممر المصري؟
ووصفت صحيفة "وول ستريت جورنال" في تقرير نشرته اليوم الثلاثاء (18 مارس 2025)، مشروع "طريق التنمية" في العراق بأنه ينافس بشكل مباشر خط نقل قناة السويس البحرية، معلنةً أنه سيكون المنافس الرئيس للقناة في العالم.
وقالت الصحيفة إن "مشروع طريق التنمية الذي سيربط العالم الشرقي بالغربي عبر طرق التجارة، والممتد على مساحة 740 ميلًا، سيحوّل العراق إلى الممر التجاري الأول في العالم، ملغيًا بذلك المكانة الاقتصادية التي تحظى بها قناة السويس، والتي تعتمد عليها مصر في تمويل جزء كبير من ميزانيتها".
وأشارت الصحيفة إلى أن "مشروع طريق التنمية، وعلى الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجه تنفيذه، ومنها مروره عبر مناطق تسيطر عليها فصائل وعشائر مسلحة قد تكون لها أهداف تتنافى مع أهداف الدولة العراقية وطريقة تنفيذها للمشروع".
وأضافت الصحيفة أن "المشروع سيحوّل العراق من بلد نفطي إلى بلد تجاري مهم، الأمر الذي رجحت أن يقود إلى "خلافات" مع الحكومة المصرية، التي سيتأثر اقتصادها بنجاح المشروع ودخوله حيز التنفيذ. كما شددت على أن نجاح المشروع بات "أمرًا حيويًا" لدول العالم، وخصوصًا الدول العظمى، بعد تعرض طرق التجارة الدولية المارة عبر قناة السويس لخطر الاستهداف في ظل الصراع العسكري قبالة السواحل اليمنية".
اقتصادي مصري ينفي
وعدَّد باحثان في الاقتصاد السياسي، أحدهما مصري والآخر عراقي، مكاسب العراق الإقليمية والدولية من "طريق التنمية" الذي أعلنت عنه الحكومة العراقية، وأكدا عدم منافسته لقناة السويس المصرية.
أكد أبو بكر الديب، الباحث المصري في العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي، في حديث صحفي سابق، أن "طريق التنمية" سيدر 4 مليارات دولار سنويًا، ويوفر 100 ألف فرصة عمل للعراقيين والدول المجاورة، كما سيحوّل العراق إلى مركز رئيسي للتجارة ومحطة نقل كبرى بين آسيا وأوروبا.
وهو ما اتفق معه صفوان حليم، الخبير الاقتصادي العراقي، الذي أكد أن العراق يحاول استثمار موقعه الجغرافي من خلال إنشاء "طريق التنمية"، موضحًا أنه مكمل لقناة السويس المصرية التي تختص بنقل السلع التي لا تحتاج إلى سرعة في الانتقال.
المكاسب الاقتصادية
قال أبو بكر الديب إن هناك 10 مكاسب عراقية ودولية لمشروع "طريق التنمية" الذي أعلنت عنه الحكومة العراقية بطول 1200 كيلومتر.
ويبدأ "طريق التنمية" من البصرة في أقصى جنوب العراق، ويمر بعشر محافظات عراقية وصولًا إلى تركيا، ومنها إلى أوروبا. ومن بين تلك المكاسب، ربط تجارة شرق العالم بغربه، كما أنه سيدر 4 مليارات دولار سنويًا، ويوفر 100 ألف فرصة عمل للعراقيين والدول المجاورة.
وأضاف أن "طريق التنمية" يحوّل العراق إلى مركز رئيسي للتجارة ومحطة نقل كبرى بين آسيا وأوروبا، حيث ينخفض فيه زمن الرحلة البحرية من 33 إلى 15 يومًا، فضلًا عن بناء مدن صناعية وسكنية جديدة، وتحقيق انتعاش تجاري.
واستبعد الديب أن يؤثر المشروع الجديد، الذي تصل تكلفته إلى 17 مليار دولار، على قناة السويس المصرية التي يمر بها 12% من حركة التجارة العالمية، وذلك لعشرة أسباب، أهمها انخفاض تكلفة النقل البحري مقارنةً بالبري، وزيادة حجم البضائع المنقولة عبر السفن والحاويات البحرية مقارنةً بعربات السكة الحديد، إضافة إلى أن المرور بقناة السويس لا يحتاج إلى أعمال شحن وتفريغ للمنتجات التي تحملها السفن.
وأوضح الديب أن السفن تمر كما هي بالشحنة التي تحملها، وبالتالي لا يوجد أي تلفيات، كما أن الطريق الجديد يمر عبر مناطق تشهد توترات، مثل شمال العراق، في حين تتمتع قناة السويس بالأمن والاستقرار، وهي تتوسط قارات العالم، فضلًا عن الخبرات البشرية المكتسبة لموظفي قناة السويس عبر سنوات طوال من العمل في هذا المجال.
طريق مكمل لقناة السويس
من جانبه، صرح صفوان حليم، الخبير الاقتصادي العراقي، بأن العراق يحاول استثمار موقعه الجغرافي، وإنشاء "طريق التنمية" كمكمل لقناة السويس المصرية.
وأوضح حليم أن قناة السويس ستختص بنقل السلع التي لا تحتاج إلى سرعة في الانتقال، بينما وجود قطارات تمر عبر العراق بسرعة 300 كيلومتر في الساعة، يمكن أن يسهم في نقل الإنتاج الزراعي السريع التلف من آسيا إلى الاتحاد الأوروبي والعكس.
وأضاف أن ميناء الفاو العراقي لن يعمل بمفرده، فهو يحتاج إلى بنية تحتية مكملة، تتمثل في الطرق السريعة والقطارات، وكذلك إمكانية إنشاء صناعات تكميلية على جانبي هذا الطريق للاستثمار، نظرًا لتوفر المواد الأولية في العراق.
وأشار إلى أن مشروع "طريق التنمية" سوف يسمح لأكثر من 13 مليون سائح أوروبي بزيارة العراق ودول الخليج عبر القطار، كما سيساهم في إحياء السياحة والتجارة والزراعة والصناعات الغذائية، التي تحتاج إلى طرق ميسرة لنقل السلع، كما سيعمل الطريق على إيجاد نوع من التكامل بين المحافظات العراقية، وإبعاد عملية انتقال السلع والخدمات عن الابتزاز.
تقدم نسب إنجاز التصاميم
وفي إطار الجهود المستمرة لتنفيذ مشروع "طريق التنمية" الاستراتيجي، أعلن وزير النقل العراقي، رزاق محيبسالسعداوي، في يناير الماضي عن المراحل التي تم إنجازها حتى الآن، مؤكدًا أن المشروع يسير وفق الخطة المحددة. وأوضح أن المرحلة المقبلة ستشهد عرض المشروع أمام كبرى الشركات العالمية لاستقطاب الاستثمارات، عقب استكمال التصاميم التفصيلية.
ووفقًا لبيان صادر عن الوزارة، فقد تم الانتهاء بالكامل من التصاميم الأولية للمشروع، سواء في المسار البري أو السككي، إلى جانب استكمال عمليات المسح الطبوغرافي وتحريات التربة. كما تم الشروع في التصاميم النهائية، التي تأخذ في الاعتبار البنى التحتية القائمة، بما في ذلك الجسور، المحطات، والأبنية المرتبطة بالمشروع.
وأشار السعداوي إلى أن عام 2025 سيشهد الانتهاء من التصاميم التفصيلية والانتقال إلى مرحلة جذب الاستثمارات العالمية، بما ينسجم مع رؤية الحكومة العراقية برئاسة محمد شياع السوداني.