قناة "الحرة" تغلق أبوابها بعد سنوات من الدعاية والتضليل الإعلامي الممنهج

انفوبلس /..
أعلنت قناة "الحرة" إغلاق مكاتبها في واشنطن ودبي ووقف بثها بشكل نهائي، بعد قطع التمويل عنها من قبل "وزارة الكفاءة الحكومية" بقيادة إيلون ماسك، وهذا الإجراء لم يكن مفاجئاً لمن تابع المسار الوظيفي للقناة، التي عُرفت بترويجها الممنهج للسياسات الأمريكية في الشرق الأوسط، وتجاهلها التام للشعوب وقضاياها العادلة.
ورغم محاولة القناة تبرير الإغلاق بما تسميه "توجهات تقشفية" فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، إلا أن كثيرين يرون أن الحقيقة تكمن في فشلها المزمن في كسب ثقة الجمهور العربي، بعد سنوات من بث خطاب يخدم مصالح واشنطن ويبرر تدخلاتها في شؤون الدول العربية.
الحديث عن "حرية الإعلام" و"نقل المعلومات" في قناة "الحرّة" ليس سوى غطاء هشّ سقط مع أول اختبار جدي للتمويل، إذ تهاوت القناة بمجرد قطع الدعم، كاشفة عن هشاشة المشروع بأكمله
مؤسسة "الحرة" التي خُصصت لها مئات الملايين من الدولارات، لم تكن سوى أداة دعائية ركيكة، أخفقت في إقناع جمهور واعٍ بات يميز بين الإعلام الحر والدعاية الموجَّهة، أما الحديث عن "حرية الإعلام" و"نقل المعلومات"، فليس سوى غطاء هشّ سقط مع أول اختبار جدي للتمويل، إذ تهاوت القناة بمجرد قطع الدعم، كاشفة عن هشاشة المشروع بأكمله.
"لم يُترك لنا أي خيار"
وأعلنت قناة "الحرة"، إغلاق مكاتب القناة وإيقاف البث بشكل نهائي، بسبب إيقاف التمويل من قبل "وزارة الكفاءة الحكومية" بقيادة ايلون ماسك، إذ أكدت تقارير صحفية إغلاق مكاتب القناة بشكل نهائي في كل من واشنطن ودبي، وإنهاء خدمات جميع الموظفين العاملين فيها، في خطوة جاءت كنتيجة مباشرة لتوجهات التقشف في عهد إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، والتي شملت تقليص التمويل لمؤسسات إعلامية حكومية.
وقال الرئيس والمدير التنفيذي للشبكة (جيفري غدمين)، في بيان رسمي نشره موقع "الحرة"، إنه "لم يُترك لنا أي خيار... وافق الكونغرس على تمويلنا في 14 مارس، لكن في اليوم التالي، تم تجميد هذا التمويل بشكل مفاجئ وغير قانوني من قبل ما يسمى بـ(وزارة الكفاءة الحكومية) وكاري ليك، المستشارة الخاصة للوكالة التي تشرف علينا".
كما أكد غدمين، إن "الوكالة الأمريكية للإعلام الدولي (USAGM) هي المسؤولة المباشرة عن هذه الأزمة، ورغم أن التمويل تم تخصيصه رسميا من قبل الكونغرس، إلا أن الوكالة ترفض صرفه، دون تفسير أو تواصل مباشر، فكاري ليك ترفض مقابلتنا أو حتى التحدث معنا، وتُركنا لنستنتج أنها تنوي خنقنا ماليا".
ومن الجدير بالذكر أن قناة "الحرة"، الممولة من الحكومة الأمريكية، انطلقت في 14 شباط/ فبراير 2004، لتخاطب جمهور الشرق الأوسط وتصل إلى 22 بلداً، وقد أسس القناة نورمان باتيز، عضو مجلس البث الحكومي الأمريكي "بي بي جي"، المشرف على إذاعات مثل "صوت أمريكا" و"راديو أوروبا الحرة".
وفي بداية تأسيسها، حظيت القناة بميزانية ضخمة بلغت 62 مليون دولار للسنة الأولى، إضافة إلى أكثر من 40 مليون دولار خُصصت لإطلاق قناة "الحرة عراق" في عام 2006، والتي ركزت على الشأن العراقي، قبل أن يتم إغلاق الحرة عراق أيضا في سبتمبر 2024.
نهاية لقصة إعلامية
ووُجهت لـ"الحرة" اتهامات بتضليل الرأي العام العربي، من خلال الترويج لأجندات تتماهى مع مصالح واشنطن، خاصة في أوقات الحروب والصراعات الإقليمية
وجاء إغلاق قناة "الحرة" ليضع نهاية لقصة إعلامية لطالما أثارت الجدل في الأوساط العربية، ليس بسبب أدائها المهني، بل بسبب دورها الواضح في الترويج لسياسات أمريكية عدائية تجاه شعوب الشرق الأوسط. فمنذ تأسيسها عام 2004، لم تكن القناة سوى منبر لبث الرواية الرسمية الأمريكية، ومحاولة تلميع التدخلات العسكرية والسياسية في المنطقة، تحت غطاء "حرية التعبير" و"الديمقراطية".
ووُجهت لـ"الحرة" اتهامات بتضليل الرأي العام العربي، من خلال الترويج لأجندات تتماهى مع مصالح واشنطن، خاصة في أوقات الحروب والصراعات الإقليمية، فقد كانت القناة أداة ناعمة ضمن منظومة الدعاية الأمريكية، تسعى إلى شرعنة الغزو الأمريكي للعراق، ودعم سياسات التطبيع والتدخلات السياسية في شؤون الدول العربية، في الوقت الذي كانت تتجاهل فيه بشكل منهجي الانتهاكات التي ترتكبها الإدارات الأمريكية المتعاقبة.
ما يصفه القائمون على القناة اليوم بـ"القرار المؤسف"، يراه كثيرون من المتابعين العرب نهاية مستحقة لمشروع إعلامي لم يحظَ يوماً بثقة الجمهور، بل كان محل انتقاد واسع لابتعاده عن هموم الناس الحقيقية، وانحيازه الدائم لسياسات القوة. ورغم الأموال الطائلة التي أُنفقت على هذه القناة، فإنها أخفقت في بناء مصداقية حقيقية، واليوم تغلق أبوابها بصمت، بعد أن لفظها حتى من أنشأها.
إغلاق "الحرة عراق"
لم يكن قرار إغلاق قناة "الحرة" سوى تتويجٍ لمسار انحداري بدأ منذ سنوات، وبلغ ذروته في سبتمبر/أيلول 2024، حين أعلنت مؤسسة MBN، الممولة من الحكومة الأميركية، إغلاق فرعها "الحرة عراق"، بعد أكثر من عشرين عاماً من بث المواد الإعلامية التي اعتُبرت من قبل العديد من المتابعين مجرد أدوات دعائية موجهة ضد العراق وشعبه، تكرس خطاباً مشوهاً يخدم السياسات الأميركية في المنطقة.
إغلاق "الحرة عراق" جاء نتيجة ما وصفته إدارة المؤسسة بـ"التخفيضات القسرية"، عقب تقليص ميزانيتها بنحو 20 مليون دولار من قبل مجلس الشيوخ الأميركي. القرار أسفر عن تسريح أكثر من 160 موظفاً، تلقوا جميعاً إشعارهم عبر بريد إلكتروني جماعي، حمل عبارات الأسف والتبرير، لكن دون أن يخفي حقيقة الفشل في الاستمرار.
البيان المطول الذي أصدره المدير التنفيذي جيفري غدمين تحدث عن "تحول استراتيجي"، و"هيكلة ضرورية"، و"مستقبل واعد"، لكن الواقع كان يعكس خيبة مشروع إعلامي لم يستطع الصمود إلا في ظل التمويل المكثف، وفشل في بناء قاعدة جماهيرية حقيقية.
وكان لافتاً أن دمج "الحرة عراق" مع القناة الأم لم يكن إلا مرحلة انتقالية نحو الإغلاق الكامل، ويبدو أن هذا التسلسل من الإنهاءات لم يكن سوى نتيجة طبيعية لانكشاف الخط التحريري الموجه، وفقدان الثقة الشعبية، في وقتٍ بات فيه المشاهد العربي أكثر وعياً وتمييزاً بين الإعلام الحر والإعلام المُسَيّر سياسياً.