موقف باكستان الداعم لإيران يقلق ويغضب "الصهاينة".. ماذا نعرف عن جذور العداء بينهم؟

انفوبلس/ تقرير
خلال حرب الـ12 يوماً بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية و"الاحتلال الاسرائيلي"، كشفت متابعة التغطية الصحفية لوسائل الإعلام "الإسرائيلية" أنها ركزت كذلك على أهم ردود الفعل الباكستانية على الهجمات العدوانية على طهران، فما قصة جذور العداء بينهم؟ وما الذي تخشاه "تل أبيب" من إسلام أباد؟
الانشغال الإعلامي والسياسي الإسرائيلي
شهدت الساحة السياسية والإعلامية في "إسرائيل"، تركيزاً لافتاً على باكستان، والتحريض عليها، بسبب موقفها الداعم لإيران، ضد الهجمات الإسرائيلية والأمريكية. كما توقفت الأوساط الإسرائيلية عند مواقف باكستان وإسرائيل، بسبب رفض إسلام أباد للهجمات على إيران.
وروّجت شبكات التواصل الاجتماعي الإسرائيلية خلال الأيام الماضية، لما قيل إنها مساعدة باكستان الدولة المسلمة النووية لجارتها إيران بالصواريخ، رغم أن محافل سياسية ودبلوماسية استبعدت هذه المساعدة، في ضوء العلاقة الوثيقة بين إسلام أباد وواشنطن، على حد قولها.
كان لافتاً اهتمام وسائل الإعلام الإسرائيلية باتصال رئيس الوزراء شهباز شريف برئيس إيران مسعود بوزشكيان، وإعرابه عن تعازيه في ضحايا هجوم إسرائيل عليها، والإعلان أن بلاده تقف بجانبها، واتهامها بانتهاك سيادتها.
وتداولت الصحافة الاسرائيلية بكثرة موافقة مجلس الشيوخ الباكستاني والجمعية الوطنية بالإجماع على قرار يدعم إيران، ووصف الهجوم الإسرائيلي بغير القانوني، والتأكيد على حق إيران بالدفاع عن نفسها، وفقاً للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة.
وانتقدت كذلك وسائل الإعلام الإسرائيلية إعلان باكستان عن دعم إيران خلال الاجتماع الطارئ لمجلس الأمن الدولي. وكذلك وجدت المظاهرات التي اجتاحت باكستان ضد إسرائيل، ودعم إيران، في المدن الكبرى، كراتشي ولاهور وبيشاور، والعاصمة إسلام آباد، حيزاً واسعا في وسائل الإعلام والمنصات الإسرائيلية.
ونشر الإعلام الإسرائيلي صور الحشود الغاضبة في الشوارع، تُلوّح بأعلام إيران وفلسطين، وتحرق رموزاً إسرائيلية، لأن الهجمات على إيران بنظرها ليس مجرد حرب أجنبية، بل مواجهة روحية وتاريخية وأيديولوجية.
توقف المحللون السياسيون الاسرائيليون عند موافقة باكستان في قمة شنغهاي على قرار يدعم إيران في مواجهة "العدوان الصهيوني"، وظهر غضب إسرائيلي على إسلام أباد لأنها حاولت الضغط على أعضاء المنظمة لإصدار قرار بالإجماع يُدينها.
إذ كتبت صحيفة "معاريف" عن طبيعة الموقف الباكستاني الرافض للهجوم على إيران، تحت عنوان "مفاجأة من الدبلوماسية الشرقية.. باكستان تدعم إيران ضد إسرائيل". وأشارت إلى تفعيل باكستان لأنظمة دفاعها الجوي، ونشر مقاتلاتها قرب منشآتها النووية ومن حدودها مع إيران، كإجراء احترازي.
وانتشرت تصريحات وزير الدفاع الباكستاني خواجة آصف حول الحرب الإسرائيلية الإيرانية، في الصحافة الإسرائيلية، حين وصف العدوان على الفلسطينيين في غزة والهجمات على إيران بأنها "جرائم حرب"، داعياً لوقف ما يحصل على الفور.
واعتبر كذلك المسؤول الباكستاني أن إسرائيل "دولة مارقة"، لكنه نفى أيضاً أن تكون إيران قد تقدمت بطلبات للحصول على مساعدة عسكرية من باكستان. واعتبر أن إيران "الضحية في هذا الصراع"، ولها الحق بمواصلة برنامجها النووي، ولا يحق لإسرائيل مهاجمة منشآتها الخاضعة لإشراف دولي.
مُحرِّر الشؤون الدولية في موقع "emess" العبري، اعتبروا مثل هذا الموقف الباكستاني مقدمة لتغيير محتمل في نهج إسلام أباد تجاه الصراعات التي تشهدها المنطقة، من خلال إفساح المجال لإبداء الدعم الشعبي فيها لخوض مواجهة عسكرية مباشرة مع إسرائيل من جهة، ومن جهة أخرى محاولة إسلام أباد قيادة خط موحد في العالم الإسلامي ضد الهجمات المستمرة لإسرائيل تجاه عدد من الدول العربية والإسلامية.
على صعيد الشائعات، تناولت منصات التواصل والمواقع الإخبارية الإسرائيلية، مثل القناة 14 العبرية، المقربة من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، تصريحاً منسوباً للجنرال محسن رضائي، الضابط الكبير في الحرس الثوري وعضو المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران، جاء فيه أن "باكستان وعدت بأنه إذا استخدمت إسرائيل قنبلة نووية ضد إيران، فإنها ستهاجمها بقنبلة نووية".
موقع "ناتسيف" للشؤون العسكرية الإسرائيلية، زعم بأن باكستان، القوة النووية الإسلامية الوحيدة، هددت بالتدخل لصالح إيران ضد إسرائيل، دون تأكيد مثل هذا الخبر من مصادر رسمية. ونشر تصريحاً منسوباً لوزير الدفاع خواجة محمد آصف، مفاده أن باكستان ستتدخل بجانب إيران.
جذور العداء بين باكستان و"إسرائيل"
المستشرق الإسرائيلي، يارون فريدمان، أستاذ الدراسات الإسلامية في الجامعات الإسرائيلية، قال في مقال أخذ رواجاً واسعاً في الصحافة الإسرائيلية في الأيام الأخيرة، إن باكستان ليست مؤيدة لإسرائيل. وأشار إلى أنها هي الدولة الثانية في العالم الإسلامي من حيث عدد السكان بعد إندونيسيا، بما يزيد عن 250 مليون نسمة، وفيها عدد لا بأس به من الحركات الجهادية والسلفية الناشطة، وفق زعمه.
ولفت إلى أن الوسائل الإعلامية الباكستانية، وجمهورها العام، معادون للغاية لإسرائيل والولايات المتحدة، وهناك مظاهرات منتظمة دعماً لغزة، ولحركة حماس.
كما أن باكستان صوّتت ضد قرار التقسيم الذي أصدرته الأمم المتحدة في 1946 لتقسيم فلسطين بين الفلسطينيين واليهود، وعارضت إنشاء "دولة إسرائيل"، فيما تزيد العلاقات القوية بين إسرائيل والهند من العداء بين تل أبيب وإسلام أباد. وشدد على وصف باكستان بأنها "دولة معادية للغاية لإسرائيل".
ورصدت إسرائيل عبر وسائلها الإعلامية ومنصاتها في محاولة لتأكيد مزاعمها بشأن مساعدة باكستان لإيران، معاناة إسلام أباد من النقص الحاد في الغاز، وقيام طهران بمدّ خط أنابيب للنفط إليها قبل عقد من الزمن.
وكذلك تخطيطهما لتوقيع اتفاقية لتوريد الغاز، لكن المشروع توقف بسبب العقوبات الأمريكية على طهران، ثم استؤنفت المحادثات بينهما مؤخراً، لكنها توقفت بسبب الهجمات الإسرائيلية الحالي، ما يعني تسببها بوقف اتفاقية كان من شأنها أن تجلب لإيران 7.5 مليار دولار، رغم العقوبات الأمريكية.
رصدت المحافل الاقتصادية الإسرائيلية أيضاً، حجم التجارة الثنائية بين طهران وإسلام آباد التي بلغت 2.8 مليار دولار، وقد وقعتا مذكرة تفاهم تهدف لتوسيعها إلى 10 مليارات دولار.
كما أن إيران توفر نحو 100 ميغاواط من الكهرباء للمدن الحدودية في بلوشستان الباكستانية، فضلاً عن تعزّز تعاونهما الأمني بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، مع صعود تنظيم "داعش، الذي يشكل تهديداً لكليهما.
عضوية باكستان في النادي النووي تغضب "إسرائيل"
في طور النقاشات الإسرائيلية الجارية حول الموقف الباكستاني من المواجهة الجارية مع إيران، توقف المحللون الإسرائيليون عند معلومة أن باكستان ليست من الدول الموقعة على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، وقد عملت بشكل علني على تطوير مشروع نووي خاص بها منذ قرابة خمسين عاماً.
في الوقت ذاته، تحوز باكستان في السنوات الأخيرة على متابعة إسرائيلية حثيثة في ضوء تنامي علاقاتها مع السعودية، التي هدّدت بأنه إذا حصلت إيران على أسلحة نووية، فسوف تشتريها من باكستان، صديقتها المقربة.
يارون دروكمان الصحفي الاستقصائي في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، زعم أن البروفيسور عبد القادر خان، الخبير النووي الأول في باكستان، والمعروف باسم "أبو القنبلة الباكستانية"، الذي أعلن أن بلاده تمتلك قنبلة نووية، ومنحها تذكرة الدخول إلى النادي الحصري لمُصنِّعي الأسلحة النووية، ساهم بدوره في البدايات الأولى للمشروع النووي الايراني، بجانب الصين والأرجنتين وكوريا الشمالية.
تداولت المنصات الإسرائيلية دعوات باكستانية صادرة عن برلمانيين وعلماء دين للعالم الإسلامي للتوحّد ضد إسرائيل بسبب هجماتها على إيران واليمن وفلسطين، بدعوى أنه إذا لم تتحد الدول الإسلامية الآن، فستواجه جميعها مصيراً مشابهاً.
كذلك طالب برلمانيون باكستانيون الدول التي تربطها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل لقطعها فوراً، ودعوة منظمة التعاون الإسلامي لعقد اجتماع طارئ لوضع استراتيجية مشتركة، والتشديد على عمق العلاقات الباكستانية مع إيران، ودعم مصالحها في كافة المحافل الدولية.
في المقابل، اعتبرت إسرائيل كل ذلك مؤشرات سلبية على حجم العداء الباكستاني الرسمي والشعبي لها.
لورين داغان آموس، الباحثة في السياسة الخارجية والأمنية الهندية بجامعة بار إيلان، وعضوة في منتدى "ديبورا"، كتبت في مجلة كالكاليست، أنه بينما يبقى التركيز العام في إسرائيل على الجوانب العسكرية والتكتيكية والضربات العميقة، والصواريخ، والبطاريات الدفاعية، الموجهة ضد إيران، فمن الجدير النظر أيضاُ لما يحدث في المجال الاستراتيجي الأعمق وهو التحالفات السياسية والمواقف الصادرة بشأن هذه المواجهة، وتحديداً باكستان.
عيدو غادي راز الباحث في معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، استفاض في ورقة بحثية في الحديث عن العلاقات الإيرانية الباكستانية، مشيرا إلى أنه رغم النفوذ الأمريكي في باكستان، فإنها تحافظ على علاقات وثيقة مع إيران، التي تقدم لها دعماً ثابتاً في صراعها مع الهند بشأن جامو وكشمير، ويرتكز على الرؤية الإسلامية المشتركة.
رصدت القراءات الإسرائيلية الموقف الباكستاني الخارجي الداعم لإيران من منظورين داخلي وخارجي:
المنظور الداخلي: لأنه حظي بدعم شعبي واسع، حيث نظر الباكستانيون لإسرائيل بوصفها عدوّا أيديولوجياً، ما يُعزز شرعية الحكومة والجيش في وقت تعاني فيه البلاد تحديات اقتصادية وسياسية، منها الديون، والاستقطاب السياسي الداخلي؛ وبالتالي قرأت إسرائيل هذا الموقف الباكستاني أداة لتعبئة الرأي العام الداخلي، وتعزيزاً لصورة المؤسسة العسكرية بوصفها حامية للمصالح الوطنية.
المنظور الخارجي: رصدت المحافل الدبلوماسية الإسرائيلية أن إسلام آباد ترى في تعزيز علاقاتها مع طهران، ودعمها في وجه العدوان الإسرائيلي، بوابة لتعميق شراكتها مع الصين وروسيا، الشريكتان الاستراتيجيتان الساعيتان لتقليص النفوذ الأمريكي في جنوب شرق آسيا، وقد يدفع هذا التلاقي لإعادة إحياء مشاريع اقتصادية مجمّدة، مثل خط أنابيب الغاز الإيراني-الباكستاني، الذي عرقلته واشنطن لفترة طويلة.