استمراراً لجرائم العنف الأسري.. شخصان يقطعان يد شقيقتهما لعملها بصالون نسائي في بابل.. القوات الأمنية تعتقل أحد الجناة وتلاحق الآخر
انفوبلس..
هاجم شقيقان في بابل شقيقتهما التي لديها صالون نسائي في مدينة الحلة مركز محافظة بابل، وبعد أن ضرباها على رأسها بشدة أقدما على قطع يدها بآلة حادة، وقد ألقت شرطة المحافظة على أحد المتهمين.
وتفيد المعلومات المتوفرة بأن الشقيقين هددا شقيقتهما عدة مرات وطلبا منها إغلاق الصالون وعزيا ذلك إلى أسباب اجتماعية.
وكان الشقيقان قد أقدما، يوم السبت الماضي، على مهاجمة صالون (بنت بغداد) لتزيين السيدات في شارع الكرامة بمدينة الحلة مركز محافظة بابل وضربا مالكة الصالون التي هي شقيقتهما بالأيدي وبآلات أخرى، ثم قاما بقطع يدها بآلة حادة وهربا إلى جهة مجهولة.
وصرح مصدر من شرطة محافظة بابل بأن "قواتنا تمكنت من إلقاء القبض على أحد المتهمين، لكن مكان المتهم الثاني لا يزال مجهولاً".
وعن أسباب الحادث، قال المصدر من شرطة بابل بأن الشقيقين هددا شقيقتهما عدة مرات في السابق، ليرغماها على إغلاق الصالون، وقالا لها إنه يجب عليها التوقف عن عملها لأسباب اجتماعية، لكن شقيقتهما لم تذعن لهما وواصلت عملها.
وتشير المعلومات بأن المجني عليها بعد قطع يدها من قبل شقيقيها نزفت دماء غزيرة قبل أن يصل بعض أقاربها الذين نقلوها إلى مستشفى الحلة التعليمي.
مصدر محلي كشف أن "الجاني ضرب شقيقته بآلة حادة وقام بقطع كف إحدى يدَي الضحية وقطع بعض أصابع اليد الأخرى، كما قام بضربها في منطقة الرقبة والخصر وتسبب لها بجروح عميقة، فضلا عن ضربة قوية على الرأس يعتقد أنها تسببت بتهشم جزئي بالجمجمة"، مؤكدا أن "حالة الضحية الصحية متدهورة وغير مستقرة وهي حاليا في الإنعاش".
حالات العنف ضد النساء
وبحسب تقرير لمنظمة الدولية للهجرة IOM عن العنف الأُسري والمجتمعي في العراق فإن واحدة من بين كل ثلاث نساء حول العالم تتعرض لشكل من أشكال العنف الجسدي أو التحرش الجنسي، وأن هناك ما يزيد على 1 مليون امرأة وفتاة في العراق عرضة للعنف، مبينة أن 26% من نساء العراق أعربنَ عن تعرضهن للعنف على أيدي أزواجهن.
وأشار التقرير الى، إن السنوات الأخيرة شهدت تصاعدا في حالات العنف ضد نساء وفتيات حول العالم، وعلى الرغم من الإحصائيات المرعبة لحالات العنف هذه فإنها وللأسف لا تشتمل على صيغ أخرى من العنف والتي غالبا لا يتم الإبلاغ عنها ومنها العنف اللفظي والنفسي والاقتصادي.
مينا رعد، عقيد شرطة مجتمعية قسم النساء في بغداد، تقول "نحن نواجه مشكلة كبيرة بخصوص حالات عنف أُسرية لا يتم الإبلاغ عنها. أما بالنسبة للنساء اللاتي يأتين للإبلاغ فإنهن يطلبن عند البوح بذلك طلب المساعدة من ضابط شرطة مجتمعية من العنصر النسوي وليس ضابطاً من الرجال".
وتذكر المنظمة الدولية في تقريرها بأن النساء والفتيات هنَّ لسنَ مجرد ضحايا، بل هن يلعبنَ دورا مهما في منع العنف ومكافحته والتصدي له. التنظيم المجتمعي في العراق، على سبيل المثال، يشجع على الشراكة ما بين عامة الناس والشرطة للحفاظ على جانب الأمن والسلامة مبنياً على الاحتياجات المجتمعية. ضباط الشرطة المجتمعية هم غير مسلحين، فهم قادمون من المجتمعات التي يخدمونها، ويمارسون عملية تواصل مكثفة ليتمكن الآخرون من الوصول إليهم.
سارة كاظم، تعمل في المركز الاستراتيجي لقسم الشرطة المجتمعية في بغداد، تقول "من الضروري جدا بالنسبة للمرأة أن تشغل مكانا وظيفيا كمنتسبة في سلك ضباط الشرطة المجتمعية. مساهمتنا هي بمثابة تمكين للمرأة لكي تتحدث بحرية أكثر، هذا يعني أن المرأة المتعرضة لتعنيف تكون متهيئة نفسيا أكثر عندما تطرح مشكلتها لعنصر نسوي آخر، عكس ما تكون بمواجهة ضابط رجل من الشرطة المجتمعية". مشيرة الى أن الشرطة المجتمعية مكرَّسة نفسها لبناء ثقة بين الناس ومؤسسات فرض القانون والتي عن طريقها فقط يمكن توفير دعم ومساندة للمرأة".
تزايد خطير
وتشهد حالات العنف الأسري في العراق، تزايداً مقلقاً خلال الآونة الأخيرة، وفق ما رصدته الشرطة المجتمعية، وبينما يعزو مختصون أسباب ارتفاع هذه الظاهرة الخطيرة إلى ضغوطات الحياة المختلفة، شددوا على ضرورة تشريع قوانين صارمة، ونشر ثقافة احترام الأُسرة منذ الصغر، فضلاً عن زيادة وعي المجتمع للوقاية من هذه الجرائم التي تنتهي أحياناً إلى موت الضحية.
وتتصدر النساء قائمة حالات التعنيف في العراق، تليها الأطفال، وثم الرجال في الدرجة الثالثة، بحسب مدير الشرطة المجتمعية التابعة لوزارة الداخلية العراقية، العميد غالب العطية.
وكشف العطية، عن تسجيل أكثر من 160 حالة تعنيف للأطفال في عموم المحافظات العراقية خلال الفترة الماضية"، لافتاً إلى أن "الحصيلة هي فقط للشرطة المجتمعية، إذ هناك مديرية حماية الأُسرة والطفل، وفي بعض الأحيان تتدخل مراكز شرطة أيضاً في قضية التعنيف".
وأشار إلى، أن "المديرية تتلقى الكثير من التبليغات عن حالات التعنيف بعضها يأتي من الجيران أو من يسمع عنها، كما أن المديرية ترصد جميع المدارس وهناك تعاون مع إداراتها للإبلاغ في حال ظهور أي علامة تعنيف على جسد الأطفال".
وأوضح العطية، أن "عمل الشرطة المجتمعية وقائي واستباقي قبل حصول الجريمة، وتم منع العشرات من حالات التعنيف وإنقاذ الكثير من الأطفال من أسرهم، وأخذ تعهدات من الأب أو الأم أو الشخص الذي يقوم بالتعنيف، وأحياناً تُساهم المديرية في سحب الحضانة من الطفل وتحويلها إلى شخص آخر في حالات انفصال الزوجين".
عادات اجتماعية
في غضون ذلك، أشارت المدافعة عن حقوق الإنسان سارة جاسم، إلى "وجود عادات وأعراف تُسيء للإنسان وتُساهم في ارتفاع حالات العنف الأُسري في البلاد، يرافق ذلك عدم قدرة الزوج على تلبية متطلبات الحياة، مع الإنجاب غير المدروس، وقلّة مفاهيم التربية والاحترام بين أفراد الأسرة، وأيضاً حق التأديب في المادة 41 من القانون العراقي التي تعتبر حافزاً لممارسة العنف ضد النساء".
وذكرت جاسم، أنه "فضلاً على الاستخدام الخاطئ لمواقع التواصل الاجتماعي، والجهل الرقمي للوقوع في مشكلات أُسرية، وكذلك تعاطي المخدرات التي ازدادت في السنوات الأخيرة".
ولخصت جاسم، أسباب تفاقم العنف إلى "نتاجات ثقافية اجتماعية، وأخرى نفسية، ففي السياق الأول، تفرض الثقافة العراقية سلطة اجتماعية مبنية على أساس العمر والقرابة، فالآباء عادة ما يمنحهم المجتمع سلطة مُطلقة على الأبناء، كما يمنح الكبار سلطة على الصغار تقل وتزداد تبعاً للنسب والقرابة الدموية".
ووفقاً لهذا الفهم، يُصبح العنف مُبرراً لعدم ارتكاب الأطفال والصغار أخطاءً تعرض الكبار لكلف اجتماعية، وتجاوز القيم والأعراف التي توارثت من جيل لآخر، ومفهوم سلطة الرجل على المرأة التي تجعل الأغلبية يرى الحق بضرب وتعنيف المرأة كونها تابعاً لا إنسان له حقوق وكرامة"، وفق جاسم.
عوامل نفسية
أما السياق الثاني (النفسي)، فعزت الاختصاصيتان في الطب النفسي، الدكتورة براءة العاملي، والدكتورة بتول عيسى، أسباب العنف الأسري إلى الظروف التي تمر بها البلاد وما ينشر في وسائل الإعلام المختلفة من أخبار ومشاهد عن القتل التي تزيد ميول العنف والتقليد داخل مخيلة الإنسان، بالإضافة إلى ضغوطات الحياة المختلفة أبرزها الجانب الاقتصادي ومحاولة إفراغ جميع هذه الضغوط داخل الأسرة.
ولفتت العاملي وعيسى، إلى عامل الاضطرابات النفسية، خاصة إذا كان الشخص يعاني من فقدان الثقة بنفسه وليست لديه القدرة على مُواجهة مصاعب الحياة، لذلك يظهرها بصورة غير مباشرة بالأسرة، أو وجود توارث لهذه الحالة كأن يكون تنشئة الزوج أو الزوجة في بيئة سيئة فيها عنف أسري، بالإضافة إلى أسباب بالشخصية منها حب الأنا والذات والتملك والسيطرة.
وشددت الاختصاصيتان، على أهمية "وضع قوانين صارمة ضد المُعنّف الذي يعطى أحياناً مُبرراً لجريمته بحجة تقويم السلوك، وتشريع قانون حماية المرأة والطفل وتمكين الضحية للوصول إلى القانون، والإفصاح عن العنف لتتمكن الجهات المختصة من التدخل والمساعدة، وزيادة الوعي منذ مرحلة الطفولة على احترام الأسرة والتثقيف المبكر للزوجية، وللمجتمع والمؤسسات الدينية دور في ذلك".
وفي السياق نفسه، رأت الناشطة رقية سلمان، أن "العنف ضد الأطفال يرجع إلى شعور معظم زوجات الأب بأن الطفل يشاركها في زوجها بالعاطفة والاهتمام والأموال، لذلك تُعنفه لإجباره على الابتعاد عن الأب، وكذلك الحال مع زوج الأم"، وفق قولها.
وقبل عدة أشهر صُدم المجتمع العراقي بصور الطفل العراقي "موسى ولاء" البالغ من العمر 7 أعوام، الذي قُتل من شدة التعذيب على يد زوجة أبيه ببغداد، وكان جسده مليئاً بالكدمات والطعنات العميقة بالسكاكين والصعق بالكهرباء.
ودفعت هذه الجريمة إلى تزايد المطالبات الحقوقية بتشريع قوانين تضع حدوداً لتلك الانتهاكات وتحمي الأطفال من العنف الأُسري.
قانون الحماية من العنف الأسري
تتيح المادة 41 من قانون العقوبات للزوج والآباء والمعلمين حق التأديب في حدود الشرع والقانون، بحسب الخبير القانوني علي التميمي، منبهاً إلى أن "نص المادة المذكورة فضفاض يُساء استخدامه ويجعل المحكمة مُقيّدة في المساءلة، وتم الطعن في هذه المادة أمام المحكمة الاتحادية لمخالفتها المواد 14 و29 و30 من الدستور لكنها رُدَّت".
وبين التميمي، أن "الإنسان - كما يقول علم النفس الجنائي - يتأثر في المراحل الأولى من حياته (من 5 إلى 15 سنة)"، مؤكداً أن "مثل هذه الجرائم تُحطّم هؤلاء الصغار وتجعلهم حاقدين على المجتمع وحتى مُجرمين".
ورأى أن "هذه الجرائم تُخالف اتفاقيات الطفل وميثاق العهد الدولي وحقوق الإنسان، لهذا أصبحت الحاجة مُلحّة لتشريع قانون الحماية من العنف الأسري، كما فعل إقليم كوردستان وشرّع هذا القانون".
ومنذ العام 2020، أقرّ مجلس الوزراء العراقي مشروع قانون "مناهضة العنف الأسري"، وأرسله إلى البرلمان، لكن القانون لم يُقرّ حتى الآن بسبب معارضته من جهات سياسية في البرلمان، وخصوصاً تلك المنتمية إلى أحزاب دينية، رأت أن القانون فيه مخالفة شرعية، وأنّه سيؤدي إلى حدوث تفكّك أسري، ولجوء إلى القضاء من الزوجات والأطفال ضدّ ربّ الأسرة.
ومن بين أبرز الجهات المعارضة لإقرار القانون، هما حزب الدعوة الإسلامية وحزب الفضيلة الإسلامي، اللذان يجدان في القانون تعارضاً مع مبادئ الإسلام في تربية الزوجة والأولاد.
وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) قد حذرت من تبعات العنف المتمادي ضد الأطفال العراقيين، والذي يبلغ مستويات خطيرة، حيث ذكرت المنظمة في تقاريرها أن أربعة من بين كل خمسة أطفال في العراق يتعرضون للعنف والضرب.
وأكدت المنظمة الأممية أنه ما من شيء يبرر العنف ضد طفل صغير، كما أن هذه الظاهرة لا بد من منعها ووقفها، مطالبة الحكومة العراقية بتكريس آليات رصد ومتابعة مرتكبي جرائم العنف والقتل بحق الأطفال وتقديمهم إلى المحاكمة.