الرأي العام العراقي يُرثي طبيب الفقراء.. وفاة الدكتور طارق السلماني بعد عقود من الإنسانية والإخلاص للمرضى الفقراء.. تعرف على سيرته والتجارب المشابهة في البلاد
انفوبلس..
ودّع أهالي قضاء الدجيل، السبت الماضي، "طبيب الفقراء" بعد صراع مع مرض السرطان، وبعد عقود من العمل الإنساني الذي خلّد اسم "الدكتور طارق السلماني" في سجلات أهم الشخصيات التي خدمت العراق وشعبه ولم تتخذ من الجشع طريقاً للغنى ولا من استغلال مرض الناس سبيلا للثروة.
مصدر طبي بقضاء الدجيل بمحافظة صلاح الدين أفاد، يوم السبت الماضي، بأن "طبيب الفقراء" قد توفي بعد صراع مع مرض السرطان.
وقال المصدر، إن "مستشفى القضاء سجل وفاة أحد أشهر الأطباء في قضاء الدجيل وما يطلق عليه طبيب فقراء صلاح الدين طارق السلماني وهو اختصاصي بالأنف والأذن والحنجرة".
وأضاف المصدر، أن "الطبيب طارق السلماني، كان يصارع مع مرض السرطان"، مشيرا إلى أن "السلماني لُقّبَ بطبيب الفقراء نسبة إلى أجور الفحص التي لا تتجاوز 2500 دينار عراقي".
وتابع المصدر "يستقبل السلماني عشرات المراجعين يومياً ومنذ سنوات، ويرفض الظهور أو الإدلاء بتصاريح لوسائل الإعلام لأن عمله كان إنسانياً ولم يستغل ابدًا وظيفته ولم يجرِ أي عملية خارج المستشفيات الحكومية لكي لا يستغل مراجعيه المرضى".
وقال احد سكان قضاء الدجيل ويدعى رشيد محمود الجبوري، أن" اهالي قضاء الدجيل جميعهم يعرفون السلماني فقد كان مخلصاً لنفسه ولمهنته التي لم يتعامل يوم معها على مبدأ استغلال الطب ليكون غنيا بل عرفناه طبيب الفقراء يعالج مجانا ويعطي الوصفة الدوائية الصحيحة والتي تكون متوفرةً بالصيدليات ولا يستغل المراجع".
وأكد أن "سعر الكشفية كانت بين 250 دينار وألف دينار الى 2500 دينار للمراجع وللفقراء مجانا وتخصصه الأنف والأذن والحنجرة ولا يوجد طبيب في العراق مثل السلماني فهو بحق طبيب الفقراء".
اتخذ السلماني قراره بالتطوع الانساني قبل اكثر من ثلاثين عاما حينما افتتح عيادته الخاصة في قضاء الدجيل، إثر احالته إلى التقاعد كطبيب عسكري وذلك امتثالا ووفاءً لوصية والدته في الرفق بالإنسان ومعاملة المرضى بأدنى الاجور.
يقول أحد سكّان القضاء الحاج قاسم الكيم، إن أهالي الدجيل عبروا عن مشاعرهم وامتنانهم للدكتور طارق بعد ان أُصيب بمرض السرطان، وفي اواخر أيامه وعندما علم الناس بكلفة علاجه البالغة نحو 90 مليون دينار، اندفع الخيرون لجمع المبلغ دون علمه وذلك لرد الدين لهذا الطبيب الانسان الذي كان يتنازل حتى عن كشفيته البسيطة عندما كان يكتشف ضعف الحال عند مراجعيه.
وأضاف الكيم: إلا ان تذكرة السفر الى جوار الخالق كانت اسرع من مبادرة المخلوق لعلاجه، فرحل إلى ربه وهو يتأبط سجلا ناصعا من اعماله التطوعية الانسانية والتجارة مع الله سبحانه وتعالى في التخفيف عن اخيه الانسان.
وفي مشهد مَهيب شيّع أهالي الدجيل طبيب الرحمة والإنسانيّة الدكتور طارق السلماني" الذي كانت عيادته ملاذاً للفقراء، وتشهد إقبالاً كبيرا لقاء علميته وتواضعه، وشعاره الذي وضعه على وصفته بالآية الكريمة "ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً".
وكتب أحد أهالي المدينة: بالرغم من شهرته وشيوعه، كان زاهداً بالمنّة، رافضاً الظهور في وسائل الإعلام خلال كل السنوات الماضية، لأنه نموذج حيّ للإنسانيّة، وصورة مُشرقة عن الطبيب الذي يترك أثراً في مدينته وأهله، فقد نذر هذا الرجل حياته لخدمة الناس والمجتمع، وأخلص لمهنته أيّما اخلاص.. فسلام على روحه الطيّبة، والرحمة للوالدة التي أوصته بما يجعله خالداً في وجدان أهله للأبد.
وتعد تجربة السلماني ليست الأولى في العراق، فهنالك العديد من "أطباء الفقراء" في البلاد يشترك أغلبهم برفض الظهور الإعلامي فيكتسبون شهرة محلية كبيرة ويُعرفون على مدى واسع فقط عند وفاتهم.
وفي عام 2021، توفي الدكتور عبد الأمير علوش والذي كان يلقب بطبيب الفقراء في مدينة الحلة العراقية عن عمر ناهز الـ 83 عاما.
وتوفي الطبيب العراقي علوش، في 22 شباط من ذلك العام، وكان يلقب بطبيب الفقراء وذلك بسبب أجوره الرمزية، التي كان يتقاضاها من المرضى، إذ كان سعر كشفيته لا يتجاوز 500 دينار، في حين كان يتقاضى أقرانه من الأطباء 20 ألفا، أي ما يعادل 40 ضعفا.
ويذكر أن علوش ليس لديه سكرتير، لأنه يريد أن تكون علاقته مباشرة مع المريض ودوامه صباحا ومساء.
وولد طبيب الفقراء العراقي عام 1938م في مدينة الحلة وهو من عشيرة آل علوش وأخ الدكتور صادق وزير الصحة العراقي السابق.
وتخرج من كلية الطب عام 1968م، وعين في الحلة وقد تقلد مناصب عديدة منها رئاسة صحة بابل من سنة 1983م إلى 1988م، وعند تقاعده أصبح مواظبا في عيادته في مركز الحلة شارع أبو القاسم.
وفي عام 2013، ذاع صيت أحد الأطباء العراقيين، ويدعى الدكتور مزاحم، بعد قيامه بجولات في مناطق عدة للكشف على المرضى مجانا أو بأسعار رمزية.
وجاءت مباردة الطبيب في ظل تراجع حاد في الخدمات الطبية المقدمة للعراقيينفي حينها، مترافق مع ارتفاع تكلفة الحصول عليها.
الدكتور مزاحم كان يصف نفسه بـ"الطبيب الجوال"، إذ يخرج في جولتين شهريا إلى القرى العراقية لمعالجة المرضى بالمجان.
والهدف من هذه الجولات كما يقول الطبيب مزاحم هو السعى لتخفيف أعباء العلاج وتكلفته على مرضى يعانون الفقر بالأساس.
ويقول الطبيب الجوال إن أمراض الجهازين التنفسي والهضمي تكاد تكون الأكثر شيوعا في الأماكن البعيدة عن مراكز المدن، حيث تنعدم الخدمات، وتصبح مياه الصرف مصدرا للشرب.
ويتابع "ما يضيف على المعاناة معاناة تكلفة العلاج الباهظة، وأجرة الكشف الطبي وعشرات الكيلومترات التي يتوجب على المريض قطعها للوصول إلى أقرب طبيب معالج .
ويصطحب مزاحم معه تجهيزات طبية كبيرة، إذ يتنقل من منزل إلى آخر في محاولة لتغطية أكبر رقعة جغرافية ممكنة.
وفي عام 2021، فجعت الأوساط الطبية والأكاديمية برحيل آخر طبيب يهودي في بغداد، والذي حمل لقب "طبيب الفقراء" منذ تخرجه من كلية الطب في بغداد 1984.
ونعت مستشفى الواسطي في العاصمة بغداد، الطبيب ظافر فؤاد الياهو، الذي كان يعمل لديها طوال حياته، كأخصائي طب وجراحة العظام فيها، وسريعا، تحول النعي إلى مركز اهتمام محلي في عموم العراق، لأن الطبيب المتوفي هو واحد من آخر من تبقى من اليهود العراقيين، وفق مصادر محلية، وأيضا بسبب تاريخ طبي مليء بالانسانية.
وقال أحد زملاء الطبيب الراحل، إن اليهود المتبقين هما شقيقة إلياهو الدكتورة "خ"، وزوجها، وهما في متوسط العمر وليس لديهما أي أطفال.
وأضاف: "لم يكن يتعامل بخوف أو بشك أو بأي طريقة غير طريقة المحبة الخالصة للجميع لهذا أحبه الجميع".
وبالنسبة لمن لم يكن يعرف ديانة الطبيب الحقيقية، كان الطبيب الراحل يلقب بالسيد، وهو لقب اجتماعي - ديني عراقي يمنح للمتحدرين من سلالة النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويقول الطبيب في المستشفى، والذي طلب عدم ذكر اسمه، إن "هذا اللقب التصق بالدكتور ظافر لأن هويته الشخصية تحمل لفظ موسوي في خانة الديانة بدلا من يهودي، كما هي الحال بالنسبة ليهود العراق".
ونتيجة لخطأ شاع في مكان عمل الطبيب، ان هناك اعتقاد بأن الطبيب يعود إلى عشيرة الموسوي الشيعية المتحدرة من الإمام موسى الكاظم عليه السلام، والتي يحمل أفرادها لقب سيد، فأصبح الدكتور ظافر "سيدا" يهودي الديانة.
وأضاف أن ظافر إلياهو تلقى عروضا متواصلة للهجرة إلى خارج العراق، وكان يرفضها باستمرار.
وأحيل الطبيب، الذي بلغ من العمر 62 عاما، إلى التقاعد إثر إصابته بجلطة في الدماغ، أودت فيما بعد بحياته بعد معاناة مع المرض.
وتقول زميلة أخرى للطبيب، ترفض كشف اسمها أن "الراحل كان خجولا للغاية، وكانت شقيقته تطلب من زميلاتها المساعدة بإيجاد زوجة له، لكنه كان يرفض الزواج".
وتقول الزميلة إن إلياهو "كان مثالا للإنسانية والتواضع، يشارك الجميع في كل شيء ويعالج المرضى بابتسامة، حتى الذين لا يقبلون تلقي العلاج منه بعد أن يعرفوا ديانته".
لكن هؤلاء "قلة نادرة جدا" بحسب زميلة إلياهو، التي قالت إنه محبوبا جدا من مرضاه وزملائه.
ووافق هذا الرأي عشرات من المعلقين على منشور وفاة الطبيب الراحل، قال أحدهم أن الطبيب "أنقذ حياته"، وقال آخر إن الطبيب "نجم من نجوم المستشفى"، بينما ذكر عدد من زملاء الطبيب من الأطباء الآخرين قصصا عن "تواضع الراحل وحبه لزملائه وحبهم له".
ويقول أبو محمد، وهو مريض تلقى العلاج على يد الدكتور ظافر " كانت الطيبة عنوانه في كل وصفه يقدمها للمرضى"، مضيفا "لم يكن إلياهو يحيل المرضى إلى عيادته الخاصة لتلقي مزيد من الأجور، ولم يكن يحيلهم إلى الأقسام الخاصة باهظة الثمن، وبدلا من هذا كان يقدم لهم الخدمة الطبية الكاملة والمتفانية في الأقسام المجانية".