انفوبلس تفصّل النقابات في العراق: أموال وأملاك "هائلة" وإمكانات "معطلة".. ماذا عن نسب التمثيل؟
انفوبلس/ تقرير
يمتلك العراق وخصوصاً بعد الغزو الأمريكي عام 2003، العديد من النقابات، والتي تعمل بقوانين أُقرّت بعد حقبة النظام البائد بقيادة المقبور صدام حسين وقبله، وسط تساؤلات عمّا قدمته هذه النقابات، ودورها في الأوقات الراهنة للمنتمين إليها رغم الأموال والأملاك الهائلة التي تملكها، ويسلط تقرير شبكة "انفوبلس" الضوء على كل ما تم طرحه من قضايا وتساؤلات حولها.
*الدستور العراقي
كفل المشرّع العراقي حق الأفراد في تكوين النقابات والانتماء إليها، إذ أشار دستور جمهورية العراق لعام 2005 في المادة (22/ ثالثاً) منه على أن "تكفل الدولة حق تأسيس النقابات والاتحادات المهنية أو الانضمام إليها وينظم ذلك بقانون"، مثل نقابة الأكاديميين العراقيين التي تم تأسيسها بموجب القانون المرقم (61) لسنة 2017.
*أعداد النقابات في العراق
وعن عدد النقابات في العراق، فقد لا توجد أعداد معلنة رسمية حولها، لكن تشير بعض التقارير إلى تواجد قرابة 28 نقابة مركزية وحوالي 30 اتحادا مركزيا، كما تمكن فريق شبكة "انفوبلس" بتلخيص الآتي: نقابة الأطباء، نقابة الصيادلة، نقابة المهندسين، نقابة الأطباء البيطريين، نقابة المعلمين، نقابة أطباء الأسنان، نقابة ذوي المهن الصحية، نقابة الأكاديميين، نقابة ذوي المهن الهندسية، نقابة الجيولوجيين، نقابة المحامين، نقابة الكيمائيين العراقيين، نقابة التمريض، نقابة المحاسبين والمدققين، نقابة الصحفيين، نقابة الفنانين. وكذلك يمكن اعتبار الاتحاد العراقي الرياضي، نقابةً تهتم باللاعبين والرياضيين، فضلا عن الهلال الأحمر واتحاد الحقوقيين العراقيين، اتحاد المقاولين، نقابة الملاكات الإداريّة والساندة في وزارة الصحّة، الاتحاد العام لنقابات العمال في العراق، النقابة الوطنية العامة للعاملين بالطب التكميلي.
*تمويل النقابات
وعن تمويل هذه النقابات، فقد تتلقى أموالها وحضورها بموجب القانون وضمن الموازنات الرسمية للدولة، فضلاً عن الاشتراكات والخدمات التي تقدمها للمنتمين إليها، وكان لارتباط النقابات بالتمويل الحكومي، وعلاقتها المشروطة بمؤسسات الدولة، دور مهم في عدم اهتمام النقابات بالشأن العام، بل انسياقها وراء الإرادة السياسية في السلطة، وقد ظهر ذلك جلياً في كل الاحتجاجات التي حدثت بعد عام 2003 تقريباً، إذ غابت عنها النقابات الرسمية.
وعلى الرغم من كل ذلك، فإن النقابات كانت تشكل صداعاً مزمناً للحكومة في ظل أية فسحة من الحريات، فمثلاً بين عامي 2003 و2005 نجحت النقابات العمالية بتنظيم إضرابات واعتصامات في البصرة بهدف الوقوف بوجه "خصخصة" القطاع النفطي، إلا أنه سرعان ما خفّ دور هذه النقابات، بل جرى تذويب عملها في إطار وزارات الدولة المختلفة بسبب مجمل التحديات التي تعيشها الحياة النقابية في العراق، مثل ضعف التنظيم والخبرة الإدارية، فضلاً عن تضارب مصالح المنضوين تحت ظل النقابات، بوصفهم موظفين من جهة، وأعضاء من جهة أخرى.
* النقابات.. حاضرة شكلياً و"غائبة" ميدانياً!
على الرغم من وجود اتحادات ونقابات تمثل شريحة العمال في العراق، إلا أن العامل العراقي يعاني من مشاكل عديدة متراكمة، تتمثل بالتمييز وجشع أصحاب العمل، بالإضافة إلى ضعف القانون الذي ساهم في تهميش العمال وحرمانه من حقوقه، وكذلك انشغال رؤساء تلك النقابات في الصراع في ما بينهم على المنافع الخاصة بهم وبنقاباتهم، جعلهم يغفلون مشاكل العمال ومعاناتهم.
وفي إحصائية رسمية صادرة عن اتحاد نقابات العمال في العراق، فإن عدد العمال المسجلين رسمياً في العراق ضمن قاعدة بيانات الضمان الاجتماعي لا يتجاوز 650 ألف عامل، لكن الأرقام تتراوح وفقا لتقديرات عدد من النقابات العمالية، بين 5-6 ملايين عامل موزعين على القطاع الخاص والحكومي.
ويرى كاظم العزاوي، الذي يعمل هو الآخر في القطاع الخاص، أن العمل في العراق اليوم لم يعد كما كان في السابق، ودور النقابات العمالية أصبح هامشياً بسبب التأثيرات السياسية والحزبية. ويقول العزاوي، إن النقابات العمالية كانت لها تأثيرات سياسية واجتماعية واقتصادية، فضلاً عن تغيير الأنظمة السياسية، لما تمتلكه من قوة وموارد بشرية كبيرة نابعة من قوة القطاعات الإنتاجية في العراق، إلا أن وضع العمال اليوم سيّئ للغاية، ودور النقابة غائب تماماً عن أي تأثير يمكن أن يستفيد منه العاملون.
كما يؤكد الباحث الاقتصادي علي العامري، أن هناك ثمانية اتحادات ونقابات تمثل شريحة العمال في العراق، وعلى الرغم من ذلك فالعامل العراقي يعاني من مشاكل عديدة متراكمة تتمثل بالتمييز وجشع أصحاب العمل، بالإضافة إلى ضعف القانون الذي ساهم في تهميش العمال وحرمانهم حقوقهم.
ويشير العامري إلى أهمية تفعيل دور النقابات العمالية وإبعادها عن السياسة، فضلاً عن رفع الحد الأدنى للأجور وإنصاف العاملين، بالإضافة إلى فتح مجالات الاستثمار وفرص العمل في القطاعات الإنتاجية الخاصة والمختلطة، من أجل تخفيف الضغط عن القطاعات الحكومية وفتح آفاق التوظيف العمالي في المنشآت الإنتاجية.
وفي مثال آخر، عن غياب دور النقابات في العراق، فنجد أن نقابة الصحفيين العراقيين خير مثال، حيث إنها لم تقدم أي دور يذكر للصحفيين في المؤسسات الإعلامية العراقية، سوى الوعود بالمنح السنوية التي وصفها أغلب الصحفيين بأنها "شكلية" ومن أجل حفظ ماء وجهها.
أما بالنسبة لنقابة الفنانين العراقيين، فهي تتلقى الانتقادت بشكل متواصل، حيث أغلب الفنانين والأسماء التي حفرت اسمها من ذهب داخل الوسط الفني، يعيشون حاليا أوضاعا صعبة، وغياب دورها الرقابي والذي ساهم بشكل كبير في الفوضى الحالية، وكذلك غياب إقامة المهرجانات السينمائية.
*تملك أموالا وأملاكا "طائلة"!
وبحسب القوانين والمواد الدستورية التي تخص النقابات في العراق، تتكون مالية النقابة من رسوم الانتساب والاشتراكات الشهرية وتكون محددة في نظام النقابة وعلى أساس تصاعدي مع نسبة الرسوم، وكذلك المخصصات والإعانات الرسمية التي تمنحها الدولة العراقية، والهِبات والتبرعات والوصايا والأوقاف وريع الاستثمارات النقابية ودخل الحفلات والمطبوعات، فضلا عن الواردات الأخرى التي لا تتعارض مع أحكام القانون والنظام الداخلي.
لكن ما يظهر من أرقام واستثمارات تفوق "الخيال"، فقد تبين أن أغلب النقابات في العراق لديها استثمارات في مناطق تجارية رئيسية خصوصاً في العاصمة بغداد، وكذلك أملاك وعقارات عائدة لها، وعلى سبيل المثال، يوجد شارع في منطقة المنصور وسط بغداد يسمى "شارع النقابات"، تُقام فيه حفلات الزفاف وأعياد الميلاد واجتماعات أخرى، تذهب وارداتها الى هذه النقابات.
وقد كشف مسؤول إحدى قاعات الأعراس (تابعة الى إحدى النقابات) في شارع النقابات، أن واردات حفلات الزفاف وأعياد الميلاد تسجل أرقاما كبيرة. ويقول المسؤول لـ"انفوبلس"، الذي رفض الكشف عن اسمه، إن "إيجار هذه القاعة في اليوم الواحد يصل الى 3 ملايين دينار عراقي وأكثر"، والتي تسجل أكثر من مليار دينار عراقي في السنة الواحدة.
وكل ما ذُكر يعود الى استثمار واحد من آلاف الاستثمارات التي تعود الى النقابات في العراق، كاستثمار نقابة الصحفيين العراقيين في مركز "ألف ليلة وليلة" الثقافي والاجتماعي في منطقة الأعظمية ببغداد، والتي تصل إيراداتها الى مئات المليارات سنوياً.
وبالنسبة الى أغنى النقابات، فيمكن القول بأن نقابة الأطباء والمحامين والمهندسين والصيادلة، بالإضافة الى الاتحاد العام لنقابات العمال هي الأغنى، حيث إن كل النقابات في العراق تضم مئات الآلاف من المنتمين إليها مع تزايد العدد في كل عام بعد تخرج الطلبة من الجامعات الحكومية والأهلية.
*الخلفية التاريخية والقانونية للعمل النقابي في العراق
في العهد العثماني، كان نظام (نقابات الأشراف) على رأس التنظيمات الاجتماعية في المدن الكبرى، مثل بغداد والبصرة والموصل وكربلاء والنجف، إذ كان للنقباء دور اجتماعي بين أبناء مدينتهم، وسياسي في مواجهة السلاطين العثمانيين ومندوبيهم من الولاة وقادة الجيش. كما بقيت (الأصناف) كتنظيم اجتماعي للحرفيين إبّان القرنَين الثامن عشر والتاسع عشر في العراق، يجمع أرباب الحِرف وأصحاب المشاغل اليدوية وأصحاب العمل. وكان لكل صنف قواعد عمل تتعلق بالأمور المالية للصنف، وخاصة أجور الصُنّاع وكمية الإنتاج والضرائب المفروضة على الصنف.
وفي العقد الأخير من حكم الدولة العثمانية، صدرت تشريعات تنظّم ممارسة مهنة وكلاء الدعاوى (المحامين)، ونظام لممارسة الطبابة، ونظام آخر لممارسة مهنة الصيدلة.
وبعد تأسيس الدولة العراقية مطلع العشرينيات من القرن الماضي، صدرت مع بداية الحكم الملكي، واستناداً إلى قوانين عثمانية سابقة وتقاليد دستورية متّبعة في الدول الأخرى، قرارات من الحكومة بتأسيس مجموعة من النقابات والجمعيات والنوادي، منها نقابة المحامين 1918، الجمعية الطبية العراقية 1921، جمعية العمال 1928، جمعية تعاون الحلاقين 1929، وجمعية أصحاب الصنائع 1929.
ونصّ دستور المملكة العراقية الصادر عام 1925 وفي المادة (12) منه على الاعتراف بحرية العراقيين في إبداء الرأي والنشر والاجتماع وتأليف الجمعيات والانضمام إليها ضمن حدود القانون. أما في الدساتير اللاحقة مثل دستور 1970، فقد نصت المادة 26 منه على كفالة حرية تكوين الجمعيات والنقابات بالوسائل المشروعة وعلى أسس وطنية.
كما اعتنى دستور 2005 ضمن المادة 22 منه أيضاً، بكفالة الدولة لحق تأسيس النقابات والاتحادات المهنية والانضمام إليها.
واعتنى المشرّع العراقي بتشريعات العمل التي نظمت عقود العمل وفصّلت حقوق وواجبات كل من أرباب العمل والعمال أو المهنيين، كما اعتنت بضمان حق التنظيم النقابي للعمال، ابتداءً من قانون العمال رقم 62 لسنة 1936 وامتداداً إلى قانون العمل رقم 151 لسنة 1970 وصولاً إلى قانون العمل الحالي رقم 71 لسنة 1987.
في عام 1978 صدر القرار المرقم 150، إذ قلب الحياة النقابية رأساً على عقب، وتضمن القرار المذكور تحويل العمال والمهن إلى موظفين رسميين في الحكومة العراقية، وكان هذا القرار إيذاناً بتمييع دور النقابات في الحياة السياسية والمؤسساتية للبلاد، وصدر هذا القرار في أثناء حكم البعث الذي تسلم مقاليد السلطة بانقلاب عسكري عام 1968، وقد جاء تساوقاً مع الرؤية الاشتراكية في الاقتصاد التي تبنتها الدولة، وأيضاً بهدف إسكات الأصوات المعارضة وإنهاء وجود التعددية الحزبية التي غالباً ما كانت تنشط عبر النقابات المهنية والاتحادات الطلابية.
واستمرت تبعية النقابات والاتحادات فيما بعد (أي زمن حكم المقبور صدام) للقانون والحكومة، فيما تحولت من جهة أخرى إلى ذراع رسمي لحزب البعث في جلب الانتماء الإجباري أحياناً، وكتابة التقارير الاستخبارية ومراقبة المواطنين أحياناً أخرى.
ولم تكن نقابة الصحافيين الرسمية بمنأى عن هذا التوجه طيلة حكم البعث، إذ لم تضم سوى الصحافيين في الصحف والمؤسسات الرسمية، وكانت تمثل أيضاً توجهات البعث الإيديولوجية من جهة، وتطبق ما يُفرض عليها من قرارات في مجلس قيادة الثورة في حينها، من جهة أخرى.
ونقابة الصحافيين العراقيين (الرسمية) هي نقابة مؤسسة بقانون منذ 1959 إذ كان الشاعر المعروف محمد مهدي الجواهري نقيبها الأول. وتضم النقابة حالياً أكثر من 16 ألف عضو، وارتباط رسمي بدوائر الدولة وموازنة سنوية من الحكومة.