مصطلح "العبور الجنسي" في العراق.. هل هو دقيق من الناحية الشرعية والقانونية؟ فتاوى "صارمة" من المراجع الدينية العليا
انفوبلس/ تقرير
يُشاع في العراق منذ فترة طويلة مصطلح "العبور جنسيا"، بالتزامن مع الدعوات العراقية لحماية المجتمع وقيمه الأصيلة من المصطلحات الدخيلة التي أصبحت لها مدلولات مخالفة للنظام العام وآداب المجتمع، ويسلط تقرير شبكة "انفوبلس" كل ما تريد معرفته عن هذا النوع والآراء من الناحية الشرعية والقانونية.
لا توجد إحصائية رسمية عن عدد العابرات جنسيا في العراق، لكن المؤشرات تقول إنهن يشكلن مع العابرين جنسيا و"مجتمع الميم" الآلاف في البلاد.
ما هو "العبور الجنسي"؟
العبور الجنسي، يعني اختلاف الهوية الجندرية للذكر أو الأنثى عن الجنس المحدد له عند الولادة، أي عدم تطابق الهوية الداخلية للإنسان مع جسده.
ويتم إجراء عملية العبور الجنسي، من أجل تطابق الهوية الجندرية للإنسان ذكر أو أنثى مع جسده الذي يشعر أنه ينتمي له، وتتم إما عبر أدوية عادية أو بعمليات جراحية.
الهوية الجنسية والميول الجنسي طبعا كلاهما ليس واحدا في قانون العبور الجنسي: "فالهويـة تعنـي شــعور الشــخص تجــاه نفســه وانتمائه لأي مــن الجنســين، ولــذا سـُـمي "اضــطراب الهوية الجنسية"، لكـن الميـول الجنسـية هـي الرغبـة أو شـعور الشـخص بالانجـذاب تجاه الآخرين، ولـذلك لا تـؤثر عمليـة التحويـل فـي ذلـك الأمـر فمـن الممكـن أن يكـون العابر جنسيًا "مغايرا" أو "مثليا" أو ينجذب لكلا الجنسَين".
لا توجد سوى تعليمات بسيطة لوزارة الصحة العراقية صدرت عام 2002 تحت عنوان تصحيح الجنس ونصت على عرض الشخص الذي يرغب بتصحيح جنسه على لجان طبية قبل إجراء العملية. واشترطت "إثبات أن الشخص يعاني من اضطراب الهوية الجنسية لإخضاعه لعملية العبور". يؤكد محامون تلك التعليمات، العبور الجنسي في العراق "يكون للضرورة الطبية وفي هذه الحالة سيعترف القانون بالعابر ويغير أوراقه الثبوتية وإذا كان العبور لغير الضرورة الطبية فسيفقد العابر كل حقوقه القانونية".
*التعامل وفق الاجتهادات
ولا يفهم القانون العراقي الحالي، معنى العبور الجنسي، ولا توجد ضوابط ومواد قانونية تخصه مطلقاً، ويتعامل القضاء العراقي مع الموضوع وفق اجتهاداته.
يقول المحامي محمد جمعة، إن وضع العابرات جنسيا بالإضافة إلى العابرين، يتم التعامل معه بقسمين. الأول العابرون/ ـات لضرورات طبية. الثاني العابرون/ ـات لضرورات غير طبية.
القسم الأول، يتم الاعتراف بهم ويتم تغيير جنسهم في هوية الأحوال المدنية، أما القسم الثاني لغير الضرورات الطبية، فلا يعترف بهم ولن يتم تغيير جنسهم في خانة هوية الأحوال المدنية، بحسب جمعة.
يشير محمد جمعة إلى أن، من يتم منحهم تغيير جنسهم في هوية الأحوال الثبوتية للضرورات الطبية، يصطدمون بعبء كبير؛ لأن عمليات العبور الجنسي لا تُجرى في العراق. يسترسل محمد، أنه يجب على من أجرت عملية العبور جلب تقرير طبي من مستشفى الدولة التي أُجريت بها العملية، ثم يُترجم التقرير ويُصدق من السفارة العراقية في تلك الدولة، لتصادق عليه الخارجية العراقية.
جمعة يضيف، أنه بعد ذلك على العابرة والعابر، رفع دعوى عند المحكمة ضد دائرة الأحوال المدنية لتغيير الجنس في الهوية الثبوتية، وكل تلك المراحل من الصعوبة تحقيقها؛ لأن الكثير من الحالات ترفض المستشفى منحهم التقرير الطبي.
وبحسب موقع المرجع الديني الأعلى في العراق السيد علي السيستاني، فقد أجاب على سؤال (هل يجوز تغيير جنس الإنسان من رجل إلى أنثى) بالآتي:
إذا كان المقصود من تغيير الذكر إلى أنثى إجراء عملية جراحية لقطع القضيب والأُنثيين وإيجاد فتحتين إحداهما لمجرى البول والأخرى لممارسة الجنس، وإعطاء الشخص جرعات من الهرمونات الأنثوية التي تؤثر في ظهوره بمظهر الأنثى في بروز الثديين وعدم نبات شعر اللحية ونحو ذلك، والمقصود من تغيير الأنثى إلى ذكر أن يُزرع لها قضيب صناعي وتُعطى جرعات من الهرمونات الذكورية لتظهر بمظهر الرجال في عدم بروز الثديين ونبات اللحية ونحو ذلك، فهذا كله مما لا أثر له، ولا تتحول الأنثى إلى ذكر ولا الذكر إلى الأنثى بشيء من ذلك، مضافاً إلى ما تستلزمه العمليات المذكورة من النظر إلى العورة ولمسها من دون مسوغ شرعي.
وأما إذا كان المقصود بتحويل الذكر إلى أنثى وبالعكس التحويل بحسب الأجهزة التناسلية الداخلية والخارجية التي هي المناط في تمييز أحد الجنسين عن الآخر فالظاهر عدم تحققه إلى زماننا هذا، والذي يتحقق هو الأمر الأول عادة.
(جواب المقصود الأول) نعم، ربما تجري بعض العمليات الجراحية لمن يكون له تشوه جسدي في جهازه التناسلي، كأن يُتوهم أنه أنثى لعدم ظهور قضيبه وخصيتيه، فيتبين بعد الكشف الطبي أنه لا يملك الجهاز الأنثوي الداخلي بل يملك قضيباً وخصيتين مضمرتين ـ مثلاً ـ فيقوم الطبيب بإجراء عملية جراحية لإظهارهما أو يكون له شبه القضيب والخصيتين فيتوهم أنه ذكر وبعد الفحص الطبي يتبين أنه يمتلك الجهاز التناسلي الأنثوي من المبيض والرحم، فيقوم الطبيب بقطع اللحمة الزائدة وإزالة ما يشبه القضيب ـ مثلاً ـ وهذا لا مانع منه في حدّ ذاته وليس ذلك تغييراً للذكر إلى أنثى أو بالعكس حقيقة، إلا أن ارتفاع الحرمة عن مقدماته ومقارناته فمنوط بحصول أحد العناوين الثانوية كالاضطرار والحرج الذي لا يُتحمل عادةً.
هذا وأما مَن يعاني من اضطراب نفسي في هويته الجنسية (مثل من يكون ذكراً في الواقع ويستشعر الأنثوية أو بالعكس) من غير أن يكون هناك أي تشوه جسدي في الأعضاء التناسلية كالذي يكون ذكراً بحسب جسده ولكنه يستشعر الأنوثة فلا يجوز له بتاتاً أن يقوم بتغيير مظهره الجنسي الخارجي إلى مظهر الجنس الآخر، كما لا يترتب على هذا التغيير لو وقع أي أثر شرعي، فيبقى الرجل على أحكامه الشرعية الخاصة بجنسه والمرأة على أحكامها.
(جواب المقصود الثاني)، نعم يُمكنه مراجعة أهل الخبرة والتخصص لمعالجة الاضطراب النفسي وانحراف المشاعر لديه لتكون منسجمة مع هويته الجنسية الواقعية، وأن يتعامل معه كما يتعامل مع سائر الأمراض النفسية.
*الإمام الخميني (قدس سره)
في كتابه: "تحرير الوسيلة"، ذكر الإمام الخميني (قدس سره) فتواه التي أصدرها بشأن مسألة العبور الجنسي. وهي الفتوى التي كانت، بالأساس، رداً على رسالة بعثت بها أول عابرة جنسية في إيران مريم هاتون مولكارا. وقال الخميني: "الظاهر عدم حرمة تغيير جنس الرجل بالمرأة بالعمل وبالعكس".
وبرر الخميني ذلك، في فتواه، بأنّ "قضية التغيير لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية. والقرآن الكريم لا توجد فيه نصوص صريحة تعارض ذلك".
غير أنّ الامام الخميني، الذي أصدر تلك الفتوى، عام 1987، يعارض بشدة المثلية الجنسية من المنطلقات الدينية ذاتها التي قادته إلى اجتهاده السابق والمحدود.
فعام 1979، وبعد نجاح الثورة الإسلامية، قال الامام الخميني لصحيفة "كورير دي لا سيرا" الإيطالية إنّه "إذا كان إصبعك يعاني من الغرغرينا، فماذا تفعل؟ هل تدع المرض يتفشى في الجسم كله ما يجلب الفساد إلى بلد بأكمله، أم تقطع الإصبع؟".
تجريم المثلية في إيران ينص عليه قانون العقوبات والذي يفرض أحكاماً بالإعدام على الرجال الذين يثبت بحقهم فعل "اللواط"، وفق التعبير المستخدم في إيران. غير أنّ النساء يعاقبن بمئة جلدة.
وفي العراق، لا يوجد حتى الآن قانون بشأن المثلية الجنسية، لكن القضاة يستندون إلى قانون يعود لعام 1969 لإدانة المثليين والمثليات ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية (LGBT +)، بناءً على "تهمة ممارسة اللواط"، وتصل عقوبتها إلى "السجن المؤبد أو عدة سنوات".