100 عام على انعقاد المجلس التأسيسي العراقي: أعضاء طائفيون وفق الصيغة العثمانية ومعاهدات سياسية بغطاء بريطاني.. هكذا رفضه الشيعة وأنقذوا منجزات ثورة العشرين
انفوبلس/تقارير
في مثل هذا اليوم من عام 1924، عقد المجلس التأسيسي العراقي أول جلسة له بعد انتهاء عملية انتخابه التي استمرت طويلا للصراعات السياسية وتباين الرؤى والمصالح الوطنية، لكنه لم يحظَ بمقبولية كبيرة كون اختيار أعضائه تم وفق الصيغة العثمانية الطائفية. فماذا تعرف عن هذا المجلس؟ وكيف انتفض المجتهدون الشيعة عليه وعدوه انقلابا على ثورة العشرين؟ إليك كل ما تريد معرفته عن هذه الحقبة من انعقاد المجلس الى الانتخابات وما تخللها من أحداث الى الرضوخ لمطالب الشعب.
*ما هو المجلس التأسيسي العراقي؟
تشكل المجلس التأسيسي من بعض زعماء العراق وسياسييه وشخصياته المعروفة بضمنها نوري السعيد باشا وعبد المحسن السعدون ورشيد عالي الكيلاني باشا وجعفر العسكري وياسين الهاشمي وعبد الوهاب بيك النعيمي الذي عُرف بتدوين المراسلات الخاصة بتأسيس المملكة العراقية. بعد أن اختير نقيب أشراف بغداد السيد عبد الرحمن النقيب الكيلاني رئيسا لوزراء العراق وبعد أن عقد مؤتمر القاهرة والذي نادى بالأمير فيصل الأول ملكاً على عرش العراق، وتم تتويجه في يوم 23 آب من عام1921، أصدر الملك فيصل الأول أمرا ملكيا بانتخاب المجلس التأسيسي الذي تولى من ضمن العديد من المهام كتابة دستور للعراق، تشريع قانون للانتخابات العامة، المصادقة على المعاهدة العراقية البريطانية، تشكيل حكومة وطنية عراقية انتقالية، وتشكيل الوزارات والمؤسسات والدوائر العراقية، واختيار الساسة العراقيين لتولي المهام الحكومية.
بدأت الانتخابات للمجلس التأسيسي في ظل حكومة السعدون في أكتوبر 1922 وتم الانتهاء منها في عهد حكومة جعفر العسكري في شباط 1924.
*رفضه وعدُّه انقلاب على منجزات ثورة العشرين
عندما فُرض الانتداب البريطاني على العراق في نيسان 1920 طالب العراقيون في بغداد والمدن الاخرى إجراء انتخابات لعقد مؤتمر عراقي يقرر شكل الحكم والحاكم في العراق، وكان لمماطلة البريطانيين في تحقيق هذا المطلب أحد العوامل في اندلاع الكفاح المسلح لثورة العشرين، التي أجبرت البريطانيين على الإسراع بالاستجابة لمطالب العراقيين لما تكبده البريطانيون من خسائر في الارواح والاموال، فقاموا في البداية بتشكيل حكومة عراقية مؤقتة مهّدت لانتخاب الامير فيصل بن الحسين ملكاً على العراق في 23 آب 1921 ولم يوافق البريطانيون على اجراء انتخابات المؤتمر العراقي الذي سُمي بالمجلس التأسيسي إلا بعد أن أجبروا الحكومة والملك على توقيع المعاهدة العراقية البريطانية لعام 1922 والتي رفضها العراقيون لأنها تضمنت بنود الانتداب البريطاني، بينما أرادتها الحركة الوطنية بديلاً عن الانتداب وطريقا لتحقيق الاستقلال .
بعد أسبوعين من بدء الانتخابات أصدر رجال الدين تحت قيادة الشيخ مهدي الخالصي فتاوى بمقاطعة الانتخابات، وقد صدرت الفتاوى في النجف وكربلاء والكاظمية موجهة إلى المسلمين في العراق حرَّمت المشاركة في الانتخابات لأنها ضد رغبات الشعب .
وقد جاء في فتوى الخالصي: إن الأجواء لم تعد ملائمة لإجراء الانتخابات بعد أن استخدم البريطانيون القوة العسكرية، وأغلقوا مكاتب الأحزاب السياسية ونفوا الوطنيين خارج البلاد، وقصفوا العشائر بالطائرات وقتلوا العديد من الأطفال والنساء وكبار السن، من أجل إجبار العراقيين المنتفضين على القبول بالمعاهدة الانتدابية . وعليه فقد أفتوا بتحريم المشاركة في الانتخابات. كما وزعت منشورات غير موقعة من جهة معينة تدعو الناس لإطاعة الفتاوى بمقاطعة الانتخابات.
ولكي تأخذ الفتاوى الدينية طابعاً وطنياً بعيداً عن المذهبية والطائفية، فإن فتوى الشيخ مهدي الخالصي وفتاوى رجال الدين الآخرين في الكاظمية، قد وقعها رجال الدين السنة ووضعوا أختامهم عليها، ثم جرت عملية استنساخ كبيرة للفتاوى وتم توزيعها في جميع أنحاء العراق، وصدرت فتاوى من رجال الدين المسيحيين في الموصل حثت طائفتهم على دعم الوحدة الوطنية للشعب العراقي وذلك بمقاطعة الانتخابات. وهكذا توقفت الانتخابات في جميع أنحاء العراق في مطلع عام 1923.
*أعضاء المجلس والاختيار الطائفي
لقد أُطلقت تسمية (مندوبون) على أعضاء المجلس التأسيسي، وكان عددهم (100) مندوب. أما تركيب المجلس الاجتماعية فكانت نصف الأعضاء من شيوخ العشائر ومُلّاك الأراضي، و(21) وجيهاً وتاجراً، وثمانية وزراء سابقين وثمانية محامين وخمسة موظفين ولكل من الأطباء ورجال الدين أربع مندوبين. أما التركيبة السياسية للمجلس: المستقلون (64) مندوبا. وللحزب الحر (13) مندوبا. وللجمعية العهد (12) مندوبا. وللحزب الوطني تسعة مندوبين ولكل من جمعية النهضة الإسلامية وحزب النهضة الإسلامية مندوب واحد فقط.
وبمقارنة نتائج الانتخابات بقائمة الحكومة، فإننا نجد أن 74 من 98 مرشحاً في القائمة الرسمية قد انتُخبوا أعضاء في المجلس التأسيسي .
وأن 15 من الذين انتخبوا كانوا من المعارضة، خمسة منهم لم يكونوا مدرجين في القائمة .
إن خلفية وتكوين أعضاء المجلس التأسيسي المنتَخَبين تبين أن غالبيتهم كانوا من مُلّاك الأراضي الكبار وتجار متوسطي الأعمار وأعضاء من العوائل العريقة. كما شكل شيوخ العشائر حوالي ثلث أعضاء المجلس .
*صيغة عثمانية للاختيار
لقد تم اختيار المندوبين أعلاه بطريقة طائفية ووفقا للصيغة العثمانية وهذا ما دفع المجتهدون الشيعة إلى رفضه وعده انقلابا على منجزات ثورة العشرين.
ويتضح ذلك بمعرفة أنه كان هناك من الأعضاء ستة محامين هم رؤوف الجادرجي وفؤاد الدفتري وناجي شوكت و ورابين بطاط ومزاحم الباجه جي وآصف آغا . وانتُخب أربعة من الأعضاء السابقين في مجلس المبعوثين العثماني منهم عبد المحسن السعدون وعبد المجيد الشاوي وعبد الرزاق منير .
كما أصبح ثلاثة من المندوبين الخمسة عشر الذين طالبوا بعقد مؤتمر عراقي منتخب أعضاء في المجلس، وستة من أعضاء اللجنة الانتخابية التي وضعت نظام الانتخابات للمجلس، وبعض الضباط الذي خدموا مع الملك فيصل في الثورة العربية عام 1916 والحكومة العربية في دمشق مثل جعفر العسكري ونوري السعيد وعلي جودت الأيوبي وياسين الهاشمي .
*معارضة كبيرة للمجلس
عُقدت أول جلسة للمجلس التأسيسي في 27 آذار 1924. وانتُخب الساسة العراقيون المعروفون: عبدالمحسن السعدون (1879-1929) رئيساً للمجلس. وياسين الهاشمي (1882-1937) وداود الحيدري (1886-1965) نائبين للرئيس. وعقد المجلس (49) جلسة ، بدءا من 27 آذار 1924 لغاية 2 آب 1924.
كانت النقطة الرئيسية في نقاشات المجلس التأسيسي للمعاهدة العراقية- البريطانية لعام 1922 حيث كانت هناك معارضة سياسية وشعبية للمعاهدة، وتطلب تلك المعارضة بتعديل المعاهدة تعديلاً يتفق مع استقلال العراق وتحقيق الاماني الوطنية، وأثرت تلك المعارضة في اجتماعات المجلس التأسيسي وانقلب كثير من أعضائه يطالبون بتعديلها قبل المصادقة. وطلبوا تأجيل البت بالمعاهدة بعد انتهاء مسألة الموصل. ويؤخذ ضمان عن مدافعة حقوق العراق في ولاية الموصل جميعها.