أمراض وراثية خطيرة ونداءات صحية متكررة.. ما قصة فحص "الغربلة" للأطفال حديثي الولادة؟

انفوبلس/ تقرير
تتكرر الدعوات من المؤسسات الصحية العراقية وأبرزها وزارة الصحة الى الأهالي حول إجراء فحص (الغربلة) للأطفال حديثي الولادة، وذلك بعد اكتشاف حالات إصابة بأمراض وراثية "خطيرة"، ويسلط تقرير شبكة "انفوبلس"، الضوء على كل ما تريد معرفته عن هذا الفحص وأهميته لضمان صحة وسلامة المواليد الجدد، وكذلك الأمراض المنتشرة وعدد الإصابات.
وتسجل المؤسسات الصحية في العراق، أكثر من مليون ولادة خلال العام الواحد بما فيها إقليم كردستان، فيما حلَّ العراق بالمرتبة 48 عالميًا والثاني على صعيد الشرق الأوسط بمعدل الولادات، التي تقيس عدد الولادات لكل ألف نسمة في البلدان، وهو ما يُعرف عالميا بمعدل الولادات.
*أمراض وراثية خطيرة
بحسب حديث مدير عام الصحة العامة في الوزارة الدكتور رياض عبد الأمير الحلفي اليوم الثلاثاء، فإن الوزارة سجلت مؤخراً 130 إصابة بمرض قصور الغدة الدرقية، و28 مصاباً بـ(الفينيل كيتون يوريا) و44 مصاباً بـ(الاكتوسيميا)، لافتا الى أن هناك أمراضاً وراثية خطيرة تصيب الأطفال حديثي الولادة، لذا نعمل على اكتشافها مبكراً خلال الشهر الأول من ولادتهم من خلال إجراء الفحص الطبي المسمى (الغربلة)، وفي حال عدم مراجعة ذويهم من الممكن إصابة الأطفال بالعوق الجسدي أو الذهني أو تلف الدماغ، أو أمراض وراثية أخرى مثل (كالاكتوسيميا، التيروزينيميا، الفينيل كيتون يوريا).
ويقول الحلفي، إن مرض (الفينيل كيتون يوريا) يعدُّ الأكثر شيوعاً لدى الأطفال، وهو نوع من إصابات أمراض التمثيل الغذائي الوراثية، ويمكن تداركه بالحليب الطبي المتوفر الذي يتم توزيعه من قبل الوزارة بأسعار رمزية بين المرضى وفقاً للفحوصات المختبرية.
ويتابع الحلفي، إن هذه الأمراض تسبب قصوراً بالغدة الدرقية الوراثي (الخلقي) وتعالج بالأدوية، وقد يكون علاجها وقتياً في بعض الأحيان، وتسبب أيضاً ارتفاع سكر (الكالكتوز)، مبيناً أن أسباب الإصابة بالأمراض الوراثية هي طفرات جينية بالوراثة تعتمد على الاستعداد والتأهب الوراثي لمرضٍ ما.
ويشير إلى أن بعض الأمراض الوراثية قد لا تكتشف عند حديثي الولادة، وحتى الأطباء قد يفوتهم تشخيص المرض، لذا ينبغي إجراء فحص الغربلة الذي يتضمن جميع التحاليل المتعلقة بتلك الأمراض، ولجميع الأطفال في الشهر الأول من أعمارهم خلال مراجعتهم للمراكز الصحية وخلال تلقيحهم الـ( BCG)، إذ تسحب منهم عيِّنات وتُرسل لغرض فحصها في مختبرات الصحة العامة مجانا.
ويلفت الحلفي إلى تنفيذ مشروع (الغربلة) لحديثي الولادة ضمن دوائر صحة الكرخ والرصافة وكربلاء المقدسة، وحالياً تمت توسعة البرنامج ليشمل جميع المحافظات من خلال توفير الأجهزة الحديثة من مناشئ رصينة في المختبر وتطور التكنلوجيا وخبرات الملاكات الطبية.
في إطار الجهود المستمرة لتعزيز الصحة العامة والكشف المبكر عن الأمراض، أنجزت دائرة صحة بغداد الكرخ مؤخراً، 1029 فحص غربلة للأطفال حديثي الولادة في مختلف القطاعات الصحية التابعة لها، وذلك ضمن برامج دائرة الصحة العامة في وزارة الصحة الوقائية الرامية إلى ضمان صحة وسلامة المواليد الجدد.
وتتم عملية الغربلة من خلال استقبال ذوي الأطفال حديثي الولادة في وحدات المختبر، حيث تقوم الملاكات الطبية والصحية المختصة بسحب العينات وفق المعايير الطبية المعتمدة، كما يتم التنسيق المشترك بين وحدات الغربلة لضمان إرسال العينات في الوقت المناسب ومتابعة نتائج الفحوصات المختبرية بدقة، بحسب الدائرة.
وأكدت الدائرة أن هذه الفحوصات تلعب دورًا حيويًا في الكشف المبكر عن الأمراض الوراثية والاستقلابية، مما يسهم في التدخل العلاجي السريع ورفع مستوى صحة الطفل بشكل عام، داعيةً الأهالي إلى الالتزام بإجراء الفحوصات الدورية حفاظًا على صحة أطفالهم.
أما بحسب حديث أخصائية طب المجتمع الدكتورة هبة رعد، فإن فحص الغربلة لحديثي الولادة يعمل على الكشف المبكر لبعض الأمراض الوراثية أو الخلقي التي قد لا تظهر أعراضها بعد الولادة مباشرة ومن ثم يتم تحديد العلاج المبكر المناسب لها وذلك قبل أن تؤثر على تطور ونمو الطفل العقلي أو الجسدي بصورة لا ينفع معها العلاج.
وكيفية إجراء الفحوصات – بحسب هبة - فيتم من خلال أخذ عينة صغيرة من الدم وذلك بوخز كعب القدم ويحدد موعد إجراء الفحص بعد اليوم الثالث من الولادة أكثر من (٧٢) ساعة.
وعن أهم الأمراض الوراثية التي يكتشفها فحص الغربلة – بحسب الدكتورة - هي (قصور الغدة الدرقية الخلقي) وذلك بسبب نقص هرمون الثايروكسين الذي يتم إفرازها من الغدة الدرقية والذي يلعب دورا أساسيا في تطور الدماغ وخاصة في الأشهر الأولى من العمر.
وأوضحت، إن "أعراض الغدة الدرقية لا تظهر على الأطفال عند الولادة والتي تنتهي بالتخلف العقلي الذي يصبح واضحا لاحقا ولأهمية تشخيص هذا المرض بصورة مبكرة ويتم فحص المولود حديثا روتينيا للتحري عن هذا المرض وطرق العلاج تتم من خلال تعويض الطفل المصاب بهرمون الثايروكسين وباستعماله يمكن ان ينمو الطفل بصورة سليمة دون أن يتأثر نمو الدماغ ونمو الطفل وتطوره كون هذا المرض من الأمراض القابلة للعلاج إذا ما تم اكتشافه وإعطائه العلاج اللازم في وقت مبكر".
أما الكشف الآخر للغربلة فهو (الفنايل كيتون يوريا) أو ما يسمى (البول الفينولي) وهو اضطراب وراثي يصيب الإنسان نتيجة خلل في إنزيم معين وفي هذا المرض فإن الخلل يكون في عدم وجود الإنزيم المسؤول عن تحويل أحد مكونات البروتين الموجود في الطعام و هو عبارة عن حامض أميني يسمى (فنايل الأنين) إلى مركبات يستفيد منها الجسم مما يؤدي الى إرتفاع هذا الحامض الأميني في الدم الذي يعتبر كالسموم للدماغ و من أعراض هذا المرض هي في حالة عدم اكتشاف هذا الاضطراب مبكرا وعلاجه يعاني الأطفال المصابون به من تخلف عقلي و إعاقة ذهنية هذا بالإضافة الى مشاكل أخرى مثل تغيرات و التهابات جلدية كالأكزيما والخمول وسرعة التهيج التي قد تصل الى نوبات الصرع اما طرق العلاج فتكون فعالة إذا تم اكتشاف اضطراب (الفنايل كيتون يوريا) في مرحلة مبكرة مباشرة بعد الولادة مما يجنب الطفل التخلف العقلي الذي يصعب علاجه.
أما العلاج فهو عبارة عن تناول غذاء خال من (الفنايل الأنين) يقوم الطبيب المعالج بتحديد الغذاء الخاص بالطفل المصاب حسب عمره وحالته حيث يتوفر حاليا حليب خاص بهذا المرض للأطفال الرضع مع إعطاء إرشادات غذائية لتحديد الأغذية الصلبة الخالية من البروتين.
أما المرض الآخر هو (الكالكتوسيما) وراثي ناشئ عن عدم قدرة الجسم على تمثيل سكر الكالاكتوز بصورة صحيحة و تحويله الى كلوكوز نتيجة نقص الأنزيم المسؤول عن هذه العملية و اهم الاعراض هي (تضخم الكبد، عجز الكلى، عتمة العين، بطئ النمو، التخلف العقلي) والعلاج يكون بصورة رئيسية بإعطاء الطفل المصاب حليب خالي من اللاكتوز و الكالكتوز كون تناول هذين النوعين من السكر يؤدي الى زيادة نسبة الكالكتوز في الجسم لدى هؤلاء المرضى مؤكدة على تقديم نصائح مهمة الى كافة الآباء و الأمهات بضرورة إجراء فحص الغربلة لحديثي الولادة بعد اليوم الثالث من الولادة (أكثر من ٧٢ ساعة) لأهمية هذا الفحص في الكشف المبكر عن الأمراض الوراثية القابلة للعلاج اللازم في وقت مبكر، بحسب هبة.
الى ذلك، تقول اختصاصية التحليلات المرضية الدكتورة صفاء محمد، إن فحص الغربلة؛ الذي تصفه بالمهم جداً، لابد من إجرائه على المواليد الجدد للتحقق من: "الإنزيم اللازم لاستخدام فينيل ألانين في أجسامهم، وهو حمض أميني ضروري للنمو والتطور الطبيعي"، ويخضع الطفل لهذا الفحص وهو بعمر لا يقل عن 72 ساعة ولا يزيد عن شهر واحد "لضمان سرعة تشخيص الإصابة بالأمراض".
والدكتورة صفاء، توضح آلية الفحص: "تُسحب أربعة نقط دم من كعب قدم الطفل، ثم ترسل إلى المختبر في منطقة الكرادة في العاصمة بغداد، وبعد اكتشاف الحالة تتم متابعتها من قبل مختبر الصحة المركزي".
وتشير إلى أن الفحص في مختبر الصحة المركزي مجاني، وأن ذوي المرضى يلجأون إلى المختبرات الأهلية في حالات عدة، هي: "عدم توافر فحص الإنزيمات الأخرى أو في حالة عدم تنبيههم من الطبيب المتخصص بوجود مختبر حكومي، وأحياناً لا يستقبل المختبر الحكومي الأطفال الذين تتعدى أعمارهم الشهر الواحد، لأن برنامجه محدد بتلك السن فقط".
مديرة قسم الغربلة لدى وزارة الصحة الدكتورة مجد قاسم، أوضحت نهاية العام الماضي، سبب تأخر افتتاح مختبر للغربلة في العراق لغاية سنة 2013، بقولها: "لأن تكلفته التخمينية قليلة لذلك فإن معظم الشركات لا تقدم على تزويد هذا النوع من المختبرات بالأجهزة الطبية، لكن قريباً سيتم التعاون مع شركة عالمية لتزويد مختبر الصحة المركزي بأحدث الأجهزة وإعادة تأهيله وتوسعة البرنامج ليشمل العراق بكامله وليس فقط بغداد وكربلاء”، من دون أن تذكر وقتاً محدداً لذلك.
وأكدت أن هناك طلبات قُدمت إلى وزارة الصحة لتوفير تخصيص مالي لتوسعة الفحص ليشمل 20 مرضاً، بدلاً من ثلاثة أمراض فقط "أسوة بما هو متوافر في دول أخرى كثيرة".
وهي تأمل بأن تتعاون الوزارات في ما بينها لمساعدة مرضى التمثيل الغذائي من خلال "توفير وزارة العمل والشؤون الاجتماعية إحصاءات دقيقة بشأن أعداد المرضى المعاقين، وتزويد وزارة الصحة بها، وتوفير الأغذية المخصصة للمرضى من وزارة التجارة".
يشار الى أن ظاهرة التخلّي عن الأطفال حديثي الولادة في العراق ازدادت خلال السنوات العشر الأخيرة. وبالتحديد بعد سقوط مدينة الموصل بيد تنظيم داعش الارهابي عام 2014. ما دفع منظمات حقوقية ومختصين للتحذير من تفاقم تلك الظاهرة وضرورة إيجاد حلول عاجلة لحماية الأطفال.