ارتكبتها قبيلة مطير بقيادة الوهابي "فيصل الدويش" وذهب ضحيتها 700 شهيد.. إليك حكاية "مجزرة الناصرية 1922"
انفوبلس/ تقرير
في مثل هذا اليوم 11 مارس/ آذار قبل أكثر من قرن، حدثت في محافظة ذي قار، مجزرة قامت بها قبيلة مطير بقيادة الوهابي السعودي "فيصل الدويش"، على العشائر العراقية الساكنة جنوبي مدينة الناصرية، خلّفت ما يقارب 700 شهيد وخسائر مالية كبيرة، والتي قادت الى وضع معاهدة العقير التي رسمت الحدود بين العراق والسعودية، فما قصة "مجزرة الناصرية 1922" أو ما تسمى "غارة الإخوان على الناصرية"؟.
يسلط تقرير شبكة "انفوبلس"، الضوء على أحداث "مجزرة الناصرية "1922 وتداعياتها وصولاً الى وضع معاهدة العقير
في 11 من مارس/ آذار عام 1922، شنّت قبيلة مطير والبالغ عددهم 2000 مقاتل بقيادة شيخهم "فيصل بن سلطان الدويش" غارة على جنوبي مدينة الناصرية العراقية، بمسافة 30 ميلاً جنوب سكة الحديد، خلقت ما يقارب 700 شهيد من العشائر العراقية الساكنة هناك ومنهوبات قُدرت من المواشي بـ130 فرسا و2530 جملاً و3811 حماراً و40310 و871 بيتاً.
وبعدها عقد مجلس الوزراء آنذاك جلسة طارئة على خلفية هذه الغارة، فقرر تشكيل لجنة برئاسة مدير الأمن العام نوري السعيد ورمضان ممثلاً عن وزارة الدفاع ومفتش العدلية داوود الحيدري ومستشار متصرف ذي قار الميجر ييتس، فوصلت إلى ذي قار يوم 20 مارس وتقريرها بعد ستة أيام وكان أبرز فقراتها هو عدم وجود حدود رسمية بين البلدين.
كما أراد الملك فيصل الأول آنذاك مواجهة خطر الإخوان وذلك بتسليح الجيش العراقي من جهة ودعم العشائر العراقية من جهة أخرى، لكن المندوب السامي البريطاني رفض ذلك باعتبار تقوية الجيش العراقي سيهدد الوجود البريطاني في العراق وتقوية العشائر العراقية في الجنوب سيهدد كذلك الوجود البريطاني لأن هذه العشائر هي التي قادت ثورة العشرين وخاصة أن قادة ثورة العشرين كانوا مساندين للملك بهذه الفكرة.
وكذلك حصلت أزمة وزارية آنذاك لأن الملك فيصل قدم طلباً لمجلس الوزراء بزيادة حصة وزارة الدفاع بتاريخ 27 مارس لتقوية وسائل الدفاع عن العراق تجاه تجاوزات أتباع ابن سعود وعندما عقد مجلس الوزراء الجلسة قام رئيس الوزراء عبد الرحمن الكيلاني بعرض طلب الملك على الوزراء فرفض كل من ناجي السويدي وعزت كركوكلي وحنا خياط وعبد اللطيف المنديل وسري بك وكذلك كان رئيس الوزراء ووزير المالية ساسون حسقيل يؤيدوهم من طرف خفي.
فأرسل الملك بطلب الوزراء المعارضين، وأبلغهم بفقدان ثقته بهم وطلب منهم الاستقالة فقدموا استقالتهم إلى الملك، وحاول المندوب البريطاني بيرسي كوكس وكورنوالس تهدئة غضبه لكن دون جدوى وقبل الملك استقالة الوزراء، ما أثار غضب برسي كوكس لعدم استشارة الملك له قبل قبول استقالة الوزراء وأرسل برسي كوكس رسالة إلى "تشرشل" يشكو فيها سوء تصرفات فيصل -حسب وصفه- حيث إن فيصل اتخذ إجراءات قبل استشارته وعندما سمع الملك فيصل بذلك اعتدل في موقفه وأخذ يخفف من شدته.
وبعد وعود ومماطلات بريطانية لم يستطع الملك فيصل الأول وكذلك الحكومة العراقية القيام بشيء تجاه الإخوان، فقامت الحوزة الشيعية في النجف بالاتفاق على عقد مؤتمر في 8 نيسان الذي يصادف 15 شعبان يوم ولادة الأمام المهدي والتي تعتبر من الأيام المباركة لدى الطائفة الشيعية وبحضور مفتين من الطائفة السنية وبحضور وزير الداخلية توفيق الخالدي ممثلاً عن الملك فيصل الأول وكذلك جعفر أبو التمن وزير التجارة واجتمعوا في كربلاء يوم 9 شعبان الموافق 7 نيسان برئاسة محمد الخالصي وأجمعوا على وجوب محاربة الإخوان والتصدي لهم واعتبارهم خوارج عن الإسلام.
*معاهدة العقير التي رسمت الحدود بين العراق والسعودية
شهدت منطقة العقير السعودية، وقبل نحو أكثر من قرن، أحد أهم الأحداث التي شكّلت علامة فارقة في ترسيم الحدود بين السعودية (نجد في ذلك الحين) والعراق والكويت برعاية بريطانية.
وبعد 5 أيام من الاجتماعات والنقاشات المكثفة حول ترسيم الحدود، وقّعت الأطراف على معاهدة العقير، في 2 ديسمبر/ كانون الأول 1922، ورسم الوسيط البريطاني بيرسي كوكس بالخط الأحمر الحدود على الخريطة المعتمدة والتي تضمنت مناطق محايدة بين البلدان الثلاثة.
وكوكس هو صاحب فكرة تثبيت الحدود الجديدة للأراضي العراقية السعودية الكويتية، بعد أن خدم لوقت طويل بوصفه المقيم السياسي في الخليج، ومن بعد أصبح المندوب السامي للعراق بعد وضع بلاد النهرين تحت الانتداب البريطاني، بحسب أستاذ تاريخ العراق السياسي المعاصر مؤيد الونداوي.
ويضيف الونداوي أن الكيانات السياسية في المنطقة بدأت تتبلور، وكان لا بد أن يتم وضع الخطوط لحدود المثلث العراقي الكويتي السعودي، حيث قام السير كوكس بسلسلة من الاتصالات مع الأطراف لترسيم الحدود، ويشير إلى وجود تطلعات أكثر مما ينبغي لهذا الطرف أو ذاك، فمثلا كان هناك تطلع سعودي لأخذ مناطق واسعة في عمق العراق إلى حدود نهر الفرات، ومن هناك صعودا إلى مناطق تدخل الأراضي السورية والأردنية، ولكن هذا الأمر لم ترغب به بريطانيا.
ويلفت الونداوي إلى أن نقاشات طويلة جرت حول كيفية وضع الحدود، فكانت الرؤية السعودية في حينها الأخذ بحسب ولاء العشائر، فهناك عشائر توالي أمير نجد وأخرى توالي بلاد النهرين ونظامها الملكي الجديد، وهنالك من يوالي شيخ الكويت لكن كوكس لم يأخذ بهذا المقترح.
ويبين أستاذ تاريخ العراق السياسي أن اتفاقية العقير وضعت اللبنة الأولى لهذه الحدود، لكن المشاكل استمرت لعقود طويلة بين جميع الأطراف، وتواصلت الغارات المتبادلة، كونها عشائر بدوية لم تعرف حدودا وإذا بها تصبح مقيدة بهذه الحدود.
ويعتقد الونداوي أن اتفاقية العقير ثابتة، ولا يمكن بعد كل هذا الوقت أن يعاد النظر بها، ولكن مستقبل ثبات هذه الحدود سيرتبط بحجم استقرار العلاقات الإقليمية بين الدول ذات العلاقة. ويشير إلى أن عملية ترسيم الحدود وتقسيم العشائر بين نجد والعراق لم تكن عملية سهلة، بل كانت بحاجة إلى وقت كي تستقر وتضبط هذه الحدود التي عانت لفترة طويلة من غارات العشائر وعمليات تهريب الأسلحة والبضائع.
*سلاح ذو حدين
ورغم مرور أكثر من 100 عام على توقيع اتفاقية العقير، ما تزال الخلافات حول بنودها قائمة بين البلدان الثلاثة. وحول ذلك يقول الباحث في مركز الدراسات الإقليمية بجامعة الموصل فارس تركي إنه في الحقيقة لا توجد أية حدود فعلية ما بين العراق والسعودية والكويت، وهي كذلك لا توجد بين أي من الدول العربية، فليس هناك أية عوائق أو تضاريس صعبة تفصل بينها، بل هي حدود مصطنعة وضعت كجزء من ترتيبات فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى، وهذه الميزة الجغرافية سلاح ذو حدين، إذ بقدر ما تساعد على التعاون والتوحد، بقدر ما تخلق مشاكل واختلافات حول حدود كل دولة وامتداداتها الجغرافية.
ويبيّن تركي أن اتفاقية العقير جاءت من أجل أن تعالج هذه المشاكل، التي قد تحدث بين الدول الناشئة حديثا، في العراق والسعودية والكويت، ويشير إلى أن المعاهدة لم تستطع إنهاء المشاكل ما بين هذه الدول، وبخاصة ما بين العراق والكويت لأسباب كثيرة، أهمها أن هذه المعاهدة عقدت في ظل هيمنة بريطانية، فكان البعض وما زال يطعن في شرعيتها، ويرى أنها عقدت في ظل وجود أجنبي ضاغط، دفع باتجاه إجبار كل الأطراف على تقديم تنازلات.
ويردف بأن هذه الاتفاقية لم تستطع إنهاء المشاكل؛ لأن الحدود التي وضعتها هذه الاتفاقية حدود مصطنعة، وكان كل طرف يرى أنه لم يحصل على حقه بالكامل، فضلا عن أن مشاكل الحدود في الدول العربية تعد انعكاسا لحالات التوتر التي قد تحدث ما بين الأنظمة السياسية الحاكمة لتلك البلدان.
ويشير تركي إلى حدوث الكثير من الخلافات الحدودية بين العراق والكويت سواء في زمن رئيس الوزراء العراقي عبد الكريم قاسم (1958-1963) أو الرئيس العراقي المقبور صدام حسين (1979-2003)، وما حصل من اجتياح عراقي للكويت عام 1990، أو حتى في فترة ما بعد عام 2003 والخلافات حول ميناء مبارك وترسيم الحدود البرية.
وعن كيفية معالجة المشاكل الحدودية يعتقد تركي بأن معالجتها تتطلب وجود دول قوية ومستقرة وأنظمة سياسية ناضجة تتصرف بعقلانية وفقا لفلسفة الواقع بعيدا عن المزاعم والادعاءات التاريخية، ومن ثم يصار إلى تشكيل لجان فنية مختصة وبإشراف دولي لوضع ترسيم نهائي لهذه الحدود والتوقيع على اتفاقيات ملزمة لكل الأطراف.
بدوره، يقول رئيس قسم الدراسات السياسية والإستراتيجية في مركز الدراسات الإقليمية بجامعة الموصل ميثاق خير الله جلود، إن المشاكل الحدودية برزت بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1918، بين عدد من الدول العربية ولا سيما المشكلات الحدودية بين كل من العراق والسعودية والكويت.
ويبيّن جلود أن من أبرز الإشكالات هي مسألة تحديد هوية القبائل القاطنة بين العراق والسعودية والهجمات المتبادلة بين القبائل، فضلا عن المشكلات الحدودية بين العراق والكويت وبخاصة مسألة المياه الإقليمية وحقول النفط، فضلا عن المشكلات الحدودية بين كل من الكويت والسعودية.
ويشير إلى نن المناقشات التي دامت بضعة أيام حتى تم التوقيع لم تضع حدا للمشكلات بين الأطراف، فقد وضعت هذه المعاهدة منطقة محايدة بين السعودية والكويت، وتم الاتفاق فيما بعد على اقتسام مواردها، وفي عام 1965 أصبحت هذه المنطقة تسمى المنطقة المقسومة وليس المحايدة، لكن في المدة 2009 و2019 حصلت مشكلات وخلافات حولها قبل أن يتم تجاوزها بالعودة إلى معاهدة العقير والاتفاقيات اللاحقة، وكان للعلاقات السعودية الكويتية أثر في هذا الجانب لأن الطرفين اتبعا أسلوب المرونة في التعامل مع هذه المشاكل.
وفيما يخص السعودية والعراق ينوه جلود إلى توقيع أكثر من اتفاقية، لكن ترسيم الحدود ووضع الدعامات النهائية حصل عام 1975 بالاعتماد على معاهدة العقير والمعاهدات والاتفاقيات اللاحقة بعد تحسن العلاقات بين البلدين.
وأما الكويت، فقد طالبت بريطانيا العراق عام 1932 بترسيم الحدود مع الكويت إلا أن الأمر لم يحسم، وفي عام 1939 طالب العراق بالكويت، واستمر الخلاف الحدودي بين الطرفين وتطور عام 1961 عندما استقلت الكويت وجدد العراق مطالبته بها.
ويتابع جلود "لكن في عام 1963 اعترف العراق بالكويت دون الاتفاق على ترسيم نهائي للحدود، ومن هنا كانت هذه المسألة أحد أهم الأسباب التي أدت الى أزمة وحرب الخليج الثانية 1990 عندما اجتاحت القوات العراقية الكويت ومن ثم الحرب التي شنها تحالف دولي بقيادة أميركا عام 1991 لإخراج هذه القوات العراقية من الكويت.
ويذكر جلود أنه في عام 1993 فرضت الأمم المتحدة على العراق ترسيما نهائيا للحدود، وأرسلت لجانها دون موافقة العراق باعتباره تحت العقوبات الدولية والحصار.
يشار إلى أن العراق يعترف بالحدود البرية التي رسمتها الأمم المتحدة عام 1993، لكنه يعتبر أن الحدود البحرية تخنق سواحله على الخليج العربي، وهو أمر حيوي لاقتصاده.