بيان صارم للمحكمة الاتحادية وتحذير للمتدخلين.. رسائل للسياسيين واستعراض مفصّل من انفوبلس لكواليس أزمة العميري

انفوبلس/ تقارير
بعد أسابيع من الجدل والانقسام داخل المحكمة الاتحادية العليا، شهدت بغداد صباح اليوم الاثنين تطورًا لافتًا بإعلان عقد جلسة مكتملة النصاب للمحكمة، ترأسها القاضي منذر إبراهيم بدلاً من القاضي جاسم محمد عبود، في خطوة فُهمت على نطاق واسع بأنها بداية نهاية الأزمة القضائية الأشد منذ تأسيس المحكمة. فماذا نتجَ عن الاجتماع؟ وما تفاصيل البيان الذي أصدرته المحكمة عقب انتهائه؟ إليك كواليس الأزمة منذ بدايتها.
بداية الأزمة
اندلع فتيل الأزمة في حزيران 2025، عندما أعلن 9 من أعضاء المحكمة الاتحادية عن تحفظهم الشديد على ما وصفوه بـ"التفرد في اتخاذ القرارات" من قبل رئيس المحكمة، القاضي جاسم محمد عبود، مؤكدين أنهم باتوا مغيبين عن المشاركة في إصدار عدد من الأحكام المهمة، ليقدموا بعدها استقالاتهم.
الاستقالات كان بمثابة زلزال قانوني وسياسي، حيث تضمن اتهامات صريحة بعدم احترام السياقات الدستورية، وتجاوز آلية التصويت داخل المحكمة، والتعامل مع القضايا الخلافية بروح سياسية لا قضائية.
بعد ذلك، تواردت الانباء حول تقديم رئيس المحكمة الاتحادية القاضي جاسم العميري استقالته من منصبه غير أن مصدرا قضائيا نفى ذلك ليتبين بعدها أنه أُحيل على التقاعد.
وفي الـ29 من حزيران الماضي، أعلن مجلس القضاء الأعلى، إحالة رئيس المحكمة الاتحادية العليا القاضي جاسم محمد عبود العميري على التقاعد، لأسباب صحية وترشيح نائب رئيس محكمة التمييز الاتحادية القاضي منذر ابراهيم حسين بدلاً منه.
وذكر بيان صادر عن المجلس، أن اللجنة المنصوص عليها في المادة ( 3 / اولا وثانيا ) من قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم 30 لسنة 2005 المعدل اجتمعت اليوم ووافقت على احالة القاضي عبود على التقاعد للأسباب أعلاه وترشيح القاضي حسين بدلاً عنه حيث تمت مفاتحة رئيس الجمهورية لإصدار المرسوم الجمهوري بالتعيين.
يذكر أن القاضي منذر ابراهيم حسين (المرشح البديل) هو من مواليد بغداد 1963 وحاصل على شهادة القانون من كلية القانون في جامعة بغداد سنة 1989 ، و متخرج من المعهد القضائي سنة 1998 الدورة الـ(21).
وعمل حسين في محكمة التمييز الاتحادية منذ عام 2018 ويشغل حاليا منصب نائب رئيس محكمة التمييز الاتحادية ورئيس الهيئة الجزائية فيها وعضواً احتياطاً في المحكمة الاتحادية العليا.
بيان صارم من 6 نقاط
بعد نحو 10 أيام من إحالة العميري إلى التقاعد وتكليف القاضي منذر إبراهيم حسين بديلا عنه، عقدت المحكمة الاتحادية اليوم الاثنين اجتماعها الأول برئاسة القاضي حسين وأصدرت بيانا وضع النقاط على الحروف وفق الكثير من المراقبين.
ذكر بيان المحكمة الذي ورد لشبكة انفوبلس، أنه “بهذا اليوم الموافق 7\7\2025 عقدت المحكمة الاتحادية العليا اجتماعها التشاوري الأول، برئاستها الجديدة، وبحضور كافة أعضائها، وذلك لمناقشة سير العمل في المحكمة”.
وشدد المجتمعون على جملة مبادئ: “أولا: التأكيد على التزام المحكمة الاتحادية العليا باختصاصاتها الدستورية، وفق ما رسمه لها الدستور في المواد (52 و 93) منه، والمادة (4) من قانونها رقم (30) لسنة 2005 المعدل بالقانون رقم (25) لسنة 2021، وعدم التوسع في هذه الاختصاصات، وكذلك التأكيد على استقلالية المحكمة في اتخاذ القرارات، وعدم السماح بالتدخلات السياسية في عمل المحكمة”.
وأردف البيان ‘ثانيا: التأكيد على التزام المحكمة الاتحادية العليا جانب الحياد، وأنها تقف على مسافة واحدة من جميع الفرقاء السياسيين، وأن غايتها وهدفها الأساسي هو المحافظة على النظام السياسي في العراق، واحترام الحقوق الدستورية لكافة مكونات الشعب العراقي”.
وتابع البيان “ثالثا: عدم التدخل بأعمال السلطتين التشريعية والتنفيذية واحترام ما يصدر عنهما من قرارات تدخل في صميم أعمالهما التي منحها لهما الدستور، إلا ما شكل منها خرقا لنصوص الدستور فيمكن التصدي لها بإقامة الدعوى الدستورية بهذا الخصوص، وترسيخ مبدأ الفصل بين السلطات”.
وواصل البيان “رابعا: التأكيد على أن دور المحكمة الاتحادية العليا فيما يخص الانتخابات العامة المقبلة لعضوية مجلس النواب هو وفق ما رسمه الدستور في المادة (93/ سابعا) وأنها لا تتدخل في الصراعات السياسية بخصوص هذا الموضوع”.
وأكمل “خامسا: التأكيد على ان المحكمة الاتحادية العليا هي إحدى مكونات السلطة القضائية استنادا لأحكام المادة (89) من الدستور، وأنها تعمل جاهدة مع مجلس القضاء الأعلى وبقية مكونات السلطة القضائية في تعزيز مفهوم العدالة واحترام أحكام الدستور والقوانين”.
وأخيرا في النقطة الأخيرة من البيان “سادسا: التأكيد على التعاون مع الجهات المختصة من خلال عقد الندوات التشاورية والحوارية مع فقهاء وأساتذة القانون الدستوري بما يسهم في تطوير عمل المحكمة الدستوري”.
وكان القاضي منذر إبراهيم حسين، رئيس المحكمة الاتحادية العليا في العراق، قد أدّى في 3 تموز يونيو الجاري، اليمين الدستورية أمام رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد، عقب موافقة مجلس القضاء الأعلى على إحالة رئيس المحكمة السابق جاسم محمد عبود العميري على التقاعد لأسباب صحية.
أصداء سياسية ترحب.. وحذر من التوظيف
ردود الفعل السياسية لم تتأخر؛ فقد رحّبت قوى متعددة بعودة المحكمة إلى الانعقاد، معتبرة أن الحفاظ على هيبتها ووحدتها أولوية وطنية. إلا أن آخرين عبّروا عن خشيتهم من أن يكون الحل مؤقتًا أو خاضعًا لتفاهمات فوق دستورية.
وكتب أحد المدونين على منصة "إكس": "أحسنت المحكمة بتجاوز الانقسام. لكن يجب أن نضمن استقلالها بالكامل وعدم السماح لأي تأثير سياسي في قراراتها المقبلة."
ورغم الانفراج الظاهري، يرى مراقبون أن المحكمة أمام اختبار حقيقي لاستعادة ثقة الشارع العراقي ومؤسسات الدولة، خصوصًا مع اقتراب الفصل في ملفات حساسة، بينها الطعون في قانون الموازنة، ودستورية بعض قرارات البرلمان الأخيرة.
العميري محط جدل
كان الرئيس السابق للمحكمة الاتحادية، جاسم العميري (61 عاما) محط جدل واسع خلال الأسابيع الماضية، إثر استقالة ستة من أعضاء في المحكمة مع ثلاثة قضاة احتياط، بعد توجيه الاتهامات لرئيسها جاسم العميري، بالتفرد في القرارات وتخطي صلاحيات المحكمة الدستورية والقانونية، ومحاباة قوى سياسية وحزبية مختلفة، بحسب مصادر مطلعة.
بدورها، أفادت مصادر في 30 حزيران يوليو الماضي، أن “القضاة التسعة قرروا سحب استقالاتهم، بعد إحالة الرئيس السابق للمحكمة، جاسم محمد عبود إلى التقاعد، وتكليف القاضي منذر إبراهيم حسين، برئاسة المحكمة”، مبينة أن “عودة القضاة، جاءت بعد وساطة من قبل بعض قادة الإطار التنسيقي، حيث من المقرر أن يباشروا عملهم يوم الثلاثاء”.
وعلى مدار فترة رئاسة العميري للمحكمة الاتحادية، تعرضت المؤسسة القضائية لانتقادات واسعة، بسبب قرارات أثارت جدلا كبيرا في المشهد السياسي العراقي، حيث اتهمت بالتعامل غير المهني مع قضايا حساسة، وانحيازها لأجندات سياسية.
وسبق الاستقالة الجماعية، الكشف عن وثيقة للعميري، يطالب فيها رئيس مجلس النواب، محمود المشهداني، بعقد اجتماع للتدخل بالأزمة بين المحكمة الاتحادية العراقية، ومحكمة التمييز العليا، التي رفضت عدة قرارات للأولى، واعتبرتها ليست ذات اختصاص للبت بها، هذا الطلب رفضه المشهداني، وأعلن ذلك في بيان رسمي، أن الطلب يتيح التدخل السياسي بعمل القضاء “وهو ما لا ينبغي أن يكون”.
كما قالت رئاسة الجمهورية العراقية، في وثيقة رسمية، إنها ترفض مقترحا مماثلا للعميري بشأن عقد اجتماع للقوى السياسية، معتبرة أن خطوته تمثل خرقا صريحا للدستور العراقي، ولا مجال لفتح باب تدخل السياسة في القضاء. واختتمت الوثيقة بالقول: “مقترحكم مرفوض”.
كواليس الخلافات
وكانت مصادر سياسية وقضائية عدة، أفادت في 21 حزيران يونيو الماضي، بأن “الأمر يعود إلى خلافات عميقة تضرب المؤسسة القضائية بكلا شقيها: المحكمة الاتحادية العليا برئاسة جاسم العميري، ومجلس القضاء الأعلى برئاسة فائق زيدان”، مبينة أن “تصاعد الخلاف والانقسام بين الجناحين، هو من يقف وراء هذه الاستقالات وليس الخلاف حول بعض القضايا المرفوعة للنظر فيها، مثل خور عبدالله أو رواتب موظفي حكومة إقليم كردستان”.
ولفتت إلى أن “الاستقالة منحت مجلس القضاء الأعلى، نقطة في مرمى المحكمة الاتحادية العليا، فقد يحصل المجلس على نفوذ أوسع من خلال ترشيح قضاة جدد مقربين منه كبدلاء عن المستقيلين”.
يذكر، أن ملفات عدة باتت محل خلاف بين مجلس القضاء الأعلى، والمحكمة الاتحادية العليا، كان آخرها، إصدار الأول في 3 شباط فبراير الماضي، تعليمات بتنفيذ قانون العفو العام، اعتبارا من تاريخ التصويت عليه، والذي اعتُبر إبطالا للأمر الولائي الذي أصدرته المحكمة العليا بإيقاف العمل بالقانون لحين البت بقانونيته، وهو الأمر الذي أثار جلبة سياسية واسعة أدت إلى تظاهرات واسعة.
يشار إلى أن تقارير إعلامية محلية أشارت إلى أن سبب الاستقالة يعود إلى أن رئيس المحكمة، جاسم محمد محمود، دعا السلطات العراقية إلى عقد اجتماع للفصل في قضايا خلافية بين محكمة التمييز والمحكمة الاتحادية، إلا أن سياسيين، مؤخرا، أشاروا إلى أن السبب هو خلاف بين رئيس المحكمة الاتحادية العليا القاضي جاسم العميري، ورئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي فائق زيدان.