استقبله السوداني مؤخراً.. تعرَّف على سلطان طائفة البهرة في الهند مفضل سيف الدين وطائفته
انفوبلس/ تقرير
استقبل رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، يوم أمس الاثنين، سلطان طائفة البهرة في الهند مفضل سيف الدين، والوفد المرافق له.
ورحّب السوداني بالوفد الضيف، وأكد أن العراق يمتلك ثروة حقيقية تتمثل بالتنوع الديني والإثني الغني، وهو ميزة لهذا الشعب جعلته منفتحاً على جميع شعوب العالم وثقافاتها، ومتبنياً قيم الحوار البنّاء بين الأديان والطوائف.
وبيّن رئيس مجلس الوزراء أن العراق يرحب بالتواصل الثقافي والإنساني النبيل، وقد انتهج خطاب الاعتدال والتقارب في مواجهة خطاب الكراهية والتطرّف، بوصفه مساراً لترسيخ السلام والتعايش في أرجاء المنطقة والعالم.
من جانبه، أعرب سلطان طائفة البهرة عن شكره لحُسن الضيافة والاستقبال، وعبّر عن اعتزازه بزيارة العراق، أرض الأنبياء والأوصياء، ومرتكز التنوع الحضاري والديني.
من هي طائفة البهرة؟
وهي إحدى الطوائف الشيعية، اتبع أفرادها الإمام الفاطمي الطيب أبو القاسم، ويعود نسبهم إلى أتباع الإمام المنصور بنصر الله، والذي يمتد نسبه إلى الإمام علي (ع)، وزوجته فاطمة ابنة الرسول (ص).
ويأتي اسم بهرة، حسب المنشور بموقع "gateway house"، من مصطلح "Gujarati Vohurvu" الذي يعني التجارة، مما يشير إلى أن معظم المتحولين من الهنودسية إلى هذه الطائفة كانوا تجارًا.
ووجدت هذه الطائفة طريقها إلى الهند نتيجة لعدم استقرار أوضاع الدولة الفاطمية في مصر، فعقب وفاة الخلفية الإمام المستنصر في عام 1094م، نشب صراع بين نجليه أحمد المستعلي الفاطمي ونزار المصطفى لدين الله على الحكم، في مواجهات انتهت لصالح الأول.
وظل أتباع المسعتلي في سدة الحكم إلى أن سقطت الدولة الفاطمية على يدي صلاح الدين الأيوبي، ليتجه أفرادها إلى اليمن، التي ارتبطت بعلاقات تجارية نشطة مع موانئ ديبول وماندفي وبوربندر وخمبات في الهند.
ومن هذا المنطلق، صدّر التجار اليمنيون أفكارهم ومعتقداتهم إلى الساحل الغربي للهند كحال بضائعهم، حتى نجحت المهمة بحلول القرن الـ 15 ميلاديًا، حينما بات هذا المذهب سائدًا في السند وجوجارات وديكان.
وكحال مختلف الطوائف، تناوب على خلافة البهرة كثيرون، سارت الأمور خلال فتراتهم بشكل هادئ ومستقر، إلى أن تبدلت الأوضاع عقب وفاة داود السادس والعشرين في عام 1588م، فنشأ خلاف بين فصيلين في الهند، ما بين داود بن قطب شاه، باعتباره المرشح الشرعي، وسليمان بن حسن، الذي دعمه غالبية اليمنيين الطيبيين الإسماعيليين.
بناءً على ما سبق، باتت البهرة منقسة إلى طائفتين، الأولى تحت مسمى "البهرة الداوودية" نسبة إلى داوود برهان الدين بن قطب شاه، والثانية "البهرة السليمانية"، تحت لواء زعيمها سليمان بن حسن.
بالنسبة للبهرة الداوودية، استمر تنقلها من مكان لآخر على مدار 300 عام، وتُعد أحد المسارات المهمة التي سلكتها هذه الطائفة، هو توطين التجار مع عائلاتهم في مسقط، وهرمز، وجزر زنجبار، ووأرخبيل لامو، وساحل مريما، ومومباسا، وهذا بحلول أوائل القرن الـ 19.
لهذه الطائفة حضور داخل مصر، وهو ما أكدت عليه سعاد عثمان، أستاذة علم الاجتماع والأنثروبولوجيا بكلية البنات جامعة عين شمس، خلال سطور كتابها "الطوائف الأجنبية فى مصر.. البهرة نموذجًا".
فخلال هذا الكتاب، كشفت المؤلفة أن طائفة البهرة بدأت تتوافد على العاصمة المصرية القاهرة فى سبعينيات القرن الماضي، وأقاموا في المنطقة الفاطمية منها، قبل أن يفضلوا الانتقال إلى حي المهندسين، التي تحتضن مقر إقامة سلطانهم.
*يتسمون بالثراء الفاحش ولا يُخفون ذلك
ويحاول البهرة أن يكون طراز حياتهم فاطمياً دوماً.
ويتزعمهم السلطان الذي يتولى حكم الطائفة ويسمى (الداعي) أو (برهان) ويُعد ممثلاً دنيوياً ودينياً للإمام الغائب، ويحوز مكانة مرموقة لدى الأتباع.
وهم مشهورون بمزاولة التجارة والثراء العظيم؛ إذ يعد البهرة من الطوائف الثرية بفضل تجارتهم الواسعة. ورغم أن حجم ثرواتهم غير معلوم بدقة، لكن يدل عليها إنفاقهم ببذخ على ترميم مساجد الفاطميين في مصر، وبناء العديد من المساجد في الهند وجنوب آسيا، وقصور داعيتهم المنتشرة في عدد من الدول منها مصر. ويبوح قادتهم بهذا دون وجل؛ إذ قال ممثل طائفة البهرة باليمن سلمان رشيد، في حديث صحفي عام 2001: "عندنا أموال كثيرة، من أجل التعمير.. تعمير المساجد والمدارس".
وبحسب الموسوعة، فإن دعوتهم قد وصلت إلى بلاد الهند عن طريق تجارتهم الناجحة، وخط السير الذي كان يصل بين اليمن وتجار الهند.
ولا بدَّ أن يدفع كل بالغ من البهرة مبلغاً من المال على دفعتين في العام للجماعة، يذهب جزء من المبالغ إلى خزينة سلطان البهرة، ويحتفظ مندوبوه المعروفون بالعمال في الأقاليم بالباقي، ويحصل كل منهم على مرتب ثابت ومقر لإقامته بالمجان، فضلاً عن مكافأة من خزينة المجلس للطائفة، ولهذا يطمع الكثيرون في هذه المناصب.
ويشدد سلاطين البهرة عند زيارتهم للدول الإسلامية على ضرورة مقابلة رئيس الدولة وكبار الحكومة، وقد كان الاستعمار البريطاني يستقبل سلطانهم بواحد وعشرين طلقة مدفع كما يستقبل الملوك والرؤساء، كما يصر الداعي على أن تصحبه المواكب الضخمة، وسيارات الرئاسة في البلد المضيف، والموسيقى العسكرية التي تعزف بالنشيد البهري الخاص.
ولقب "الداعي" مخصص للزعيم الذي يتولى حكم الطائفة، ويعتبر ممثلاً دنيوياً للإمام ويتولى نيابةَ الإمامِ الدينية.
وأتباع الداعي يطيعونه طاعة عمياء، وهناك عهد قديم بالولاء للإمام الطيب والإمام المنتظر. والداعي المطلق عندهم معصوم في كل تصرفاته.
يؤكد مؤرخون أن البهرة لا يسمحون لأحد باعتناق مذهبهم إلا إذا كان ذا أصل بهري، ويعتقدون بعصمة أئمتهم. كما يؤمنون بضرورة تقديم الصلاة والأعياد قبل يوم أو يومين، ويعملون دون كلل لإحياء ما يتعلق بالفاطميين من قبور ومساجد.
*علاقتهم بمصر
تحتل مصر مكانة مركزية لدى طائفة البهرة بالنظر إلى أنهم يرون أنفسهم امتداداً للدولة الفاطمية التي حكمت مصر خلال العصر الإسلامي، ورغم تركزهم في الهند، لكن أنظارهم ظلت معلقة بالشرق العربي، وبالقاهرة مدينتهم التاريخية؛ حيث مراقد الأئمة والمساجد المقدسة التي شهدت مولد مذهبهم.
وتُعدّ زيارة قبور الأجداد ومشاهدة آثارهم من أهم الطقوس لدى البهرة، فهم يأتون إلى مصر لزيارة مساجد الحاكم بأمر الله، والجيوشي، والأقمر، وغيرها من الآثار الفاطمية الشهيرة.
منذ ثلاثينات القرن الماضي، بدأ البهرة رحلة عكسية غرباً تجاه العالم العربي، حيث زَار السلطان طاهر سيف الدين، مصر، عام 1938، والتقى طلعت حرب وعدداً من أعيان وباشوات ذلك الزمان. واستمر منذ ذلك الوقت في الانتقال والهجرة إلى الدول العربية، خصوصاً ضمن الهجرات الهندية إلى دول الخليج العربي.
لدى البهرة الآن تجمعات في الكويت والسعودية، وبالطبع دبي، أحد مراكز أعمالهم التجارية، كما تربطهم علاقات قوية بحاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حسبما ورد في تقرير لموقع المدن.
في كل بلد يسعى البهرة إلى دخوله يطرقون أولاً الأبواب الرسمية عبر زيارة الحاكم وتقديم الهدايا والتبرعات للحكومات وشعوب تلك البلدان. ويلتزمون بعدم العمل في السياسة ولا يسعون إلى نشر مذهبهم، لا يختلطون أو يتزوجون من أهل تلك البلدان، ويرفضون التعامل مع الصحافة والإعلام.
وبدأ قادة البهرة في التواصل مع القيادات المصرية منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، إذ استطاع سلطانهم برهان الدين لقاء عبد الناصر والتنسيق معه لرعاية أبناء الطائفة والسماح لهم بممارسة طقوسهم، لكن بعد حادث المنشية عام 1954 التي اتهم فيها عبد الناصر الإخوان المسلمين بمحاولة اغتياله، جرى التضييق عليهم فركنوا إلى الظل وأخدوا يمارسون طقوسهم بهدوء، حتى وجدوا طريقهم إلى السلطة مرة أخرى عن طريق ترميم المساجد الأثرية، وهو المجال الذي حققوا فيه نجاحاً كبيراً، دفع جامعة الأزهر لإعطاء سلطان البهرة الدكتوراة الفخرية عام 1966.
ولكن انطلاقة البهرة الحقيقية في مصر جاءت مع الرئيس الراحل أنور السادات، حيث التقى بسلطان البهرة محمد برهان الدين، وتبرع الأخير بعشرات الملايين لصالح تسديد ديون مصر، والإنفاق على ترميم عشرات المساجد والأضرحة. وكان أبرزها الجامع الأقمر، المجاور لمسجد الحاكم بأمر الله، وافتتحه الرئيس السادات بحضور سلطان البهرة. كما كرم السادات سلطان البهرة بوسام النيل، وهو أرفع وسام مصري. وفي المقابل سمح السادات للبهرة بممارسة طقوسهم الدينية في القاهرة الفاطمية، وتحديداً في مسجد الحاكم بأمر الله الذي يحمل قدسية خاصة لدى طائفة البهرة.
ولأسباب غير مفهومة، حمل حسني مبارك احتراماً وتقديراً كبيراً للشيعة الإسماعيليين، ويمكن وصف فترة مبارك بأنها العصر الذهبي لكل طوائف الشيعة الإسماعيليين في مصر بما فيهم البهرة.
فالشيعة الإسماعيليون النزاريون، بقيادة الآغا خان الرابع، الشاه كريم الحسيني، سُمح لهم بالعمل داخل مصر عبر مؤسسة الآغا خان التي أقامت ودعمت مئات المشاريع الخيرية والثقافية، أبرزها بالطبع مشروع حديقة الأزهر الذي تكفلت مؤسسة أغا خان للتراث المعماري بإقامتها في قلب القاهرة. وتبرع السلطان محمد برهان الدين بعشرات الملايين من الدولارات إلى الحكومة المصرية، طوال عهد حسني مبارك، وحظي بتقدير مبارك وزوجته. وقمة هذا التقدير كانت في العام 2010، حينما ذهب مبارك بنفسه لاستقبال سلطان البهرة في مطار شرم الشيخ.
بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، انزوى البهرة تحسباً للإخوان والسلفيين، ثم عادوا للظهور مرة أخرى بعد 3 يوليو/تموز 2013، عقب لقاء شهير بين الداعي مفضل سيف الدين والرئيس السيسي. والآن يتوافدون إلى مصر باستمرار، ومنهم من يعيش بشكل دائم في القاهرة، ويقدّر عدد هؤلاء بنحو 2000 شخص.
والتقى سلطانهم الرئيس السيسي 3 مرات خلال 4 سنوات فقط، وذلك قبل اللقاء الأخير، وتمارس الطائفة الآن شعائرها الدينية دون خوف، بفضل ما تتمتع به من علاقات قوية مع السلطة، حسب موقع إضاءات.
ويسعى البهرة إلى تأمين وجودهم في مصر وضمان حريتهم في ممارسة شعائرهم الدينية بالمساجد الفاطمية التي يعتبرونها مساجد أجدادهم، عن طريق مد أواصر العلاقات مع القيادة السياسية في مصر، غير عابئين بما ينفقونه في سبيل ذلك من أموال، سواء مباشرة عن طريق التبرع لصندوق "تحيا مصر" أو غير مباشرة عن طريق ترميم المساجد الفاطمية ومساجد آل البيت النبوي.
طوال وجودهم في مصر لم يمارسوا أي نشاط إعلامي سوى في العام 1993، حينما أصدروا كتيباً صغيراً بعنوان "مسلمون فاطميون"، تضمن توثيقاً لكل أنشطتهم الخيرية وعمليات ترميم الآثار التي مولوها في مصر ودول شمال إفريقيا، حيث آثار الفاطميين القدامى.
أما السلطات المصرية فتسعى إلى الاستفادة من طائفة البُهرة بكافة الطرق الممكنة. فبشكل مباشر تحصل على تبرعات نقدية من سلطان الطائفة بشكل شبه دوري، وبشكل غير مباشر تجتذب السلطة أموال البهرة الضخمة لإقامة مشروعات في مصر، وتشجعهم على القيام بالسياحة الدينية في أرض الفاطميين.
ومن خلال البهرة أيضاً، تروج السلطات المصرية لنفسها باعتبارها "منفتحة على كافة الأديان والطوائف، ومؤمنة بأهمية الحوار بين كافة شعوب العالم بمختلف مذاهبها وأعراقها"، وذلك على العكس من الإسلاميين السياسيين.
يعيش البهرة في مصر حياة انعزالية، لا يختلطون بباقي المصريين، ويسكنون في أماكن محددة، أشهرها القاهرة الفاطمية، والمهندسين، وتحديداً شارع سوريا، حيث يوجد مبنى خاص بهم يضمّ إدارة شؤون الطائفة. ويعيش عدد كبير منهم في فندق "الفيض الحاكمي" بمنطقة الدَّرَّاسة المجاورة للأزهر الشريف. ويوجد الأمن المصري في هذه الأماكن بصورة ملحوظة.
وأكّد الباحث التاريخي محمود جابر لموقع رصيف 22، أن لا أحد يمكنه التأكد من صحة الشائعات التي يرددها المصريون عن البهرة، لأنهم لا يحتفلون أمام أحد ولا يبوحون بأسرار مذهبهم لأحد من خارج الطائفة.
من هو سلطان طائفة البهرة؟
أما عن السلطان مفضل سيف الدين، فهو الابن الثاني لسلطان البهرة الراحل الدكتور محمد برهان الدين، وُلد في مدينة سورت غرب الهند في عام 1946، وينتسب لأسرة اعتنقت الإسلام منذ بدء انتشاره في الهند.
ولعب والده دورًا فاعلًا في حياته، فبعيدًا عن تربيته، شجعه ودعمه في مسيرته التعليمية، حتى تخرج في معهد الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر، كما حرص على تزويجه حتى أنجب 3 ذكور و2 من الإناث.
هذه النشأة، شجعت الأب على تعيين مفضل سيف الدين سلطانًا للطائفة في سنة 2011، وهذا قبل عامين من وفاته، ليكون السلطان رقم 53 ضمن سلسلة الدعاة المطلقين الفاطميين (لقب سلطان البهرة).
ومن منطلق ما وهبه الله به، صُنف السلطان فضل سيف الدين من بين أكثر 500 مسلم مؤثر في سنة 2014، وبعدها بعام، حصد جائزة السلام العالمي من منطلق مساهمته في تعزيز حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية.
العلاقة الطيبة بين "فضل" ومصر، دفعته إلى بذل الأموال لمساندة "المحروسة"، فتبرع بـ 10 ملايين جنيه مصري لصالح صندوق "تحيا مصر" 3 مرات خلال أعوام 2014 و2016 و2018.