البهائيون ومفهوم اضطهادهم الخاطئ.. نافذون بقوة بزمن الطاغية وتمكنوا من إلغاء قانون تحريم عقيدتهم.. لماذا يروّج الإعلام الغربي لتهميشهم في العراق؟
انفوبلس/ تقارير
ظهرت في إيران في القرن الثالث عشر الهجري واستمرت كحركة ضد التقاليد الدينية والاجتماعية التي تحكم المجتمع، وكان ظهور هذه الحركة في إيران في زمن حربها مع الروس وانتشار الحداثة الغربية فيها، وعلى غرار إيران تملك هذه الحركة العديد من "الهيئات والحظائر" في العراق وكان لها تمثيل قوي بزمن الطاغية صدام، حتى أن مكاتبها توسعت لتشمل محافظات البصرة وديالى والموصل وكربلاء والنجف، ورغم كل ذلك كان ولا زال الإعلام الغربي يروج لتعرضهم للتهميش في العراق. فما هي البهائية ومَن هم البهائيون؟ إليك قصة تغلغلهم المخيف داخل العراق عبر "خزينة" الطاغية حكمت مزبان إبراهيم العزاوي.
*البهائية
نشأت البهائية في إيران، والمثير في الأمر أن الفكرة التي قامت عليها هذه الطائفة ارتكزت على عقيدة اعتنقتها الشيعة الإمامية وهي ظهور الإمام الغائب، ففي منتصف القرن الثامن عشر ظهرت فرقة الشيخية التي أسسها أحمد بن زين الدين بن إبراهيم الإحسائي، أحد رجال الدين الشيعة في مدينة كربلاء المقدسة.
وقد نادى الإحسائي بأن الإمام الموعود لن يخرج من الخفاء، وإنما سيولَد في صورة شخص من أشخاص هذا العالم، وأن المعاد يكون بالجوهر لا بالعنصر الترابي، فالجسد يُبلى بعد الموت، أما الحشر والنشر فيكون بالروح وهو من الجواهر.
وعقب وفاة الإحسائي عام ١٨٢٦م واصل تلميذه كاظم الرشتي أفكار سلفه حول عودة الإمام المنتظر، وأعلن الرشتي في أواخر أيامه أن تعاليم الشيخية قد استوفت غرضها في التهيئة لمجيئه، وأوصى تلاميذه بالتشتت بحثاً عنه، وفي أثناء ذلك ظهر شاب إيراني يدعى علي محمد الشيرازي وذلك في عام 1844م، ولقَّب نفسه بـ (الباب)، وبشَّر بأن رسولاً من الله سيأتي قريباً كما زعم حينها، هنا انقلب الإمام الغائب إلى رسول، وبالفعل أتى هذا الرسول المزعوم في عام 1852م، إذ زعم أحد أتباع الباب واسمه ميرزا حسين علي المولود في عام 1817م في إيران، أنه شاهد في السجن رؤيا أنه هو الرسول الذي بشَّر به الباب ولقب نفسه بـ (بهاء الله). وفي عام 1863م أسس هذه الطائفة، ولم يكتفِ البهاء بادِّعاء النبوة، بل تجاوزها إلى ادَّعاء الألوهية، وأنه القيوم الذي سيبقى ويُخلَّد، وأنه روح الله، وأنه هو مَن بعث الأنبياء والرسل، وأوحى بالأديان!.
*تمثيل قوي بزمن الطاغية صدام
كان للبهائيين تمثيلاً قوياً في زمن الطاغية صدام رغم تصدير الإعلام الغربي عكس ذلك، حيث كان نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير المالية في حكومة الطاغية وعضو قيادة قطر العراق لحزب البعث حكمت مزبان إبراهيم العزاوي، بهائياً، وبالتالي ساهم كثيراً في دعم البهائيين حتى أوصلهم لمرحلة مقابلة الطاغية بغية إجهاض نص قانون يُحرّم عقيدتهم.
وفي عام 1969 ، ضيّف الإعلامي "إبراهيم الجنابي" في برنامج تلفزيوني، رجلَ دينٍ معمماً هو السيد "موسى الموسوي"، وفي أثناء تقديمه في البرنامج التلفزيوني في القناة الرسمية الوحيدة للدولة أخذ يهاجم الشاه، وفي أثناء حديثه ذكر أن الشاه يعتمد على مستشارين بهائيين، وأن طبيبه الشخصي "بهائي" فسأله إبراهيم عن ماهيّة البهائية. وتقرر أن تُعقد حلقة ثانية من البرنامج يشرح فيها "موسى الموسوي" البهائية.
بعدها، قال الباحث البهائي عبد الرزاق العبايجي "في الأسبوع التالي جاء الرجل إلى البرنامج ومعه حزمة من المعلومات على البهائيين، لذا حاولت أن أستعين بمَن عرفتهم من البعثيين أثناء سجني لعدة مرات، وتطوع د. عصام حويش (كان آخر محافظ للبنك المركزي في ظل حكم الطاغية، وكان معي في السجن لفتح باب حوار حول الأمر، وجاء بعد مدة باقتراح من ثلاثة خيارات عرضها البعثيون:
الأول: تخصيص صفحة كاملة من جريدة الثورة لكتابة رد دفاعي. الخيار الثاني: زيارة وفد من القيادة القطرية للحزب للتفاوض مع البهائيين، ومعرفة ماهيّة هويتهم. وتمثل الخيار الثالث في ترتيب لقاء خاص مع رئيس الجمهورية".
عرض العبايجي الخيارات على المحفل المركزي، وقرر المحفل المركزي بعد مناقشة مستفيضة للخيارات اللقاء الخاص برئيس الجمهورية، وتشكل بناءً على ذلك وفد بهائي.
*تغلغل مخيف عبر القصر الجمهوري
ازداد التغلغل البهائي بصورة مخيفة داخل أركان الدولة العراقية، حيث عُرضت أسماء الوفد البهائي المشكَّل من بهائيين يمثلون بعقوبة والبصرة والموصل وأربعة من بغداد واثنين من كركوك، كان هناك اثنان يمثلان أعضاء المحفل المركزي، أما الآخرون فمن عموم البهائيين ويمثلون التوزيع الجغرافي للبهائيين في العراق .
كان "العبايجي" أحد أعضاء الوفد ونقطة الاتصال لترتيب الحوار، وفي أثناء ذلك أصبحت مقابلة رئيس الجمهورية أشبه بقصة حوار مع إدارة القصر الجمهوري التي كان يتولاها آنذاك "صباح عمر العلي"، فقد اعتذر رئيس الجمهورية عن المقابلة بسبب وعكة صحية، وأثار ذلك شك البهائيين من أن الرئيس لا يريد مقابلتهم.
ويكمل العبايجي، "استمر التسويف مدة ثلاثة أسابيع، وكان رأيه أن لا يرسل شيئا بالبريد، وأن يسلم هذه الوثائق بيده، وبالفعل سلمها بيده إلى صباح عمر العلي (شقيق صلاح عمر العلي)، وبينما كان يتحدث مع العلي، عاد "حامد الجبوري" من مهمة كان مكلفاً بها، وكان الجبوري يشغل منصب وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية، وقد أُحيلت المقابلة إليه بدلا من رئيس الجمهورية، سأل صباح العلي عبد الرزاق العبايجي "إذا وافق السيد الوزير على لقاء لخمس دقائق. هل تقابله؟". رحب العبايجي بالفكرة، جرت المقابلة التي دامت خمساً وأربعين دقيقة.
*كيف ألغى البهائيون قانون تحريم عقيدتهم؟ ومَن مهّد لهم الوصول إلى صدام؟
وبعد خمسة وعشرين يوماً ذهب "العبايجي" لزيارة "حاتم حمدان العزاوي" وكان سجيناً معه، فوجده في مكانه الأثير في مقهى "البرلمان"، طلب منه التمهيد للقاء صدام حسين، وشرح له المخاوف من إصدار قانون التحريم.
يصف ظروف اللقاء بصدام حسين كالآتي: "كنتُ أعرف بحكم علاقتي بالبعثيين منذ أيام السجن مقدار تأثير هذا الرجل الذي أراد أن يعمل في الظل، وفكرتُ أن الاتصال به قد يفتح أبواباً أخرى مغلقة. حصلت على رقم خاص من العزاوي، واتصلت به، وكنت أظن أنني أتحدث مع صدام شخصيا، لكن اتضح فيما بعد أنه سكرتير له: قلت هناك حيف وقع على مجموعة كبيرة من المواطنين ولابد من مناقشة الموضوع مع السيد النائب (كان هذا لقبه آنذاك).
بهذه الطريقة ظفر بموعد لمقابلة "السيد النائب" من دون أن يفصح عن مضمون اللقاء، ذهب إلى مكتبه الرئاسي الفخم، وكان هناك اجتماع فوق العادة لمجلس قيادة الثورة، لذا انتظر لساعات عدة، لقد خاف من أن لا يتحقق اللقاء، لذا شرح للسكرتير مخاوف البهائيين، عرض عليه نسخة القانون، وشرح له خطورة مصطلحات واردة فيه مثل "التحبيذ"، التي قد يفسرها أي رجل أمن تفسيرا كيفيا، وبمجرد شهادته يزجّ أي بهائي في السجن لعقد من الزمن.
وما إن وصل "صدام حسين"، حتى أخذ السكرتير النص ودخل به على النائب، وبحسّه الأمني المعتاد سأله "صدام" عن كيفية حصول "العبايجي" على نسخة القانون قبل نشره، حاول "العبايجي" التملّص من الإجابة، وأخيرا أبدى صدام رأيه بالقول: "لا داعي للقلق، لن يترتب على هذا القانون أي أثر".
لم يستطع العبايجي مقابلة صدام شخصيا، ولم يكن مقتنعا برده، لكن في جميع الأحوال صحح نص القانون، وصدرت نسخة جديدة تجاوزت الملاحظات المسجلة على القانون، بحكم ارتباط البهائيين المتين مع الشخصيات البعثية المذكورة أعلاه.
*لماذا يروّج الإعلام الغربي لتهميشهم في العراق؟
يرتبط البهائيون بعلاقة وثيقة مع "إسرائيل" ويبرهن ذلك وجود "بيت العدل الأعظم" لهم في حيفا الإسرائيلية التي احتضنت في نيسان الماضي أكثر من ألف مندوب بهائي من أكثر من 170 دولة من أنحاء العالم بجلسات تشاورية، في إطار عملية اقتراع لانتخاب القيادة العالمية للطائفة، من بينهم مجموعة تدّعي تمثيل فرع الطائفة البهائية في العراق ودول عربية أخرى.
ولأن العراق غير معترف بالكيان الصهيوني، ولم يدعم البهائيين ولا يرحب بهم بحكم قربهم من هذا الكيان، عَمد الإعلام الغربي إلى بث الأكاذيب بوجود تهميش لهذه "الديانة" داخل العراق، لكن الواقع يقول إن سموم هذا الإعلام ينبع للدفاع عن البهائيين إرضاءً لإسرائيل وأمريكا، وبُغضاً بالشعوب الإسلامية، ولهذا نرى استمرار حملات الترويج لوجود تهميش واضطهاد لهم في العراق.