انفوبلس تشرح كيفية احتساب النسب.. ماذا يعني إطلاق استراتيجية مكافحة الفقر الثالثة في العراق؟

انفوبلس/ تقرير
استناداً إلى نتائج التعداد العام للسكان والمساكن، وفي خطوة تهدف إلى تقليص نسب الفقر وتحسين الواقع المعيشي، تعتزم وزارة التخطيط إطلاق استراتيجية مكافحة الفقر الثالثة في العراق مطلع الشهر المقبل، ويسلط تقرير شبكة "انفوبلس"، الضوء على تفاصيل الاستراتيجية، ويشرح بالأرقام كيفية احتساب النسب.
ويُعد التعداد العام للسكان في العراق عام 2024، أول تعداد سكاني شامل منذ عام 1987، وبعد تعداد 1997 الذي لم يشمل محافظات إقليم كردستان، لأنها كانت شبه مستقلة عن العراق في عهد النظام البائد.
*استراتيجة مكافحة الفقر الثالثة
بحسب حديث الناطق الإعلامي باسم الوزارة عبد الزهرة الهنداوي، فإن الوزارة تستعد لإطلاق الاستراتيجية الثالثة لمكافحة الفقر التي تمتد لـخمسة أعوام، تبدأ من 2025 ولغاية 2029 وفقاً لسياسات وبرامج وخطط أعدت مسبقاً، والتي ستنفذها بالتنسيق مع عدد من الجهات والمؤسسات الحكومية المختلفة.
وتُحتسب نسبة الفقر في البلاد بحسب دخل الفرد الواحد ضمن العائلة، فإذا قل عن 137 ألف دينار شهرياً يعتبر تحت خط الفقر وإذا زاد عن الرقم المذكور لا يعتبر كذلك، أما بالنسبة للعوائل المكونة من 5 إلى 6 أشخاص، وفقاً لمتوسط عدد أفراد الأسرة بحسب التعداد السكاني، فإذا كان دخلها أقل من 637 ألفاً تعتبر تحت خط الفقر، بحسب الهنداوي الذي يؤكد أن المعايير الأخرى التي استندت عليها الوزارة، نصت على أن فرصة التعليم تقلل من نسب الفقر في البلاد، لاسيما بالمناطق الريفية.
ويقول الهنداوي إن الاستراتيجية التي ستنطلق الشهر المقبل، تهدف إلى للوصول إلى منظومة متكاملة من الخدمات والمتطلبات الأساسية للحياة من بينها قطاعات الصحة والسكن والتعليم والدخل والغذاء، كما تندرج تحت كل محور منها، حزمة سياسات وإجراءات تنفذها الجهات ذات العلاقة.
ويضيف أن الصورة أصبحت واضحة بشأن خريطة الفقر في البلاد من خلال التفاصيل الخاصة بالأقضية والنواحي، استناداً إلى التعداد العام للسكان والمساكن، إضافة إلى المسح الاقتصادي والاجتماعي للأسرة في البلاد، منوهاً بأن الستراتيجية سترسم صورة واضحة ومحددة، للمحافظات الأكثر فقراً ومناطق في محافظات أخرى أشد فقراً، بغية توجيه مسارات المشاريع والخدمات لها.
ويتزامن إطلاق الاستراتيجية، مع تسجيل معدلات الفقر انخفاضاً ملحوظاً بلغت 17,5 بالمئة، بعد أن كانت سابقاً 20,5 بالمئة، فضلاً عن تفاوت نسب الفقر في المحافظات، بحسب حديث وزير التخطيط العراقي، محمد تميم في شهر شباط الماضي 2025 الذي كشف أيضا إن محافظة المثنى لا تزال تتصدر نسبة الفقر 40% بين المحافظات وبابل في المرتبة الثانية، والبصرة نسبة الفقر فيها 27.5%، فيما الأنبار 22%، وبغداد 13%.
وهذه النسبة التي أُعلنت في شهر شباط الماضي 2025 تعتبر متراجعة كثيرا – بحسب مراجعة فريق شبكة انفوبلس - حيث أعلنت وزارة التخطيط مطلع عام 2020 عن أن نسبة الفقر في العراق بلغت 25%، بما يعادل أكثر من 11 مليون عراقي تحت خط الفقر.
وكان الناطق باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي، أعلن في وقت سابق (28 كانون الثاني 2025)، أن "نسب البطالة أشرت خلال الأعوام الثلاثة الماضية انخفاضا، فيما بيّن أن البطالة كانت نسبتها 5, 16 بالمئة وأصبحت الآن 14 بالمئة، وأن معدل الفقر انخفض من 23 بالمئة إلى 17 بالمئة".
*تحذيرات رغم الانخفاض
ومع وصول أعداد سكان العراق 46 مليون نسمة وفق التعداد السكاني الذي أعلنته وزارة التخطيط، أكد رئيس مؤسسة عراق المستقبل، المعنية بالاقتصاد والاحصائيات منار العبيدي مؤخراً، أن معدل الزيادة السكانية في العراق هو مليون نسمة سنويا، مشيرا إلى أنه إذا استمر إنتاج وأسعار النفط الحالية فإن نسبة الفقر في العراق ستبلغ 84 بالمائة.
وقال العبيدي في منشور على "فيسبوك"، إن "عدد سكان العراق هو 46 مليون نسمة وفقا للتعداد العام الذي أعلنته وزارة التخطيط، وبلغت نسبة النمو السكاني السنوي 2.53%، ما يعني أن عدد سكان العراق يزداد بأكثر من مليون شخص سنويًا، مما سيجعل العدد يتجاوز 50 مليون نسمة في 2030، ومن المتوقع أن يصل إلى أكثر من 70 مليون نسمة في 2040".
وأضاف: "أما نسبة الفقر، فقد أعلنت الوزارة أنها تبلغ 17.5بالمائة، أي إن من بين كل 30 عراقي، هناك 5 أشخاص تحت خط الفقر"، معتبرا أن "المشكلة الحقيقية في العراق لا تتعلق فقط بأسعار النفط أو التوترات الجيوسياسية، بل بالخطر الديموغرافي المتسارع".
وأشار الى أنه "إذا كانت موازنة العراق الحالية البالغة 160 تريليون دينار غير قادرة على خفض نسبة الفقر عن 17بالمائة، فإن الوصول إلى معدل فقر أقل من 5% مع عدد سكان يبلغ 70 مليون نسمة في 2040 يتطلب موازنة سنوية تتجاوز 300 تريليون دينار، وباعتبار أن سعر برميل النفط المتوقع في 2040 سيكون حوالي 50 دولارًا، فإن العراق سيحتاج إلى تصدير 12.5 مليون برميل يوميًا لضمان إيرادات كافية لتغطية هذه النفقات".
واعتبر، أنه "في حال استمر الوضع الحالي من حيث الإنتاج والإيرادات دون تغيير، مع بقاء الموازنة على نفس مستوياتها، فإن معدلات الفقر قد ترتفع إلى 23 بالمائة بحلول 2030، وقد تصل إلى 84% في 2040 إذا تراجعت أسعار النفط ولم يتم اتخاذ إجراءات جذرية".
وشدد على أنه "نحن أمام قنبلة موقوتة تستوجب التفكيك فورًا، ويجب البدء بحملات توعوية لتقليل معدل النمو السكاني، والعمل على زيادة الإيرادات الحكومية وتنويع الاقتصاد، إذا لم يحدث ذلك، فإن العراق يواجه خطرًا حقيقيًا قد يحوله إلى دولة تعاني من أزمات شبيهة بالدول الإفريقية، مع انتشار الفقر، الصراعات القبلية، المجاعات، والجريمة بشكل واسع".
"جدار صد" أمام الفقر
لكن مظهر محمد صالح، المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء يقول إن الجانب الاجتماعي في الموازنة العراقية يعد عنصرًا مهمًا في التصدي للفقر، مشيرا الى إن أكثر من 2 مليون أسرة فقيرة تتلقى دعمًا اجتماعيًا، بما في ذلك السلات الغذائية والتعليم المجاني، ما يُعد بمثابة "جدار صد" أمام الفقر.
ويؤكد أن "هذا الدعم يساعد بشكل كبير في تحسين الوضع الاجتماعي للطبقات الفقيرة"، مؤكدا أن معدل الفقر لن يرتفع طالما أن هناك برامج فعالة لمكافحة الفقر، مثل برامج الدعم الاجتماعي وتوفير فرص العمل.
ويشير صالح إلى أن "معدلات البطالة شهدت انخفاضًا ملحوظًا من 17 إلى 14 في المائة، وهو مؤشر إيجابي نتيجة لحملات الإعمار وتشغيل المشاريع المتوقفة"، منبها الى أن "تقليل الفقر يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالنشاط الاستثماري، حيث يساهم الاستثمار في خلق فرص العمل، وهو ما يؤدي إلى تقليل معدلات الفقر".
ويوضح أن أكثر من 2.2 مليون أسرة حالياً تتلقى رعاية اجتماعية، مشيرًا إلى أن الأسرة العراقية عادة تتكون من أربعة أفراد، ما يعني أن نسبة كبيرة من السكان تحت مستوى خط الفقر لا تزال تحظى بالدعم الاجتماعي.
وفيما يتعلق بمخاوف انخفاض أسعار النفط في عام 2025، يكشف صالح أن هذه المخاوف قد يكون مبالغًا فيها، لان تكاليف إنتاج النفط الصخري، التي تتراوح بين 50 إلى 60 دولارًا للبرميل، تعني ان أسعار النفط يجب أنتبقى عند مستوى لا يقل عن 70 إلى 75 دولارًا للبرميل لضمان التوازن المالي، لافتا الى أن هذا الرقم يتماشى مع موازنة العراق، حيث يعتمد الاقتصاد العراقي بشكل كبير على عائدات النفط.
ويتابع، أن التحدي الأكبر يكمن في ضرورة الحفاظ على انضباط في النفقات العامة، مع التأكيد على أهمية زيادة الإنفاق الاستثماري لتشجيع النمو الاقتصادي، مشيرا إلى أن تقليل الديون العامة والعجز في الموازنة يجب أنيكون هدفًا استراتيجيًا يتم العمل عليه تدريجيًا.
ويعتمد العراق، ثاني أكبر منتج في منظمة "أوبك"، بشكل كبير على عائدات النفط، ويمثل قطاع الهيدروكربونات الغالبية العظمى من عائدات التصدير، ونحو 90 في المائة من إيرادات الدولة، هذا الاعتماد الضخم على النفط يجعل العراق عرضة بشكل خاص لتقلبات أسعار الخام العالمية.
الخلاصة.. أن أزمة الفقر في العراق لا تكمن في عدم كفاية الإيرادات العامة، بل في سياسة الإنفاق غير السليمة. ويتعين أن تستند هذه السياسة إلى المصلحة العامة فقط وليس إلى التوافقات الطائفية والاعتبارات الحزبية والمصالح الشخصية.