انفوبلس تفتح ملف الألغام في العراق وتكشف إحصائيات بعد عام 2003.. ماذا عن الخطط الحكومية؟

انفوبلس/ تقرير
تشير الأحاديث الرسمية بأن ملف ألغام العراق سوف يُغلق في عام 2028، لتُعلَن البلاد خالية من الألغام والمخلّفات الحربية الأخرى، وفقاً لخطة وضعتها الحكومة العراقية، وسط إحصائيات جديدة تكشف بأنها تغطي مساحةٍ تُقدر بـ2,100 كيلومتر مربع في العراق أي ما يعادل نحو 300,000 ملعب كرة قدم، فهل ستنجح الحكومة بخطتها؟ وما هي حصيلة الضحايا بعد عام 2003؟
وتحتفل الأمم المتحدة باليوم الدولي للتوعية بخطر الألغام سنويا، في 4 أبريل، حيث أعلنته الجمعية العامة منذ عام 2005، اليوم الدولي للتوعية بالألغام والمساعدة في الإجراءات المتعلقة بالألغام.
*آخر مستجدات ملف الألغام في العراق
تستمر مخاطر الألغام الأرضية والمخلفات الحربية في العراق بتهديد حياة المدنيين، وخصوصاً الأطفال، حيث أشارت تقارير رسمية للأمم المتحدة إلى مقتل وإصابة ما لا يقل عن 314 طفلا خلال السنوات الخمس الماضية جراء الألغام، بحسب بيان صدر عن منظمة اليونيسف الجمعة الماضية 4 نيسان/ ابريل 2025.
وأشار مدير برنامج الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام، بير لودهامار، إلى استمرار وجود مخاطر الألغام، مما يشكل عقبة رئيسية أمام تحقيق التنمية، قائلاً: "تتمثل مهمة دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في العراق في تعزيز السلامة وخلق فرص للاستقرار والتنمية المستدامة. سنواصل دعم الحكومة العراقية ودائرة شؤون الألغام في جهودها للتصدي لتلوث المخلفات الحربية، من أجل تمهيد الطريق لعودة آمنة وكريمة للنازحين العراقيين، وتمكينهم من إعادة بناء حياتهم واستصلاح أراضيهم بأمان".
ورغم الجهود المتواصلة التي تبذلها المنظمات الوطنية والدولية، يواجه العراق – بحسب البيان - مخاطر كبيرة بسبب المخلفات الحربية. إذ لا تزال أكثر من 2,700 كيلومتر مربع من الأراضي ملوثة بالألغام، مما يشكل تهديدًا للأرواح، ويعرقل النمو الاقتصادي، ويحد من فرص التعلم وفرص كسب العيش، ويمنع المئات من الأُسر النازحة من العودة إلى مناطقها بأمان. مما يعيق جهود الاستقرار وإعادة الإعمار في البلاد.
وفي سياق متصل، أكدت ممثلة منظمة اليونيسف في العراق، ساندرا لطوف، ضرورة اتخاذ إجراءات فورية لحماية الاطفال من مخاطر الألغام، قائلة: "لكل طفل الحق في طفولة آمنة ومستقرة، خالية من تهديد الألغام والمخلفات الحربية. هذه المخاطر الخفية لا تقتصر على تهديد الحياة، بل تحرم الأطفال من حقوقهم في اللعب والتعلم والنمو في بيئة آمنة".
في اليوم الدولي للتوعية بمخاطر الألغام، دعت دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام واليونيسف – بحسب البيان - إلى التحرك بشكل عاجل لحماية المدنيين، وخاصة الأطفال، من التهديدات القاتلة التي تشكلها المخلفات الحربية. كما تؤكدان التزامهما الراسخ بالعمل جنبًا إلى جنب مع حكومة العراق لتسريع عمليات إزالة الألغام، وتوسيع نطاق برامج التوعية بمخاطرها، وتعزيز التدابير الوقائية لضمان مستقبل أكثر أمانًا واستقرارًا لأطفال العراق.
وكانت المحافظات العراقية قد شهدت حوادث تسبّبت في قتل وجرح عشرات من الشبّان والأطفال، خصوصاً من الذين يمارسون الرعي في المناطق المفتوحة، نتيجة تعرّضهم لانفجار ألغام ومخلّفات حربية أخرى، الأمر الذي دفع وزارة البيئة العراقية إلى وضع خطة وطنية واسعة للتخلص من الألغام والأجسام المتفجرة غير المنفلقة التي خلّفتها الحروب والأزمات الأمنية.
*إحصائية جديدة
تمتد الألغام الأرضية والمخلفات الحربية المتفجرة على مساحةٍ تقدر بـ 2,100 كيلو متر مربع في العراق – ما يعادل نحو 300,000 ملعب كرة قدم، بحسب بيان لبعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في العراق، الذي أكد ان هذه المخاطر المميتة تشكل تهديدًا مستمرًا على حياة المدنيين وتحول دون عودة العوائل النازحة وتقيد إمكانية الوصول إلى الأراضي الزراعية وتبطئ من جهود إعادة الإعمار.
وبمناسبة اليوم الدولي للتوعية بالألغام والمساعدة في الإجراءات المتعلقة بالألغام، كررت اللجنة الدولية للصليب الأحمر – بحسب البيان - دعوتها لبذل قصارى الجهود للحد من التلوث واسع النطاق بالألغام والمخلفات الحربية المتفجرة في العراق.
تواصل هذه المخلفات الحربية المميتة حصد أرواح الناس وتتسبب بالإصابات الكارثية. بين عامي 2023 و2024، تم الإبلاغ عن مقتل وإصابة ما مجموعه 78 ضحية. وفي بداية عام 2025، فقد ثلاثة طلاب حياتهم بشكل مأساوي نتيجة لانفجار مخلف حربي في قضاء أبي الخصيب في محافظة البصرة، وفقا للبيان.
يظل الأطفال من بين الفئات الأكثر عرضة لهذه المخاطر – وفق ما جاء في البيان - ومن بينهم حسين ذلك الصبي البالغ من العمر 11 عامًا من محافظة الديوانية والذي أصيب في عام 2021.
"عندما كنت ألعب خارج المنزل مع أصدقائي – كنا خمسة أشخاصٍ آنذاك – وجدنا مخلفًا حربيًا. أحرقنا هذا الجسم ولعبنا به غير آبهين بالخطر. وفجأةً انفجر المخلف الحربي مما أدى إلى إصابتنا جميعًا بجروح. إصابتي كانت الأسوء بينهم – إذ فقدت طرفي السفلي أعلى الركبة" يقول حسين.
وهنالك ضحية أخرى في شمال البلاد، وبالتحديد في محافظة نينوى التي مزقتها الحرب. إنقلبت حياة سندس رأسًا على عقب خلال سنوات النزاع بين عامي 2014 و2017 التي اتسمت بالاضطرابات. وعند محاولتها الهرب نحو مكانٍ آمنٍ مع عائلتها، وضعت سندس قدمها بالخطأ على لغم أرضي، مما أدى إلى فقدانها لطرفيها السفليين جراء الانفجار.
هذه مجرد بضع قصص من بين آلاف القصص التي تسلط الضوء على الأثر المدمر الذي يخلفه التلوث بالأسلحة في جميع أنحاء العراق، بحسب البيان الذي أشار الى انه كل إصابة أو خسارة في الأرواح البشرية هي بمثابة تذكير صارخ بأن الحرب لا تنتهي بمجرد توقف العمليات القتالية لأنها تترك خلفها إرثًا مميتًا يدوم لأجيال.
تستمر اللجنة الدولية – وفقا للبيان - في تقديم دورات تدريبية حول التوعية بمخاطر الألغام والسلوك الآمن للأشخاص الذين يعيشون في المناطق الأكثر تلوثًا بهدف تزويدهم بالمعرفة اللازمة لحماية أنفسهم من المخاطر الخفية. وفي عام 2024 وحده، استفاد قرابة 6,000 شخص، يعيشون في مناطق معرضة للخطر أو مناطق متضررة، من جلسات التوعية التي تقدم حضوريًا.
وفي نفس الوقت، تواصل اللجنة الدولية العمل مع شركاء مختصين في عمليات إزالة الألغام. في عام 2024، تم التبرع بـ 2440 قطعة من معدات ومواد العمل الإنساني في مجال مكافحة الألغام إلى المؤسسات الوطنية المعنية بشؤون الألغام ومديريات الدفاع المدني من أجل دعم جهودهم.
"يُعد العمل الجماعي ضروريًا للحيلولة دون فقدان المزيد من الأشخاص لأرواحهم وتخفيف المعاناة. وعليه، نحن نتعاون بشكل وثيق مع السلطات المحلية ومع جمعية الهلال الأحمر العراقي"، يقول اختيار أصلانوف، رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في العراق، ويضيف، "هدفنا الرئيسي هو تقديم الدعم إلى المجتمعات المتضررة والمساعدة في خلق بيئة أكثر آمانًا للأطفال والعوائل في العراق".
ويؤكد البيان، انه بينما يستمر التقدم في الحد من المخاطر التي تشكلها الألغام الأرضية والمخلفات الحربية المتفجرة، فإن الطريق نحو عراقٍ خالٍ من الألغام لا يزال طويلًا، داعيا "جميع أصحاب المصلحة لتكثيف جهودهم نحو خلق بيئة آمنة للمجتمعات المتضررة وتقديم الدعم المستدام إلى الضحايا أجل القضاء على هذا الإرث المميت الذي يستمر في إبطاء عجلة التعافي والتنمية في العراق".
وتفيد الإحصاءات الرسمية وغير الرسمية بأنّ أكثر من 30 ألف شخص لقوا مصرعهم أو أصيبوا من جرّاء ألغام العراق والمخلّفات الحربية الأخرى منذ عام 2003. ويُصنَّف العراق من الدول الأكثر تلوّثاً بالألغام والعبوات الناسفة، ويعود سبب ذلك إلى الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي وكذلك احتلال تنظيم "داعش" الارهابي محافظات عراقية عدّة منذ عام 2014.
*عمل الحكومة العراقية
كما نجحت الجهود في تطهير نحو 4540 كيلومتراً مربّعاً من الألغام منذ عام 2003، لكنّ أكثر من 2000 كيلومتر مربّع ما زالت ملوّثة بالألغام. وتشير السلطات إلى أنّ ملف ألغام العراق سوف يُغلق في عام 2028، لتُعلَن البلاد خالية من الألغام والمخلّفات الحربية الأخرى، وفقاً لخطة وضعتها الحكومة العراقية.
وقال مدير إعلام دائرة شؤون الألغام لدى وزارة البيئة العراقية مصطفى حميد، مؤخراً، إنّ "عملية تطهير أراضي العراق من الألغام مستمرّة وفقاً للاستراتيجية المشتركة للسنوات 2023 - 2028 التي أُعدّت بالاشتراك مع المؤسسة العامة لشؤون الألغام في إقليم كردستان"، مضيفاً أنّ "الأجهزة التنفيذية للجانبَين تعمل بشكل مكثّف وموسّع أكثر ممّا مضى".
وأضاف حميد أنّ "من أصل 6600 كيلومتر مربّع مزروعة بالألغام من أراضي العراق وإقليم كردستان"، تمكّنت الفرق المعنية من "تطهير 4540 كيلومتراً مربّعاً من الألغام منذ 2003، والمساحة المتبقية التي ما زالت مزروعة بالألغام هي 2060 كيلومتراً مربّعاً". وأشار إلى أنّ الفرق المعنية "تعمل الآن لتطهير ما بين 400 و450 كيلومتراً مربّعاً إضافية من الألغام في كلّ المحافظات". أمّا المناطق الأكثر تلوّثاً بالألغام في العراق فهي بحسب حميد "محافظات البصرة وديالى وبابل والأنبار"، علماً أنّ ثمّة "كميات كبيرة من العتاد غير المنفجر في محافظة المثنى".
وفي مايو/ أيار 2024، أعلنت وزارة البيئة، تخصيص مبالغ مالية للتخلص من الألغام في المحافظات العراقية، والتنسيق مع الوزارات والمنظمات الدولية والشركات النفطية في المناطق الجنوبية ومناطق أخرى، مبيّنةً أنّ "الحكومة خصّصت مبلغاً جيداً من القرض البريطاني والموازنة العامة لبرنامج إزالة الألغام، بالإضافة إلى جهود الهندسة العسكرية والدفاع المدني في وزارة الدفاع، من أجل خلاص العراق من هذه الكارثة".
في سياق متصل، قال الناشط البيئي سلمان سويدان، إنّ "السلطات العراقية أحصت في السنوات الماضية آلاف الضحايا الذي تأثّروا بالألغام، وباتوا يُصنَّفون من الأشخاص ذوي الإعاقة، من جرّاء انتشار الألغام والمخلفات الحربية الأخرى". وإذ أشار إلى أنّ "كلّ محافظات العراق تحوي ألغاماً ومتفجّرات مطمورة بفعل العمليات العسكرية والمعارك التي وقعت في العقود الماضية"، شدّد على "الحاجة إلى تكثيف الجهود وتسريعها".
وبداية العام الجاري 2025، أكدت وزارة البيئة، أن العراق ملتزم باتفاقية أوتاوا للتخلص من الألغام بحلول عام 2028. اذ قال المتحدث باسم وزارة البيئة لؤي المختار إنه "بالنسبة لموضوع الألغام في العراق، فإن البلاد منضمة إلى اتفاقية أوتاوا، التي تضع سقفًا عالميًا للتخلص من الألغام بحلول عام 2028"، مؤكدا، أن "العراق ملتزم ضمن الخطط الموضوعة لإنهاء ملف الألغام بحلول عام 2028".