بين التعاليم الدينية والأدلة العلمية.. لماذا حظرت النجف الأشرف "سمك الجري"؟
إجماع فقهي وضرر صحي

إجماع فقهي وضرر صحي
انفوبلس/..
في خطوة تنسجم مع الهوية الدينية والثقافية لمحافظة النجف الأشرف، جاء قرار حظر تناول وبيع بعض الأصناف الغذائية، مثل الأخطبوط والقواقع البحرية وسمك الجري، ليؤكد الالتزام بالمبادئ الدينية التي تحرّم استهلاك هذه الأطعمة وفقاً للمرجعيات الشرعية. ويهدف هذا القرار إلى احترام القيم السائدة في المدينة المقدسة، التي تُعدّ مركزاً دينياً بارزاً، حيث تتطلب خصوصيتها مراعاة الضوابط الشرعية في مختلف جوانب الحياة العامة.
وأثار قرار قائد الشرطة العراقية في مدينة النجف جنوبي البلاد القاضي بحظر تناول الأخطبوط والقواقع البحرية وسمك الجري العراقي المحلّي جدلاً واسعاً على منصات التواصل الاجتماعي في العراق.
ووفقاً لتوجيه تداولته وسائل إعلام عراقية محلية، صادر عن قائد شرطة النجف اللواء علاء الفتلاوي، السبت، فإنّ أفراد الأمن السياحي سيكونون ملزمين بمنع "الأطعمة المحرّمة"، مثل الأخطبوط والقواقع البحرية وسمك الجري، أحد أنواع الأسماك النهرية التي تكثر في العراق.
وعلّل قائد الشرطة ذلك بأنّها محرّمة من المراجع الدينية، وكذلك أشار التوجيه إلى منع بيعها وليس تناولها فقط.
سلسلة قرارات جديدة
وكانت شرطة النجف الأشرف قد أصدرت سلسلة قرارات تنظيمية تعكس الهوية الدينية والاجتماعية للمدينة. وشملت الإجراءات منع دخول النساء غير المحجبات إلى المدينة القديمة، وإلزام أصحاب الفنادق بعدم إيوائهن، إضافة إلى حظر تقديم الشيشة للنساء في المقاهي والمطاعم تحت طائلة الإغلاق.
كما تم حظر بيع الأطعمة "المحرّمة" وفق الفتاوى الدينية، مثل الأخطبوط والقواقع البحرية وسمك الجري، مع تنفيذ حملات رقابية لضمان الالتزام. وفي سياق الاستعداد لشهر رمضان، أطلقت السلطات حملة لضبط أسعار المواد الغذائية واللحوم لمنع ارتفاعها.
وعلى الصعيد الأمني، دعت الشرطة شيوخ العشائر إلى التعاون في حصر السلاح بيد الدولة، وقد استجابت بعض العشائر، ومنها الخزاعل، لهذه الدعوة، دعمًا للاستقرار في المدينة.
الحفاظ على الطابع الديني
وقد أكدت الجهات المسؤولة أن تطبيق القرار لا يأتي من باب التضييق على الحريات، بل من منطلق الحفاظ على الطابع الديني والاجتماعي للمدينة، التي تُعرف بتمسكها بالضوابط الشرعية التي تنظم مختلف مناحي الحياة فيها. كما يشمل القرار منع تقديم الشيشة للنساء في الأماكن العامة، في إطار تعزيز الالتزام بالآداب الاجتماعية السائدة.
ورحّب عدد من أبناء النجف بهذه الخطوة، معتبرين أنها تأتي ضمن إجراءات لحماية الموروث الديني والثقافي للمدينة، فيما رأى آخرون أن مثل هذه القرارات تساهم في تنظيم الأسواق والحدّ من انتشار بعض العادات الغذائية التي تتنافى مع التعاليم الدينية.
ويرى مختصون أن القرار يتماشى مع طبيعة النجف الأشرف كمدينة مقدسة، ويعكس احترام السلطات للقيم الدينية والاجتماعية التي تشكّل جزءاً أساسياً من هوية المجتمع. كما أن اتخاذ مثل هذه الإجراءات يعزز دور الجهات الأمنية في الحفاظ على القيم العامة وحماية النسيج الاجتماعي بما يتوافق مع الضوابط الشرعية والتقاليد المتوارثة.
إجماع فقهي على التحريم
ويُجمع فقهاء الشيعة الاثني عشرية على تحريم أكل الأسماك التي لا تمتلك قشورًا (فلسًا)، استنادًا إلى النصوص الدينية الواردة في الروايات المأثورة عن أهل البيت (عليهم السلام) وإلى القواعد الفقهية المعتمدة لديهم في تحديد الأطعمة الحلال والحرام.
ويستند الفقهاء في هذا الحكم إلى عدة روايات وأحاديث عن الأئمة المعصومين (عليهم السلام)، التي تُبيّن أن الأسماك المحلّلة الأكل يجب أن تكون ذات فلس، بينما يحرم أكل الأسماك التي لا تمتلك قشورًا.
الأحاديث المشهورة
وتروي كتب الحديث التي يستند إليها أتباع أهل البيت في العالم، عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) أنه قال (كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (ع) بِالْكُوفَةِ ثُمَّ يَمُرُّ بِسُوقِ الْحِيتَانِ فَيَقُولُ: "لَا تَأْكُلُوا وَلَا تَبِيعُوا مِنَ السَّمَكِ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قِشْرٌ"، وورد في حديث آخر أن الإمام علي عليه السلام، جمع أصحاب السمك في سوق الكوفة قال، "لا تشتروا الجريث ولا المارماهي ولا الطافي على الماء ولا تبيعوه".
وقال الشيخ المفيد (قدس سره) في كتاب المقنعة، إنه "ويؤكل من صيد البحر كل ما كان له فلوس من السموك، ولا يؤكل منه ما لا فلس له، ويجتنب الجري والزمار، والمارماهي من جملة السموك ولا يؤكل الطافي منه، وهو الذي يموت في الماء ويطفو عليه".
ومن هذه الروايات، أن مُحَمَّداً بْنَ مُسْلِمٍ قَالَ: أَقْرَأَنِي أَبُو جَعْفَرٍ (ع) شَيْئاً مِنْ كِتَابِ عَلِيٍّ (ع) فَإِذَا فِيه أَنْهَاكُمْ عَنِ الْجِرِّيِّ والزِّمِّيرِ والْمَارْمَاهِي والطَّافِي والطِّحَالِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّه يَرْحَمُكَ اللَّه أنّى نُؤْتَى بِالسَّمَكِ لَيْسَ لَه قِشْرٌ فَقَالَ: كُلْ مَا لَه قِشْرٌ مِنَ السَّمَكِ، ومَا لَيْسَ لَه قِشْرٌ فَلَا تَأْكُلْه".
الضرر الصحي
انعدام طبقة القشور يجعل الأسماك عرضة لأخطر أنواع الطفيليات، التي قد تخترق الجلد وتتكيس في العضلات، ولها القدرة على إصابة الإنسان بما يُعرف بالأمراض الانتقالية المشتركة بين الإنسان والحيوان
وبالإضافة إلى النصوص الدينية، ُيبرز العلماء بعض الجوانب العلمية والصحية التي تدعم هذا التحريم، حيث تُعرف الأسماك التي ليس لها فلس بأنها أكثر عرضة للطفيليات والأمراض، كما أنها تمتص السموم والمعادن الثقيلة من البيئة المحيطة بسهولة أكبر، مما يجعلها مضرة بصحة الإنسان.
فمن الناحية الصحية، تُعدّ الأسماك الخالية من القشور أكثر عرضة للأضرار، حيث تلعب القشور دوراً مهماً في تشكيل طبقة واقية تُعتبر الحاجز المناعي الأول للأسماك ضد الطفيليات والأمراض، وانعدام هذه الطبقة يجعل الأسماك عرضة لأخطر أنواع الطفيليات، التي قد تخترق الجلد وتتكيس في العضلات، ولها القدرة على إصابة الإنسان بما يُعرف بالأمراض الانتقالية المشتركة بين الإنسان والحيوان.
وفي كثير من الحالات، يكون الإنسان المضيّف النهائي لهذه الطفيليات، التي قد تتمركز في الدماغ أو تصيب القلب أو الرئة أو العين. كما أن بعض أنواع الطفيليات، مثل الدودة الوحيدة والشريطيات، قد تبقى في جسم الإنسان لأكثر من 25 عاماً.
إضافة إلى ذلك، فإن الأسماك الخالية من القشور تكون أكثر عرضة للتلوث البيئي وللسموم والمعادن الثقيلة مقارنة بغيرها، حيث إن امتصاص هذه المواد الضارة يكون أسهل عبر جلد عارٍ من أي حماية خارجية. وبالتالي، يكون المستهلك، سواء كان من البشر أو الحيوانات التي تتغذى على هذه الأسماك، أكثر عرضة لهذه السموم وتأثيراتها السلبية.