ترتبط أيضا بمعدلات الطلاق! .. كثرة "شفتات" عمل الموظف.. ظاهرة موروثة تصل آثارها للصحة الجسدية والعقلية

انفوبلس/ تقارير
ظاهرة موروثة، آثارها تتجاوز الأسرة وتصل الصحة الجسدية والعقلية، ليس ذلك فحسب، بل ترتبط أيضا بمعدلات الطلاق، الحديث هنا عن ازدواج العمل، أي عمل بعض موظفي الدولة في وظائف متعددة خارج ساعات العمل الرسمية، بمعنى آخر عمل الموظف لـ"شفتين" في اليوم، انفوبلس سلّطت الضوء على هذه الظاهرة وشرحت تداعياتها وما الذي ينص عليه قانون انضباط موظفي الدولة بالتفصيل وذلك في سياق التقرير الآتي.
ظاهرة موروثة
وبهذا الصدد، استعرض المستشار المالي لرئيس مجلس الوزراء مظهر محمد صالح تاريخ ظاهرة عمل بعض موظفي الدولة في وظائف متعددة خارج ساعات العمل الرسمية، مشيرًا إلى أنها ظاهرة موروثة بدأت في فترة الحصار الاقتصادي.
ويعزو صالح اتساع هذه الظاهرة إلى التضخم وضيق العيش الذي كان يعيشه العراقيون في تلك الفترة، حيث انخفض متوسط الدخل السنوي للفرد إلى أقل من 700 دولار، ما دفع العديد من الموظفين الحكوميين للبحث عن مصادر دخل إضافية.
ورغم ارتفاع رواتب الموظفين اليوم إلى ما يقارب عشرة آلاف دولار سنويًا، إلا أن هذه الظاهرة لا تزال قائمة.
تأثير سلبي على إنتاجية الموظف
صالح أشار إلى أن العمل خارج أوقات الدوام، خاصة في ما يُسمى "الاقتصاد الليلي"، أصبح جزءًا من واقع الحياة اليومية، ولا سيما في قطاع الخدمات، ولكنه يحذر من أن هذا العمل الإضافي قد يؤثر سلبًا على إنتاجية الموظف في وظيفته الحكومية الرئيسة، ما يقلل من فرصه في التقدم والترقية.
كما يشدد على ضرورة ألّا يتعارض هذا العمل مع طبيعة وقانون المؤسسة الحكومية، التي يعمل بها الموظف، أو ما يُسمى بـ"تعارض المصالح"، مشيرًا إلى أن العمل الإضافي لساعات طويلة يمكن أن يسبب إرهاقًا يؤثر في الإنتاجية العامة للموظف.
ظاهرة خطيرة
من جانبه، يحذر الخبير الاقتصادي والمالي ضياء المحسن من خطورة تفشي ظاهرة تعدد الوظائف بين الموظفين، ويرى فيها تهديداً للعدالة الاقتصادية وفرص التوظيف المتكافئة.
ويؤكد المحسن في حديث له تابعته شبكة انفوبلس، أن من يمتلك الخبرة والقدرة على تحمل ضغوط العمل قد يستحوذ على أكثر من فرصة، مما يحد من فرص الآخرين، خصوصاً الشباب أو من يفتقرون للخبرة.
طرق القضاء على هذه الظاهرة
ويرى المحسن أن القضاء على هذه الظاهرة يتطلب سلسلة من المعالجات الجذرية، أبرزها دعم القطاعات الاقتصادية الإنتاجية، وتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي، وتوفير فرص عمل مستدامة، إلى جانب تعزيز مبدأ الشفافية ومكافحة الفساد الإداري والمالي.
كما يشدد على أهمية تثبيت سعر صرف الدولار أمام الدينار، ورفع رواتب الموظفين بما يتناسب مع نسب التضخم المتصاعدة التي تنهك القدرة الشرائية للطبقة الوسطى.
ضيف المحسن أن تنشيط القطاع الخاص يعد خطوة ضرورية لتخفيف العبء عن القطاع الحكومي، وذلك من خلال منح هذا القطاع فرصة تنفيذ المشاريع التنموية وتوفير التمويل الكافي للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، فضلاً عن تقليص الإجراءات البيروقراطية، التي تقف حجر عثرة أمام نمو المبادرات الاقتصادية الفردية.
اختلال توازن
في السياق الاجتماعي والنفسي، يُسلّط المتخصص في التربية وعلم النفس عدي عبد شمخي، الضوء على التداعيات العميقة لظاهرة عمل الشباب في أكثر من وظيفة، ويصفها بـ"التحدي الصامت للاستقرار المجتمعي".
ويشير شمخي إلى أن هذه الظاهرة لا تعكس فقط أزمة اقتصادية، بل أيضاً اختلالاً في التوازن بين النظامين الاقتصادي والاجتماعي، لا سيما في ظل الارتفاع المستمر في الأسعار وسوق الإيجارات وسعر صرف الدولار، ما يدفع بالشباب نحو استنزاف طاقتهم في سبيل سدّ احتياجاتهم الأساسية.
ما علاقة تعدد الوظائف بمعدلات الطلاق؟
ويلفت شمخي إلى أن تعدد الوظائف يرتبط بارتفاع معدلات الطلاق بنسبة تصل إلى 25 بالمئة، نتيجة غياب التواصل الأسري وتزايد الضغوط النفسية، محذراً من أن الظاهرة تهدد النسيج الاجتماعي وتضعف التماسك الأسري.
كما أن هذه الظاهرة وبحسب شمخي، تؤدي إلى تفكك العلاقات العائلية وغياب الوالدين عن أدوارهم التربوية، ما ينعكس سلباً على الأطفال ونمط الحياة داخل الأسرة.
آثار تتجاوز الأسرة وتصل الصحة الجسدية والعقلية
ويُبيّن المتخصص في التربية وعلم النفس أن آثار الظاهرة لا تتوقف عند الأسرة، بل تمتد إلى الصحة الجسدية والعقلية للعاملين، حيث يزداد خطر الإصابة بالإجهاد، الأرق، الاكتئاب، والقلق، إلى جانب تراجع التنمية المهنية بسبب انشغال الشباب بوظائف متفرقة تحول دون تطوير مهاراتهم التخصصية.
كما يوضح شمخي أن تعدد الوظائف يسهم في زيادة الفوارق الطبقية، إذ تقتصر فرص العمل الإضافي غالباً على الذكور والشباب القادرين بدنيًا، بينما تُهمّش فئات أخرى ككبار السن، النساء، وذوي الاحتياجات الخاصة، بل وحتى سكان المناطق الريفية، مما يؤدي إلى تعميق التفاوت الاجتماعي وتقليص فرص التمكين الاقتصادي المتكافئ داخل المجتمع.
ويخلص إلى أن مواجهة هذه الظاهرة تتطلب مقاربة شاملة، تبدأ من إصلاح السياسات الاقتصادية وتنمية فرص العمل المستقرة، مروراً بدعم الاستقرار النفسي والاجتماعي للأسر، وصولاً إلى إشراك المؤسسات التعليمية والمجتمعية في دعم التوازن بين متطلبات العيش الكريم والحفاظ على البنية الاجتماعية.
أعداد الموظفين الذين يمارسون أكثر من عمل
وبهذا الشأن، يُسلّط المتحدث الرسمي باسم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، حسن خوام، الضوء على العوائق التي تحول دون معرفة الحجم الحقيقي لظاهرة تعدد الوظائف في العراق، ويؤكد في حديث له تابعته شبكة انفوبلس، أنه لا توجد إحصائية دقيقة بشأن أعداد المواطنين الذين يمارسون أكثر من عمل خلال اليوم الواحد، مرجعًا ذلك إلى "غياب الشفافية من قبل المشاريع الاستثمارية وأرباب العمل، الذين لا يُفصحون عن الأعداد الحقيقية للعاملين لديهم"، مشيراً إلى "وجود تواطؤ من بعض العاملين أنفسهم، ممّن لا يكشفون عن ارتباطاتهم بوظائف أخرى".
ويؤكد خوام أن الوزارة تواجه تحديات كبيرة في هذا المجال، أبرزها قلة عدد المفتشين، مما يُعيق حملات التفتيش الميداني الفعّالة، ويحول دون جمع بيانات دقيقة يمكن الاعتماد عليها لتكوين صورة شاملة تُدرج ضمن قواعد بيانات الوزارة.
هل يمنع القانون الموظف من العمل الثاني؟
وعن الإطار القانوني، يوضح خوام أن قانون العمل العراقي رقم 37 لسنة 2015 لا يحتوي على نص يمنع المواطنين من مزاولة عمل ثانٍ خارج أوقات الدوام، لكنه يلفت إلى أن قانون انضباط موظفي الدولة يُلزم الموظف بالحصول على موافقة رسمية من دائرته في حال أراد ممارسة أي عمل إضافي، مؤكدًا أن "كل وزارة مسؤولة عن مراقبة موظفيها بهذا الخصوص، وأن وزارة العمل لا تملك صلاحيات رقابية على موظفي الوزارات الأخرى بعد أوقات الدوام".
ويشدد خوام على أن معالجة هذه الظاهرة تتطلب تنسيقاً مؤسسياً عالياً وتكاملاً بين الجهات الرقابية ذات العلاقة، بدءاً من المؤسسات الحكومية ومروراً بالقطاع الخاص، وصولاً إلى المنظمات المعنية بحقوق العمل. ويختم بالإشارة إلى أن الإمكانيات المتوفرة حالياً لدى الوزارة "لا تزال محدودة"، ما يجعل من التصدي لهذه الظاهرة مسألة معقدة تستوجب إصلاحاً ممنهجاً وشاملاً.
ما الذي ينص عليه قانون انضباط موظفي الدولة؟
بعد حديث المتحدث الرسمي باسم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، تقصّت انفوبلس عن قانون انضباط موظفي الدولة، وستوضح ما ينص عليه في قادم الأسطر.
تنص المادة الخامسة من القانون – قانون انضباط موظفي الدولة – بالآتي:
ـ يحظر على الموظف الجمع بين وظيفتين بصفة أصلية أو الجمع بين الوظيفة وأي عمل آخر إلا بموجب القانون.
-يحظر على الموظف مزاولة الأعمال التجارية وتأسيس الشركات.
أما المادة السادسة فتنص على الآتي:
للموظف الذي يشغل إحدى الوظائف التي تقع في حدود الدرجة السابعة من درجات قانون الخدمة المدنية أو ما يعادلها فما دون، أن يشتغل خارج أوقات الدوام الرسمي لحسابه أو لدى الغير بشرط أن يُشعِر دائرته بمحل وطبيعة عمله سنوياً.