تشابيه واقعة الطف وتطور لافت عبر الزمن.. ما كواليسها؟ وكيف يتم تحضير الأزياء والمؤدين والديكور؟
انفوبلس/ تقارير
في السنوات الأخيرة، شهدت التشابيه تطورا كبيرا وواضحا من خلال الملابس والاكسسوارات التي أصبحت تقترب يوما بعد يوم من مشهدية الأفلام والمسلسلات التاريخية، فلم نعد نرى ملابس ذات ألوان فاقعة ومهلهلة وسراويل فضفاضة وعمائم ذات ألوان شتى، كما كان في السابق ما جعلها تحوز اهتماما أكبر ومقبولية أوسع، فما كواليسها؟ وكيف يتم تحضير الازياء والمؤدين والديكور؟ إليك لائحة بأبرز مواكب التشابيه في العراق.
التشابيه.. ما هي؟ وما تاريخها؟
يشير الباحث عباس محسن الجبوري الى أن التشابيه ومعناها التمثيل، وما إن تُطلق هذه الكلمة حتى ينصرف العقل إلى واقعة الطف التي وقعت في 10 محرم عام 61 هـ، والتشابيه هي طقس درامي شعبي، ويسمى أيضاً (الدائرة)، ويعود تاريخ هذه التشابيه كما ذكر السيد عبد الرزاق المقرم في هامش كتابه «مقتل الحسين»، إذ قال (ذكر الدكتور جوزيف الفرنسي في كتاب (الإسلام والمسلمون) الذي نشرت جريدة «الحبل المتين» منه فصلاً في عدد 28: أن التمثيل «التشبيه» تم تداوله بين الشيعة في زمن الصفويين)، علماً أن حكم السلالة الصفوية 907 – 1135 هـ المصادف 1501 – 1736 م .
ويشير الى أن شيخ العراقيين عبد الحسن آل كاشف الغطاء ذكر في الجزء الثاني من كتابه (الأنوار الحسينية والشعائر الاسلامية) أن من أسس تشبيه واقعة الطف هو العلامة المجلسي، في زمن السلطان شاه سليمان الصفوي، وهذا ما جاء به كتاب (النجف الاشرف.. عاداتها وتقاليدها) لمؤلفه طالب علي الشرقي، ويوضح أيضا أن الدكتور علي الوردي له رأي في نشأة «التشابيه» في إيران كما ذكر في الجزء الاولى من كتابه (لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث)، فيقول «الظنون أن تمثيل مأساة كربلاء وهو المعروف باسم «التشابيه» لم تنشأ في العهد الصفوي، بل هي نشأت في العهد القاجاري)، ولم يورد الدكتور الوردي دليلاً على ظنه هذا.
كواليس التشابيه
تبدأ التشابيه (الطقس الدرامي) بقافلة الحسين (عليه السلام) وعائلته ومعها الجمهور الذي سيشاهد هذا الطقس وهم يتجهون الى المكان الذي سيقام فيه "التشبيه" للتعبير عن مسيرة الحسين من المدينة الى كربلاء".
عندها يقف الجمهور على جانبي مكان التمثيل على شكل مستطيل او دائرة وفي الوسط يقام الطقس الدرامي بدون الاعتماد على خشبة مسرح كما في التعزية الفارسية.
وينقسم الممثلون (او المشاركون) الى مجموعتين، جيش الحسين (ع) قرب خيامهم التي تميزها الرايات الخضراء والسوداء وفي الجانب الآخر جيش الخليفة الأموي براياتهم الحمراء ورايات أخرى مختلفة.
وتبدأ المبارزات الفردية على الخيول الحقيقية والخطب الحماسية بين الممثلين فيؤكد كل واحد منهم على عدالة القضية التي يدافع عنها والتي سيموت من أجلها ويبدأ ديالوك حواري بين احد الممثلين وممثل من الفريق الآخر، وكل منهم يذكر صفات الشخصية التي يمثلها ويعدد فضائلها التاريخية.
وكثيرا ما تنقطع هذه الحوارات بمقاطع غنائية من الممثل الذي يمثل دور السيدة زينب (ع) والتي تؤدي دور رئيسة كورس النساء (عائلة الحسين "ع") في ذات الوقت.
إن كورس النساء المتلفعات بثياب سوداء واللواتي يقفن امام الخيمة ويحملن مناديل بيضاء او سوداء يشكلن كورس النائحات في الطقس، (وعندما يبرز جنود الحسين (ع) يستقبلنهم بأغنية تعدد صفات كل واحد منهم، اما جنود الخليفة الاموي فيستقبلنهم بالصمت.
ويندبن وهن يقرعن الصدور بالأيدي او يجلسن ويلطمن الركب في حركات موقعة، وحين ينتهين من الغناء يشرعن بالعويل، ملوحات بالمناديل "للتحية والوداع في ذات الوقت، وهذا استباق للتنبؤ بموت البطل المأساوي "إذ قد حان موعد خروج الحسين (ع) للحرب ثم يخيم الصمت.
بعد ذلك، يبدأ ما يصح أن نُسميه العنصر التمثيلي الدرامي فهناك ممثل لدور الحسين (ع) وممثلون للأدوار الرئيسية الاخرى وهنالك حوار يتبادله الممثلون وهنالك مراحل لتدرج الحدث.
تحول الشخصيات
ويمكن أن نلاحظ وجود تطورا في داخل الشخصيات ذاتها كتحول أحد قوات الجيش الأموي بعد قلق وتردد، إلى جانب الحسين (ع) ليحارب معه ويموت.
وهنالك بعض المشاهد المؤثرة كأن يمسك ممثل دور الامام الحسين (ع) طفلا ويخبرهم بأنه يموت عطشا، ويطلب منهم الماء (لان الجيش الأموي قطع الطريق إلى النهر أمام أنصار الحسين (ع))، وبدلا من هذا فانهم يصوبون سهامهم ورماحهم لقتل الطفل، فتصبغ رقبته باللون الأحمر دلالة على قتله.
وعند موت جميع جنود الحسين (ع) يودع عائلته ويحارب وحيدا حتى يستشهد، ومن ثم يبدأ الجيش بحرق خيمة الحسين (ع). وتعلق رأسه الشريف ورؤوس جنوده على الرماح ويأخذون عائلته للأسر، فتسيطر الهستيريا على الجمهور الذي يبدأ مسيرة كبيرة مع الممثلين تتجه نحو المسجد الرئيسي واحيانا يحرقون خيم الجيش الاموي دلالة على الغضب والتضامن مع الامام الحسين (ع).
وخلال هذا يظهر "موكب رجال التطبير" بأكفانهم البيضاء، وعلى ايقاع هتافاتهم وإيقاع الطبول والموسيقى العنيفة يضربون رؤوسهم بالسيوف بشكل خفيف في بادئ الامر، الا ان الموقف يتسارع فيصبح الايقاع اكثر حدة (وتتسارع حركاتهم ويعلوا صراخهم ويمسكون السيف باليدين وتشتد ضرباتهم به وحين يدنوا الموكب من المسجد تكون الاكفان والوجوه قد تلطخت بالدم.) وينتهي الطقس الدرامي التشابيه بالدعوات الهستيرية الغاضبة ضد الطغيان والشر في الحياة.
الديكور والاكسسوارات
في التشابيه، لا يستخدم ديكورا او ادوات متكاملة وانما يعمدون الى الديكور الشرطي بالمفهوم ذاته في العرض المعاصر، ويشمل الاسلوب الشرطي ايضا الاداء والحركة وتنظيم وسائل الطقس الاخرى، أي انهم يعرضون جوهر الحدث والديكور ودلالته الرمزية، (والديكورات هنا جذابة، وهي نصف واقعية ونصف رمزية غالبا، فالدماء التي تراق مثلا، حقيقية، بينما الرمال يرمز لها بالقش المنثور. واكثر من ذلك فأننا نجد بان المؤثرات المسرحية منفذة بعناية فائقة، فمثلا، رأس الحسين الملطخة بالدماء، تنبعث منها الاشعار المقدسة، كما اننا نرى احد الفرسان يقتل خصمه بسيف يقبض عليه بأسنانه، ويؤدي الرجال، أدوار النساء والحيوانات البرية).
كما يرمز المشاركون الى نهر الفرات الذي يسيطر عليه جيش الخليفة، بإناء مملوء بالماء او انهم يستخدمون نهرا حقيقيا ان وجد قرب مكان تمثيل الطقس.. ويحملون " قِـرب " خالية من الماء للدلالة على العطش، وكذلك يستخدمون نخلة واحدة للدلالة على غابة من النخيل، وعدد قليل من الممثلين المدججين بالسيوف والرماح للتعبير عن جيش كامل.
وهذا الإيحاء يعتمد بالدرجة الاولى على قدرة المؤدي على استيعاب واستخدام الرمز، وعلى الجمهور الذي يتلقى الايحاء بشكل منطقي ويكمله ذهنيا ويربط الاحداث والرموز، فالجمهور مرتبط بالحدث روحيا وتاريخيا. وهذا ما يجب ان تكون عليه العلاقة بين الجمهور المتفاعل والممثل.
إن مهمة الكورس (النادبات) في التعزية تذكرنا بمهمة الكورس الاغريقي الذي يناصر شخصية البطل او يقف ضده او يحّذر منه، او يكمل حوار الممثل بأغنية حزينة تشرح الوضعية التي وصل لها هذا البطل او ذاك سواء كان رمزا للخير او الشر. وهذا الرمز الذي يضفي على أنصار الحسين (ع) او جيش الخليفة أصبح واضحا ومعروفا بالنسبة الى المؤدين(الممثلين) والجمهور.
ويفرض الجوهر الديني والتراجيدي والدرامي للتشابيه، جوا خاصا بحيث يكون متميزا عن أي طقس اخر من خلال استخدام السيوف والرايات والالوان المميزة للطقس والموسيقى العنيفة والمشاهد الوحشية والحوار المكثف والديالوجات والايقاع الصاخب والاغاني والادوات التي تعبر عن الطابع المميز لذلك العصر، فيكون الجو مشحونا بالقيم التعبيرية الدرامية والوسائل التي يمكن ان تنقل الطقس من جوه الديني الى جو الطقوس الدرامية.
وفي الختام يمكن أن نعتبر التعزية طقسا دراميا جماهيريا للمشاركة الوجدانية الجماعية، حيث يمتلك الجمهور الرغبة في المشاركة العفوية في الطقس. وان علاقة الممثل بالجمهور هي علاقة إيحائية شرطية تعتمد على الرمز، فيحتم على الجمهور المشاركة الذهنية.
وهنالك نظرة احادية الجانب سواء بالنسبة الى الحدث او الشخصية فهي اما ان تكون شريرة او خيرة، وهذا متأت من تكامل الشخصية تاريخيا والتعامل معها بقد سية. وتنحصر مهمة الممثلين وسائر العاملين في الطقس على رواية الحدث التاريخي وابراز ملحميته. وان مساحة العرض الدائرية تحتم على الجمهور ان يحيط بمكان الاداء من جميع الجوانب.
تطور كبير
وأبهرت التشابيه الجميع خلال الأعوام الأخيرة، لاسيما المختصين بالفن والمسرح، فلم يقتصر دورها على إيصال الفكرة بشكل مبسط الى عامة الناس لما عاناه وكابده الامام الحسين (عليه السلام) في عاشوراء، بل تعداها في ابداع (متطوعين) بتقديم احداث وفصول المعركة والتقمص بإظهارهم المشاعر والانفعالات العاطفية، فضلاً عن تجهيز الموقع والساحة بـالخيم والرايات والأزياء وغيرها من المؤثرات واهتمام كبير بتفاصيل الديكور وهندسة الصوت.
ودأب أبناء العديد من المدن العراقية، في كل عام من محرم الحرام على إحياء ذكرى عاشوراء بطقوس حسينية مثّلت مسرحا ميدانيا يجسّد واقعة الطف الأليمة.
ولا يقتصر الأمر على مدينة محددة بل يشمل مناطق عدة من العاصمة ومحافظات العراق الوسطى والجنوبية، إذ تُعد "التشابيه" جزءاً لا يتجزأ من الطقوس والشعائر لتخليد ذكرى استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام).
ظاهرة فنية فريدة
لقد أضحت التشابيه الحسينية، ظاهرة فنية فريدة، وطقس درامي متنقل تُقام في ساحات أشبه بمسرح مفتوح في أغلب المدن العراقية في كل عام، ينقل من خلالها ممثلون، ما جرى من أحداث في كربلاء واستذكار لظلامات سيد الشهداء (عليه السلام) وما جرى عليه وأهل بيته وأصحابه في واقعة الطف الأليمة.
وتُعد هذه التشابيه من المظاهر والمراسيم التي اعتاد على إقامتها شيعة أهل البيت "ع" من العراقيين، تبادر الى إقامتها غالباً، المواكب الحسينية المشاركة في مراسيم العاشر من المحرم الحرام وزيارة العشرين من صفر (الأربعينية).
كما تُعد أحد أقدم المراثي الدرامية في العالم الإسلامي التي يمكن استخدام بعض تكتيكها الفني والملحمي في العرض المسرحي المعاصر، وقد تعرضت هذه الشعيرة للمنع من قبل الكثير من السلطات لأسباب عدة منها الدينية وأخرى سياسية.
أبرز التشابيه في العراق
في السنوات الأخيرة، شهدت التشابيه تطورا كبيرا وواضحا من خلال الملابس والاكسسوارات التي اصبحت تقترب يوما بعد يوم من مشهدية الأفلام والمسلسلات التاريخية، فلم نعد نرى ملابس ذات الوان فاقعة ومهلهلة وسراويل فضفاضة وعمائم ذات الوان شتى، كما كان في السابق.
ويوجد في العراق العديد من مواكب وهيئات التشبيه التي تنطبق عليها هذه الصفات، منها في بغداد، وأخرى في ذي قار والبصرة وبابل وكربلاء المقدسة.
وتستعرض شبكة انفوبلس أدناه، لائحة بأبرز تلك المواكب أو الهيئات الخاصة بالتشبيه وكما الآتي:
ـ موكب جمهور الحيدرية، وهو من أهم وأقدم الهيئات الخاصة بالتشابيه في كربلاء المقدسة، تأسس عام 1929 ويعتمد على العلماء ومختصو التاريخ في تقديم شعائره الحسينية.
كان القائم على هذه الهيئة هو الحاج الراحل جواد، وكان يأخذ دور الشمر حتى لُقب بـ"جواد الشمر"، وفي نهاية السبعينات، تعرضت هذه الهيئة إلى انتكاسة بسبب الملاحقات الكبيرة آنذاك.
بعد 2003، عاد الموكب هذا بقوة وأصر القائمون عليه على تعويض ما مضى، مع التأكيد بأن تمويل هذا الموكب هو ذاتيا ووصل الآن إلى مرحلة ينافس فيها السينما.
ـ سوق الشيوخ، من أشهر وأقدم مواكب التشبيه في مدينة الناصرية، لفت انظار الجميع خلال مشاهد التشابيه التي قدمها خلال الأعوام الماضية، وشهدت تطورا كبيرا تضع انفوبلس رابطه أدناه:
- تشابيه مدينة القاسم: كما في الصور أدناه، اشتهرت مدينة القاسم بالتشابيه بصورة ملفتة، وقدموا اداءً كبيرا خلال المرحلة الماضية، حتى اصبح موكبهم يصنف الأول في العراق.
ـ تشابيه الكاظمية المقدسة موكب عزاء الأنصار، واحدا من أشهر وأهم مواكب التشابيه في مدينة الكاظمية ببغداد، وكما مبين في رابط الفيديو أدناه:
ـ تشابيه عزاء شباب الامام الحسن (ع) بغداد شعلة ضعن الامام السجاد (ع)، قدم مشاهد وعروض كبيرة ويعتبر واحدا من أهم مواكب التشابيه في بغداد، وكما في المقطع ادناه:
ـ تشابيه موكب قمر العشيرة، ويقع في مدينة الصدر، لفت انظار الجميع إليه نظرا لأسلوبه الفريد في التشابيه ومعاصرته للتطور الكبير، وكما في المقطع ادناه: