جدل ترصده انفوبلس.. ما وراء استخدام حرس الشرف والموسيقى العسكرية بحفل لجامعة أهلية؟

انفوبلس / تقرير
أثار استخدام حرس الشرف والجوق الموسيقي العسكري التابع لوزارة الدفاع خلال حفل تخرّج طلاب جامعة التراث الأهلية في العاصمة بغداد، موجة استياء "واسعة" على مواقع التواصل الاجتماعي، وسط تساؤلات عن مبررات مشاركة جهة عسكرية رسمية في فعالية تخص مؤسسة تعليمية خاصة، ويسلط تقرير شبكة "انفوبلس"، الضوء على ما حدث بالضبط.
ماذا حدث؟
شهدت جامعة التراث الأهلية، يوم الخميس 1 مايو/ أيار 2025، حفل تخرج مجموعة من الطلبة، بحضور وزير التعليم العالي والبحث العلمي ورئيس مجلس الأمناء ورئيس الجامعة والعمداء وعدد كبير من ضيوف التراث بينهم أمين سر وزارة الدفاع الفريق الركن أحمد سليم بهجت.
وجاء في كلمة الوزير خلال حفل التخرج أن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي تواصل التزامها الأصيل تجاه طلبتها وخريجيها من خلال برامج التأهيل والتطوير عبر مراكز دعم الخريجين في الجامعات والمؤسسات التعليمية. وأضاف وزير التعليم، أن الجامعات العراقية كافة نجحت في تقديم مستويات إيجابية في مساحة إنتاج البحث العلمي وأسهمت إسهاما علميا مهما على الصعيدين الوطني والعالمي.
لكن خلال الأيام القليلة الماضية، لم تهدأ مواقع التواصل الاجتماعي في العراق، بفعل ما حصل في جامعة التراث الأهلي خلال حفلة التخرج، حيث تم استخدام حرس الشرف والجوق الموسيقي العسكري في مراسيم الاحتفال وبحضور المستثمر علي العكيلي.
وأثارت المشاهد المصورة لحفل التخرج واستخدام أجهزة وأصناف الجيش العراقي ووزارة الدفاع في حفل تخرج بجامعة أهلية، ضجة واسعة، فضلا عن سبب حضور أمين سر وزارة الدفاع أساساً في حفل كهذا خصوصا وأن الطلبة المتخرجين هم من كليتي الصيدلة وكلية الهندسة، ولا يوجد أي صلة بين هذه التخصصات وبين الجهاز العسكري العراقي.
وتركّزت الانتقادات على ما وُصف بـ"الاستعراض غير المبرر"، من قبل مستثمر الجامعة، الذي لا يحمل أي صفة عسكرية أو حكومية، ما اعتبره ناشطون محاولة لإضفاء طابع رسمي أو سلطوي على مناسبة طلابية.
أحد الناشطين كتب مُعلقاً بسخرية: "لو متأثرين بصدام لو بمراد علم دار، هسه انت مستثمر مال كلية جايب جيش ورتب تستعرض گدامك، ما تگلي منو انت؟ الملك فيصل؟"، في إشارة إلى أن الاستعراض أقرب لما تقوم به الأجهزة الأمنية العراقية.
بينما كتبت الصحفية قدس السامرائي في تغريدة: "كراديس حملة إعلام وجوق موسيقي وضباط في جامعة التراث..! هذا التصرف غير صحيح وتجب محاسبة جامعة التراث وكل من شارك بالجوق الموسيقي! هذا مخصص بالأساس فقط القواعد العسكرية يستخدم الجوق أيضا ًبالمهرجانات الوطنية وليس بطلب كل من هب ودب استاذ علي العكيلي مالك الجامعة لا يحق لك ان تتجاوز على المؤسسات العسكرية! نتمنى من السيد المعالي ورئيس الاركان والاستخبارات متابعة الموضوع".
الصحفي براء سلمان تحدث حول الموضوع أيضاً بالقول: "استعراض عسكري في احتفال مدني! لماذا هذا السعي الحثيث لعسكرة المجتمع؟ وبغض النظر عن صحة التوجه من عدمه، لماذا هذا التشويه للنشيد من قبل جوق موسيقي يفترض به أن يكون مثالاً للانضباط! ما جرى باختصار يعبر فوضى يعيشها البلد لا تليق باسم العراق إطلاقاً".
ويوصف مراقبون الحالة بأن "المستثمر كان يعيش لحظة صدام حسين"، بينما يستعرض حرس الشرف وكراديس الجيش والجوق الموسيقي العسكري بينما يجلس هو على مكان مرتفع، ويلقي عليهم التحية، فيما يظهر بجانبه كل من وزير التعليم العالي نعيم العبودي، وكذلك أمين سر وزارة الدفاع الفريق الركن أحمد سليم بهجت.
كما يعتبر المراقبون أن حضور الوزراء والضباط لحفل تخرج في جامعة أهلية ينطوي على دعم ودعاية لهذه الجامعة دون غيرها، وهو أمر يُخلّ بالتنافس الممكن ويجعل الدولة وكأنها متدخلة بدعم طرف دون آخر، بينما لم تتم مشاهدة حضور رفيع كهذا في حفلات تخرج لطلبة في الجامعات الحكومية الرصينة وعلى رأسها جامعة بغداد.
الصحفي عبد المهيمن النعيمي تحدث أيضاً، مبينا "عندما ترى الجيش والعسكر يدخلون إلى الحرم الجامعي ويُجرون استعراضاً ببساطيلهم ورتبهم العسكرية فاعلم أنك تعيش في الزمان الخطأ، الجوق مكانه في اللقاءات الرسمية والبروتوكولية وعلى شرف رؤساء وملوك، أو استعراض للقوة يخصص في مكان عسكري لا مدني، ما حدث يضاف إلى سلسلة الفوضى غير المنتهية في العراق".
ولم تصدر وزارة الدفاع أي توضيح – لغاية كتابة هذا التقرير - بشأن آلية مشاركة الجوق العسكري في الفعالية، ما زاد من حدة التساؤلات حول الجهات التي سمحت باستخدام فرقها في أنشطة خاصة، وكما التزمت جامعة التراث الصمت حول هذا الامر.
توضيح خاص
وفي اتصال هاتفي، كشف مسؤول في وزارة الدفاع لشبكة "انفوبلس" (رفض الكشف عن هويته)، أنه لا يحق لأحد بتاتاً استخدام حرس الشرف والجوق الموسيقي العسكري التابع لوزارة الدفاع في مناسبات غير وطنية أو حفلات تخرج كما حصل في جامعة التراث الاهلية يوم الخميس الماضي، لافتا الى أنه "من المتوقع فتح تحقيق بمن سمح استخدام حرس الشرف والجوق الموسيقي العسكري في حلفة التخرج".
وقال المسؤول، إنه بشكل عام يتم استخدام حرس الشرف والجوق الموسيقي العسكري في المناسبات التالية: الاستقبالات الرسمية لكبار الشخصيات والوفود الرسمية، والمراسيم العسكرية المختلفة (تخريج دورات، ترقيات، استعراضات)، بالإضافة الى الاحتفالات الوطنية والمناسبات الرسمية الهامة، ومراسيم وضع الأكاليل على النصب التذكارية، إضافة الى بعض المناسبات الخاصة التي تتطلب طابعًا رسميًا ومهيبًا.
وفي هذا السياق، يؤكد ضباط في الجيش العراقي أن حرس الشرف والموسيقى العسكرية هما تقليد عسكري رسمي يجب أن يقتصر استخدامه على المناسبات الوطنية والعسكرية الرسمية، وليست حفلات التخرج المدنية، حتى وإن كانت لجامعة أهلية، لافتا الى أن ظهور هذه المراسيم في سياق مدني قد يقلل من رمزية الدولة وهيبتها، حيث إنها تمثل القوات المسلحة.
ويقول الضابط (رفض الكشف عن اسمه) في حديث لشبكة "انفوبلس"، إنه في المقابل، قد يرى البعض الآخر أن هذا الاستخدام هو نوع من أنواع الاحتفاء بالخريجين وإضفاء جو من الفخامة والتميز على الحفل، ولا يرون فيه أي تجاوز أو مشكلة، لكن هذا غير صحيح، وغير مقبول، مشيرا الى أن "محاولة تقليد مظاهر رسمية لا تتناسب مع طبيعة جامعة أهلية".
وتعتبر الموسيقى العسكرية من أقدم المؤسسات الفنية في الجيش العراقي الحديث، الذي تأسس عام 1921، كما وبعد تأسيس الدولة العراقية الحديثة، اعتُبر الجوق الموسيقي للجيش العثماني في الموصل أول جوق للجيش العراقي عام 1923، وفقًا لمصادر وزارة الدفاع العراقية. في الوقت نفسه، كان هناك جوق في بغداد يضم أفرادًا بريطانيين وعراقيين بقيادة ضابط بريطاني.
وفي عام 1925، تأسست أول مديرية للموسيقى في الجيش العراقي، ولعبت الموسيقى العسكرية دورًا هامًا في تنظيم العمل في المناسبات والمهرجانات الرسمية، بالإضافة إلى الحفاظ على الموروثات الوطنية من الاندثار من خلال تسجيل وتلحين والأناشيد الوطنية.
كما تأسست مدرسة الموسيقى العسكرية لتخريج ضباط الموسيقى، وكانت الدورات التدريبية تستمر لعدة سنوات وتشمل دراسة العلوم الموسيقية النظرية والعملية.
أما بالنسبة للحرس الملكي، فيمكن اعتبار الحرس الجمهوري امتدادًا للحرس الملكي العراقي الذي كان موجودًا قبل ثورة 14 تموز 1958، كما تأسس الحرس الجمهوري كفرع من الجيش العراقي عام 1969، وأصبح قوة النخبة خلال فترة حكم الطاغية صدام حسين. توسع لاحقًا ليصبح فيلقَين ثم قيادة قوات الحرس الجمهوري.
وكان الحرس الجمهوري مسؤولًا عن حماية الرئيس ومقراته الرئاسية والعاصمة بغداد، ومن ضمن الحرس الجمهوري، كانت هناك وحدات متخصصة في المراسيم وحرس الشرف لاستقبال كبار الضيوف والرؤساء.
وفي تطور لافت، شاركت قوات من البيشمركة والحشد الشعبي في مراسيم استقبال رسمية كجزء من حرس الشرف في عام 2018، مما يمثل أول مشاركة لهم في تاريخ العراق، وحتى اليوم، يمثل حرس الشرف العراقي رمزًا للانضباط والالتزام، ويقوم بمهام استقبال الوفود الرسمية وعزف السلام الوطني في المناسبات الهامة.
وباختصار، لكل من حرس الشرف والموسيقى العسكرية تاريخ "عريق" في العراق، وهما يعكسان تطور المؤسسة العسكرية والتقاليد الوطنية على مر العقود، لكن ما حدث في جامعة التراث الاهلية يوم الخميس الماضي، يشكل نقطة سوداء في هذا التاريخ، وسط دعوات لمعالجة الأمر بأسرع وقت ممكن.