حالة انتحار كل 12 ساعة وبأساليب مختلفة.. ما الذي يدفع العراقيين لإنهاء حياتهم؟
انفوبلس/..
إرتفعت نسبة الانتحار في العراق خلال النصف الاول من هذا العام عنها في العام الماضي بشكل ملحوظ، مثلما ارتفعت في عام 2021 عن العام الذي سبقه. ويبدو أن الخط البياني لنسب الانتحار في تصاعد مستمر منذ الاحتلال حتى اليوم، يقابله عجز تام للجهات الرسمية عن وضع حد لهذه الظاهرة، أو تقليلها. وسُجلت أكثر من 420 حالة بين كانون الثاني/يناير وتموز/يوليو 2022 في عدد من المحافظات، مما يعني أن اثنين من العراقيين ينهيان حياتهما في اليوم الواحد.
وجاء في بيان لوزارة الداخلية، أن حالات الانتحار بدأت منذ عام 2016 تتجه نحو الازدياد، حيث بلغت ذلك العام 393 حالة، إرتفعت عام 2017 إلى 462، وواصل الارتفاع ليبلغ 530 حالة عام 2018، أما في عام 2019 فقد بلغت 605 حالات. وشهد عام 2021 تسجيل 772 حالة، بزيادة 100 حالة انتحار عن عام 2020.
لماذا يختار الشباب الموت؟
وتشكل فئة الشباب النسبة الاكبر بين العراقيين الذين قرروا إنهاء حياتهم، فقد أكدت وزارة الداخلية انّ “36.6% من المنتحرين كانت اعمارهم تقل من 20 عاماً، وشكلت نسبة الذكور 55.9%، والإناث 44.1%”. وتختلف الطرق التي قرر بها هؤلاء الشباب انهاء حياتهم، فقد انتحر الذكور بإطلاق النار أو شنقوا أنفسهم، فيما لجأت النساء إلى الحرق وتناول كميات من الأدوية، بحسب “صلاح مهدي” مدير مفوضية حقوق الإنسان في ديالى. وأكد مهدي أنّ “65% من المنتحرين في محافظته تقل أعمارهم عن 35 عاماً”، وانّ “عدد حالات الانتحار التي انتهت بالوفاة خلال العام الجاري بلغت 23 حالة، في حين تم إنقاذ 25 شخصاً في اللحظات الأخيرة”.
واعتبرت الدراسات المنشورة بهذا الخصوص تردي الاوضاع الاقتصادية بسبب تنامي البطالة وارتفاع نسبة الفقر دافعاً رئيسياً لإقدام الشباب على الانتحار. ونشرت المصادر الرسمية أرقاماً لنسب البطالة، تقل بشكل كبير عن الأرقام التي أوردتها المصادر الدولية، ففي حين ذكر وزير التخطيط “خالد بتال” إنّ “نسبة البطالة في العراق بلغت 16.5%، أكد البنك الدولي أنها تجاوزت العام الماضي 36%”. وبالإضافة للعامل الاقتصادي شكلت المخدرات والعنف الأسري عوامل أخرى، دفعت هذه الفئة إلى الانتحار.
العوامل الاجتماعية
من جهته كشف عضو مفوضية حقوق الإنسان السابق “علي البياتي” في حديث صحفي، عن تسجيل العديد من حالات القتل لدى وزارة الداخلية على أنها حالات انتحار. ويلعب العامل الإجتماعي خاصة في القرى والمناطق النائية دوراً ملحوظاً في هذا المجال. وألمح البياتي إلى أن حوادث العنف الأسري قد تؤدي لإقدام الشباب على الانتحار، حيث أن هذه الظاهرة تنتشر عالمياً بين الأعمار المتقدمة، على عكس الوضع في العراق، ألذي يقدم فيه الشباب على الموت.
من ناحية أخرى أكد البياتي، أنّ “هناك تفاوتاً كبيراً بين الارقام التي تعلنها وزارة الداخلية والارقام التي يعلنها مجلس القضاء الاعلى”، حيث أنّ “الجهات المعنية غير قادرة على إجراء إحصاء دقيق لمحاولات الانتحار في أغلب المحافظات، بسبب تجنب العديد من العائلات الحديث والابلاغ عن مثل هذه الحالات”. وطالب عضو المفوضية السابق بتشكيل لجان واستحداث مراكز متخصصة، بهدف الحد من انتشار الظاهرة، فضلًا عن تقديم الدعم النفسي للذين يحاولون الانتحار.
كيف يمكن الحد من هذه الظاهرة؟
وتتفق الباحثة الاجتماعية “نادية محسن” مع ما ذهب إليه البياتي فيما يتعلق بالعوامل الاجتماعية، مضيفة أنه يمكن الحد من ظاهرة الانتحار بتنظيم برامج توعوية متخصصة يقدمها أشخاص لهم خبرة في هذا المجال، مطالبة الحكومة “بتوفير البيئة الصحية الحقيقية للأشخاص الذين هم بحاجة إلى العلاج”.
وعندما تكون أسباب ظاهرة الانتحار مشخصة، فمن الطبيعي أن يكون العلاج بأخذ هذه الاسباب بنظر الاعتبار، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية. ولا يمكن معالجة العامل الاقتصادي بدون حلول جذرية لمشكلة البطالة وخفض مستويات الفقر، خاصة في بلد نفطي يمتلك الكثير من مقومات تغيير الوضع الإقتصادي نحو الأفضل.
لكن وزارة الداخلية لها حلول مختلفة تماماً عن ذلك، فقد اقترحت وبدعم من مجلس محافظة بغداد “بناء سياجات على جسور العاصمة بغداد للحدّ من حالات الانتحار التي تصاعدت في البلاد،” الأمر الذي أثار موجة من السخرية على مواقع التواصل الإجتماعي، فضلاً عن انتقادات واسعة من خبراء الاجتماع، ألذين أكدوا أن إنشاء السياج لن يعالج حالات الانتحار، والأجدر بالجهات المعنيّة إدراك الأسباب الحقيقيّة التي تدفع بالفرد إلى الانتحار ومعالجتها.
وكانت بعثة الأمم المتحدة في العراق “يونامي” قد عبرت عن قلقها من هذه الظاهرة، مؤكدة ان “تزايد حالات الانتحار في العراق على مدى السنوات الماضية أصبح مصدر قلق على مستوى الصحة العامة ولم يعد من الممكن تجاهله، محذرة من أنه إذا لم يتم التصدي لهذه الظاهرة، فسوف تستمر في إلحاق خسائر كبيرة بالأفراد والمجتمعات في البلاد.”