خسائر العراق تتجاوز 1.3 تريليون دينار بسبب فائض الحنطة.. تساؤلات حول فاعلية التخطيط الزراعي وتداعياته الاقتصادية
فائض الحنطة يثقل كاهل الاقتصاد
انفوبلس/..
شهد القطاع الزراعي في العراق خلال السنوات الأخيرة تطورات ملحوظة، أبرزها تحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاج محصول الحنطة للموسم الثاني على التوالي، بفضل الأمطار الغزيرة واستخدام تقنيات رَيّ حديثة. لكن هذا النجاح ألقى بظلاله على إدارة فائض الإنتاج، حيث تصدرت قضية بيع الحنطة خارج الخطة الزراعية، المشهد، وسط نقاشات حكومية حول ضرورة تقنين الزراعة وتقليل الخسائر.
وفي ظل توجيهات حكومية بتصدير الفائض بسعر أقل من كلفة الشراء، ترتفع التساؤلات حول جدوى التخطيط الزراعي الحالي وأثره على الموارد المالية والمائية للدولة. وبحسب تقارير دولية، قد يتكبّد العراق خسائر بمئات الملايين من الدولارات نتيجة الفائض الكبير الذي تجاوز 1.5 مليون طن، مما دفع المختصين إلى الدعوة لمراجعة السياسات الزراعية لضمان استدامة الموارد وتحقيق التوازن بين الإنتاج والاستهلاك.
خسائر 1.3 تريليون دينار
وفي هذا الشأن، أعلن وزير الموارد المائية ،عون ذياب عبد الله، الأربعاء، التريُّث باعتماد مساحات زراعة محصول الحنطة خارج الخطة الزراعية والتي وصفها بأنها "غير مُجدية". مشيرا إلى، أن العراق حقق فائض إنتاج بلغ 3 ملايين طن وتم تصديره إلى الخارج بنصف السعر الذي اشترته به الدولة من الفلاحين.
وقال ذياب، إن زيادة مساحات الحنطة خارج الخطة الزراعية حالياً غير مجدية، ومن الضروري أن تكون زراعتها وإنتاجها ضمن خطة مدروسة وعدم إنتاج فائض عن الحاجة، حيث تسلمت وزارة التجارة المحصول من المزارعين بمبالغ عالية تصل إلى 850 ألف دينار للطن الواحد، بينما السعر في السوق المحلية هو أقل، أما فائض الإنتاج فقد وصل إلى 3 ملايين طن تم تصديره إلى الخارج بسعر أقل يصل إلى 400 ألف دينار، مما أدى لخسارتها 1.3 تريليون دينار عراقي.
وأشار عبد الله إلى، أن "رئيس مجلس الوزراء وجَّه وزارتي الزراعة والتجارة بتقليل شراء الحنطة خارج الخطة الزراعية إلا عند الحاجة، ومنح الفلاح حرية تسويقها أو استخدامها كعلف للحيوانات بعد خلطها، حيث سيساعد هذا الأمر أيضاً بتقليل استهلاك المياه".
تخطيط رديء
وكانت وكالة رويترز قد كشفت، في تشرين الأول الماضي، عن خسارة محتملة قد تتكبدها الحكومة العراقية بمقدار نصف مليار دولار، بسبب إنتاج كميات كبيرة من الحنطة تفوق الحاجة، مع عدم وجود أماكن لخزنها، مما سيدفع الحكومة لبيع الحنطة بأسعار قليلة إلى أصحاب المطاحن.
وقالت رويترز، إن الفائض في محصول القمح والذي بلغ 1.5 مليون طن، والذي جاء بفعل الأمطار والتوسع بالزراعة، لكن بالنسبة للحكومة، التي تدفع للمزارعين أكثر من ضعف السعر العالمي في السوق لتشجيع زراعة الغذاء الأساسي، يُعد السعر مرتفعا.
وبيّنت، أن الحكومة ستتكبد خسارة قدرها 458.37 مليون دولار، حيث تعرض الحكومة، الحنطة الفائضة الى أصحاب المطاحن، فبينما تشتري الحكومة طن الحنطة من المزارعين بـ 850 ألف دينار، فهي تعرض سعر الطن لأصحاب المطاحن ب450 ألف دينار للطن، وربما يتم تقليل هذا السعر.
وقال عادل المختار، المستشار السابق للجنة الزراعة في البرلمان العراقي، "هذا تخطيط رديء، لماذا ننتج أكثر مما نحتاج؟ وهذا يؤدي أيضا إلى إهدار المياه".
الإنتاج مقابل الحاجة الفعلية
ويحتاج العراق بين 4.5 الى 5 ملايين طن سنويا من الحنطة، لكنه هذا العام أنتج أكثر من 6 ملايين طن، بفائض بلغ 1.5 مليون طن.
وقال حيدر نوري، المدير العام لشركة الحبوب العراقية لرويترز، إن بغداد قد تحاول تصدير فائضها لكنها قالت إنها تفضل الاحتفاظ به داخل البلاد ودعم مطاحنها. وأضاف، إن مساحة التخزين المحدودة تعني أنها لا تستطيع تخزين الفائض للعام المقبل.
وقال نوري، إنه رغم أن الحكومة كانت تشتري بـ 850 ألف دينار عراقي (649.35 دولار) وتبيع بـ 450 ألف دينار، إلا أنها لم تعتبر ذلك خسارة لأن الحبوب بقيت داخل البلاد، معتبرا أنه "لا توجد خسارة باعتبار أن الأموال تُصرف داخل البلاد وبالعملة العراقية وتشغيل العمال ودعم الطحين (المطاحن) والاعتماد على المنتج المحلي والاستغناء عن استيراد الطحين من تركيا والإمارات والكويت".
وتشير رويترز الى، أن قرار الاحتفاظ بفائض القمح في العراق قد يؤدي إلى الضغط على الحكومة من قبل المطاحن لخفض أسعار البيع نظراً لقدرتها المحتملة على الاستيراد بأسعار أقل.
ارتفاع بنسبة 21% في الإنتاج
وشهد إنتاج القمح في العراق ارتفاعا بنسبة 21% هذا العام حيث وصل إلى 6.3 ملايين طن، وهو ما يجعله للعام الثاني على التوالي يحقق فيه الاكتفاء الذاتي من هذا المحصول الحيوي، بحسب تقرير نشرته وكالة "بلومبيرغ".
وذكر حيدر نوري الغراوي، المدير العام لمجلس الحبوب العراقي، في حوار صحفي، أن "الأمطار الغزيرة غير المعتادة" وتقنيات الرَيّ الحديثة ساهمت بشكل كبير في زيادة محصول هذا العام.
وقد بلغ إنتاج العراق من القمح حوالي 5.2 ملايين طن العام الماضي. ويعتمد الإنتاج في البلاد بشكل كبير على هطول الأمطار وتدفقات المياه من نهرَي دجلة والفرات.
وتدير الحكومة العراقية برنامج دعم يوزع 4.7 ملايين طن من القمح سنويا على المواطنين، وتقوم بشراء القمح المحلي بسعر يقارب ضعف السعر العالمي، لتشجيع المزارعين المحليين على زيادة الإنتاج.
وأشار الغراوي إلى، أن الفائض من القمح هذا العام، والذي يبلغ حوالي 1.6 مليون طن، سيتم بيعه إلى المطاحن المحلية الخاصة لتحويله إلى دقيق.
وأضاف، إن احتياطات الحكومة ستكفي حتى أبريل/نيسان المقبل دون الحاجة لاستيراد القمح من الخارج، إلا أن المطاحن الخاصة قد تستورد لتلبية الطلب المحلي على الدقيق.
وخلال السنوات الأخيرة، استورد العراق القمح من الولايات المتحدة وأستراليا وكندا لتلبية احتياجاته، ولكن مع زيادة الإنتاج المحلي هذا العام، يبدو أن الحاجة للاستيراد قد تنخفض بشكل كبير.