مطاردات ونيران ودم.. احتجاجات التربويين تجابه بالعنف وقرارات حكومية عاجلة تقابل بالرفض

انفوبلس/..
من جديد، خرج المعلمون والتدريسيون في مختلف محافظات العراق، اليوم الثلاثاء، بتظاهرات غاضبة للمطالبة بحقوقهم وابرزها زيادة المخصصات، إلا أن تلك التظاهرات جوبهت بالقنابل الدخانية والرصاص الحي والمطاردات والاعتقالات، ليسارع بعدها مجلس الوزراء وخلال جلسة اعتيادية ترأسها محمد شياع السوداني إلى إصدار قرارات تتضمن قروضا وقطع أراض قبيل أن تقابل بالرفض.
*التظاهرات تجابه بالعنف
في البصرة انطلقت اكبر تظاهرة في المحافظة شارك فيها المئات من الكوادر التربوية امام تربية البصرة للمطالبة بحقوقهم.
كما انطلقت تظاهرات كبيرة في بابل للمطالبة بحقوقهم، فضلا عن حدوث تصادمات بين الكوادر التربوية والمتظاهرين في الناصرية أدى الى تسجيل إصابات.
وواجه معلمو محافظة ذي قار، تدخل قوات مكافحة الشغب التي قامت بتفريق تظاهراتهم أمام مديرية التربية بالقوة، باستخدام القنابل الدخانية.
وطالب المتظاهرون، الحكومة العراقية بتحقيق مطالبهم عبر تعديل الرواتب وتوزيع الأراضي لضمان تحسين ظروفهم المعيشية.
في غضون ذلك، تداولت مواقع التواصل الاجتماعي انباءً عن إصابة عدد من المتظاهرين من الكوادر التربوية في محافظة ذي قار جراء استخدام قوات مكافحة الشغب القنابل الدخانية لتفريق تظاهراتهم أمام مديرية تربية المحافظة.
*مطاردات واعتقالات
أفاد مصدر أمني في محافظة ذي قار، اليوم الثلاثاء، بأن 10 متظاهرين من الكوادر التدريسية في المحافظة، تم اعتقالهم أثناء تلقيهم العلاج في المستشفى.
وقال المصدر، إن "قوة امنية نفذت عملية اعتقال بحق 10 أشخاص من الكوادر التدريسية في محافظة ذي قار، اثناء تلقيهم العلاج في مستشفى الناصرية التعليمي".
ولفت المصدر إلى أن "التدريسيين العشرة كانوا قد أصيبوا في تظاهرات اليوم في المحافظة، وذهبوا للمستشفى لتلقي العلاج اللازم لهم".
من جانبها أعربت المديرية العامة للتربية في محافظة ذي قار، عن استنكارها للاعتداء الذي تعرّض له عددٌ من الكوادر التربوية خلال مشاركتهم في وقفة احتجاجية للمطالبة ببعض الحقوق.
وطالبت المديرية، في بيان، الجهات المعنية بـ"محاسبة كل من حاول المساس بكرامة التربويين، الذين يمثلون الركيزة الأساسية لبناء الأجيال وخدمة الوطن".
ودعت المديرية، كوادرها التربوية كافة لـ"عدم التصادم مع القوات الأمنية، وتفويت الفرصة على المندسين والحفاظ على الطابع السلمي للمطالبة بالحقوق، مع اتخاذ أقصى درجات الحيطة والحذر حرصاً على سلامتهم ودرءاً لأي تصعيد لا يصب في مصلحة العملية التربوية".
في حين التقى المدير العام لتربية ذي قار علي إسماعيل السبتي، مع قائد الشرطة لبحث تداعيات الأحداث الأخيرة.
وقال إعلام تربية المحافظة، إن "المدير العام طالب بإطلاق سراح التربويين المعتقلين، وقد استجاب قائد الشرطة لهذا الطلب، موجهاً بإطلاق سراح جميع المعتقلين من الكوادر التربوية، ومؤكداً تقديره العميق للدور الكبير الذي يضطلع به المعلمون في تربية الأجيال وصناعة المستقبل".
وأوضح المدير العام، بحسب البيان، إنه أجرى اتصالاً مع مدير عام صحة ذي قار، وأكد له أن جميع المصابين جراء الأحداث قد غادروا المستشفى بعد تلقيهم العلاج اللازم.
وكان مصدر أمني، قد أفاد قبل ذلك، باعتقال عضو مجلس محافظة ذي قار "سلام الفياض" أثناء مشاركته في تظاهرات المعلمين وسط مدينة الناصرية مركز المحافظة.
يذكر أن الفياض كان معلماً جامعياً قبل ان يفوز بمقعد في مجلس المحافظة بالانتخابات المحلية الاخيرة التي جرت بالعراق، وكان ايضا قائداً سابقاً في تظاهرات العقود المجانية قبل تثبيتهم.
*عمليات دهم وتفتيش
من جهته، أعلن الحزب الشيوعي العراقي في بيان، ان " قوات الأمن قمعت، صباح اليوم الثلاثاء بالقنابل الدخانية، المعلمين والتربويين وأصيب عدد منهم خلال ممارستهم حقهم الدستوري في الإضراب عن الدوام، والاحتجاج للمطالبة بحقوقهم المشروعة".
واضاف ان "جهات أمنية اقدمت على حملة تفتيش عدد من المدارس، في اليومين الماضية، للاستفسار عن حضور وغياب الملاكات التربوية المساهمين في إضراب المعلمين، كذلك جرى اعتقال ناشطين منهم، فضلاً عن احتجاز ناشطين من حراك الموظفين في واسط"، معربا عن رفضه "الشديد لهذه الإجراءات البوليسية، نعدها محاولة لترهيب الكوادر التربوية ومنعهم من ممارسة حقهم الدستوري في الإضراب السلمي وتشكل انتهاكاً صارخاً للحريات العامة المكفولة دستوريا ولحقوق الإنسان".
وذكر ان "استخدام أساليب القمع والترهيب، لن يحل مشاكل آلاف المساهمين في هذه الفعاليات الاحتجاجية السلمية، ما يتطلب الاستماع إلى مطالبهم، وإيجاد الحلول المناسبة لها"، موضحا ان "استمرار أسلوب المماطلة والتسويف، سوف يزيد من السخط والاعتراض الشعبي، وقد يتحول إلى فعل جماهيري أوسع يصعب السيطرة عليه، وبالتالي فأن منظومة الحكم ونهجها الفاشل تتحمل مسؤولية ذلك، بعد فشلها في توفير العيش الكريم للمواطنين وغياب العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة".
واكد الحزب "وقوفه مع المتظاهرين السلميين"، معربا عن تضامنه "مع مطالبهم المشروعة، وندعو إلى استمرار الضغط الشعبي من أجل نيل الحقوق".
*مخاوف من انتقال شرار الغضب الى الشارع الأوسع
وفي ظل هذا التصعيد، هناك المخاوف من انتقال شرارة الغضب إلى الشارع الأوسع، وأن تتطور الأمور إلى تظاهرات شاملة.
الباحث في الشأن السياسي رياض الوحيلي، حذر اليوم الثلاثاء، من خطورة تصاعد عمليات قمع التربويين المتظاهرين في بعض المحافظات العراقية.
وقال الوحيلي، إن "تصاعد عمليات قمع التربويين المتظاهرين في بعض المحافظات العراقية، سيدفع إلى تصعيد الاحتجاج، كما سيدفع مواطنين آخرين إلى دعم تلك الاحتجاجات، وربما تندلع ثورة شعبية بسبب عمليات القمع، ولهذا يجب منع تلك العمليات والتعامل بحكمة وهدوء مع أي احتجاج شعبي سلمي".
ورأى، أن "استمرار عمليات قمع التربويين، سيدفع إلى زيادة حجم التظاهر وربما ترتفع حتى سقف المطالب"، مبيناً أن "أوضاع العراق الداخلية لا تتحمل أي أزمات جديدة بسبب ما تمر به المنطقة من ظروف لها تداعيات خطيرة على الوضع العراقي على المستوى الأمني والاقتصادي وحتى السياسي".
*قرارات عاجلة
وفي خضم ارتفاع سخونة الأحداث، أصدر مجلس الوزراء، حزمة مقررات تتعلق بالكوادر التربوية والتعليمية.
وقال المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء في بيان، ان "مجلس الوزراء استضاف اليوم، نقيب المعلمين، واصدر حزمة مقررات تتعلق بالكوادر التربوية والتعليمية وموظفي وزارة التربية، وهي:
• المضي بإجراءات توزيع قطع الأراضي للملاكات التربوية والتعليمية في بغداد والمحافظات، وتشكيل لجنة عليا لتنفيذ كتاب رئاسة الوزراء/ الهيئة العليا للتنسيق بين المحافظات، المتضمن موافقة السيد رئيس مجلس الوزراء بإنشاء الأحياء السكنية الخاصة بالكوادر التربوية والتعليمية وموظفي وزارة التربية، في بغداد والمحافظات، وبإشراك نقابة المعلمين في بغداد والمحافظات.
• قيام وزارة المالية بصرف أجور النقل للمشرفين التربويين، المرصودة ضمن موازنة كل مديرية تربية تابعة للوزارة.
• قيام وزارة التربية بصرف مبلغ (100) ألف دينار، لتسيير عمل إدارات المدارس، ولكل فصل دراسي.
• تفعيل جميع فقرات قانون حماية المعلّم (8 لسنة 2018).
• جرد المدارس النائية والملاكات التربوية في هذه المدارس، التي تبعد مسافات تزيد عن 100 كلم من مراكز المدن، وتقدم إلى وزارة التربية لإيجاد الحلول المناسبة لإنصافها.
• دراسة وزارة المالية احتساب سنوات الخدمة المجانية لأغراض العلاوة والترفيع.
• منح قروض مالية للملاكات التربوية والتعليمية من المصارف الحكومية، وبنسب فائدة بسيطة لتحسين المستوى المعاشي.
*رفض
لكن هذه القرارات جوبهت بانتقادات نيابية ورفض شعبي، إذ قال رئيس كتلة"انا العراق"، النائب حيدر السلامي، إن "حزمة مقررات مجلس الوزراء التي تتعلق بالكوادر التربوية لم تأت بجديد باستثناء (دراسة احتساب سنوات الخدمة المجانية) وحتى هذه كانت خجولة جداً ولم تلبِ الطموح، حيث انها (دراسة) وليست (موافقة) وكذلك لأغراض (العلاوة والترفيع) فقط مستبعدين (التقاعد) منها".
وبحسب السلامي، فإن باقي المقررات معظمها مشرعة بقوانين امتنعت الحكومات السابقة والحالية من تنفيذها، ومنها ضمن الصلاحيات التي لم يعملون بها".
وتابع: "مع هذا نقول ان تأتي متأخراً خير من ان لا تأتي ابداً، وعلى حكومة السوداني الالتزام بتنفيذ مقرراتها بأسرع ما يمكن، وخصوصا تنفيذ قانون حماية المعلمين والمدرسين والمشرفين والمرشدين التربويين رقم 8 لسنة 2018، الذي ظل حبيس الأدراج لأكثر من 6 سنوات".
من جانبه، أعلن ممثل التربويين في محافظة البصرة صفاء المالكي، رفضه لقرارات مجلس الوزراء خلال جلسة اليوم، "جملة وتفصيلا".
وذكر المالكي، أن "قرارات الحكومة الأخيرة لا تلبي احتياجات المعلمين الذين طالبوا بها خلال التظاهرات"، مردفاً: "سنعلن اليوم عن مصير الإضراب في المدارس".
أما عضو اللجنة المالية في مجلس النواب، مصطفى الكرعاوي، فقد رأى أن الحكومة الحالية غير قادرة على تلبية مطالب شريحة التربويين، بسبب ضعف الإدارة الاقتصادية وغياب الحلول الفعلية للأزمة الداخلية.
وقال الكرعاوي، في لقاء متلفز إن "المواطن اليوم، سواء كان موظفًا أو كاسبًا، يحمّل الحكومة المسؤولية كاملة عن تدهور الوضع المعيشي"، مشيرًا إلى أن "الحكومة لم تتمكن من تقديم حلول ناجعة، خصوصًا في ظل الاعتماد الكبير على الاستيراد وتأثير سعر صرف الدولار على الرواتب والقوة الشرائية".
وأضاف: "أنا لا أقدّم تبريرات، بل أحمّل الحكومة مسؤولية هذا العجز، فهي لم تجد حتى الآن أي حل واقعي للاقتصاد الداخلي"، مبيناً أن "الأسعار تتأثر بعوامل خارجية بينما تبقى الرواتب ثابتة، مما يفاقم الأزمة بالنسبة للمواطنين، ومنهم شريحة العاملين في القطاع التربوي".
*وجهة نظر مختلفة
من جهته، أكد رئيس مؤسسة مدارك للبحوث والدراسات مزهر الساعدي ان مقررات مجلس الوزراء اليوم اغلقت الباب امام جميع السياسيين الذين لا يتوانوا في استغلال أي فرصة لتأجيج الوضع لغايات انتخابية وسياسية دنيئة.
وقال الساعدي إن "المعلم في العراق من الشرائح المهملة التي لم تلفت اليها الحكومات المتعاقبة فهو الأدنى بسلم الرواتب وهو الأدنى أيضا بتثمين جهوده".
وأضاف انه "من المعيب على بلد ان يكون فيه راتب المعلم لا يسد سوى ايجاره ومراجعته الى الطبيب بينما جميع المهمات الوطنية بالعراق يقوم بها المعلم فعندما تأتي فترة الانتخابات نجد ان المعلمين والمدرسين والمشرفين هم الذين يتولون عملية الاقتراع بكل أمانة وشفافية وإخلاص كما وفي عملية التعداد العام للسكان فلولا جهود المعلمين بإجراء عمليات المسح لفشل التعداد فشلا ذريعا ".
وتسائل الساعدي "لماذا لا تلتفت الدولة الى المعلم وتنصف هذه الشريحة اسوة بباقي موظفي القطاعات الحكومية؟ مشيرا إلى أن "جميع الوزارات والهيئات المستقلة التفت الى كوادرها عبر توزيع قطع أراضي في وقت ان الكثير من الكوادر التربوية ممن أفنوا عمرهم واحيلوا الى التقاعد وهم لم يتمكنوا من الحصول على مترا واحدا في العراق والى هذه اللحظة وهم يسكنون في بيوت للإيجار لان الراتب لا يسد وليس لديهم الامكانية لشراء قطعة ارض وهذا الامر ليس معقولا في بلد غني بموارده مثل العراق".
وختم بالقول إن "مجلس الوزراء قد اغلق الباب امام جميع السياسيين الذين لا يتوانوا في استغلال أي فرصة لتأجيج الوضع لغايات انتخابية وسياسية دنيئة"، لافتا الى انه "من المهم قيام مجلس الوزراء بتحقيق المطالب الجزئية ويبقى المطلب العام المتعلق برفع المخصصات المهنية وهذا الامر بحاجة الى إقرار قانون سلم الرواتب".