edition
إنفوبلاس
  • الرئيسي
  • كل الأخبار
    • سياسة
    • أمن
    • اقتصاد
    • رياضة
    • صحة
    • محليات
    • دوليات
    • منوعات
  • اقرأ
  • شاهد
  • انظر
  • انفوغراف
  • كاريكاتور
  • بودكاست
  • بلغتنا
  • من نحن
  1. الرئيسية
  2. الأخبار
  3. محليات
  4. خطر وجودي وتهديد دائم.. أطفال العراق يولَدون على حافة عطش دائم.. نمو كبير بالسكان وانخفاض أكبر...

خطر وجودي وتهديد دائم.. أطفال العراق يولَدون على حافة عطش دائم.. نمو كبير بالسكان وانخفاض أكبر بمصادر المياه

  • 15 تموز
خطر وجودي وتهديد دائم.. أطفال العراق يولَدون على حافة عطش دائم.. نمو كبير بالسكان وانخفاض أكبر بمصادر المياه

انفوبلس..

في ظل نمو سكاني متسارع وشيخوخة مناخية متفاقمة، يواجه العراق تحديًا وجوديًا يتمثل بندرة المياه وتآكل البنى التحتية. المدن المكتظة تتوسع عشوائيًا، والمورد الحيوي يوشك على النضوب. هذه الأزمة المركبة تطرح سؤالًا مصيريًا: من أين سيشرب أبناء الغد في بلدٍ يسير على حافة العطش؟

 

من شأن إلقاء نظرةٍ سريعةٍ على المدن العراقية، التي تشهد ارتفاعاً كبيراً في درجات الحرارة، وتكتظُّ بالسّكان الباحثين عن المياه للشرب ولأغراضٍ أخرى، أن تكشف عن تأثير النُّمو السُّكَّاني الكبير في زمن المناخ المتأزم.

 

قفزة سكانية

سجّلت نتائج الإحصاء السُّكاني الأخير في العراق، الذي أُجري عام 2024، قفزةً كبيرة بالنُّمو السُّكّاني (46 مليوناً و118 ألف نسمة)، 70.17 بالمئة منهم يعيشون في المدن. يضيف هذا النُّمو السكاني المزيدَ من التصدّع والاضطراب إلى حياة المدن العراقية، بما في ذلك البنى التحية. وفي ظلّ هذا المشهد السكاني-المديني المرتبك، فالماء لا يحتلُّ مقدمة الاحتياجات البشرية فحسب، بل يدخل في صلب الاستقرار والسلم الأهلي للمجتمعات.

 

رغم ذلك، لا يزال التفكير بالماء أسيرَ سرديةٍ أدبيةٍ، تُزيّنها أشجار النخيل وهي تشرب الماء، لكنْ، وفق البيانات المتوفّرة، تتحوّل صورة الماء إلى صورة يسودها التشاؤم! ذلك أنّ عجلة “الازدياد السكاني” ما زالت تدور على طريق الفوضى، حيث تتّسع الأمصار على إيقاع ولاداتٍ جديدة، تقارب مليون مولود كلّ سنة.

 

بحلول عام 2028، أي بعد ثلاث سنوات، سيصل عدد سكّان العراق إلى نحو 49 مليون نسمة، مع وجود “هوّة” كبيرة بين تركيبةٍ سكّانيةٍ فتيةٍ، وواقع مناخي-بيئي تغزو ملامحَه الشيخوخة، فارتفاع درجات الحرارة، وشُحّ المياه، والتصحّر المستمر، وتواتر العواصف الغرابية، وفقدان الغطاء النباتي، كلّها علامات دالة على هذه الشيخوخة المبكّرة.

 

أمَّا “الخصوبة السكانية الفتية” فيمكن تلخيصها في بياناتٍ حكوميةٍ أعلنها المتحدّث الرسمي لوزارة التخطيط، عبد الزهرة الهنداوي: “العراق يتميز بأنه ذو تركيبة سكانية فتيّة، ترتفع فيها معدلات الخصوبة، وبمعدل نمو متوقع 2,4 بالمئة، وعلى الرغم من الانخفاض التدريجي الملحوظ في تلك المعدلات، والتغيير الديموغرافي الذي بدأت تظهر ملامحه في زيادة متواترة للفئات العمرية في سن العمل، إلّا أنه يبقى من الدول ذات النمو السكاني المرتفع في العالم”. هذا رغم أنّ البلاد متأثرة، أكثر من غيرها، بالأزمة المناخية العالمية.

 

يشكّل هذا “السَّيلان السكاني” ضغطاً هائلاً على الموارد الطبيعية وسُبل استغلالها، وعلى المياه خصوصاً، ما يضعف قدرة العراق على مواجهة تغيُّر المناخ والآثار الناجمة عنه. فضلاً عن ذلك، تؤدي مضاعفة الاكتظاظ السكاني في المدن إلى تآكل البنى التحتية، فينعكس ذلك سلباً على الخدمات العامة، وتنمو مدنٌ عشوائية على هوامش البنى التحتية والخدمات العامة ذاتها. وبما أنّ هذه البؤر السكّانية الحديثة، على أطراف العاصمة بغداد والمدن الاخرى، تعاني من قلّة الخدمات الأساسية، مثل التعليم، والصحة، والكهرباء، وشبكات الصَّرف، فإنها تعدُّ جميعها من العناصر المغذية لظهور أشكال متعددة من الصراعات الاجتماعية.

 

مدن مكتظة

تالياً، وبناءً على ما تقدّم، يُعدُّ المشهد المائي في العراق اليوم مشهداً سكانياً ومدينياً بامتياز، ذلك أنَّ الانفجار السكاني غير المنضبط، وتآكل البنى التحتية للمدن المكتظة، وظهور أشكال عشوائية من المجتمعات الهامشية، كل ذلك يفرض سؤالاً بديهياً: “من أين يشرب المولود الجديد بعد 20 عاماً؟” ولو ربطنا السؤال ذاته بمستقبل المياه في عراق الغد، قد نسأل عن المكان الذي يهاجر إليه هذا المولود، ذاك أن الجفاف والتصحّرَ يسبقان الازدياد السكاني في السرعة والتأثير، وبالاتجاه المعاكس، ما يعني زيادةً في النزوح الداخلي –الحاصل في الوقت الحالي- وهجرات خارجية في المستقبل.

 

تشير البيانات الحديثة إلى أنّ الواردات المائية في العراق لم تشهد في تاريخها النقص الكبير الذي تشهده هذا العام؛ ففي سدّ الموصل وحده وصل النقص إلى ما يقارب ثلاثة أرباع السعة التخزينية البالغة 9.3 مليار متر مكعب، حيث لا يتجاوز مخزونه الحالي 2.5 مليار متر مكعّب. أما بحيرة سدّ دوكان في محافظة السليمانية، التي تمدُّ أجزاءً من محافظتَي كركوك وصلاح الدين بالمياه الصالحة للشرب والزراعة وتربية الماشية، فوصل مخزونُها إلى أدنى مستوياته، حيث انخفض إلى 1.6 مليار متر مكعب، بينما تصل سعتها التخزينية إلى 6 مليار متر مكعب.

 

ليس هنالك معجزة مناخية تعيد العراق إلى سابق عهده من حيث توافر المياه والموارد الطبيعية الأخرى ذات العلاقة، ذلك أنّ منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث يقع العراق، متأثرة بتغير المناخ الناجم عن النشاط البشري أكثر من غيرها. وتعود أسباب ذلك إلى الطبيعة الجيو-مناخية للمنطقة، وندرة مصادرها الطبيعية المتجددة، من شأن هذا التأثر الشديد بتغيرات المناخ أن يخفض المواسم المطرية في هذه النقطة الملتهبة، ويترك آثاراً كبيرةً على الموارد المائية، التي تعتمد على الأمطار الشتوية لتزويدها خلال فصل الصيف الحار والجاف.

 

قد تتراجع الأمطار الشتوية في منطقة البحر الأبيض المتوسط بما يقارب 40 في المئة، الأمر الذي يقوّض قدرة المنطقة على التطوير والزِّراعة، ويؤثر على حياة ملايين الأشخاص الذين يعانون من الإجهاد المائي، ناهيك عن التهديد الذي ينتظر المنطقة، ويزيد من التوترات الموجودة فيها، وخصوصاً في شرق البحر الأبيض المتوسط. ورغم أن أجزاءً واسعةً من العراق لا تُعد متوسطية، إلَّا أن إقليم كردستان، الذي يمرّ عبره نهر دجلة وفروع أخرى، يُعدّ متوسطياً.

 

ضعف الداخل وقوة الخارج

مائياً، تحيط بالعراق نقاط ضعف كثيرة، بدءاً من موقعه الجغرافي بوصفه بلداً مصبّاً، مروراً بسياساتٍ مائية غير عادلة، تمارسها جارتاه من الشمال والشرق (تركيا وإيران)، والإدارة الفقيرة لهذا المورد الثمين، وتقادم بنيته التحتية، وصولاً إلى الاكتظاظ السكاني، الذي لا بد من أخذه بعين الاعتبار، وكلُّ تلك النقاط يمكن العمل على معالجتها على نحو أفضل.

 

إنّ الإدارة الكفوءة للمصادر المائية ضرورة فورية للحيلولة دون وقوع البلد في عطشٍ “عظيم”، فلا متّسع من الوقت للاستمرار في النمط السائد بإدارة الموارد المائية، القائم على التخزين والتوزيع، ذلك أنها غير كفوءة، ولا ترقى إلى مستوى مواجهة التحديات التي تفرضها الكتلة السكانية والطلب المتزايد على المياه. فبالإضافة إلى أهمية اعتماد إدارة جزئية لهذا المصدر الجوهري، تحتلّ مسألتَي التكاثر السكاني والإدارة المستدامة للمدن وبناها التحتية صدارةَ السياسات الحكومية العامة لتجنب الوقوع الى المنحدر.

 

ومن أجل المضيّ في طريق البحث عن حلّ مستدام، لا بد من الاعتراف بوقوف العراق على مفترق طرق مائية-ديمغرافية، وعدم فصل النمو السكاني عن مسألة المياه، وليس هنالك سبيل غير النظر في المُدُن المتّشحة بالصفار، والاستسلام لحقيقة أنها تتعرّض لغزو صحراوي، وليس الحل لشيء غير تأمين سُقيا المولود القادم.

 

خطر الجفاف والعطش

تُشير المعطيات الحديثة إلى تسارع وتيرة التغيرات المناخية والجفاف في العراق، ما حول البيئة شِبه القاحلة للبلاد نحو «صحراء تزداد اتساعًا». فمنذ سنوات يشهد العراق ارتفاعًا مستمراً في درجات الحرارة السنوية، وانخفاضًا في معدلات هطول الأمطار، مما أدى إلى نقص حاد في كمية المياه المتاحة. على سبيل المثال، شهد شتاء عام 2024 تساقط كميات قياسية متدنية من الأمطار في شمال البلاد، حيث بلغ معدل الأمطار في منطقة دوكان 220 ملم مقارنةً بمتوسط نحو 600 ملم. وقد أسهمت قِلّة الأمطار وازدياد درجات الحرارة في تعميق أزمة المياه؛ فأحواض السدود الكبرى باتت فارغة إلى مستويات غير مسبوقة خلال العقود الماضية.

 

 التقطت صورة جوية لمزارع في شمال العراق منحدرة إلى الجفاف الشديد، مما يظهر الأرض المتشققة ودلاء الزراعة المهددة تحت السماء الصافية. يهدد الشح المائي الناتج عن تغير المناخ موارد الزراعة والاقتصاد الوطني. فقد تراجع إسهام نهرَي دجلة والفرات (المصدر الرئيس لنحو 98% من المياه السطحية) بنحو 30–40% خلال العقود الأربعة الماضية. ويرجع ذلك إلى مزيج من انخفاض الأمطار وزيادة التبخر بفعل الحرارة، بالإضافة إلى بناء سدود قللت حصة العراق من الماء. 

 

وتشير نماذج مناخية ومؤسسات عالمية إلى أن معدلات هطول الأمطار ستشهد تذبذبًا حادًا: فقد حذّر برنامج الأمم المتحدة للبيئة من تراجع إمدادات المياه في العراق بنحو 20% بحلول منتصف العقد الحالي، وفي حال استمرار التوجهات الحالية قد ينخفض تساقط الأمطار بمعدلات تزيد على 20–30% بحلول النصف الثاني من القرن الحادي والعشرين. 

 

بدوره أدى الجفاف المتكرر وتدهور الغطاء النباتي وسوء إدارة المياه إلى تقدم التصحر وتملح التربة؛ فترتبط حوالي 39% من أراضي العراق الآن بفقدان جودة التربة وشيخوختها، بينما تقلصت المساحات الرطبة (المستنقعات) إلى أقل من 10% من مساحتها السابقة. وتتفاقم هذه الضغوط مع انتشار العواصف الترابية وارتفاع حرارة الصيف التي تسجل أرقامًا متطرفة (مثل بلوغ درجات نحو 54℃ في بعض مناطق الجنوب)، مما يهدد صحة السكان والزراعة على حدٍ سواء.

 

البُعد السكاني والديموغرافي

يبلغ عدد سكان العراق نحو 46 مليون نسمة، ويستمر في النمو بمعدل سنوي تقارب 3–3.5%. ويتسم سكان العراق بهيكل عمري شاب؛ حيث تمثل الفئة العمرية دون 15 عامًا حوالي 36% من السكان. هذه “الحمى السكانية” تضغط على الموارد كثيرا، خصوصًا مع التوسع العمراني السريع والنمو غير المسبوق للمجتمعات الحضرية. 

 

بالإضافة إلى ذلك، يعاني العراق أزمة نزوح داخلية كبيرة؛ فقد نزح وما يزال نحو 1.1 مليون عراقي من مناطقهم نتيجة الصراعات والأزمات السابقة، إضافة إلى استضافة نحو 300 ألف لاجئ سوري في إقليم كردستان. ومع تفاقم الجفاف، بدأت تظهر هجرة بيئية جديدة: أفادت منظمات دولية بأنه بنهاية 2021 نزح نحو 20 ألف شخص على الأقل من عشر محافظات عراقية بسبب شح المياه وملوحة التربة. وتُعد المناطق الريفية والمزارعون أكثر الفئات تضررًا؛ إذ يؤدي فشل المحاصيل وفقدان الأراضي الصالحة للزراعة إلى هجرات من الريف إلى المدن بحثًا عن فرص العمل والماء.

 

ولدى تزايد أزمة المياه، تتزايد كذلك فوارق الاستهلاك بين المناطق: فالمناطق الحضرية الكبرى غالبًا ما تستأثر بالأولوية في التزويد بالماء والكهرباء، بينما تُترك القرى والأرياف لتدبير احتياجاتها بصعوبة، مما يولّد توترات اجتماعية بين سكان المدن والريف، وبين المحافظات الغنية بالموارد والمحرومة منها.

 

البعد الاقتصادي

تُعَدّ الزراعة ثاني أهم رافد للاقتصاد العراقي بعد النفط، إذ يعمل في القطاع الزراعي نحو 20% من القوى العاملة ويُسهم بحوالي 5% من الناتج المحلي الإجمالي. لكن الجفاف المتكرر والتغير المناخي أصاب القطاع بضربة قاصمة: فقد انخفضت إنتاجية المحاصيل الأساسية (كالقمح والشعير) بما يقارب 30–37% في مواسم الجفاف الأخيرة، فيما وصلت الخسائر الإجمالية في الإنتاج الزراعي إلى حوالي نصف الإنتاج في بعض السنوات. 

 

ونتيجة لذلك، اضطر العديد من المزارعين إلى هجر أراضيهم، واختار بعضهم بيع محاصيلهم مبكرًا أو التوجه إلى مصادر مياه عذبة باهظة التكلفة للري. وقد أقدم العراق على تقليص المساحات المزروعة (السواقي) في 2024-2025 إلى نحو 1.5 مليون دونم، أقل بكثير مما كانت عليه في السنوات السابقة، وذلك حفاظًا على مخزون المياه للشرب.

 

على صعيد البنية التحتية، يكشف الجفاف الحالي عن هشاشة الاستثمار السابق في تأهيل السدود ومحطات الطاقة المائية. فقد أعلنت سلطات كردستان في مايو 2025 وقف جميع إنتاج الكهرباء من سد دوكان بعد انخفاض مستوى البحيرة إلى مستويات حرجة؛ إذ انعدمت الطاقة المائية المنتجة في الأيام الأخيرة نتيجة للجفاف، واضطرت المنطقة للاعتماد كليًا على محطات توليد تعمل بالغاز. ويسري الوضع نفسه على السدود الكبرى الأخرى؛ فمؤخرًا أصبح العراق يضطر إلى استيراد الوقود لتشغيل محطات بديلة، ما يزيد من العجز في الميزان التجاري ويضغط على خزينة الدولة. 

 

تجدر الإشارة إلى أن وزارة الموارد المائية كانت قد قدّرت في 2014 حاجاتها بنحو 184 مليار دولار لإصلاح شبكة المياه والسدود المتهالكة، لكن جزءًا ضئيلًا فقط من هذه الخطط تم تمويله حتى اليوم. 

 

بالتزامن، أدت أزمة المياه إلى أزمة غذائية محتملة: فمع تراجع الإنتاج المحلي، يضطر العراق إلى استيراد كميات أكبر من الحبوب والخضروات لتفادي نقص في الأمن الغذائي، مما يُقلّص اكتفائه الذاتي ويزيد الاعتماد على الأسواق الخارجية.

 

البعد الاجتماعي والسياسي

أسهمت ندرة المياه في تصعيد الاحتجاجات الشعبية والتوترات الاجتماعية في عدة مناطق عراقية خلال الأعوام الماضية. فقد ربط كثيرٌ من العراقيين بين مطالب “الخبز والماء” والانهيار في الخدمات العامة؛ فتتالت موجات احتجاجات عارمة دعت إلى حقوق أساسية كالمياه الصالحة للشرب والكهرباء المستقرة، يُنظر إليها على أنها من مظاهر «العقد الاجتماعي المُنهار». 

 

لاحظ باحثون أن “مئات الآلاف من العراقيين وصلوا إلى ربط مطالب الحصول على مياه نظيفة بمطالب التغيير السياسي والاقتصادي”، لتصبح أزمة المياه رمزًا مفاقمًا لفشل الدولة في تلبية احتياجات المواطنين. ولعل أبرز مثال على ذلك ما جرى صيف 2018 في محافظة البصرة، التي يبلغ تعداد سكانها نحو 4 ملايين. فقد أُدخل أكثر من 100 ألف مصاب إلى المستشفيات بنوبات مرضية متصلة بتلوث المياه، وتحوّلت الاحتجاجات إلى عنف في الشارع.

 

وعلى صعيد العدالة في التوزيع والسياسات الحكومية، يُنتقد اتخاذ تدابير آنية فقط ومحدودة للحدّ من الأزمة. بذلت الحكومة العراقية جهودًا دبلوماسية لإيجاد حلول، كمفاوضاتها مع تركيا وإيران بشأن حصص المياه أو استثمار مشاريع مشتركة. ففي 2024 وُقّع اتفاق إطار عمل على عشر سنوات مع تركيا لتنفيذ مشروعات مشتركة في إدارة المياه. كما أطلقت الدولة برامج تنمية زراعية بمساعدة الأمم المتحدة لمساعدة الفقراء على تكيف مع الجفاف، وتمويلها بدعم دولي. غير أن هذه الإجراءات غالبًا ما تُعتبر غير كافية من قبل المحتجين، الذين يطالبون بسياسات أكثر شمولية لترشيد استهلاك المياه وتطوير البنية التحتية وتوفير خدمات الصرف الصحي ومعالجة المياه. 

 

وبشكل عام، ازدادت حساسية العراقيين من قضية توزيع المياه العادلة بين المحافظات (مثلاً بين الجنوب الغني بالنفط والفقر المائي وبين كردستان)، فقد أدى الشعور بالإهمال إلى تعزيز الانقسامات المجتمعية وتحميل الجوار مسؤولية التدهور الداخلي للمياه.

 

التحديات الجيوسياسية

يتقاسم العراق نهري دجلة والفرات مع دولتي المنبع تركيا وإيران، ولهذا يقع ضمن دائرة «بلدان المصب». وقد أسهم بناء عشرات السدود في تركيا وإيران في زيادة تفاقم الجفاف داخليًا، إذ بات العراق يستقبل أقل من 40% من حصته الطبيعية من مياه النهرين. 

 

وفي تعليق على ذلك، حذرت السلطات العراقية من أن الحصص المخفضة تعود بالأساس إلى “سدود بنيت فوق النهرين في أنقرة وطهران”، فقد خفّضت أنقرة تدفق مياه الفرات عبر السدود الكبرى (كـ «إليسو») بشكل أثّر جذريًا على الزراعة في الجنوب، فيما شيدت إيران عدداً من السدود على روافد دجلة (كالحسون والسليمانية) للحفاظ على احتياطيها المائي الخاص. وقد أعرب العراق رسميًا عن احتجاجه على هذه السياسات، وطالب بتوقيع معاهدات إقليمية للتقاسم العادل. ففي مارس 2025 مثّل نحو نصف اجتماع إقليمي مخصص لتدفقات نهر دجلة بين بغداد وأنقرة، حيث وافق الرئيس التركي على زيادة المياه المتدفقة مؤقتًا لتعويض النقص. وفي إطار المنظور الجيوسياسي، تبقى هذه القضية نقطة حساسة مع تركيا وإيران، خصوصًا في ظل ارتفاع معدلات التوتر السياسي الإقليمي وتأثر النمو الاقتصادي بالموارد المائية.

 

وقد دفعت الشحّ المائي الحكومة العراقية إلى تبني مبادرات دولية لحماية الحوض المائي؛ فمثلاً أطلق العراق مبادرة لعقد «مؤتمر نهري» يحضّر لوضع استراتيجية إقليمية لحماية دجلة والفرات مستقبلاً. ومع ذلك، لا يزال العراق يفتقر إلى اتفاقات ملزمة مع جواره لضمان إمدادات مستقرة، ولهذا سيتطلب تخفيف الأزمة الجارية تعاونًا إقليميًا غير مسبوق لإدارة الموارد المائية العابرة للحدود، إضافة إلى إصلاحات داخلية ضخمة في الاستخدام والتوزيع.

 

التوقعات المستقبلية

يشير الخبراء والدراسات المناخية إلى أن العراق قد يواجه في العقود القادمة مزيدًا من شدة الجفاف وارتفاع الحرارة إن لم تتخذ تدابير استباقية جدية. ففي تقديرات رسمية عراقية، قد تنضب نهرا دجلة والفرات كليًا بحلول عام 2040 إذا استمرت «التوجهات الحالية» دون تغيير. ومن المتوقع أن تستمر موجات الحر والجفاف في التزايد، ما يزيد من خطر تدهور الأمن الغذائي والهجرة البيئية. ومع ذلك، تظل الآفاق قابلة للتعديل بالإصلاحات: يوضح خبراء أن تحسين كفاءة الري والزراعة ونقل تقنيات الزراعة الحساسة للجفاف، فضلًا عن تحديث البنية التحتية للمياه، قد يخفف من حدة التأثيرات على المدى المتوسط. 

 

في المحصلة، يواجه العراق معضلة مصيرية: فهو بحاجة إلى مواجهة تحدّيات المناخ بأسلوب كليّ يضم سياسات طويلة الأجل، تُوازن بين احتياجات السكان المتزايدة وحقوق الجميع في الوصول إلى الماء، وإلا فقد يضيق الخناق على حياة ملايين العراقيين واقتصاد البلد في المستقبل القريب.

 

أخبار مشابهة

جميع
بسبب خلل في البواية الشرقية.. العراق يفقد 70% من الإنترنيت منذ صباح اليوم

بسبب خلل في البوابة الشرقية.. العراق يفقد 70% من الإنترنيت منذ صباح اليوم

  • 25 تموز
صرح لحفظ إرث عملاق المنبر الحسيني.. ما لا تعرفه عن متحف ومركز العلامة الشيخ أحمد الوائلي

صرح لحفظ إرث عملاق المنبر الحسيني.. ما لا تعرفه عن متحف ومركز العلامة الشيخ أحمد الوائلي

  • 24 تموز
واقع متضارب وغامض.. العاملات الأجنبيات في العراق بين الانتهاك والاحتواء وغياب القوانين والضمانات

واقع متضارب وغامض.. العاملات الأجنبيات في العراق بين الانتهاك والاحتواء وغياب القوانين...

  • 24 تموز

شبكة عراقية اعلامية

  • الرئيسية
  • مقالات
  • فيديو
  • كاريكاتور
  • إنفوغراف
  • سياسة الخصوصية

جميع الحقوق محفوطة