ظاهرة تمزيق وحرق الصور في العراق.. كيف شقت طريقها في عالم السياسة وأصبحت أسلوبا للتصعيد؟ ومَن بدأها؟
انفوبلس/ تقارير
ظاهرة تمزيق وحرق الصور في العراق ظاهرة اجتماعية سياسية، لها جذورها في الثقافة العراقية، حيث ترتبط الصور برمزيات سياسية واجتماعية وثقافية مهمة. في الماضي، كانت الصور تُستخدم كرمز للسلطة والنفوذ، وكان تمزيق وحرق الصور تعبيراً عن رفض السلطة أو التنديد بها. أمّا الآن فقد استفحلت هذه الظاهرة بشكل كبير حتى باتت أسلوبا سياسيا للتصعيد. فمَن بدأها؟ وكيف توتر العراقيون بسببها لعشرين عاما؟.
*استفحال لافت في العراق
في العصر الحديث، أصبحت الصور تُستخدم أيضاً كرمز للانتماء السياسي أو الطائفي، وكان تمزيق وحرق الصور تعبيراً عن العداء أو الكراهية تجاه مجموعة معينة.
وفي العراق، استفحلت ظاهرة تمزيق وحرق الصور بشكل واضح في السنوات الأخيرة، وذلك في سياق الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في عام 2019، والتي كانت تهدف في بدايتها إلى المطالبة بالإصلاح السياسي ومكافحة الفساد قبل أن تتحول إلى وسيلة لتصفية الخصوم والتمهيد لإسقاط النظام بأكمله. حيث شهدت هذه الاحتجاجات، تمزيق وحرق صور العديد من السياسيين العراقيين، بمن فيهم رئيس الوزراء.
*أسباب الظاهرة
يدافع مرتكبو هذه الأفعال عن سلوكهم الذي يُصنف بـ "الشاذ" فهم يرون أن حرق الصور وتمزيقها ترجمة لتعبيرهم عن الرفض أو التنديد، حيث يزعمون أنهم يقدمون على تلك الأساليب للتعبير عن رفضهم أو تنديدهم بشخص أو مجموعة أو موقف معين. على سبيل المثال، تمزيق وحرق صور الشهيد قاسم سليماني وذلك إضغانا بجهات أخرى تختلف معهم.
ويكمل متبعو هذا السلوك، أن السبب الثاني للجوئهم إلى حرق الصور وتمزيقها يأتي للتعبير عن العداء أو الكراهية تجاه مجموعة معينة. على سبيل المثال، تمزيق وحرق صور المسيحيين في بعض المناطق العراقية ذات الأغلبية الشيعية من قبل جماعات تتبع تيار سياسي بارز منسحب من العملية السياسية ويعتبر مناصروه أول من بدأ بهذه السلوكيات.
ويؤكد مراقبون، أن وسائل الإعلام تلعب دورًا مهمًا في انتشار ظاهرة تمزيق وحرق الصور في العراق. حيث تُظهر هذه الممارسات في وسائل الإعلام بشكل متكرر، مما يساهم في ترسيخها في أذهان العراقيين.
وتعد ظاهرة تمزيق وحرق الصور ظاهرة خطيرة، لأنها قد تؤدي إلى العنف والاضطرابات الاجتماعية. كما أنها تساهم في انتشار الكراهية والعنف بين مختلف المكونات العراقية.
*توتر لـ 20 عاما
منذ عام 2003 إلى الآن، لعبت ظاهرة حرق وتمزيق الصور دورا كبيرا في إضفاء التوتر على المشهد السياسي والشعبي مجتمعين، حتى أصبحت هذه الظاهرة أسلوبا سياسيا للتصعيد خاصة وأن مرتكبيها يعمدون إلى استهداف صور الرموز الدينية أو الشهداء في حملاتهم.
وفي أوقات كثيرة، تسببت هذه الظاهرة بإثارة التوتر أو العنف والتي نتج عنها في كثير من الأحيان اندلاع أعمال شغب أو مواجهات بين مختلف المجموعات في المجتمع. وهو ما حدث مؤخرا في منطقة حي العامل عندما حاولت مجموعة مسلحة تتبع التيار السياسي المنسحب، إنزال صور قادة النصر وتمزيقها ورفعها من الشارع، لتصطدم بالقوات الأمنية التي رفضت هذه الخطوة كون رفع الصور يأتي تزامنا مع الذكرى الرابعة لاستشهاد القادة.
*التمزيق والانتخابات.. قصة أخرى
رغم أن ظاهرة حرق وتمزيق الصور لم تقتصر على مناسبة معينة إلا أنها استفحلت بشكل كبيرة خلال الانتخابات سواء البرلمانية أم المحلية ولاسيما بعد انسحاب التيار الصدري من العملية السياسية وقام بدعوة أنصاره إلى مقاطعة الانتخابات وعدم التثقيف لأي مرشح، الأمر الذي نتج عنه تمزيق العديد من صور المرشحين بل وحرق مكاتب العديد من الأحزاب لعل أبرزها حزب الدعوة الذي تم حرق مقره في ميسان قبيل انطلاق انتخابات مجالس المحافظات السابقة.
وتحولت عمليات تمزيق الدعايات الانتخابية في العراق، الى ظاهرة خطيرة تهدد العملية الديمقراطية، إذ يقوم بعض الأفراد أو الجماعات بتمزيق أو تخريب الدعايات الانتخابية لمرشحي الانتخابات.
وعادةً ما تتم هذه الظاهرة في الليل، حيث يقوم المخربون بتمزيق اللوحات الإعلانية أو الكتابة عليها بكلمات مسيئة، وقد تمتد هذه الظاهرة إلى الاعتداء على المرشحين أو مؤيديهم.
واعتقلت القوات الأمنية العراقية، عشرات المتهمين بتمزيق وتخريب اللوحات الإعلانية لمرشحي المجالس المحلية لمرشحي دولة القانون، وقوى مدنية مستقلة.
تفاقُم هذه الظاهرة لاسيما في الانتخابات المحلية الأخيرة، دفع القضاء الى التدخل وإصدار توجيهات بملاحقة المتورطين بهذا الفعل وفقا للقوانين النافذة.
ووجه مجلس القضاء الأعلى بملاحقة المتجاوزين على المنشورات الدعائية.
وتنص المادة 40 من قانون انتخابات مجالس المحافظات والأقضية "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد عن سنة كل من تعمد الاعتداء على صور المرشحين أو برامجهم الملصقة في الاماكن المخصصة لهم لحساب آخر أو جهة معينة بقصد الإضرار بهذا المرشح أو التأثير على سير العملية الانتخابية”.
*مَن يقف خلف هذه الفوضى؟
يقول الكاتب نعيم الخفاجي، إن "الذي يستهدف الشهداء من خلال حرق صورهم أو يقطع الطرق أو يمنع الطلاب من الدراسة أو يعمل فوضى هنا وهناك الأمر لم يكن عفويا أبدا وإنما ينفذ أوامر جهات استعمارية دولية تستهدف العراق بشكل عام وشيعة العراق بشكل خاص، وهذا ليس جديد على تاريخ البشرية فقد تحدث فلاسفة وعلماء اجتماع مثل ليون غوستاف في كتابه الشهير سيكولوجيا الجماهير وتحدث بشكل مفصل كيفية خروج الجماهير في أعمال فوضى يسيطر العقل الجمعي فيها وتصبح الإشاعة هي من تحرك الجماهير".