غلَيان تربوي بسبب سُلّم الرواتب.. إضراب شامل يهدد 28 ألف مدرسة في العراق!

انفوبلس/ تقارير
ساعات ويدخل الإضراب الشامل للمعلمين والمدرسين حيز التنفيذ، لا كوادر يومي الأحد والاثنين، توقيت حرج لكن لا رجعة عنه، هذا ما أعلنت عنه التنسيقية، المطالب متعددة لكن هدفها الأكبر تعديل سلم الرواتب، فهل تنتهي هذه الأزمة "على خير"؟ انفوبلس وتقرير شامل يستعرض هذا الملف منذ بدايته مع ردود فعل مختلفة عن إمكانية إجراء ذلك التعديل.
ما المقصود بقانون الخدمة المدنية؟ ولِمَ الإصرار عليه؟
قبل الحديث عن تفاصيل الإضراب الأخير للمعلمين في العراق، لابد أولاً من معرفة الأسباب التي قادت إلى هذه المرحلة والذي يأتي قانون الخدمة المدنية في مقدمتها، فما هو هذا القانون؟ ستشرحه انفوبلس بالتفصيل في قادم الأسطر، ثم ستشرح المقصود بسلم الرواتب وسبب المطالبة بتعديله، بعدها ستتناول آخر تطورات الإضراب وما الذي قرره مجلس الوزراء قبيل يوم من موعده الرسمي، قبل أن تختم بردود الفعل عن إمكانية إجراء هذا التعديل.
يعتبر قانون الخدمة المدنية، هو الإطار التشريعي الذي ينظم شؤون الموظفين العموميين، بما في ذلك التعيين، الترقية، الرواتب، والإجازات.
تم إصدار القانون رقم (24) لسنة 1960 ليشمل جميع الموظفين والمستخدمين في دوائر الحكومة الذين يتقاضون رواتبهم من الميزانية العامة أو ميزانية الأوقاف العامة، بالإضافة إلى موظفي الإدارة المحلية، مع استثناء ضباط الجيش والجنود .
تتكرر المطالبات بإقرار أو تعديل قانون الخدمة المدنية بسبب التفاوت الكبير في سلم الرواتب بين موظفي الوزارات المختلفة، فعلى سبيل المثال، يتقاضى موظفو بعض الوزارات رواتب أعلى بكثير مقارنة بموظفي وزارات أخرى، مما يؤدي إلى عدم المساواة والعدالة بين الموظفين، لذلك، يطالب الموظفون والناشطون بإقرار قانون جديد للخدمة المدنية يهدف إلى توحيد سلم الرواتب وتحقيق العدالة الاجتماعية بين جميع الموظفين في الدولة.
في هذا السياق، دعا بعض النواب إلى إعادة إرسال مشروع قانون الخدمة المدنية الاتحادي مع سلم الرواتب إلى مجلس النواب لإقراره، بهدف تحقيق المساواة والعدالة بين الموظفين في مختلف الوزارات والمؤسسات الحكومية .
ما هو سلم الرواتب؟
أما عن سلم الرواتب، فهو إحدى فقرات قانون الخدمة المدنية، وهو يُعد أيضا نظام أقره العراق عام 2008، وحدد قيمة الراتب الأساسي للموظفين، إلى جانب مخصصات إضافية تتباين بين وزارة وأخرى.
وتطالب شريحة واسعة من أصحاب الدرجات الصغيرة بإجراء تسويات تقلل الفوارق مع الموظفين الكبار.
إلا أن موظفين في وزارات إنتاجية مثل النفط، يتقاضون مخصصات خطورة وأرباحاً سنوية، وفقاً لصلاحية الوزير، وهؤلاء لا يضعهم سلم الرواتب بالمنزلة ذاتها مع موظفين في مؤسسات حكومية أخرى، غير أن التظاهرات تطالب بالمساواة بين الوظائف المكتبية، حتى وإن كانوا في النفط.
لماذا المطالبة بسلم الرواتب؟
يقول المطالبون بتعديل سلم الرواتب، إن "التعديل يحقق العدالة، وهو مطلب أساسي لشريحة كبيرة من الموظفين".
ويضيفون، إن "هناك تفاوتا كبيرا بين ما يتقاضاه الموظف بين وزارة وأخرى على الرغم من حصولهما على نفس الدرجة الوظيفية، وأن التظاهرات تعبّر عن سخط الموظفين من تسويف ومماطلة الحكومة لمطلب تعديل سلم الرواتب”.
ويؤكد المطالبون بتعديل سلم الرواتب أيضا، أن “هناك شريحة من الموظفين، رواتبهم الاسمية لا تتجاوز الـ170 ألف دينار، في حين أن موظفين في وزارات أخرى تتجاوز مرتباتهم الـ3 ملايين دينار".
إضراب شامل غدا وبعده
الخميس الماضي، أي قبل يومين، أعلنت اللجنة التنسيقية لإضراب المعلمين والمدرسين في العراق، أن موعد الإضراب العام سيكون يوم الأحد المقبل، ولا رجعة فيه.
وقال عضو اللجنة التنسيقية للإضراب علي رحيم في حديث له تابعته شبكة انفوبلس، إن الإضراب يهدف الى تحقيق المطالب المشروعة للمعلمين والمدرسين، مبيناً أن "من أهم المطالب شمول المعلمين والمدرسين بقانون الخدمة التربوية أسوة بقانون الخدمة الجامعية المعمول به في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وبمخصصات قدرها 100%".
وأضاف رحيم، إن "المطلب الآخر، يتمثل بشمول المعلمين والمدرسين بمخصصات تحسين المعيشة وقدرها 100 ألف دينار، وزيادة مخصصات المهنية بمبلغ قدره 150 ألف دينار، إضافة إلى رفع أجور النقل إلى 100 ألف دينار مع رفع مخصصات الزوجية إلى 100 ألف دينار أيضا ومخصصات الأطفال إلى 25 ألف دينار".
موقف نقابة المعلمين
بعد بيان التنسيقية أعلاه بقليل، أعلنت نقابة المعلمين العراقيين، عن عَقْدِ مجلسها المركزي يوم الأحد المقبل، جلسةً لمناقشة مطالب المعلمين والسعي لتحقيقها، كما أكدت أن يوم السبت (اليوم) سيشهد تحركًا لتنفيذ المطالب، على أن يتم الإعلان عن نتائجه لاحقًا.
وذكرت النقابة في بيان ورد لشبكة انفوبلس، أن "صوت المعلمين هو الأساس في المطالبة بالحقوق، وأنها لا تكتفي بالتضامن عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بل تواصل العمل بكل السبل لضمان تحقيق المطالب التربوية والتعليمية، بما يسهم في الارتقاء بالواقع التربوي وتحقيق الاستقرار".
وشددت النقابة على "أهمية الالتزام والتكاتف بين المعلمين، مؤكدة احترامها للمهنة ورسالتها، داعية الجميع إلى الإصرار على المطالب المشروعة بما يخدم مصلحة المعلمين والطلبة على حد سواء".
توقيت حرج
لقد صنّفت العديد من الأوساط الشعبية وبعض السياسية، ان تحشيد الكوادر التربوية من معلمين ومدرسين في مختلف المحافظات العراقية، للإضراب عن الدوام يومي الاحد والاثنين، جاء في توقيت حرج تزامن مع قرب الامتحانات النهائية، حيث من غير المعروف كم عدد المدارس التي ستشهد إضرابا فعليا من بين 28 ألف مدرسة في العراق.
وبالرغم من بيان النقابة آنف الذكر، إلا أن اللجان التنسيقية للمعلمين في مختلف المحافظات رفضت البيان الذي اعتبرته "محاولة تخدير المطالب"، فيما أكدوا أنهم ماضون في إضرابهم عن الدوام.
ولا يزال الأهالي في حيرة من أمرهم وما إذا سيُرسلون أبناءهم إلى المدارس غدا الأحد أم لا، حيث يوجد 12 مليون طالب في المدارس العراقية لمختلف المراحل الدراسية.
مطالب المعلمين والمدرسين
تتلخص مطالب المعلمين والمدرسين بـ"زيادة مخصصات المهنية المقطوعة من ١٥٠ ألف إلى ٣٠٠ آلف دينار أو إضافة مخصصات ٥٠ ٪ من الراتب الاسمي بقرار من مجلس الوزراء حسب ما جاء في قانون رواتب الموظفين لعام ٢٠٠٨".
كما طالبوا بتوزيع قطعة أرض مجانية لكل معلم ومدرس وموظف في وزارة التربية، فضلا عن تفعيل قانون حماية المعلم للحد من الاعتداءات المتكررة على الكوادر التربوية.
وتضمنت المطالب أيضا، مضاعفة الخدمة في المناطق الريفية والنائية لتشجيع الكوادر على الخدمة في المناطق الريفية لسد الشواغر المستعصية في تلك المناطق.
مجلس الوزراء يدرج مطالب المعلمين في جلسته المقبلة
بعد ذلك، أعلنت نقابة المعلمين العراقيين، اليوم السبت، أن مجلس الوزراء قرر إدراج مطالب النقابة ضمن جدول أعمال جلسته المقبلة المقرر انعقادها الثلاثاء الثامن من شهر نيسان/أبريل الجاري.
وذكرت النقابة في بيان ورد لشبكة انفوبلس، إن "نقيب المعلمين العراقيين عدي حاتم العيساوي، اجتمع اليوم مع وزير التربية إبراهيم نامس الجبوري، والأمين العام لرئيس مجلس الوزراء حميد الغزي، حيث قدم النقيب مطالب نقابة المعلمين التي تمثل هموم ومستحقات جماهيرها".
وأضافت، أن "المطالب ستتم مناقشتها في جلسة مجلس الوزراء يوم الثلاثاء الموافق 8 نيسان/أبريل الحالي، وبحضور نقيب المعلمين العراقيين".
وأشارت إلى أن "رئيس مجلس الوزراء سيلتقي بالمحافظين يوم غدٍ الأحد، لتفعيل طلب نقابة المعلمين العراقيين وموافقة رئيس مجلس الوزراء على إنشاء أحياءٍ سكنية خاصة بشريحة المعلمين في جميع المحافظات".
وأكدت النقابة استمرارها في "المتابعة الدقيقة لضمان تنفيذ هذه القرارات بعدالة وشفافية"، داعية جميع الكوادر التعليمية إلى "التكاتف والمشاركة الفاعلة في دعم خطوات الإصلاح التربوي".
إمكانية التعديل.. استعراض لأكثر من رأي
بعد معرفة القانون ومطالب المضربين، ستستعرض شبكة انفوبلس آراء سياسية مختلفة عن إمكانية تعديل سلم الرواتب، إذ أكد عضو اللجنة المالية جمال كوجر، أن “العدد الهائل للموظفين في العراق، جعل فتح ملف تعديل سلم الرواتب من الأمور الصعبة، لأنه سيكلف الدولة أموالا جديدة، لكنه حق من حقوق الموظفين بكل تأكيد”، مبينا أن “قانون سلم الرواتب من المفترض أن يراعي الحالة الاقتصادية والاجتماعية للموظفين، بالتالي من الضروري تعديله”.
بدوره قال معين الكاظمي، وهو عضو آخر في اللجنة المالية النيابية، إن “مجلس النواب يدعم تعديل سلم رواتب موظفي الدولة العراقية بما يضمن حفظ العدالة ما بين كافة الموظفين، وأن التعديل هو قانون منفصل عن قانون الموازنة وهو من اختصاص مجلس الوزراء وما زال قيد الدراسة والأعداد من قبل الجهات ذات العلاقة والاختصاص في الحكومة”.
قبل ذلك، أكد ، المستشار المالي لرئيس مجلس الوزراء مظهر محمد صالح ، أن قانون سلم الرواتب محال من مجلس الوزراء قبل سنوات، وأنه يحتاج الى توافق سياسي لتمريره”، معتبراً أن “القانون يناقش الرواتب باتجاهين الأول انصاف صغار الموظفين والمتقاعدين بزيادات تضمين الحدود الدنيا للمعيشة بشكل حصري فقط، والآخر هو تغيير الرواتب العالية باتجاه وضع حدود لها ولاسيما التي شرعت بعدد من القوانين بعد عام ٢٠٠٣ او الامتيازات التي تمنح للبعض دون الاخرين من الدرجة الوظيفية نفسها”.
إلى ذلك، أكد النائب مضر الكروي، أن المضي في قانون سلم الرواتب لا يمكن تحقيقه دون معالجة أكثر من 90 قانونًا يتعلق بمخصصات موظفي الوزارات والهيئات المختلفة.
وقال الكروي في تصريح صحافي تابعته شبكة انفوبلس، إن "سلم الرواتب يمثل سياقًا عادلًا ومنصفًا لجميع موظفي الدولة العراقية في الوزارات والمؤسسات والهيئات، لكنه يحتاج إلى توافق سياسي وإداري للمضي به، خاصة وأن هناك تشريعات عديدة يجب معالجتها قبل إقراره"، مشيرًا إلى أن "خلق سياق موحد يتضمن رواتب ومخصصات عادلة يستوجب وضع أسس واضحة تعتمد على المناصب والعناوين الوظيفية وسنوات الخدمة، بغض النظر عن طبيعة الوزارات والمهام".
وأضاف أن "تعقيد الملف يتطلب رؤية شاملة تمنع أي ارتدادات سلبية على المجتمع"، لافتًا إلى أن "العديد من الوزارات تمنح موظفيها مخصصات مالية مختلفة، ومعالجتها بشكل عادل يتطلب إجراءات استباقية لضمان تحقيق التوازن بين جميع الوزارات".
ميؤوس منه
في النهاية، يؤكد المحلل السياسي غالب الدعمي، أن “تعديل سلم الرواتب قضية ميؤوس منها، لأنها تتطلب زيادة راتب نحو 80 في المائة من موظفي العراق”، معتبراً أن التعديل “قضية سياسية”.
ويضيف الدعمي، أن “هناك تفاوت في الرواتب بين الوزارات، وحصل هذا بسبب إقرار وتشريع بعض القوانين التي منحت امتيازات خاصة لبعض المؤسسات والوزارات”.