فحص المخدرات ينتظر المعلمين والمدرسين وموظفي التربية.. انفوبلس تفصل القرار "الغامض"

انفوبلس/ تقرير
يدور الجدل في العراق خلال الأيام الماضية حول توجيه وزارة التربية بإلزام المعلمين والمدرسين والموظفين الجدد بإجراء فحص تعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية قبل المباشرة بالعمل، الأمر الذي أثار امتعاض الكوادر التدريسية وكذلك رفض نقابة المعلمين للآلية المعتمدة، فهل سيتم إجراء الفحص بعد "الضجة" الكبيرة أم التريث في القرار؟
وسبق أن حذّرت وزارة الصحة من تفشّي تعاطي المخدرات في البلاد، وانتشار مواد خطرة مثل الكريستال والحشيش والأفيون، ما يتطلب وضع خطط استراتيجية لمواجهتها، خصوصاً أنّ معظم التجار يستهدفون الشبان من طلاب الجامعات والمدارس.
*بداية القصة
في الثاني من شهر شباط/ فبراير الجاري 2025، أظهرت وثيقة صادرة عن المديرية العامة لتربية الرصافة في بغداد، المباشرة بإجراء فحص عدم تعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية لكافة الموظفين والمدرسين والمتعينين الجدد، بمبلغ 15 ألف دينار يدفعها الموظف.
وبحسب الوثيقة التي حصلت عليها شبكة "انفوبلس"، فإن هذا التوجيه جاء استنادًا إلى تعليمات مجلس الوزراء بضرورة إجراء الفحوصات الطبية للمعينين الجدد، كما حددت تكلفة الفحص بـ15 ألف دينار عراقي، ويتم إجراؤه في المراكز الطبية المعتمدة. كما موضح أدناه:
وأبدت الكوادر التدريسية امتعاضها من هذا القرار، معتبرةً إياه تشكيكًا غير مبرر في نزاهة المعلمين، ورأت فيه إساءة لرمزية المعلم ودوره في المجتمع، فيما تساءل البعض عن وجود مؤشرات أو إحصاءات تدعم هذا الإجراء، مشيرين إلى غياب أدلة واضحة على انتشار تعاطي المخدرات بين المعلمين، أو المدارس فقط.
بدوره، قال الخبير التربوي سعد الدراجي، "إن فرض فحص تعاطي المخدرات على المعلمين قبل المباشرة بعملهم يثير العديد من الإشكالات، إذ إنه يضع المعلم في موضع الاتهام دون أدلة واضحة على وجود مشكلة حقيقية تستدعي مثل هذا الإجراء، فالمعلم هو رمز للعملية التربوية، ولا يجوز التشكيك في نزاهته ومكانته بهذه الطريقة، خاصةً دون وجود مؤشرات وإحصائيات تثبت انتشار تعاطي المخدرات بين الكوادر التدريسية".
وأوضح الدراجي، أن "الجانب الأكاديمي ليس مسؤولًا عن انتشار المخدرات، بل إن هذه المسؤولية تقع على الجهات المختصة التي يمكنها اتخاذ الإجراءات المناسبة للحد من الظاهرة، ولا يمكن تحميل المؤسسات التعليمية وحدها عبء هذه المشكلة، فالأولى تعميم الإجراءات على جميع القطاعات والمؤسسات، لا أن يقتصر الأمر على المعلمين وحدهم".
وبحسب التوجيه، فإن تكلفة فحص المخدرات تبلغ 15 ألف دينار عراقي، وهو ما يضيف عبئا مالياً إضافيًا على المعلمين الجدد، الذين يجدون أنفسهم مطالبين بإجراء هذا الفحص كشرط أساسي للمباشرة بالعمل، بحسب مراقبين تحدثوا لشبكة "انفوبلس".
ويرى معلمون أن هذا الإجراء لا يقتصر على كونه شرطًا إداريًا، بل يمثل عبئًا نفسيًا أيضًا، حيث يشعر البعض بأنه يشكك في نزاهتهم وأخلاقياتهم دون وجود أدلة واضحة على انتشار الظاهرة بين الكوادر التدريسية.
وفي ظل الجدل المتصاعد حول قرار وزارة التربية بشأن فحص المخدرات للكوادر التربوية، أكدت نقابة المعلمين أن هناك التباساً في التعميم الصادر عن الوزارة، مشددة على رفضها للآلية الحالية التي تم اعتمادها لإجراء الفحص.
وقال نقيب المعلمين، عدي حاتم العيساوي، إن "النقابة خاطبت وزارة التربية حول تعميم فحص المخدرات للكوادر التربوية، وقد أوضحت الوزارة أن التعميم احتوى على خطأ مطبعي، والمقصود به المتعينون الجدد فقط"، مشير الى أن "الوزارة وجهت بتعديل الكتاب وتعميمه مجدداً على جميع مديريات التربية لحصر الفحص بالمعينين الجدد"، مبينا أن "بعض المديريات أصدرت كتباً مبهمة للمدارس، ما أثار جدلاً واسعاً".
وأكد، إن "نقابة المعلمين ترفض إجراء الفحص بهذه الآلية، وتطالب بأن يكون مقنناً، مقتصراً على الحالات الضرورية، وألا يتضمن دفع بدل مالي كما حددت الوزارة"، لافتا الى ان "النقابة تنتظر توضيحاً رسمياً من وزارة التربية بشأن هذه التوجيهات، وسيتضح قريباً ما إذا كان التعميم يستند إلى أمر ديواني سابق أم أن هناك مستجدات جديدة في هذا الملف".
لكن وزارة التربية نفت، أمس الأحد 9 شباط/فبراير 2024، قطع 15 ألف دينار من الملاكات التربوية. وذكرت الوزارة في بيان ورد لشبكة "انفوبلس"، إن "الأنباء التي تم تناقلها بشأن قطع 15 ألف دينار من الملاكات التربوية من أجل فحص المخدرات للموظفين عارية عن الصحة"، داعية الى "توخي الدقة في نقل المعلومة واعتمادها من المصادر الرسمية".
في بيان وزارة التربية الرسمي، لم يتم التطريق الى المزيد من التفاصيل التي كان تنتظرها نقابة المعلمين والكوادر التربوية، واكتفت بنفي قطع 15 ألف دينار، الامر الذي زاد من "غموض" القضية التي أثارت استياء كبيرا.
لكن المتحدث باسم وزارة التربية كريم السيّد قال، إن "فحص تعاطي المخدرات ليس من شأن وزارة التربية، بل هو قرار لجنة عليا، وإن إجراء لا يشمل موظفي وزارة التربية أو التربويين بل موظفي الدولة بكل اختصاصاتهم والوزارات التابعين لها". موضحاً، أن "وزارة التربية نفذت التوجيهات التي صدرت عن اللجنة العليا الخاصة، وأن ملف المخدرات موضوع صحي وليس ضمن الملفات التربوية".
من جانبه، قال محمد العلواني، الناشط العراقي المهتم بمحاربة المخدرات والكشف عن مصادرها، إن "فحص المخدرات لا بد أن يشمل جميع شرائح المجتمع العراقي وألا يقف عند جهة معينة، لأن المجتمع العراقي تأثر كثيراً بهذه الظاهرة القاتلة"، مؤكداً، أن "الفحص لا بد أن يشمل الموظفين وفي كل الوزارات والهيئات، وليس غريباً، بل من الطبيعي المطالبة بأن يتم فحص حتى الوزراء وأعضاء مجلس النواب، وحماياتهم، وألا يكون أي أحد أكبر من هذا الإجراء المهم".
*المخدرات في العراق
يصنف العراق خلال السنوات الأخيرة كمستهلك لتجارة المخدرات بعدما كان ممرا نشطا لها، لكن ما تعلنه الجهات الرسمية المعنية بهذا الملف من عمليات ضبط كبيرة يؤشر وجود استفحال للإدمان ونشاطا متزايدا لدخول الشحنات بشكل لافت.
40 ألف تاجر وحائز للمخدرات في قبضة الأمن
وأكد رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان الدكتور فاضل الغراوي مؤخراً، أن المديرية العامة لشؤون المخدرات وباقي المؤسسات الأمنية استطاعت القبض واعتقال (40) ألف شخص متورطون في جرائم المخدرات خلال الاعوام 2022 و2023 و2024.
وأضاف، أن مديرية شؤون المخدرات التابعة لوزارة الداخلية استطاعت من تفكيك (230) شبكة دولية ومحلية لتجارة المخدرات في العراق في الأعوام 2023و2024. كما يشير الى أنه ووفقا لإحصائيات مديرية شؤون المخدرات فإن عام 2022 شهد القبض على:
1- المعتقلون: تم القبض على حوالي 14,000 شخص بتهم تتعلق بالاتجار وحيازة المخدرات، من بينهم 123 تاجرًا أجنبيًا.
2- المواد المضبوطة: ضبطت السلطات نحو 18 مليون حبة مخدرة، وتم إتلاف خمسة أطنان من المخدرات.
في حين شهد عام 2023 القبض على:
1- المعتقلون: ارتفع العدد إلى 19,000 شخص متورط في قضايا المخدرات.
2- المواد المضبوطة: تم ضبط 12 طنًا من المخدرات، وإتلاف طنين و118 كيلوجرامًا، بالإضافة إلى حوالي 5 ملايين قرص مخدر.
في حين شهد العام 2024 القبض على:
1- وفقًا لإحصائيات المديرية العامة لشؤون المخدرات التابعة لوزارة الداخلية العراقية، تم خلال عام 2024 اعتقال ما يقارب 7,000 شخص متورطين في جرائم المخدرات، من بينهم 90 تاجر مخدرات دولي و221 تاجر مخدرات محلي.
2- المواد المضبوطة: أعلنت وزارة الداخلية عن ضبط أكثر من 1.5 طن من المواد المخدرة. و24 مليون قرص كبتاغون تقدر قيمتها 84 مليون دولار.
كما يبين رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان ان العراق خلال الأعوام الثلاثة الماضية شهد جهودًا مكثفة في مكافحة المخدرات، تمثلت في ضبط وإتلاف كميات كبيرة من المواد المخدرة والمؤثرات العقلية:
عام 2022:
• الكمية المتلفة: تم إتلاف حوالي 5,000 طن من المخدرات والمؤثرات العقلية.
• الأقراص المخدرة: إتلاف 54 مليون حبة مخدرة.
• أمبولات: إتلاف 31,000 أمبولة.
• قوارير: إتلاف 9,000 قنينة من المخدرات المختلفة.
عام 2023:
• الكمية المتلفة: إتلاف 2,118 كغم و386 غرامًا من المخدرات والمؤثرات العقلية.
• الأقراص المخدرة: إتلاف 4,934,132 قرصًا مخدرًا.
عام 2024:
• الكمية المتلفة: إتلاف 42,322,380 كغم و322 غرامًا و390 مليغرامًا من مجموعة مواد مخدرة ومؤثرات عقلية مختلفة.
• الأقراص المخدرة: إتلاف 772 قرصًا من مجموعة مواد مخدرة ومؤثرات عقلية مختلفة.
والإحصائيات تشير إلى أن مادة الكريستال هي الأكثر تعاطيًا في العراق بنسبة 37.3%، تليها الكبتاغون بنسبة 34.35%، بينما تشكل الأنواع الأخرى نسبة 28.35%.، بحسب الغراوي الذي طالب الحكومة بتعزيز التعاون الإقليمي والدولي، وتطوير برامج توعية وعلاج للمدمنين من خلال مصحات وفقا للمعايير الدولية، بالإضافة إلى تعزيز القدرات الأمنية لمواجهة التطورات المستمرة في أساليب التهريب والاتجار، وتعديل قانون مكافحة المخدرات من خلال تشديد العقوبات على تجار المخدرات. وإطلاق حملة توعوية حول مخاطر المخدرات إضافة إلى تبني الحكومة الاستراتيجة الوطنية لمكافحة المخدرات.
ويتضمن قانون المخدرات رقم 50 لسنة 2017 عقوبات تصل إلى الإعدام، حيث تنص المادة 27 على عقوبات قاسية منها "يعاقب بالإعدام أو المؤبد كل من يتورط بزراعة المخدرات والصناعة والاستيراد والتصدير"، أما فيما يخص تجارة المخدرات محلياً ما بين النقل والترويج فتنطبق عليها أحكام المواد 28 من القانون والتي تتضمن “عقوبات السجن المؤبد أو المؤقت".
وتعد المخدرات من أبرز التحديات التي تواجه المجتمع العراقي، لاسيما أن تجارتها توسعت بشكل خطير في الفترة الأخيرة، فيما توجد تحركات نيابية لتعديل قانون المخدرات، حيث سيتضمن القانون الجديد إجراءات مهمة على مستويات مختلفة تسعى لتشديد العقوبات على المتاجرين، وتعزيز البرامج العلاجية للمدمنين، إضافة لتحويله صفة المتعاطي من "مجرم" إلى "مريض" لأول مرة في تاريخ العراق.
وفي 12 آب/أغسطس الماضي، أعلن مكتب المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني (دام ظله)، عن حرمة تجارة وتعاطي المخدرات، داعيا إلى العمل على تطهير الأجهزة الأمنية من الفاسدين.
وفي أيار/ مايو الماضي، كان قد أعلن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أن حكومته ستتعامل مع قضايا المخدرات على أنها "تهديد إرهابي"، مؤكدا أنها "وضعت إستراتيجية وطنية مكثفة لمكافحة المخدرات للسنوات 2023-2025 ضمن خطة موسعة نحو عراق خال من المخدرات".