فضائح الفساد تتوالى في الانبار.. كيف سرق حزب تقدم 3000 قطعة أرض وما دور التسجيل العقاري؟
انفوبلس/ تقرير
بعد انتهاء عمليات التحرير وانطلاق الإعمار، أنهك الفساد محافظة الانبار وسيطر عليها الحزب الحاكم وتوالت الصفقات والفضائح، والتي كان آخرها ما كُشف عن استحواذ قيادات من حزب تقدم على 3 آلاف قطعة أرض سكنية تعود ملكيتها للدولة ومواطنين، فما قصة هذه الأرض وهل اتخذت هيئة النزاهة الإجراءات المناسبة؟
وعلى الرغم من وجود حالة الاستحواذ على أراضي الدولة في عموم البلاد تقريباً، إلا أن محافظة الأنبار ودون غيرها لها حصة الأسد بهذا الملف، ويمكن اعتبارها أكثر محافظة عراقية تم الاستيلاء على أراضيها من قبل سياسيين ومتنفذين على رأسهم رئيس البرلمان المخلوع محمد الحلبوسي ومحافظها السابق علي فرحان وغيرهم.
تشهد محافظة الأنبار، ارتفاعا كبيرا بأسعار الوحدات السكنية، حتى أصبحت عائقًا كبيرًا أمام المواطنين، خصوصًا ذوي الدخل المحدود، في تحقيق حلم امتلاك منزل، ووفقا لمختصين فإن "المضاربات" كان لها الدور الأبرز بهاذ الارتفاع.
*تفاصيل سرقة 3000 قطعة أرض
فتحت هيئة النزاهة الاتحادية، تحقيقا "موسعا" حول استحواذ قيادات من حزب تقدم على 3 آلاف قطعة أرض سكنية تعود ملكيتها للدولة ومواطنين في محافظةالانبار، بحسب مصادر رفيعة المستوى في المحافظة.
بحسب المصادر، فإن لجنة من هيئة النزاهة الاتحادية تحقق في ملف استحواذ قيادات من حزب تقدم على 3 آلاف قطعة أرض سكنية تعود ملكيتها الى الدولة بحجة عرضها كفرص استثمارية في مدينة الرمادي والمناطق المحيطة بها.
كما ستستدعي لجنة النزاهة عددا من موظفي دائرتي بلديات الانبار والتسجيل العقاري لتحقيق بملف سرقات جديدة لأراضي تعود ملكيتها للدولة، بحسب المصادر التي أكدت ان محافظ الانبار السابق علي فرحان الدليمي المحكوم سنة واحدة لتورطه بملفات فساد المتهم الرئيسي بملف سرقة أكثر من 120 دونما من الاراضي الزراعية تعود ملكيتها الى وزارة المالية.
وتؤكد المصادر – التي رفضت الكشف عن هويتها - أن الأيام القليلة المقبلة ستشهد صدور أوامر اعتقال بحق مسؤولين كبار في حكومة الانبار المحلية بتهمة اختلاس املاك تعود لوزارتي المالية والدفاع.
وفي هذا السياق، يؤكد المتحدث باسم الحراك الشعبي والعضو السابق في هيئة الاستثمار في محافظة الأنبار ضاري الدليمي، إن، الفساد في ملف عقارات الأنبار مسؤول عنه الحزب الحاكم في المحافظة، في إشارة الى حزب تقدم. من جانبهم حذر ناشطون في المحافظة من عملية استمرار استغلال المواطنين وبيع أراضي عليهم في مناطق لا تصلح للسكن.
ومنذ سنوات، تعاني المؤسسات في الانبار من الفساد المستشري فيما تؤشر توجه أصابع الاتهام نحو الأحزابالمهيمنة على المحافظة، حيث تشير الاحصائيات الى ان نسبة الفساد المالي والإداري في دوائر الدولة ومشاريع إعادة اعمار البنى التحتية المتضررة جراء العمليات الإرهابية في الانبار وصلت الى 80%.
وفي وقت سابق، اتهم القيادي في تحالف الانبار الموحد محمد دحام، رئيس مجلس النواب المبعد محمد الحلبوسي بالاستحواذ على الأراضي الزراعية حول محيط مطار الرمادي وتحويلها الى أراضي تابعة للبلدية، مشيرا الى ان تحويل تلك الأراضي سيهدد الواقع الزراعي بالمحافظة.
وقال دحام، أن "أتباع محمد الحلبوسي المتنفذين في محافظة الانبار قاموا بتحويل الأراضي الزراعية المحيطة بمطار الرمادي المزمع انشائه الى أراضي بلدية والمتاجرة بها"، مؤكدا ان "ما يزيد عن 3000 الاف قطعة ارض تم بيعها عن طريق مكاتب غير معروفة".
تُعد محافظة الأنبار من أكثر محافظات البلاد تعرضاً للفساد والنهب الممنهج الذي عاناه أهلها على فترات متعاقبة وبظروف جميعها كانت استثنائية وصعبة، إضافة إلى ذلك تعد من أقل المحافظات بمستوى حرية التعبير وذلك بسبب مستوى الديكتاتورية المرتفع فيها وسيطرة جهات معدودة على مقدرات المحافظة وأمنها وجميع ما يخصها في السنوات الأخيرة.
وسابقا، أعلنت هيئة النزاهة الاتحادية تنفيذها عملية "كبرى واستثنائية" بمديرية التسجيل العقاري في الأنبار وأسفرت عن القبض على مديرها و5 مسؤولين فيها بتهمة التلاعب والتزوير في أضابير تمليك عشرات الآلاف من الأراضي.
كما أشارت إلى التحرُّز على ما يقارب من 70 ألف إضبارة عقار تمّ تمليكها بصورة مخالفة للقانون، وضبط 400 هـوية مزورة تعـود إلى إحـدى النقابات ومخشلات ذهبيَّـة ثمينة، لافتة إلى، أن "مجموع الأموال المضبوطة ناهز مليوناً وستمائة ألف دولار وقرابة ستمائة مليون دينار".
وتتسبب ظاهرة الاستيلاء على الأراضي بالقوة والنفوذ الى تداعيات سلبية على المجتمع والاقتصاد اذ تؤثر على الثقة بين المستثمرين والمؤسسات، ما يقلل من الاستثمارات ويعرقل التنمية الاقتصادية، كما تتسبب في تشريد السكان وفقرهم، ما يزيد من عدم المساواة والتوترات الاجتماعية.
أزمة سكن وقفزة "قياسية" في أسعار عقارات الأنبار
وارتفاع أسعار الوحدات السكنية في محافظة الأنبار يعود إلى عدة أسباب رئيسة، أبرزها نقص التخطيط العمراني وزيادة الطلب على العقارات مقابل شح المشاريع السكنية الجديدة، بحسب الخبير الاقتصادي حسن علاء.
ويقول، إن "المضاربات العقارية واحتكار الأراضي من قبل بعض الجهات أسهمت بشكل كبير في تفاقم الأزمة"، مقترحا عددًا من الحلول لمعالجة هذه المشكلة، من بينها "تفعيل الرقابة على سوق العقارات، وزيادة المعروض من الوحدات السكنية من خلال دعم المستثمرين في قطاع الإسكان، بالإضافة إلى فرض ضرائب على الأراضي غير المستغلة للحد من الاحتكار".
ويؤكد على "أهمية وضع خطة استراتيجية طويلة الأمد لتنظيم السوق وتحقيق التوازن بين العرض والطلب بما يضمن استقرار الأسعار وتمكين المواطنين من امتلاك مساكن بأسعار معقولة".
وتتجاوز أسعار المتر المربع في المناطق التجارية وسط مدينة الرمادي عتبة الـ30 مليون دينار عراقي (نحو 25 ألف دولار)، بينما تنخفض في أطراف المدينة إلى نحو مليوني دينار (نحو 1500 دولار) وأقل في المناطق البعيدة.
يشار إلى أن الارتفاع الكبير في أسعار العقارات، يأتي بوقت يتراوح فيه متوسط دخل الفرد العراقي بين 400 إلى 500 دولار في الشهر، بحسب مسح نشر في 2022 لمنظمة العمل الدولية بالتعاون مع السلطات الحكومية، وهو ما ينفي إمكانية إقبال الطبقتين المتوسطة والفقيرة على شراء عقارات وصلت أسعار المتر الواحد فيها إلى آلاف الدولارات.
ووفقا لبيانات شركة "ستاتيستا" المختصة بالعقارات، فقد احتل العراق المركز الرابع عربيا بسوق العقارات خلال العام 2024 من بين 14 دولة، فيما تذيلت عمان والبحرين الجدول بسوق العقارات عربيا بـ325 مليون دولار بنمو متوقع 4 بالمئة، و85 مليون دولار بنمو متوقع 4 بالمئة على التوالي.
وتشهد محافظة الأنبار تفاقماً غير مسبوق في أزمة السكن، على الرغم من التوسع الكبير في إنشاء المجمعات السكنية الحديثة، حيث يواجه السكان صعوبات متزايدة في الحصول على وحدات سكنية مناسبة، نتيجة الارتفاع الخيالي في الأسعار، ما جعل امتلاك مسكن أو حتى استئجاره بعيداً عن متناول شريحة واسعة من المواطنين.
وتعزو مصادر محلية، تفاقم الأزمة إلى عدة عوامل، أبرزها الفساد وارتفاع الطلب على السكن نتيجة النمو السكاني وعودة الاستقرار النسبي إلى المحافظة، إلى جانب ارتفاع أسعار الأراضي ومواد البناء، كما أسهم غياب الرقابة الحكومية على السوق العقارية، في تمكين المستثمرين من فرض أسعار مرتفعة، حيث تركز أغلب المشاريع السكنية على الطبقات الميسورة دون الالتفات إلى احتياجات ذوي الدخل المحدود.