انتشار الهواتف بين القتلة في السجون العراقية مستمر.. قصة إعفاء مدير سجن التاجي ودلالات الحادثة
انفوبلس/ تقرير
انتشر مؤخرا فيديو مسرب من سجن التاجي في العاصمة بغداد إلى وسائل إعلام، تضمن ظهور أحد المعتقلين وهو يتحدث مع زملائه ويتباهى بنفسه وبهم، كما أنه أطلق تهديدات للحكومة العراقية. لتعلن وزارة العدل، إعفاء مدير السجن وعدد من معاونيه من مناصبهم، فما هي دلالات هذه الحادثة؟ وماذا كشفت؟ وهل هي المرة الأولى؟
ما زالت السجون العراقية تكتظ بالسجناء من المحكومين والموقوفين في بغداد والمحافظات الأخرى بتهم وجرائم مختلفة تنوعت بين الإرهاب والأعمال الجنائية، ويؤكد ناشطون بحقوق الإنسان وجود انتهاكات في هذه السجون.
*تفاصيل الفيديو المسرب
ظهر أحد المعتقلين في مقطع مرئي، وهو يتحدث مع زملائه، ويتباهى بنفسه وبهم، كما أنه أطلق تهديدات للحكومة، وقال إن "السجن ليس إصلاحياً بل سينقلب هؤلاء (المعتقلون) ضدكم". كما أظهر المقطع، جانباً من أوضاع السجن المزرية، إصلاحياً والاكتظاظ الحاصل فيه، وطبيعة الطعام الذي يتناوله المعتقلون.
وبعدها، أعلنت وزارة العدل أمس الجمعة، إعفاء مدير سجن التاجي في بغداد وعدد من معاونيه من مناصبهم، إثر تسريب هذا الفيديو من داخل السجن.
وشمل قرار الإعفاء – وفق بيان رسمي - إضافة إلى مدير سجن التاجي ومعاونيه، مسؤول الشؤون الداخلية والأمن، ومسؤول التصاريح الأمنية، كما أُحيلوا إلى التحقيق. كما وجه وزير العدل العراقي خالد شواني، بـ"اتخاذ الإجراءات القانونية، بحق المتورطين بإدخال الهاتف إلى السجن، وتحريك شكوى جزائية ضد النزلاء بتهمة تهديد أمن الدولة لمحاسبتهم وفق القوانين النافذة".
وتشهد السجون العراقية حالة مأساوية من المعاناة والتعذيب، حيث يعاني المعتقلون من ظروف قاسية تنتهك حقوق الإنسان، ويتعرضون – وفق نواب ومسؤولين - إلى التعذيب الجسدي والنفسي، وسط غياب الرعاية الصحية وتكدس الزنازين.
ويؤدي ذلك، إلى انتشار الأمراض والأوبئة، فضلاً عن حالات الوفاة التي يُعلن عنها بين الحين والآخر، كان آخرها ما حصل الأسبوع الماضي، لمنتسب أمني اعتُقل بتهمة المخدرات لكنه توفي في سجن الشعيبة بالبصرة.
*ليست الأولى
وفي العام 2023 أيضاً، انتشر فيديو مسرب من سجن التاجي في بغداد إلى وسائل إعلام، تضمن استغاثة السجناء من انتهاكات وُصفت بأنها لا أخلاقية ولا إنسانية تمارس بحقهم من إدارة السجن، وذلك من خلال إجبارهم على شراء المخدرات والهواتف النقالة بأسعار باهظة.
وهزت هذه الحادثة الرأي العام في العراق، وعلى إثرها قرر وزير العدل خالد شواني أيضا، إعفاء مدير السجن ومعاونيه وعدد من المسؤولين عن إدارته.
وثمة سؤال يعرض نفسه.. هل ستكون حادثة التاجي الأخيرة أم إن الانتهاكات ستستمر بسبب ضعف الرقابة على إدارات السجون؟
يُجيب عن هذا السؤال عضو مفوضية حقوق الإنسان السابق علي البياتي، الذي أكد أن الوضع في السجون كمَن يدور في حلقة مفرغة من حيث الانتهاكات المستمرة بدون حلول حقيقية مؤسساتية وبدون تنفيذ العدالة من خلال محاسبة الجناة وخلق أجواء فيها رقابة وشفافية لما يجري داخل هذه المواقع.
وقال البياتي مستغربا، هناك تستر على العديد من الانتهاكات في السجون وإهمال تقارير الجهات المختصة بحقوق الإنسان والمعنية بمراقبة السجون، في حين تقتصر الإجراءات الحكومية على إعفاء مسؤولين كردّ فعل، معتبرا أنه إجراء غير رادع. وحذر من وجود شبكة فساد كاملة بسبب الفساد المستشري في هذه المواقع.
ويرى البياتي، أن الحلول تكمن في أن تقوم المؤسسات بأدوارها، ويجب على البرلمان -وخاصة لجنة حقوق الإنسان فيه- استجواب المسؤولين عن هذه الأحداث والكشف عن طبيعة مجريات ما حدث، وكذلك تفعيل دور مفوضية حقوق الإنسان، وهي التي لديها صلاحيات لدخول السجون ومراقبة أدائها. وطالب القضاء بمحاسبة المتورطين بهذه الانتهاكات.
*الجانب القانوني
الى ذلك، يرى الخبير القانوني علي التميمي، إن "المعتقل إذا ارتكب جريمة داخل السجن فيُساءل عليها؛ إذ يجب أن يُطبق عليهم قانون مكافحة الإرهاب، باعتبارهم أطلقوا تهديدات للأمن المجتمعي".
وأوضح التميمي، أن "التحقيقات يجب أن تشمل جميع المتورطين، كحرس السجن، الذين يبدوا أنهم تواطأوا في الأمر، بشأن إدخال الهاتف، وكيفية حصل هذا الاختراق"، مشيرا الى أن "الهيئات الأخرى مثل مجلس النواب ومفوضية حقوق الإنسان، لديها الحق في فتح تحقيق خاص للوقوف على أسباب تلك الحادثة".
وأعلنت شبكة "عدالة السجون"، في تقريرها السنوي الأخير عن واقع حقوق الإنسان في السجون والإصلاحيات ومراكز الاحتجاز في العراق، أن السجون ومركز الاحتجاز في البلد، غير صالحة للحياة، كما أنها تعاني من مشكلات عدة.
ومن وجهة نظر عضو لجنة مكافحة الفساد الأسبق سعيد ياسين موسى، فإن الفساد صار مستحكماً في السجون بسبب غياب الرقابة الاستباقية، حيث أكد أن هناك مؤشرات على المتاجرة بالمخدرات وتحديدا الحبوب المخدرة، وتسويقها داخل السجون، كذلك إدخال الهواتف والشرائح وبطاقات الشحن وجرائم أخرى متنوعة تحدث داخل الردهات والزنازين، منوها إلى أن هناك حاجة ماسّة لإصلاح دائرة الإصلاح التي تدير السجون والمعتقلات في عموم البلاد.
جدير بالذكر أن الدستور العراقي ينص على تحريم الاعتقال غير القانوني وجميع أشكال التعذيب النفسي والجسدي والمعاملة غير الإنسانية، ويضمن الحق في المطالبة بالتعويض عن الأضرار المادية والمعنوية وفق المادة 37، في حين تجرّم المادة 333 من قانون العقوبات العراقي أعمال التعذيب، إذ تنص على أن يعاقب بالسجن أو الحبس كل موظف أو مكلف بخدمة عامة عذب أو أمر بتعذيب متهم أو شاهِد لحمله على الاعتراف بجريمة أو الإدلاء بأقوال أو معلومات، أو لكتمان أمر من الأمور أو لإعطاء رأي معين بشأنها، ويكون بحكم التعذيب استعمال القوة أو التهديد.
كما يجرّم قانون العقوبات استعمال القسوة، من قبل موظف أو مكلف بخدمة عامة إذا تسببت في معاناة شخص أو الإخلال باعتباره أو كرامته أو إحداث أَلم ببدنِه، وفق المادة 332.
ويُعتبر سجن أبو غريب ـ 30 كيلومتراً غربي بغداد ـ أكبر وأشهر سجون العراق، عقب الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، حيث ارتكبت قوات الاحتلال الأميركية جرائم تعذيب بشعة بحق سجناء عراقيين، وعُرفت منذ حينها بفضيحة سجن أبو غريب.
وتتجاوز الطاقة الاستيعابية للسجون في العراق الـ 300 بالمئة، في الوقت الذي ينفق فيه العراق 291 مليون دينار يومياً على الإرهابيين المحكومين بالإعدام على مدى السنوات الخمس الماضية، بحسب تصريحات حكومية.
وتقول وزارة العدل العراقية، إن عدد النزلاء يقدر بـ60 ألفاً، وهو يفوق بثلاث أضعاف الطاقة الاستيعابية لسجون الوزارة التي تُقدر بـ20 ألف نزيل.
ويحذر مراقبون من تداعيات اكتظاظ السجون العراقية التي تجاوزت قدراتها الاستيعابية 300 بالمائة، وحسب تقديرات آخرين إلى 400 بالمائة، لما لها من جوانب سلبية خطيرة على الصحة والسلامة البدنية والنفسية للنزلاء. ويعود هذا التكدُّس البشري -بحسب المراقبين- إلى استمرار عمليات الاعتقال والقبض على المخالفين للقانون، مع عدم حسم دعاوى الكثير من قضايا المعتقلين والإفراج عن الذين أكملوا مُدد محكوميتهم.
ويؤكد المراقبون، أن الحل الأمثل لتقليل الاكتظاظ هو بإقرار قانون العفو العام، وتشريع قانون العقوبات البديلة بدلاً عن العقوبات السالبة للحريات كما معمول بها في دول العالم، بالإضافة إلى بناء مدينة إصلاحية كاملة تضم السجون ومراكز الاحتجاز كافة، نظراً لقِدَم الأبنية الحالية وصِغر مساحتها.
في المقابل، دعا رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الانسان في العراق فاضل الغراوي مؤخرا، إلى إنشاء مدينة إصلاحية لمعالجة ملف اكتظاظ السجناء والموقوفين، فيما بيّن أن عدد المسجونين يصل الى 100 ألف سجين، وهو ما يشكل نسبة 300% من الطاقة الاستيعابية لبعض السجون وأماكن الاحتجاز.
وكانت "هيومن رايتس ووتش" وجّهت انتقادات شديدة للسلطات العراقية، نتيجة حالة "الاكتظاظ الشديدة في السجون والأوضاع المهينة للسجناء".
ويعاني نزلاء السجون في العراق، منذ سنوات طويلة، من تأخر الإفراج عنهم حتى بعد انتهاء مدد أحكامهم، بسبب الإجراءات الإدارية، الأمر الذي أدى ويؤدي إلى ازدحام شديد في السجون ومراكز التوقيف بأعداد من النزلاء تفوق طاقتها الاستيعابية.
وغالبا ما كان التبرير السائد للسلطات بشأن التعطيل المرافق لعمليات الإفراج، هو "تدقيق سجلات السجناء"؛ للتأكد من عدم وجود قضايا أخرى تخصهم في المحاكم، وأنهم غير مطلوبين أو مشتبه بهم أمنياً. وترتبط عمليات التأخير أيضاً بطريقة استخدام المخاطبات الورقية التقليدية "البدائية" بين الوزارات والمؤسسات ذات العلاقة، ما يؤدي إلى إطلاق سراح المنتهية محكومياتهم لفترات طويلة.
وثمة من يقول، إن بعض عمليات تأخير إطلاق السراح مرتبطة بقصة "الابتزاز ومحاولة الحصول على الأموال" من قبل ضباط ونافذين، لدفع أهالي السجناء الذين أكملوا مدد محكوميتهم إلى دفع الأموال، قبل عملية إطلاق سراحهم الأخيرة. ويتعارض كل ذلك مع أحكام الدستور والقانون، ويؤدي إلى مشاكل اجتماعية إلى جانب انتقادات عديدة كانت توجه للسلطات العراقية من قبل المنظمات والهيئات الحقوقية المحلية والدولية.
ويبلغ عدد السجون في عموم البلاد 30 سجنا، تضم قرابة 60 ألف سجين بين محكوم وموقوف بجرائم جنائية أو بقضايا "الإرهاب"، ومن بين السجناء 1500 امرأة و1500 سجين عربي، إضافة إلى سجن آخر فدرالي يُعرف بسجن "سوسة" في محافظة السليمانية ضمن إقليم كردستان العراق المرتبط بوزارة العدل الاتحادية.
*ماهي مرتبة العراق بمعدل السجناء؟
حلَّ العراق بالمرتبة 81 عالميًا بمعدل "السجن" بحسب الكثافة السكانية، وذلك من أصل 164 دولة حول العالم، فيما جاء بالمرتبة الثامنة عالميًا.
وبلغ معدل السجناء في العراق بواقع 126 مسجوناً لكل 100 ألف نسمة، وهذا يعني وجود قرابة 55 ألف سجين في سجون العراق، وهي قريبة للأرقام التي أعلنها وزير العدل.
وجاءت الولايات المتحدة الامريكية بالمرتبة الأولى عالميا بمعدل السجن البالغ 664 سجينا لكل 100 ألف نسمة، وبعدها تأتي السلفادور، تركمانستان، راوندا، كوبا، تايلاند، بنما، كوستا ريكا، أوروغواي، البرازيل.
أما عربياً فقد جاء العراق بالمرتبة التاسعة بمعدل السجن، بعد كل من المغرب، البحرين، السعودية، الأردن، تونس، الجزائر، الإمارات.