واقعة كركوك تُعيد ملف حوادث المرور في العراق.. ما الأرقام المسجلة خلال العام الجاري؟

انفوبلس / تقرير
شهد العام الجاري 2025، سلسلة من الحوادث المرورية أودت بحياة وإصابة عشرات الأشخاص، في استمرارٍ للأزمة المرورية التي قد تشهد ارتفاعاً جديداً في معدّلاتها السنوية، وآخرها ما حدث اليوم على طريق كركوك – أربيل ضمن ناحية التون كوبري. فما هي الإحصائيات المسجلة؟ ومن أكثر المحافظات تسجيلا للحوادث؟
تضم أغلب المحافظات طرقا غير صالحة للسير، وسُميت بـ"طرق الموت" بسبب الحوادث الكثيرة فيها والتي غالباً ما تؤدي إلى وفاة الكثير من الأشخاص، وذلك نتيجة للتخسفات وعدم وجود تخطيط أو حواجز فيها، وخاصة الطرق الدولية الرابطة بين المحافظات أو الأقضية.
حادثة كركوك
تفيد شرطة مرور كركوك، بمصرع شخصين في حادث سير مروع على طريق كركوك – أربيل ضمن ناحية التون كوبري. وذكرت الشرطة، إن "حادثاً مرورياً وقع قرب تقاطع كلور عندما فقد سائق سيارة حديثة السيطرة على مركبته بسبب السرعة الزائدة، مما أدى إلى انحراف السيارة عن الطريق واصطدامها بعمود حديدي مخصص للدلالة على الطريق".
وتوضح، أن "شدة الاصطدام تسببت بانشطار السيارة إلى نصفين، وأسفر الحادث عن مصرع السائق وشخص آخر كان برفقته في الحال". وتشير إلى أن "مفارز المرور حضرت إلى موقع الحادث لاتخاذ الإجراءات القانونية، فيما تم نقل جثتي الضحيتين إلى دائرة الطب العدلي في كركوك".
تقارير وزارة التخطيط أشارت إلى بلوغ عدد الحوادث المرورية خلال عام 2022، نحو 11,523 حادثاً، ما أسفر عن وفاة 3,021 شخصاً وإصابة 12,677 آخرين، وارتفع العدد في عام 2023 إلى 11,552 حادثاً، خلفت 3,019 وفاة و12,314 إصابة. وحتى منتصف عام 2024، تم تسجيل نحو 7 آلاف حادث مروري، نجم عنها أكثر من ألف وفاة وإصابة 4,360 آخرين، ما يؤكد أن طرق العراق باتت تمثل خطراً يهدد الحياة، وسط غياب واضح للمعالجات الجذرية.
وبحسب لشهادات مواطنين يعانون بشكل يومي من تردي الطرق وحوادث المرور المتكررة، فإن أسباب تكرار الحوادث تعود إلى سوء البنية التحتية، وقلة وسائل الإرشاد المروري على الطرق الخارجية، إلى جانب غياب الصيانة الدورية للطرق والمركبات على حد سواء.
الأرقام المسجلة
يقول مدير إعلام صحة محافظة ديالى، فارس العزاوي، إن عدد الحوادث المرورية المسجلة منذ مطلع عام 2025، يتجاوز 6 آلاف حادث، أسفرت عن إصابة 2,700 شخص، و320 وفاة. ويوضح أن "محافظة ديالى تُعد من أكثر محافظات العراق تسجيلاً للحوادث المرورية بسبب كثافة حركة السير على الطريق الدولي الرابط بين بغداد وإقليم كردستان العراق عبر قضاء الخالص وناحية العظيم، وتستقبل مستشفى القضاء يومياً ضحايا ومصابين من 6 إلى 7 حوادث".
يضيف العزاوي: "الفترة المسائية تشهد النسبة الأكبر من الحوادث بسبب استخدام الهواتف أثناء القيادة، وانتشار الدراجات النارية والمركبات التي يقودها أطفال، فضلاً عن سوء حالة الطرق. ارتفاع أعداد المصابين يتسبب في ضغط كبير على المستشفيات، والطواقم الطبية تواجه تحديات كبيرة في التعامل مع هذا العدد من الإصابات، وأحياناً يتم نقل المصابين إلى أقسام الطوارئ من دون فواصل زمنية كافية".
تعتبر مشكلة الحوادث المرورية في العراق من أبرز مسببات الخسائر البشرية التي شهدتها البلاد خلال السنوات الماضية، متقدمة في ضحاياها على ضحايا العمليات الإرهابية والعنف بعدة أضعاف.
من جهته، يؤكد مدير مستشفى الناصرية التعليمي بمحافظة ذي قار (جنوب)، مصطفى جلود، أنهم استقبلوا خلال شهر مارس/آذار الماضي وحده أكثر من 450 إصابة من جراء حوادث مرورية وقعت في مناطق متفرقة، ما يشكل ضغطاً كبيراً على الطاقة الاستيعابية للمستشفى.
وأشار جلود، إلى أن "أكثر من 200 إصابة سُجلت خلال أيام عيد الفطر، إذ شهدت المحافظة ارتفاع وتيرة الحركة المرورية، خاصة على الطرق السريعة والمداخل الرئيسية للمدن نتيجة كثرة الزيارات العائلية والتنقل بين المناطق. الكادر الطبي كان في حالة استنفار دائم خلال تلك الفترة، وعملت الفرق الطبية والتمريضية لساعات طويلة في محاولة لإنقاذ المصابين، والذين تنوعت حالاتهم بين كسور متعددة، ونزيف داخلي، وإصابات خطيرة، وبعض الحالات كانت تحتاج إلى تدخل جراحي فوري، أو التحويل إلى مراكز طبية أكثر تجهيزاً في ظل نقص الإمكانات المتوفرة".
ويوجد في العراق نحو 8 ملايين سيارة بحسب إحصائية كشف عنها رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الانسان، فاضل الغراوي، عام 2024، مطالباً باتخاذ إجراءات عاجلة لإيقاف استيراد السيارات لمدة خمسة سنوات، ومعالجة الاختناقات المرورية وإنشاء طرق حلقية وطرق دولية لاستيعاب هذا الكم الهائل من السيارات.
وفي هذا السياق، يقول عضو لجنة النقل النيابية، زهير الفتلاوي، إن "سبب الحوادث المرورية بحسب ما تم تشخيصه مؤخراً هو غياب تطبيق القانون والمحاباة في تنفيذه، فضلاً عن عدم تفعيل كاميرات المراقبة والغرامات المرورية على السرعة والتجاوز، والمحاسبة على إجازات السوق، حيث يلاحظ وجود أطفال يقودون السيارات في الشوارع".
ويؤكد الفتلاوي، أن "على شرطة المرور محاسبة المخالفات دون غض النظر عن بعض الحالات، وعدم تكليف شرطة العقود فوق طاقاتهم رغم رواتبهم القليلة، فقد تم تشخيص أن البعض من هؤلاء لصغر أعمارهم لا يستطيعون التعامل مع المخالفات المرورية، ما يتطلب حضور كوادر قديمة متمرسة معهم".
ويضيف، "كما أن رداءة تنفيذ الشوارع والمطبات والخسوفات تساهم في الحوادث المرورية، في ظل غياب قسم هندسة المرور الذي كان له دور في البلدية، لكن تم تحويله إلى مديرية المرور العامة التي تشكو من قلّة التخصيصات".
ويتابع الفتلاوي، "فضلاً عن وجود مخالفات في تصميم الشوارع الداخلية في الأحياء وغياب رؤية استراتيجية لها، خصوصاً وأن بعضها يقع أمام المدارس ما يتسبب بحوادث مرورية تخلّف ضحايا من الأطفال".
يُشار إلى أن البرلمان العراقي صوّت على قانون المرور الجديد في أيار 2019، والذي نصّ على مضاعفة الغرامات على السائقين ممن يرتكبون المخالفات المرورية، إلا أنه لم يطبق بشكل صحيح، ولم يُسهم بتحجيم ارتكاب المخالفات.
كما يُشير خبراء في مجال النقل، إلى أن أسباب حوادث المرور تعود إلى عدة عوامل، منها عدم التزام السائقين بقواعد وأنظمة المرور، وأبرزها السرعة المفرطة وغياب متطلبات السلامة، وكذلك عدم وجود علامات ودلالات مرورية واضحة، فضلاً عن قِدم الطرق وعدم تأهيلها وصيانتها بشكل جيد.
لكن مدير شعبة الإعلام في مديرية المرور العامة، العقيد حيدر شاكر، أكد أن "هناك انخفاضاً ملحوظاً في عدد الحوادث المرورية بعد استخدام التكنولوجيا الحديثة ونشر رادارات تحديد السرعة وخاصة على الطرق السريعة، ما أدى إلى انخفاض أعداد الوفيات والجرحى جرّاء هذه الحوادث".
ويدعو شاكر، سائقي المركبات إلى أهمية "الالتزام بالتعليمات المرورية والسرعة المحددة وتجنب استخدام الهاتف النقال أثناء القيادة الذي يؤدي إلى أغلب الحوادث المرورية". ويُذكر أن أهمية كاميرات المراقبة في خفض الحوادث المرورية أكدت عليه أيضاً وزارة الداخلية في إقليم كوردستان، في 13 آذار/مارس الماضي، حيث أوضحت أن نظام كاميرات مراقبة السرعة ساهم في تقليل حوادث المرور الخطيرة بنسبة لا تقل عن 50٪ خلال عام 2024، مما أدى إلى انخفاض كبير في الوفيات والإصابات الخطرة.
وكان وزير الداخلية عبد الأمير الشمري، قد أعلن في أيار الماضي، عن اتخاذ الوزارة العديد من الإجراءات لتطوير الأنظمة المرورية بهدف الوصول إلى نظام مروري متكامل يضاهي الأنظمة العالمية، من بينها نصب الرادارات والإشارات الذكية التي أسهمت في تخفيف الزخم والحوادث المرورية، مشدداً على أن الالتزام بالأنظمة المرورية أمر مهم جداً، مؤكداً العزم على نصب كاميرات ذكية في جميع مناطق البلاد للإسهام في تخفيف الزخم المروري وتقليل المخالفات.