الموت يغيّب الأديب والكاتب باسم عبد الحميد حمودي.. انفوبلس تستعرض سيرته الذاتية ورواياته التاريخية
انفوبلس/ تقرير
غيّب الموت، الباحث في التراث العراقي والناقد المعروف، باسم عبد الحميد حمودي، أحد أبرز الأسماء في مجال الأدب الشعبي والتراثي، عن عمر ناهز 87 عاماً، بعد مسيرة طويلة عكست خلالها أعماله اهتماماً كبيراً بالثقافة الشعبية والفلكلور ويُعد أبرز المختصين في دراسة الثقافة والتراث الشعبيَّين.
ويسلط تقرير شبكة "انفوبلس"، الضوء على السيرة الذاتية لعميد التراث الشعبي العراقي الكاتب باسم عبد الحميد حمودي ورواياته التاريخية
نعى الاتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق، أمس الجمعة 10 مايو/ أيار 2024، الناقد والباحث القدير باسم عبد الحميد حمودي. الاتحاد، الذي كان حمودي عضوًا فيه، ذكر في بيان ورد لـ"انفوبلس"، "ينعى الاتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق الناقد والباحث القدير باسم عبد الحميد حمودي، الذي فارق الحياة عن سبعة وثمانين عاماً من الإبداع، فجر الجمعة 10 أيّار 2024 في بغداد، بعد مسيرة حافلة بالعلم والثقافة والمنجزات، والبحث في مجال الفلكلور والتراث".
أما رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، فقد قال في بيان عن رحيله، إنه ينعى للنخب الثقافية العراقية، رحيل الشخصية الوطنية والثقافية، الباحث التراثي والناقد المعروف باسم عبد الحميد حمودي، أحد أعمدة التراث الشعبي، وخدم الثقافة العراقية باحثاً ومؤرخاً وناقداً، منذ الخمسينيات وحتى لحظة رحيله.
*من هو الأديب العراقي باسم عبد الحميد حمودي؟
الأديب والكاتب العراقي باسم عبد الحميد حمودي النعيمي، واحد من رواد الحركة الأدبية والصحفية العراقية، من مواليد 1937 في بغداد، حاصل على شهادة قسم التاريخ في كلية التربية عام 1960.
نشر أول مقالة عام 1954، وهو أحد أهم أركان النقدية العراقية التي انبثقت في القرن الماضي، فضلا عن كونه باحثا ومختصا بالتراث والفولكلور.
كما شغل حمودي منصب رئيس تحرير مجلة التراث الشعبي الصادرة عن دار الشؤون الثقافية العامة. فيما عمل خلال مسيرته الوظيفية مدرّساً ورئيس تحرير مجلات الأقلام والثقافة الاجنبية وسكرتير تحرير مجلة الرواد ورئيس قسم النشر في دار الشؤون الثقافية العامة، وانتُخب أيضاً أميناً عاماً لرابطة التراث الشعبي للكتّاب العرب.
حمودي ألّف الكثير من الكتب، وخاصة في الأدب الشعبي الذي اختص به، منها "السيرة الشعبية والذات العربية" و"القضاء العُرفي عند العرب: معجم المصطلحات" و"الناقد وقصة الحرب: دراسة تحليلية" وكذلك "عادات وتقاليد الحياة الشعبية العراقية" و"محمود العبطة فولكلوري عراقي يرحل" و"أنا عاطل وقصص أخرى" و"الوجه الثالث للمرأة".
أصدر الكاتب كذلك "الوجه الثالث للمرآة" و"تغريبة الخفاجي عامر العراقي" و"ديوان الأقلام" و"رحلة مع القصة العراقية" فضلا عن كتب "شارع الرشيد" و"في دراما قصيدة الحرب: تنويع نقدي على قصيدة الفاو" و"في تفاصيل الحدث: الهامش في التاريخ العراقي"، إضافة إلى "سحر الحقيقة: شخصيات وكتب ودراسات في التراث الشعبي" و"حالة نصف الدائرة" و"ميريل ستريب".
نشر الكثير من الدراسات التراثية في مجلة التراث الشعبي والعديد من المجلات العربية المتخصصة. كما أن الراحل هو عضو في الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق وأنتج العديد من الدراسات القيمة التي أسهمت في إثراء المكتبة العربية بشكل عام، والعراقية على وجه الخصوص.
كما حاز جائزة الإبـداع في النـقـد الادبـي من العراق، وميدالية التراث الشعبي من لبنان وجامعة المنصورة، وتكريم وزارة الثقافة الأردنية عام 1990، حيث قام بتحكيم جائزة الدولة الأردنية في حقل التراث الشعبي.
وواصل الباحث والأديب الراحل عمله الصحافي منذ عام 2003 وحتى عام 2018 في صحيفة "المدى"، وواظب على نشر مقالات أسبوعية حتى أيامه الأخيرة في صحيفة "الصباح".
وتحدثت مقربون منه، بالقول إن الأديب باسم عبد الحميد حمودي النعيمي، الذي رحل ببغداد لم يكن مجرد كاتب أو باحث وناقد وروائي، فهو بالإضافة الى كل هذا كان معلماً لأجيال من الكتّاب، علمنا ماذا تعني الكتابة، وكيف علينا أن نهتم بدقة وأناقة القصة الصحفية، وبناء البحث، والاهتمام بالكتابة عن الفلكلور العراقي وأهميته كونه أهم باحث في هذا المجال، بل هو مَن شدّنا الى السرد الشعبي ونبّهنا إليه باعتباره جزءاً مهماً من ثقافتنا العراقية. فهو من أبرز الكتّاب المهتمين في مجال الثقافة الشعبية والفلكلور والدراسات التراثية، وارتبطت مؤلفاته بدراسات الحياة الشعبية والعادات والتقاليد، مستفيدًا من تنقله المستمر بين المدن التي عمل فيها مدرّساً.
*آخر نتاجاته الروائية "الباشا وفيصل والزعيم"
في روايته "الباشا وفيصل والزعيم" يَنصب الأديب باسم عبد الحميد حمودي محاكمة الحاضر للزمن الماضي، بحضور مؤرخَين؛ عراقي ولبناني، وباستدعاء السفير البريطاني زمن قيام ثورة 14 يوليو/ تموز 1958، وهي الانقلاب الذي أطاح بالمملكة العراقية الهاشمية.
عدد من النقاد اعتبروا أن هذه الرواية واحدة من الروايات التي استخدمت الفنتازيا أسلوبا ودمجت الواقعية بالخيال للكشف عن أحداث العراق في العقود الأولى من القرن الماضي أيام تأسيس الدولة في العهد الملكي وما حصل من تغيرات في ما أُطلق عليه ثورة عبد الكريم قاسم.
قال الراحل عن روايته إنها محاولة لتقديم "الخفي من تاريخ العراق القريب عن طريق بناء روائي جديد"، ويوضح أن هذا التاريخ الذي عايشه وعاصره "لا بد أن يحتاج إلى طريقة لمزج الخيال بالواقع عن طريق الأسلوب الفنتازي"، مشيرا إلى أنه جعل الخصوم "يتقابلون في الرواية باعثاً إياهم من دار الخلود إلى الفكرة".
واعتبر أن هذه الطريقة تأتي "بهدف محاكمتهم عما حصل في تلك الفترة وما قدموه للتاريخ سواء بالسلب أو الإيجاب".
وأضاف حمودي، إن الرواية "تبدأ محاكمة لقادة العهدين الملكي والجمهوري في قاعة العرش"، وتابع أنه جعل "الملك فيصل الثاني يوجّه كلامه للزعيم عبد الكريم قاسم ويقول له "لماذا فعلت ذلك؟ هل نستحق ميتة كالتي حدثت؟".
وتابع، أن فكرة الرواية تقوم كذلك "على إدانة القتل الوحشي للخصوم السياسيين من أجل تغيير مسار الحياة السياسية المدنية بالقوة".
وأشار إلى، أنه إضافة إلى الإدانة واستحضار الشخصيات، فإنه قام "بتوظيف المؤرخين أمثال عبد الرزاق الحسني وحنا بطاطو للتدخل بين المتحاورين، وهم الباشا نوري السعيد والملك الشاب والسفير البريطاني، وبحضور مثقفين كبار أمثال عبد الملك نوري وفؤاد التكرلي"، بمعنى أن الرواية ليست "سيرة عن حياة العائلة المالكة بل هي إدانة ومحاكمة لما حصل، والذي تسبب بكل ما نحن فيه في الزمن الراهن".
يقول الناقد مؤيد البصام عن الرواية، إنها "تروي بروح الفنتازيا تاريخ ما حدث، ولكن ليس تحليلا أو استنتاجا من حوادث التاريخ فحسب، وإنما من خلال أبطالها الذين شاركوا فعلياً في إدارة الحوادث".
ويضيف، إنها رواية "جمعت الأعداء والخصوم لطرح وجهات نظرهم بما حدث، ومحاكمة بعضهم بعضا"، ويرى أنه في هذا الأسلوب "تكمن المسألة الأساسية في عملية السرد".
ويقول البصام، إن الروائي "أدار المتن الحكائي للقصة سردياً، وجعل المبنى الحكائي يحرّك الحافز ويبقي التواصل غير منقطع لسرد تاريخي"، مؤكدا أن حمودي أدار الحبكة "بحنكة وسيطرة، حين لجأ إلى مخيال تقنية الاجتماع من دون الخصومة للمتخاصمين، في أهم مواقع بغداد التاريخية"، معتبرا ذلك "مهارة إبداعية وجعل الحوار السمة الأساس في العملية السردية".
ويرى أن الروائي "جعل المبنى يشكل بقوة الحافز للمتن الحكائي، من دون أن يفرض علينا آراءه أو النتائج التي وصل إليها، إنما تركها لتحليل المتلقي"، مشيرا إلى إنه تناول مأساة قتل العائلة المالكة كونها "الحكاية التي شغلت الشعب العراقي، وما زالت مدار الحديث في كلّ حدث يحدث".
فيما يقول الناقد حسن الموسوي، إن هذه الرواية "من الروايات التاريخية التي اعتمدت على جمع شخصيات لعبت دورا بارزا في تاريخ العراق الحديث من أجل إجراء حوارات بينها للوصول إلى الحقيقة التي يريد الروائي الكشف عنها".
ويرى أن مثل هذا اللقاء "من المستحيل تحقيقه لولا الخيال الخصب للروائي المتسلّح بمقولة يجوز للشاعر ما لا يجوز لغيره".
ويعتبر الموسوي أن هذه "من أصعب أنواع الروايات لأنها تقيد الروائي الذي يتطرق إلى حقبة زمنية معينة بالمكان الحقيقي والزمان وأسماء الشخصيات والعادات والتقاليد التي كانت سائدة دون تجاوزها أو القفز عليها".
لكنه يستدرك أن الثيمة التاريخية وحدها "لا تصنع نصاً روائياً"، وأن الروائي "تعامل معها بحنكة وتفرَّد بالأسلوب"، وقال إن الرواية خلصت إلى "الدور المشبوه الذي لعبته بريطانيا عبر سفيرها في بغداد السير همفري تريفليان".